الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنِ اضْطرُّ إِلَى أكلِ الصَّيْدِ، أوِ احْتَاجَ إِلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ، فَلَهُ فِعْلُهُ، وَعَلَيْهِ الْفِدَاءُ.
ــ
يُمْكِنُه التَّحَرُّزُ منه، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يَجِبُ جَزاؤه؛ لأنَّه أتْلَفَه لِنَفْعِ نَفْسِه، فضَمِنَه، كالمُضطَرِّ يَقْتُلُ صَيْدًا يَأْكُلُه. والثّانِي، لا يَضْمَنُه؛ لأنَّه اضْطَرَّه إلى إتْلافِه، أشْبَهَ الصّائِلَ عليه.
1209 - مسألة: (ومَنِ اضْطُرَّ إلى أكْلِ الصَّيْدِ، أوِ احْتاجَ
(1) إلى شئٍ مِن هذه المَحْظُوراتِ، فله فِعْلُه، وعليه الفِداءُ) إذا اضْطُرَّ إلى أكْلِ
(1) في م: «واحتاج»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّيْدِ، أُبِيحَ له ذلك، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه؛ لقَوْلِه سُبْحانَه:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (1). وتَرْك الأكْلِ مع القُدْرَةِ عندَ الضَّرُورَةِ، إلْقاءٌ بيَدِه إلى التَّهْلُكَةِ. ومتى قَتَلَه لَزِمَه ضَمانُه، سَواءٌ وَجَد غيرَه أو لم يَجِدْ. وقال الأوْزاعِيُّ: لا يَضْمَنُه؛ لأنَّه مُباحٌ، أشبهَ صَيْدَ البَحْرِ. ولَنا، عُمُومُ الآية، ولأنَّه قَتَلَه مِن غيرِ مَعْنى حَدَث مِنَ الصيدِ يَقْتَضِي قتلَه، فضَمِنَه كغيرِه، ولأنَّه أتلَفَه لدَفْع الأَذَى عن نَفْسِه، لا لمَعْنى منه، أشْبَهَ حَلْقَ الشَّعَرِ لاذى برَاسِه. وكذلك إنِ احْتاجَ إلى حَلْقِ شَعَرِه للمَرَض أو القَمْلِ [أو قَطْع](2) شَعَرِه لمُداواةِ جُرْح أو نحوِه، أو تَغطِيَة رَأَسِه، أو لُبْس المَخِيطِ، أو شئٍ مِن المَحْظُوراتِ، فله فِعْلُه، كما جاز حَلْقُ رَأْسِه للحاجَةِ، فإن فَعَلَه فعليه الفِدْيَةُ؛ لأن الفِدْيَةَ تَثْبُتُ في حَلْقِ الرَّأْسِ للعُذْرِ؛ للحاجة، وحديثِ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، وقِسْنا عليه سائرَ المَحْظُوراتِ.
(1) سورة البقرة 194.
(2)
في م: «وقطع» .
فَصْلٌ: السَّابع، عَقْد النِّكَاحِ لا يَصِحُّ مِنْهُ. وَفِي الرَّجْعَةِ رِوَايَتَانِ. وَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِ في شَيءٍ مِنْهُمَا.
