الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ لَبِسَ، أَوْ تَطَيَّبَ، أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ نَاسِيًا، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ. وَعَنْهُ، عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
ــ
الخاطِئَ، ولأنَّ الأصلَ بَراءَةُ ذِمَّتِه، فلا يَشْغَلُها إلَّا بدَلِيل، ولأنَّه محظورٌ بالإحرامِ لا يَفْسُدُ به، فَفُرِّقَ بينَ عَمده وخَطَئِه، كاللُّبْسِ. ووَجْهُ الأُولَى قَوْلُ جابِرٍ رَضِىَ الله عنه: جَعَل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الضَّبُعِ يَصِيدُه المُحرِمُ كَبْشًا. وقال عليه السلام، في بَيضِ النَّعامِ يُصِيبُه المُحرِمُ:«ثَمَنُه» . ولم يُفَرِّقْ بينَ العَمدِ والخَطإِ. رَواهما ابنُ ماجه (1). ولأنَّه ضَمانُ إتْلافٍ، فاسْتوَى عَمده وخَطَؤُه، كمالِ الآدَمِىِّ.
1230 - مسألة: (وإن لَبس، أو تَطَيَّبَ، أو غَطَّى رَأْسَه ناسِيًا، فلا كَفّارَةَ فيه. وعنه، عليه الكَفَّارَةُ)
أنها إذا لَبِس، أو تَطَيَّبَ، أو غَطَّى رَأْسَه عامِدًا، فإنَّ عليه الفِديَةَ بغيرِ خِلافٍ عَلِمناه؛ لأنَّه تَرَفَّه بمَحْظُورٍ في إحرامِه عامِدًا، فأشْبَهَ حَلْقَ الشَّعَرِ. ويسْتَوِى في ذلك قَلِيلُ الطِّيبِ
(1) الأول أخرجه ابن ماجه في: كتاب جزاء الصيد يصيبه المحرم، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1031. كما أخرجه أبو داود، في: باب في أكل الضبع، من كتاب الأطعمة، سنن أبي داود 2/ 319. والثاني تقدم تخريجه في صفحة 292.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكَثِيرُه، وقَلِيلُ اللُّبْسِ وكَثِيرُه. وبه قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا بتَطْيِيبِ عُضْوٍ كامِلٍ، وفى اللّباسِ بلباس يَوْم ولَيْلَةٍ، ولا شئَ فيما دُونَ ذلك؛ لأنَّه لم يَلْبَسْ لُبْسًا مُغتادًا، أشْبَة ما لو ائْتزَرَ بالقَمِيصِ. ولَنا، أنَّه مَعْنًى حَصَل به الاسْتفتاعُ بالمَحْظُورِ، فاغتُبِر بمُجَرَّدِ الفِعْلِ، كالوَطْءِ، أو مَحْظُورٌ فلا تَتَقَدَّرُ فِدْيَتُه بالزَّمَنِ، كسائِرِ المَحْظُوراتِ، وما ذَكَرُوه مَمْنُوعٌ؛ فإنَّ النّاس يَخْتَلِفُون في اللُّبْسِ في العادَةِ، وما ذَكَرُوه تَقدِيرٌ، والتَّقْدِيراتُ بابُها التَّوْقِيفُ، وتَقدِيرُهم بعضْوٍ ويوم ولَيْلَةٍ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ، وأمّا إذا ائْتزَرَ بقَمِيصٍ فليس ذلك بلُبْسِ مَخِيطٍ، ولذلك لا يَحْرُمُ عليه وإن طال، والمُخْتَلَفُ فيه مُحَرَّمٌ لُبْسُه.
