الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القائلون بأنهما كانا بالروح
وذهب بعض أهل العلم إلى أنهما كانا بروحه- عليه الصلاة والسلام ونسب القول به إلى السيدة عائشة- رضي الله عنها وسيدنا معاوية- رضي الله عنه ورووا في هذا عن السيدة عائشة أنها قالت: «ما فقدت «1» جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أسري بروحه» وهو حديث غير ثابت، وهّنه القاضي عياض في «الشفا» «2» سندا ومتنا، وحكم عليه الحافظ ابن دحية بالوضع، ومما يضعف هذا الأثر ويرده أن السيدة عائشة لم تكن حينئذ قد دخل بها النبي، فإن من المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبن بها إلا بعد الهجرة، وإن خطبها قبلها بسنة، وقيل بسنتين، ويرد ذلك أيضا أن الثابت عنها أنها كانت تنكر على من يقول: أن محمدا رأى ربه ليلة المعراج، وتستدل بايات من الكتاب الكريم على حسب اجتهادها وفهمها، فلو كانت ترى هذا الرأي الذي نسبوه إليها زورا لكان أقرب شيء في ردها على من يقول بالرؤية أن تحتج عليهم بأن المعراج لم يكن بجسده، ولكن لم ينقل عنها أنها احتجت بذلك.
وأيضا فإن ما روي عن معاوية غير صحيح، وهو حين الإسراء والمعراج لم يكن أسلم بعد، ولو سلمنا ما نسب إليهما- جدلا- فظواهر القران والسنة الصحيحة ترده.
القائلون بأنهما كانا مناما
وأبعد من هذا القول قول من ذهب إلى أنهما كانا في المنام، ويستدلون لذلك بقوله تعالى:
وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ
…
«3» .
(1) روي «فقدت» مبنيا للمعلوم، وهي أدل على الوضع، وروي «فقد» بالمبني للمجهول.
(2)
ج 1 ص 156، 157 ط عثمانية.
(3)
الاية 60 من سورة الإسراء.
وقالوا: إن الاية تشير إلى الإسراء والمعراج، والرؤيا إنما تطلق على المنامية لا البصرية.
وليس أدل على ردّ استدلالهم بهذه الاية من قول ابن عباس في تفسيرها:
«هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، والشجرة الملعونة شجرة الزقّوم» رواه البخاري في صحيحه «1» ، والترمذي، والنسائي في سننهما. ومراد ابن عباس- برؤيا العين- جميع ما عاينه صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به من العجائب السماوية والأرضية.
وابن عباس هو حبر الأمة، وترجمان القران، ومن أعلم الناس بالعربية، وكان إذا سئل عن لفظ من القران ذكر له شاهدا من كلام العرب، فكلامه حجة في هذا، والرؤيا كما تطلق على المنامية تطلق على البصرية أيضا.
ومن شواهد ذلك من كلام العرب الذين يحتج بكلامهم قول الراعي يصف صائدا:
وكبّر للرؤيا وهشّ فؤاده
…
وبشّر قلبا كان جما بلابله
على أن بعض المفسرين يرى أن الاية نزلت عام الحديبية بسبب رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل المسجد الحرام، وعلى هذا فلا تكون الاية دليلا لهم قط، ولكن الصحيح هو الأول.
وأيضا لو كان الإسراء والمعراج في المنام لم يكن فيهما شيء يستعظم، ولما بادر كفار قريش إلى تكذيب الرسول والتعجب مما قال، ولما ارتد بعض ضعفاء الإيمان «2» . إذ كثير من الناس يرون في منامهم مثل ذلك، فيرى الرائي أنه ذهب إلى أقصى المعمورة، أو صعد إلى السماء، فاستبعادهم لذلك ومسارعتهم إلى تكذيب النبي عقب إخباره لهم من أظهر الأدلة على أنهم فهموا من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنهما كانا في اليقظة لا في المنام.
(1) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة بني إسرائيل (الإسراء) - باب وما جعلنا الرؤيا
…
(2)
قلت: لم يثبت.