ــ
فصل: قال الشَّيْخُ، رحمه الله:(السّابع، عَقْدُ النِّكاحِ لا يَصِحُّ منه. وفى الرَّجْعَةِ رِوايَتان. ولا، فِدْيَةَ عليه في شئٍ منهما) لا يَجُوزُ للمُحْرِمِ أن يَتَزَوَّجَ لنَفْسِه، ولا يَكُونُ وَلِيًّا في النِّكاحِ، ولا وَكِيلاً فيه، ولا يَجُوزُ تَزْوِيجُ المُحْرِمَةِ. رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ، وابْنِه، وزَيْدِ بنِ ثابِتٍ، رضي الله عنهم. وبه قال سعيدُ بن المُسَيَّب، وسُلَيْمانُ بنُ يسارٍ، والزُّهْرِىُّ، والأوْزاعِيُّ، ومالك، والشافعىُّ. وأجازَه ابنُ عباسٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو قول أبِي حنيفةَ؛ لِما روَى ابنُ عباس، أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَزَوجَ مَيْمُونَةَ وهو مُحْرِمٌ. مُتفَقٌ عليه (1). ولأنَّه عَقْدٌ يَمْلِكُ به الاسْتِمْتاعَ، فلم يُحَرِّمْه الإحْرامُ، كشِراءِ الإماء. ولَنا، ما روَى عثمانُ بنُ عَفانَ، رَضىَ الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَنْكِح المُحْرِمُ، وَلا يُنْكِحُ، وَلا يَخْطُبُ» . رَواه مسلمٌ (2). ولأنَّ الإحْرامَ يُحَرم الطِّيبَ، فيُحَرِّم النِّكاحَ، كالعِدَّةِ. فأمّا حديثُ ابن عباس، فقد روَى يزيدُ بن الأصَمِّ، عن مَيْمُونةَ،
(1) أخرجه البخارى، في: باب تزويج المحرم، من كتاب المحصر وجزاء الصيد، وفي: باب عمرة القضاء. . . .، من كتاب المغازي. صحيح البخارى 3/ 19، 5/ 181. ومسلم، في: باب تحريم نكاح المحرم. . . .، من كتاب النكاح. صحيح مسلم 2/ 1031، 1032.كما أخرجه أبو داود، في: باب المحرم يتزوج، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 427. والتِّرمذيّ، في: باب ما جاء في الرخصة في ذلك (تزويج المحرم)، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 72. والنسائي، في: باب الرخصة في النكاح للمحرم، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 150. والدارمي، في: باب تزويج المحرم، من كتاب المناسك، سنن الدارمي 2/ 37. والإمام أحمد، في: المسند 245/ 1، 266، 275، 283، 285، 286، 330، 336، 346، 354، 360.
(2)
في: باب تحريم نكاح المحرم، من كتاب النكاح. صحيح مسلم 2/ 1030، 1031.
كما أخرجه أبو داود، في: باب المحرم يتزوج، من كتاب المناسك، سنن أبي داود 1/ 427. والنَّسائيّ، في: باب النهى عن ذلك (النكاح للمحرم)، من كتاب مناسك الحج، وفي: باب النهي عن نكاع المحرم، من كتاب النكاح. المجتبى 151/ 5، 6/ 73 وابن ماجه، في: باب المحرم يتزوج، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 632/ 1. والإمام مالك، في: باب نكاح المحرم، من كتاب الحج. الموطأ 348/ 1 ، 349. والإمام أحمد، في: المسند 57/ 1، 64، 65، 68، 73.
وانظر ما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 71/ 1. والدارمي، في: باب تزوج المحرم، من كتاب المناسك، وفي: باب في نكاح المحرم. من كتاب النكاح. سنن الدارمي 2/ 37، 38، 141.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَها حَلالاً، وبَنَى بها حَلالاً، وماتَتْ بسَرِفٍ، في الظُّلَّةِ التي بَنَى بها فيها. رَواه أبو داودَ، والأثْرَمُ (1). وعن أبِي رافِعٍ، قال: تَزَوَّجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ وهو حَلالٌ، وبَنَى بها وهو حَلالٌ، وكنت أنا الرسول بينهما (2). قال الترمذي: هذا حديث حسن. وميمونة أعلم بحال نفسها، وأبو رافع صاحب القصة، وهو السَّفِيرُ فيها، فهما أعْلَمُ بذلك مِن ابنِ عباسٍ، وأوْلَى بالتَّقْدِيمِ لو كان ابنُ عباسٍ كَبِيرًا، فكيفَ وقد كان صَغِيرًا لا يَعْرِفُ حَقائقَ الأُمُورِ. وقد أُنْكِرَ عليه هذا القولُ، فقالَ سعيدُ بن المُسَيبِ: وَهِمَ ابنُ عباسٍ، ما تَزَوَّجَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا حَلالاً. فكيف يُعْمَلُ بحديثٍ هذا حالُه؟
(1) أخرجه أبو داود، في: باب المحرم يتزوج، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 427. كما أخرجه مسلم، في: كتاب تحريم نكاح المحرم، من كتاب النكاح. صحيح مسلم 2/ 1032. والترمذي، في: باب ما جاء في الرخصة في ذلك، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 74. وابن ماجه، في: باب المحرم يتزوج، من كتاب النكاح، سنن ابن ماجه 1/ 632. والدارمي، في: باب في تزويج المحرم ، من كتاب المناسك. سنن الدارمي 2/ 38.، والإمام أحمد، في: المسند 6/ 332.
