الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنكر ما في حديث شريك من أوهام أيضا الأئمة: الخطابي، وابن حزم، والقاضي عياض، والنووي وغيرهم «1» .
وقد اختلف في أي سنة كانا؟ وفي أي شهر؟
فذهب البعض إلى أنهما كانا قبل الهجرة بسنة، وإلى هذا ذهب الزهري وعروة بن الزبير وابن سعد، وادعى ابن حزم الإجماع على هذا، وقيل قبل الهجرة بسنتين، وقيل بثلاث.
والذي عليه الأكثرون والمحققون من العلماء أنهما كانا في شهر ربيع الأول، وقيل في ربيع الاخر، وقيل في رجب، وهو المشهور بين الناس اليوم، والذي تركن إليه النفس بعد البحث والتأمل أنهما كانا في شهر ربيع الأول في ليلة الثاني عشر منه أو السابع عشر منه.
وقد ذكر ابن كثير في «البداية والنهاية» أثرا عن جابر وابن عباس- رضي الله عنهما يشهد لذلك، قالا:
«ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر» ثم قال: «وقد اختاره الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي في سيرته، وقد أورد هنا حديثا لا يصح سنده ذكرناه في فضائل شهر رجب: أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين منه والله أعلم» .
شبه المنكرين للإسراء والمعراج، والرد عليها
تكاد تنحصر شبه المخالفين في الإسراء والمعراج بالجسد في استبعاد الذهاب من مكة إلى بيت المقدس، ثم الصعود إلى السماوات العلا، ثم الرجوع من حيث أتى في جزء من الليل.
وفي أن القران الكريم لم يذكر المعراج كما ذكر الإسراء، وفي أن المعراج يترتب عليه الخرق والالتئام في الأفلاك والسماوات وذلك مستحيل.
(1) الإسراء والمعراج للمؤلف ص 48، 49.
وفي أن الطبقة الهوائية المحيطة بالكرة الأرضية محدودة بثلاثمائة كيلومترا تقريبا، فمن جاوزها صار عرضة للموت المحقق لعدم وجود الهواء الذي لا بدّ منه للحياة.
وهي شبه لا تثبت أمام البحث العلمي الصحيح.
فالإسراء والمعراج أمران ممكنان عقلا أخبر بهما الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في القران الكريم المتواتر، وفي الأحاديث الصحيحة المشهورة، فوجب التصديق بوقوعهما، ومن ادّعى استحالتهما فعليه البيان وهيهات ذلك، وكونهما مستبعدين عادة لا ينهض دليلا ولا شبه دليل على الاستحالة، وهل المعجزات إلا أمور خارقة للعادة كما قال العلماء؟ ولو أن كل أمر لا يجري على سنن العادة مئنّة للإنكار لما ثبت معجزة نبي من الأنبياء.
ثم ما قول المنكرين لمثل هاتين المعجزتين فيما صنعه البشر من طائرات نفاثة، وصواريخ جبارة تقطع الاف الأميال في زمن قليل؟ فإذا كانت قدرة البشر استطاعت ذلك أفيستبعدون على مبدع البشر وخالق القوى والقدر أن يسخر لنبيه «براقا» يقطع هذه المسافة في زمن أقل من القليل؟! ولست أقصد بهذا أن الإسراء والمعراج من جنس ما يقدر عليه الناس، فحاشا لله أن أريد ذلك، وإنما أردت تقريبهما لعقول من ينكرونهما بما هو مشاهد ملموس، فمهما تقدمت العلوم وغزو الفضاء فلا يزال الإسراء والمعراج ايتين ظاهرتين للنبي صلى الله عليه وسلم.
وأما شبهة أن المعراج لم يذكر في القران كما ذكر الإسراء فيدفعها ما قدمته من أن المعراج وإن لم يذكر في القران صراحة فقد أشير إليه فيه، ولو سلمنا عدم ثبوته بالقران فلا ينبغي أن يكون ذلك سببا للإنكار، فما الأحاديث إلا مبينة للقران، وشارحة له، ومتممة له، وهي الأصل الثاني من أصول التشريع في الإسلام، ومعرفة الحلال والحرام، والحق من الباطل، والهدى من الضلال، وإثبات الايات والمعجزات، ولو أننا قصرنا الدين ومسائله على القران الكريم فحسب لفرّطنا في كثير من الأحكام والاداب، والايات، والمعجزات الدالة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما شبهة أن المعراج يترتب عليه الخرق والالتئام- وهو مستحيل- ففكرة قديمة عفى عليها الزمان، وأبطلتها النظريات العلمية الحديثة، فقد انتهى بحث العلماء إلى أن الكون في أصله كان قطعة واحدة، ثم تناثرت أجزاؤه، وانفصل بعضها عن بعض حتى غدا من ذلك العالم كله: علويه وسفليه.
وأعتقد أن هذه الشبهة أضحت غير ذات موضوع بعد التقدم العظيم، والخطوات الواسعة التي خطاها العلماء الكونيون في غزو الفضاء، والتنقل بين الأجواء، والدوران حول الأرض والقمر، وها هم اليوم جادون في الوصول إلى إنزال إنسان على وجه القمر، ومن يدري؟ فلعلهم بعد الوصول إلى القمر يفكرون في الوصول إلى غيره من الكواكب السيارة، ولا ندري ماذا سيتمخض عنه الغد إن شاء الله تعالى.
وإني لأنتهز هذه المناسبة لأؤكد أننا معشر علماء الإسلام الفاهمين للإسلام، والواعين لأصليه: القران والسنة، نرحب بتقدم العلوم والمعارف الكونية، وأننا ندعو إلى الازدياد من هذه العلوم، لأننا على يقين أن تقدم العلوم والكشوف الكونية لا يزيد الإسلام إلا قوة، والقران الكريم والسنة النبوية الصحيحة إلا ثباتا ورسوخا، واقتناعا للعقل والعلم بهما.
وكيف لا نرحب ولا ندعو وهذا قول الحق تبارك وتعالى نقرؤه صباح مساء، ونعتقد صدقه وحقّيته، قال عز شأنه:
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)«1» .
بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.
وإذا جاز لأناس عاشوا في أزمان ماضية لم تتقدم فيها العلوم الفلكية والكونية استبعاد الإسراء والمعراج، فلا يجوز ذلك قط ممن عاش في عصرنا،
(1) الاية 53 من سورة فصلت.