الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحيفة فيها صدر سورة (طه) يقرئهما إياها، فلما سمعوا صوت عمر اختفى خباب في البيت، وأخذت فاطمة الصحيفة، فوضعتها تحت فخذها، وكان عمر قد سمع حينما قرب من البيت قراءة خباب عليهما، فقال: ما هذه الهينمة «1» التي سمعت؟ قالا له: ما سمعت شيئا. قال: بلى- والله- لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه، وبطش بختنه سعيد بن زيد وبرك عليه، فقامت أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها، فضربها فشجها حتى سال منها الدم، فلما فعل ذلك قالا له: نعم قد أسلمنا، وامنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك!!
من لحظات التجلّي الإلهي
فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، وارعوى، وأدركته لحظة من لحظات التجلّي الإلهي على خلقه فخشع قلبه، وسكنت جوارحه، وهدأت نفسه، وتحوّلت العرامة والشراسة إلى هدوء وسكينة، فقال لأخته:
أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأونها انفا، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان عمر قارئا كاتبا- فلما قال ذلك قالت له أخته: إنما نخشاك عليها، قال: لا تخافي، وحلف لها ليردّنها إليها إذا قرأها، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخي إنك نجس على شركك وإنه لا يمسها إلا الطاهر، فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة، وفيها:
طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (4) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «2»
ويروى أنه قال: لما قرأت «بسم الله الرحمن الرحيم» ذعرت، ورميت بالصحيفة من يدي، ثم رجعت إلي نفسي فأخذت الصحيفة، وأنه كلما مر باسم من أسماء الله ذعر!!
(1) صوت الكلام الذي لا يتبين.
(2)
صدر سورة طه، ويروى أنه كان بالصحيفة أيضا صدر سورة الحديد، وسورة التكوير.
فلما قرأ صدرا منها حتى بلغ قوله تعالى:
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) .
فقال: ما ينبغي لمن يقول هذا الكلام أن يعبد معه غيره، ما أحسن هذا الكلام وأكرمه!!
فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له: يا عمر- والله- إني لأرجو أن يكون الله خصّك بدعوة نبيه، فإني سمعته أمس وهو يقول:«اللهم أيّد الإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب» فالله الله يا عمر، فقال له:
فدلني يا خباب على محمد حتى اتيه فأسلم، فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا معه فيه نفر من أصحابه، فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله فنظر من خلل «1» الباب، فراه متوشحا السيف، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع، فقال: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف، فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائذن له» فأذن له الرجل، ونهض له رسول الله حتى لقيه، فأخذ بمجامع حجزته «2» ، أو بمجمع ردائه، ثم جبذه «3» به جبذة ارتعد منها عمر وجلس، وفي رواية: فما تمالك أن وقع على ركبتيه «4» ، وقال له:«ما جاء بك يا ابن الخطاب» ؟ فو الله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة» «5» فقال عمر: يا رسول الله جئت لأؤمن بالله ورسوله، وبما جاء من عند
(1) شق الباب.
(2)
موضع شد الإزار.
(3)
جذبه.
(4)
هذا يدل على ما كان يمتاز به رسول الله صلى الله عليه وسلم من القوة البدنية، وعظمة الشخصية، فضلا عن القوة العقلية والنفسية.
(5)
داهية.