(2)
أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 71. والدارمي، في: باب في تزويج المحرم، من كتاب المناسك. سنن الدارمي 2/ 38. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 392، 393.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِه: وهو مُحْرِمٌ. أي في الشَّهْرِ الحَرامِ، أو في البَلَدِ الحَرام، كما قِيلَ:
* قتلُوا ابنَ عَفّانَ الخَلِيفَةَ مُحْرِماً * (1)
وقِيلَ: تَزَوَّجَها حَلالاً وظهَرَ (2) أمْرُ تَزْوِيجِها وهو مُحْرِمٌ. ثم لو تَعارَضَ الحديثان، كان تَقْدِيمُ حديثنا أوْلَى؛ لأنَّه قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وذلك فِعْلُه، والقولُ آكَدُ؛ لأنه يَحْتَمِلُ أن يَكُونَ مُخْتَصًّا بما فَعَلَه. وعَقْدُ النِّكاحِ يُخالِفُ شراءَ الأمَةِكما لأنَّه يَحْرُمُ بالعِدَّةِ والرِّدَّةِ واخْتِلافِ الدِّينِ، وكَوْنِ المَنْكُوحَةِ أُخْتًا له مِن الرَّضاعِ، ولأنَّ النِّكاحَ إنّما يُرادُ للوَطْءِ غالِبًا، بخِلافِ الشِّراءِ، فإنّه يرادُ للخِدْمَةِ والتِّجارَةِ، وغيرِ ذلك، فافْتَرَقا.
(1) صدر بيت للراعى النميرى، عجزه:
* ودعا قلم أرَ مثْلَه مخزولا *
شعر الراعي النميرى وأخباره 144.
(2)
في م: «أظهر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا وَكَّلَ المُحْرِمُ حَلالاً في النِّكاحِ، فعَقَدَ له النِّكاحَ بعدَ تَحَلُّلِ المُوكِّلِ، صَحَّ العَقْدُ؛ لأنَّ الاعْتِبارَ بحالَةِ العَقْدِ. وإن وَكَّلَه وهو حَلالٌ، فلم يَعْقِدْ له العَقْدَ حتَّى أحْرَمَ، لم يَصِحَّ؛ لِما ذَكَرْنا. فإن أحْرَمَ الإمامُ الأعْظَمُ مُنِعَ مِن التَّزوِيجِ، لنَفْسِه، وتَزْوِيجِ أقارِبِه، وهل يُمْنَعُ مِن أن يُزَوِّجَ بالوِلاية العامّةِ؛ فيه احْتِمالان؛ أحَدُهما، يُمْنَعُ، كما لو باشَرَ العَقْدَ. والثّانِي، لا يُمْنَعُ؛ لأنَّ فيه حَرَجاً على النّاس، وتَضْيِيقاً عليهم في سائِرِ البِلادِ؛ لأنَّ مَن يُزَوَّجُ مِن الحُكّام إنَّما يُزَوِّجُونَه بإذْنِه ووِلايته. ذَكَر ذلك ابنُ عَقِيلٍ، واخْتارَ الجَوازَ؛ لأنَّه حالَ ولايَتِه كان حَلالاً، والاسْتِدامَةُ أقوَى مِن الإبتداءِ؛ لأنَّ الإمامَةَ العُظْمَى مِن شَرْطِها العَدالَةُ، ولا تَبْطُلُ بالفِسْقِ الطّارِئ.