فصل: ويَلْزَمُه غَسْلُ الطِّيبِ، وخَلْعُ اللِّباسِ؛ لأنَّه فِغلٌ مَخظُورٌ، فلَزِمَتْه إزالَتُه وقَطعُ اسْتِدامَتِه، كسائِرِ المَحْظوراتِ. والمُسْتَحَبُّ أن يَسْتَعِينَ في غَسْلِ الطِّيبِ بحَلالٍ؛ لئَلَّا يُباشِرَ المُخرِمُ الطيبَ بنَفْسِه.، كان وَلِيَه بنَفْسِه، فلا بَأْسَ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال للذى عليه طِيبٌ:«اغْسِلْ عَنْكَ الطِّيبَ» (1). ولأنَّه تارِكٌ له. فإن لم يَجِن ما يَغْسِلُه به مَسَحَه بخِرْقَةٍ، أو حَكَّهُ بتُرابٍ أو غيرِه؛ لأنَّ الذى عليه أن يُزِيلَه حَسَبَ الإِمْكانِ، وقد فَعَلَه.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 139.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان معه ماءٌ، وهو مُحْتاجٌ إلى الوُضُوءِ، والماءُ لا يَكْفِيهما، غَسَل به الطِّيبَ، وتَيَمَّمَ للحَدَثِ؛ لأنَّه لا رُخْصَةَ في إبْقاءِ الطِّيبِ، وتَزكُ الوُضُوءِ إلى التَّيَمُّمِ رُخْصَةٌ، فإن قَدَر على قَطْعِ رائِحَةِ الطِّيبِ بغيرِ الماءِ، فَعَل، وتَوَضَّأ؛ لأنَّ المَقْصُودَ مِن إزالَةِ الطِّيبِ قَطْعُ رائِحَتِه، فلا يَتَعَيَّن الماءُ، والوُضُوءُ بخِلافِه. فإن لَبِس قَمِيصًا وسَراوِيلَ وعِمامَةً وخُفَّيْن كَفاه فِديَةٌ واحِدَةٌ؛ لأنَّ الجَمِيعَ لُبْسٌ، فأشْبَهَ الطِّيبَ في رَأسِه وبَدَنِه. وفيه خِلافٌ ذَكَرْناه فيما مَضَى (1).
فصل: فأمّا إن فَعَل ذلك ناسِيًا، فلا فِديَةَ عليه. هذا ظاهِرُ المَذْهبِ. والجاهِلُ في مَغنَى النّاسِى. وهذا قولُ عَطاءٍ، والثَّوْرِىِّ، وإسْحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ. قال أحمدُ: قال سُفْيانُ: ثَلَاثَةٌ في الحَجِّ العَمْدُ والنِّسْيانُ سَواءٌ؛ إذا أتُى أهْلَه، وإذا أصابَ صَيْدًا، وإذا حَلَق رَأْسَه. قال أحمدُ:
(1) انظر ما تقدم في صفحة 141.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا جامَعَ أهْلَه بَطَل حَجُّه. لأنَّه شئٌ لا يَقْدِرُ على رَدِّه، والصَّيْدُ إذا قَتَلَه، فقد ذَهب لا يَقْدِرُ على رَدِّه، والشَّعَرُ إذا حَلَقَه فقد ذَهب، فهذه الثَّلاثَةُ، العَمْدُ والخَطَأُ والنِّسْيانُ فيه سَواءٌ. وكلُّ شَئٍ مِن النِّسْيانِ بعدَ الثَّلاثَةِ فهو يَقْدِرُ على رَدِّه، مثلَ إذا غَطَّى المُحرِمُ رَأسَه، ثم ذَكَر، ألْقاه عن رَأْسِه وليس عليه شئٌ، أو لَبِس خُفَّا، نَزَعَه، وليس عليه شئٌ. وعنه رِوايَةٌ أْخْرَى، أنَّ عليه الفِديَةَ في كلِّ حالٍ. وهو مَذْهبُ مالكٍ؛ واللَّيْثِ، وأبي حنيفةَ؛ لأنَّه هتَك حُرمَةَ الإحرامِ، فاسْتَوَى عَمدُه وسَهْوُه، كالحَلْقِ والتَّقْلِيمِ. ولَنا، عُمُومُ قَوْلِه عليه السلام:«عُفِىَ لأمَّتِى عَنِ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وروَى يَغلَى بنُ أُمَيَّةَ، أنَّ رجلًا أتَى النبىَّ صلى الله عليه وسلم، وهو بالجِعرانَةِ، وعليه جُبَّةٌ، وعليه أثر خَلُوقٍ، أو قال (1): أثر صُفْرَةٍ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، كيف تَأْمُرُنى أن أصْنَعَ في عُمرَتِى؟ قال:«اخْلَعْ عَنْكَ هذه الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ عَنْكَ أثَرَ الخَلُوقِ - أو قال: أثَرَ الصُّفْرَةِ- وَاصنَغ في عُمرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ في حَجِّكَ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). وفى لَفظٍ، قال: يا رسولَ اللهِ، أحْرَمْتُ بالعُمرَةِ وعلىَّ هذه الجُبَّةُ. فلم يأْمُرْه بالفِدْيَةِ، مع مَسْألَتِه عَمّا يَصنَعُ، وتَأْخِيرُ البَيانِ عن وَقْتِ الحاجَةِ غيرُ جائِزٍ، دَلَّ على أنَّه عَذَره لجَهْلِه. والنّاسِى في مَعناه. ولأنَّ
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 139.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحَجَّ عِبادَةٌ يَجِبُ بإفْسادِها الكَفّارَةُ، فكانَ في مَحْظُوراتِه ما يُفَرَّقُ فيه بينَ عَمْدِه وسَهْوه، كالصَّوْمِ. وأمّا الحَلْقُ وقَتْل الصَّيْدِ فهو إتْلاف، ولا يُمْكِن تَلافِيه. إذا ثَبَت ذلك، فإنَّه متى ذَكَر فعليه خَلْعُ اللِّباسِ وغَسْلُ الطيِّبِ في الحالِ، فإن أخَّرَ ذلك عن زَمَنِ الإمْكانِ، فعليه الفِدْيَةُ؛ لأنَّه تَطَيَّبَ ولَبِس مِن غيرِ عُذْرٍ، فأشْبَة المبْتَدِئَ. وإن مَسَّ طِيبًا يَظُنُّه يابِسًا، فبان رَطْبًا، ففيه وَجْهَان؛ أحَدُهما، عليه الفِدْيَةُ؛ لأنَّه قَصَد مَسَّ الطِّيب. والثّانِى، لا فِدْيَةَ عليه؛ لأنَّه جَهِل تَحْرِيمَه، فأشْبَة مَن جَهِل تَحْرِيمَ الطّيِبِ. وإن طُيِّبَ بإذْنِه فعليه الفِدْيَة؛ لأنَّه مَنْسُوبٌ إليه. فإن قِيلَ: فلِمَ لا يَجُوز له اسْتِدامَة الطيِّبِ ههُنا، كالذى تطَيَّبَ قبلَ إحْرامِه؟ قُلْنا: ذلك فِعْلٌ مَنْدُوبٌ إليه، فكانَ له اسْتِدامَته، وههُنا هو مُحَرَّمٌ، وإنَّما سَقَط حُكْمُه بالنِّسْيانِ والجَهْلِ، فإذا زالا ظَهَر حُكْمه، وإن تَعَذَّرَ عليه إزالتُه لإكْراهٍ أو عِلَّةٍ، ولم يَجِدْ مَن يُزِيلُه، فلا فِدْيَةَ عليه، وجَرَى مَجْرَى المُكْرهِ على ابْتِداءِ الطِّيبِ. وحُكْمُ الجاهِل إذا عَلِم حُكْمُ النّاسِى إذا ذَكَر، وحُكْمُ المكْرَهِ حُكْمُ النّاسِى؛ لأنَّه مَقْرون به في الحديثِ الدّالِّ على العَفْوِ. ويُسْتَحَبُّ له أن يُلبِّىَ إذا فَعَل ذلك؛ اسْتِذْكارًا للحَجِّ، واسْتِشْعارًا بإقامَتِه