الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السّابع حالة العالم قبل البعثة
لقد أتى على العالم حين من الدهر فسدت فيه العقائد، وانتشرت الوثنية، وانتكست فيه الأخلاق، وسادت فيه الجهالات والخرافات، وعم التقليد حتى كادت تتعطل فيه ملكة العقل والتفكير، وتغيّرت فيه القيم الخلقية والمعاني الإنسانية، وأهدر فيه الكثير من حقوق الإنسان، وتغلبت فيه قوى الشر والبغي والضلال على دعاة الحق والخير والهدى، وساد العالم ألوان من الترف والإغراق في الملذات والشهوات، سواء في ذلك البيئات المتحضرة أم البدوية.
ذلكم الحين هي الفترة التي سبقت ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبعثته. فقد كانت أحوال العالم الدينية، والاجتماعية، والأخلاقية، والسياسية على أسوأ ما تكون، حتى إن أعظم المتفائلين كان يشك في أن يكون لهذا الفساد إصلاح!!
الأحوال الدينية
فمن وثنية في شبه الجزيرة العربية وغيرها، إلى عبادة للشمس والكواكب في بلاد سبأ، وبابل، وكلدانيا، وغيرها، ومن مجوسية في بلاد فارس وما جاورها، إلى ثنوية تقول بإله النور وإله الظلمة، إلى صابئة ليس لهم دين، ومن برهمية وعبادة للحيوان ولا سيما البقرة في بلاد الهند وما جاورها، إلى بوذية تقوم على تأليه بوذا وعبادته في بلاد الصين وما جاورها، ومن يهودية محرّفة مبدلة يزعم أهلها أن عزيرا ابن الله، إلى نصرانية مثلّثة «1» في بلاد الروم وغيرها، حتى بلاد
(1) كان النصارى فرقا، ففرقة تقول: الله ثالث ثلاثة. قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ
…
الاية 73 من سورة المائدة.
اليونان، ومصر الفرعونية كانت تسودها الوثنية، وتعدد الالهة، وعبادة الحيوان مع أنها مهد الحضارة، وهكذا نرى أن توحيد الله وعبادته واحده أمر يكاد يكون معدوما في الأرض. وإليك ما قاله مولانا محمد علي في كتابه «حياة محمد» عن النصرانية التي كانت أكثر الديانتين: اليهودية، والنصرانية انتشارا في ذلك الوقت قال:
(وكان عيسى أقرب الأنبياء إلى الرسول محمد عليه السلام من وجهة النظر الزمنية، وطبعي أن يتوقع المرء أن يجد في الديار النصرانية على الأقلّ بعض اثار الفضيلة والأخلاق، ولكن كيف كانت حالة النصرانية في ذلك العهد؟
فلنرجع إلى شهادات الكتاب النصارى أنفسهم في هذا الموضوع، فقد رسم أحد الأساقفة صورة لتلك الأيام فقال:«إن المملكة الإلهية كانت في اضطراب كلي، بل إن حالة جهنمية حقيقية كانت قد أقيمت على سطح الأرض نتيجة للفساد الداخلي» . وقد عالج السير (وليم موير) هذا الموضوع فانتهى إلى النتيجة نفسها، قال:
«وفوق هذا فقد كانت نصرانية القرن السابع نفسها متداعية فاسدة، كانت معطلة بعدد من الهرطقات المتنازعة، وكانت قد استبدلت بإيمان العصور الوسطى السمح صغارات الخرافة وصبياناتها» تلك صورة للنصرانية تمثل وضعها العام، كانت عقيدة واحدة الذات الإلهية قد احتجبت منذ عهد بعيد، وكانت عقيدة التثليث قد أدت إلى نشوء تعقيدات متعددة، وتنافست الفرق والهرطقات المختلفة في قدح زناد الفكر لتفسير هذه العقيدة، وأدّى ذلك إلى إنشاء جمهرة من المؤلفات أبعدت الإنسان عن هدف الدين الحقيقي.
- وفرقة تقول إن الله هو عيسى ابن الله، قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ
…
الاية 17 من سورة المائدة. وفرقة ثالثة تدّعي ألوهية عبد الله عيسى وأمه مريم، قال تعالى: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قالَ: سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ، إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ
…
الاية 116 من سورة المائدة. وتكاد تكون عقيدة التثليث اليوم هي السائدة بين المسيحيين.