فصل: وإذا وكَّلَ الحَلالُ مُحِلاًّ في النِّكاحِ، فعَقَدَ النِّكاحَ، وأحْرَمَ المُوَكِّلُ، فقالتِ الزَّوْجَةُ: وَقَع العَقْدُ بعدَ الإحْرامِ، فلم يَصِحَّ. وقال الزَّوْجُ: بل قبلَه. فالقَوْلُ قوْلُه. وإن كان الاخْتِلافُ بالعَكْسِ، فالقَوْلُ قَوْلُه أيضاً؛ لأنَّه يَمْلِكُ فَسْخَ العَقْدِ، فمَلَكَ الإقْرارَ به، لكنْ يَجِبُ عليه نِصْفُ الصَّداقِ.
فصل: فإن تزَوَّجَ، أو زَوَّجَ، أو زُوِّجَتِ المُحْرِمَةُ، لم يَصِحَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النِّكاحُ، سَواءٌ كان الكلُّ مُحْرِمِين أو بعضُهم؛ لأنَّه مَنْهِىٌّ عنه، فلم يَصِحَّ، كنِكاحِ المَرْأةِ على عَمَّتِها وخالَتِها. وقال ابنُ أبِى موسى: إذا زَوَّجَ المُحرِمُ غيرَه، صَحَّ في إحْدَى الرِّوايَتَيْن. ورُوِىَ عن أحمدَ، رحمه الله، أنَّه قال: إن زَوَّج المُحْرِمُ لم يَنْفَسِخَ النِّكاحُ. قال بعضُ أصْحابِنَا: هذا يَدُلُّ على أنَّه إذا كان الوَلِىُّ بمُفْرَدِه أو الوَكِيلُ مُحْرِماً، لم يَفْسُدِ النِّكاحُ؛ لأنَّه سَبَبٌ يُبِيحُ مَحْظُوراً للحَلالِ، فلم يَمْنَعْ منه الإِحْرامُ، كما لو حَلَق المُحْرِمُ رَأسَ حَلالٍ. والمَذْهَبُ الأوَّلُ؛ للحديثِ. وكَلامُ أحمدَ يُحْمَلُ على أنَّه لم يفسَخْه لكَوْنِه مُخْتَلَفاً فيه. قال القاضى: ويُفَرَّقُ بينَهما بطَلْقَةٍ. وكذلكَ كلُّ نِكاحٍ مُخْتَلَفٍ فيه، كالنكاحِ بلا وَلِىّ؛ ليُباحَ تَزْوِيجُها بيَقِينٍ. وفى الرَّجْعَةِ رِوايَتان؛ إحْداهما، لا تَصِحُّ؛ لأنَّه عَقْدٌ وُضِعَ لإباحَةِ البُضْعِ، أشْبَهَ النِّكَاحَ. والثّانِيَةُ، تَصِحُّ، وتُباحُ. وهو قولُ أكثَر أهْلِ العِلْمِ، واخْتِيارُ الخِرَقِىِّ؛ لأنَّها إمْساكٌ للزَّوْجَةِ؛ لقَوْلِه تعالى:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
{فأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (1). ولأنَّها تَجُوزُ بلا وَلِيٍّ، ولا شُهُودٍ، ولا إذْنِها، فلم تَحْرُمْ، كإمْساكِها بتَرْكِ الطلاقِ. ولأنَّ الصَّحِيحَ مِن المَذْهَبِ أنَّ الرجْعِيَةَ مُباحَة قبلَ الرَّجْعَةِ، فلا يَحْصُلُ بها إحْلالٌ، ولو قُلْنا: إنَّها مُحَرَّمَةٌ. لم يَكُنْ ذلك مانِعًا مِن رَجْعَتِها، كالتَّكْفِيرِ للمُظاهِرِ. وهذه الرِّوايَةُ هي الصَّحِيحَةُ إن شاءَ اللهُ تعالى. ويُباحُ شِراءُ الإماءِ للتَّسَرِّي وغيرِه، ولا نَعْلَمُ في ذلك خِلافًا، واللهُ أعْلَمُ.
فصل: ويُكْرَهُ للمُحْرِمِ الخِطبةُ، وخِطبةُ المُحْرِمَةِ، ويُكْرَهُ للمُحْرِمِ أن يَخْطُبَ للمُحِلِّين؛ لقَوْلِه عليه السلام في حديثِ عثمانَ:«وَلا يَخْطُبُ» (2). ولأنَّه تَسَبُّبٌ إلى الحَرامِ، أشْبَهَ الإشارَةَ إلى الصَّيدِ.
(1) سورة البقرة 231.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 325.
فَصْلٌ: الثَّامِنُ، الْجِمَاعُ في الْفَرْجِ، قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُرًا، مِنْ
ــ
والإحْرام الفاسِدُ كالصَّحِيحِ في مَنْع النِّكاحِ، وسائرِ المَحْظُوراتِ؛ لأنَّ حُكْمَه باق في وُجُوبِ ما يَجِبُ بالاحْرامِ، فكذلك في ما يَحْرُمُ به.
فصل: ويُكْرَهُ أن يَشْهَدَ في النِّكاحِ؛ لأنَّه مَعُونَةٌ على النِّكاحِ، أشْبَهَ الخِطْبَةَ. وإن شَهِد أو خَطَب، لم يَفْسُدِ النِّكاح. وقال بعضُ أصْحابِ الشافعيِّ: لا يَنْعَقِد النِّكاحُ بِشَهادَةِ مُحْرِمِين؛ لأنَّ في بعْضِ الرِّواياتِ: «لا يَشْهَدُ» . ولَنا، انَّه لا مَدْخَلَ للشّاهِدِ في العَقْدِ، فأشْبَهَ الخَطِيبَ، وهذه الزِّيادَةُ غيرُ مَعْرُوفَةٍ، فلا يَثْبُتُ بها حُكْمٌ. ومتى تَزَوَّجَ المُحْرِمُ أو المُحْرِمَةُ، أو زَوَّج، لم يَجِبْ عليه فِدْيَةٌ؛ لأنَّه فَسَد لأجْلِ الإحْرامِ ، فلم يَجِبْ به فِدْيَة، كشِراءِ الصَّيْدِ. ولا فرقَ بينَ الإحْرامِ الفاسِدِ والصَّحِيحِ فيما ذَكَرْنا؛ لأنَّه يَمْنَعُ ما يَمْنَعُه في الصَّحِيحِ، كحَلْقِ الشعَرِ، وتَقْلِيمِ الأظْفارِ، وغيرِ ذلك، كذلك التَّزْوِيجُ.
فصل: قال الشَّيْخُ، رحمه الله: (الثّامِنُ، الجِماعُ في الفَرْجِ؛ قُبُلاً
آدَمِيّ أوْ غَيْرهِ. فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَحَلُّلِ الْأَوَّلِ، فَسَدَ نُسُكُهُ، عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا،
ــ
كان أو دُبُرًا، مِن آدَمِيّ أو غيرِه. فمتى فَعَل ذلك قبلَ التَّحَلُّلِ، فَسَد نُسُكُه، عامِدًا كان أو ساهِيًا) يَفْسُد الحَجُّ بالوَطْءِ، في الجُمْلَةِ، بغيرِ خِلافٍ. قال ابن المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ الحَجَّ لا يَفْسُدُ بإتْيانِ شئٍ في حالِ الإحْرام، إلَّا الجماعَ. والأصْلُ فيه ما رُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ، رضي الله عنه، أن رجَلاً سَأله فقالَ: إنِّي وَقَعْتُ بامْرأتِي ونحنُ مُحْرِمان. فقالَ: أفْسَدْتَ حَجَّكَ، انْطَلِقْ أَنْتَ وأهْلُك مع النّاس، فاقْضُوا ما يَقْضُون، وخِلَّ إذا حَلُّوا، فإذا كان العام المُقْبِلُ فاحْجُجْ أَنْتَ وامْرأتُك، وأهْدِيَا هَدْيًا، فإن لم تجدا، فصُوما ثَلاثةَ أيَّام في الحَجِّ، وسَبْعَةً إذا رَجَعْتُم. وكذلك قال ابنُ عباسٍ، وابنُ عَمْرٍو (1)، ولم نَعْرِفْ لهم مُخالِفًا في عَصْرِهم، فكان إجماعًا. رَواه الأثْرَمُ في «سُنَنِه» (2). وفي حديثِ ابنِ عباس: ويَتَفَرَّقانِ مِن حيثُ يُحْرِمان، حتَّى يَقْضِيا حَجَّهما. قال ابن المُنْذِرِ: قول ابنِ عباس أعْلَى شيءٍ رُوِيَ في مَن وَطِيء في حَجِّه.
(1) في م: «عمر» .
(2)
وأخرجه البيهقي، في: باب ما يفسد الحج، من كتاب الحج. السنن الكبرى. 167/ 5 ، 168.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ورُوِيَ ذلك عن عُمَرَ، رضي الله عنه. وبه قال سعيدُ بن المُسَيَّبِ، وعَطاء، والنَّخَعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحاب الرَّأْيِ.
فصل: ومتى كان قبلَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ فَسَد الحَجُّ؛ سَواءٌ كان قبلَ الوُقُوفِ، أو بعدَه في قولِ الأكْثَرِين. وقال أبو حنيفةَ، وأصْحابُ الرَّأْيِ: إن جامَعَ قبلَ الوُقُوفِ فَسَد حَجُّه، وإن جامَعَ بعدَه لم يَفسُدْ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْحَجُّ عَرَفَةُ» (1). ولأنَّه مَعْنًى يأمَنُ به الفَواتَ، فأمِنَ به الإفْسادَ، كَالتَّحلُّلِ. ولَنا، قولُ مَن سَمَّيْنا مِن الصحابَةِ، فإنَّ قَوْلَهم مُطْلَقٌ (في مَن)(2) جامَعَ وهو مُحْرِمٌ، ولأنَّه جِماعٌ صادَفَ إحْرامًا تامًّا، فأفْسَدَه، قبلَ الوُقوفِ. وقَوْلُه عليه السلام:، «الْحَجُّ عَرَفَةُ». يَعْنِي: مُعْظَمُه، أو أنَّه رُكْنٌ مُتَأكَّدٌ فيه. ولا يَلْزَمُ مِن أمْنِ الفَواتِ أمْنُ الفَسادِ؛ بدَلِيلِ العُمْرَةِ.
فصل: ولا فَرْقَ بينَ الوَطْءِ في القُبُلِ والدُّبُرِ، مِن آدَمِيٍّ أو بَهِيمَةٍ. وبه قال الشافعىُّ، وَأبو ثَوْرٍ. ويَتَخَرَّجُ في (3) وَطْءِ البَهِيمَةِ أنَّه لا يُفْسِدُ الحَجَّ، إذا قُلْنا: لا يَجِبُ به الحَدُّ. وهو قولُ مالكٍ، وأبِي حنيفةَ؛ لأنَّه
(1) تقدم تخريجه في صفحة 181.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «من» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يُوجِبُ الحَدَّ، أشْبَهَ الوَطْءَ دُونَ الفَرْجِ. وحَكَى أبو ثَوْرٍ عن أبِي حنيفةَ، أن اللِّواطَ والوَطْءَ في دُبُرِ المَرْأةِ لا يُفْسِد الحَج؛ لأنَّه لا يَثْبُتُ به الإحْصانُ، أشبهَ الوَطْءَ دُونَ الفَرْجِ. ولَنا، أنَّه وَطْءٌ في فرْج يُوجِبُ الغُسْلَ، فأفْسَدَ الحَجَّ، كالوَطْءِ في قُبُلِ الآدَمِيَّةِ، ويُفارِق الوَطْءَ دُونَ الفَرْجِ، فإنَّه ليس مِن الكَبَائرِ في الأجْنَبِيَّةِ، ولا يُوجِبُ مَهْراً، ولا عِدَّةً، ولا حَداً، ولا غُسْلاً، وإن أنزلَ به، فهو كمسألتِنا، في رِوايةٍ.
فصل: والعَمْدُ والنِّسْيانُ فيما ذَكَرْنا سَواء. نَصَّ عليه أحمدُ، فقالَ: إذا جامَعَ أهْلَه بَطَل حَجُّهُ؛ لأنَّه شيءٌ لا يَقْدِرُ على رَدِّهِ، والشَّعَرُ إذا حَلَقَه فقد ذَهَب، لا يَقْدِرُ على رَدِّه، والصَّيْدُ إذا قَتَلَه فقد ذَهَب، لا يَقْدِرُ على رَدِّه، فهذه الثَّلاثةُ العَمْدُ والنِّسْيانُ فيها سَواء. والجاهِلُ بالتَّحْرِيمِ والمُكْرَهُ في حُكْمِ النّاسِي؛ لأنَّه مَعْذُورٌ، ومِمّن قال: إنَّ عَمْدَ الوَاطِئ (1) ونِسْيانَه سَواءٌ. أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشافعيُّ في القَدِيمِ، وقال في الجَدِيدِ: لا يَفْسُد الحَجُّ، ولا يَجِبُ عليه مع النِّسْيانِ شيءٌ. وحَكَى ابنُ عَقِيل في الفُصُولِ رِوايَة، لا يَفْسُدُ؛ لقَوْلِه عليه السلام:«عُفِيَ لِأُمَتى عَنِ الخَطَإِ وَالنِّسْيانِ» (2). والجَهْلُ في مَعْناه؛ لأنَّها عِبادَةٌ تَجِبُ بإفْسادِها الكَفَّارَةُ،
(1) في م: «الوطء» .
(2)
تقدم تخريجه في 1/ 276.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فافْتَرَقَ فيها وَطْءُ العامِدِ والسّاهِي، كالصَّوْمِ. ولَنا، أنَّ الصَّحابَةَ، رَضىَ الله عنهم، لم يَستفْصِلُوا السّائِلَ عن العَمْدِ والنسْيانِ، حينَ سَألهم عن حُكْمِ الوَطْءِ، ولأنَّه سَبَب يَتَعَلَّقُ به وُجُوبُ القَضاءِ في الحَجِّ، فاسْتَوَى عَمْدُه وسهْوُه، كالفَواتِ. والصومُ مَمْنُوعٌ.
فصل: ويَجِبُ به بَدَنَةٌ، رُوِيَ ذلك عن ابنِ عباسٍ، وعَطاءٍ، وطاوسٍ، ومُجاهِدٍ، ومالكٍ، والشافعيِّ. وقال الثَّوْرِىُّ، وإسْحاقُ: عليه بَدَنَةٌ، فإن لم يَجِدْ فشاةٌ. وقال أصْحابُ الرَّأْيِ: إن كان قبلَ الوُقُوفِ، فَسَد حَجُّه، وعليه شاةٌ، وإن كان بعدَه، فحَجُّه صَحِيحٌ؛ لأنَّه قبلَ الوُقُوفِ مَعْنًى يُوجِبُ القَضاءَ، فلم يَجِبْ به بَدَنَةٌ، كالفَواتِ. ولَنا، أنَّه جِماعٌ صادَفَ إحْرامًا تامًّا، فوَجَبَتْ به البَدَنَةُ، كبَعدِ الوُقُوفِ، ولأنَّه قولُ مَن سَميْنا مِن الصَّحابَةِ، ولم يُفَرِّقُوا بينَ ما قبلَ الوُقُوفِ وبعدَه. أمّا الفَواتُ، فهو مُفارِقٌ للجِماعِ، وأمّا فَساد الحَجِّ، فلا فَرْقَ فيه بينَ حالِ الإكْراهِ والمُطاوَعَةِ، لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّهُم لا يُوجِبُون فيه الشاةَ، بخِلافِ الجِماعِ.
فصل: وحُكْمُ المَرْأةِ حُكْمُ الرَّجُلِ في فَسادِ الحَجِّ؛ لأنَّ الجِماعَ وُجِدَ