الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالتَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ، وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا، وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا، وَالدُّعَاءُ بَعْدَهَا.
ــ
حَقَّا حَقًّا، تَعَبُّدًا ورِقًّا (1). ففى هذا دَلِيلٌ على أنَّه لا بَأْسَ بالزِّيادَةِ، ولا تُسْتَحَبُّ، لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لَزِم تَلْبِيَتَه، فَكَرَّرَها، ولم يَزِدْ عليها. وقد رُوِىَ أنَّ سَعْدًا سَمِع بعضَ بَنِى أخِيه وهو يُلَبِّى: ياذا المَعارِجِ. فقالَ: إنَّه لذُو المَعارِجِ، وما هكذا كُنّا نُلَبِّى على عَهْدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم (2).
1174 - مسألة: (والتَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ، ويُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بها، والإِكثارُ منها، والدُّعاءُ بعدَها)
التَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ، كما ذَكَرْنا، وليست واجِبَةً. وبه قال الشافعىُّ. وعن أصْحابِ مالكٍ أنَّها واجِبَةٌ، يَجِبُ الدَّمُ بتَرْكِها. وعن الثَّوْرِىِّ، وأبى حنيفةَ، أنَّها مِن شَرْطِ الإِحْرامِ، لا يَصِحُّ إلَّا بها،
(1) أورده الهيثمى في: باب الإهلال، من كتاب الحج. كشف الأستار عن زوائد البزار 2/ 13. وقال الهيثمى: رواه البزار مرفوعًا وموقوفًا ولم يسم شيخه في المرفوع. مجمع الزوائد 3/ 223.
(2)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 172. قال الهيثمى: رجاله رجال الصحبح إلا أن عبد الله -هو عبد الله ابن أبى سلمة الراوى عن سعد- لم يسمع من سعد. مجمع الزوائد 3/ 223.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالتَّكْبيرِ للصلاةِ؛ لأنَّ ابنَ عباسٍ قال في قَوْلِه تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} . قال: الإِهْلالُ. وعن عَطاءٍ، وطاوُسٍ، وعِكْرِمَةَ: هو التَّلْبِيَةُ. ولأنَّ النُّسُكَ عِبادَةٌ ذاتُ إحْرامٍ وإحْلالٍ فكانَ في أوَّلِها ذِكْرٌ واجِبٌ، كالصلاةِ. ولَنا، أنَّها ذِكْرٌ، فلم تَجِبْ في الحَجِّ، كسائِرِ الأذْكارِ، وفارَقَ الصلاةَ، فإنَّ النُّطْقَ في آخِرِها يَجبُ، فوَجَبَ في أوَّلِها، بخِلافِ الحَجِّ. ويُسْتحَبُّ رَفْعُ الصَّوْب بها؛ لأَنَّ النبىِّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أىُّ الحَجِّ أفْضَلُ؟ قال: «العَجُّ والثَّجُّ» (1). حديثٌ غرِيبٌ. العَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بالتَّلْبِيَةِ، والثَّجُّ إسالَةُ الدِّماءِ بالذَّبْحِ والنَّحْرِ. وروَى التِّرْمِذِىُّ (2) بإسْنادِه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«أتَانِى جِبْرِيلُ يَأمُرُنِى أنْ آمُرَ أصْحَابِى أنْ يَرْفَعُوا أصْوَاتَهُم بِالتَّلْبِيَةِ» . وهو حديث حسنٌ صَحِيحٌ. وقال أنَسٌ:
(1) أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 44. والدارمى، في: باب أى الحج أفضل، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 31.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 146.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سَمِعْتُهُم يَصْرُخُون بهما صُراخًا (1). وقال أبو حازِمٍ: كان أصْحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يَبْلُغُون الروحاءَ (2)، حَتَّى تُبَحَّ حُلُوقُهم مِن التَّلْبِيَةِ. وقال سالِمٌ: كان ابنُ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَه بالتَّلْبِيَةِ، فلا يَأْتِى الرَّوْحاءَ حتى يَصْحَل (3) صَوْتُه. ولا يُجْهِدُ نفْسَه في رَفْعِ الصَّوْتِ زِيادَةً على الطَّاقَةِ؛ لئَلَّا يَنْقَطِعَ صَوْتُه وتَلْبِيَتُه.
فصل: ويُسْتَحَبُّ الإِكْثارُ منها على كلِّ حالٍ؛ لِما روَى ابنُ ماجه، عن عبدِ اللهِ بنِ عامِرِ بنِ رَبِيعَةَ، رَضِىَ اللهُ عَنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِم يَضْحَى للهِ، يُلَبِّى حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، إلَّا غابَتْ بذُنُوبِه، فعادَ كَمَا وَلَدَتْه أُمُّه» . رَواه ابنُ ماجه (4).
فصل: ولا يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بها في مَساجِدِ الأمْصارِ، ولا في الأمْصارِ، إلَّا في مَكَّةَ والمَسْجِدِ الحَرامِ؛ لِما رُوِىَ عن ابنِ عباسٍ،
(1) أخرجه البخارى، في: باب رفع الصوت بالإهلال، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 170. وتقدم حديثه بتمامه في صفحة 152.
(2)
الروحاء: بين مكة والمدينة، على نحو من أربعين ميلاً. معجم البلدان 2/ 828، 829.
(3)
يصحل: يُبَحُّ.
(4)
في: باب الظلال للمحرم، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 976.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَضِىَ اللهُ عنهما، أنَّه سَمِع رجلًا يُلَبِّى بالمَدِينَةِ، فقالَ: إنَّ هذا لمَجْنُونِّ، إنَّما التَّلْبِيَةُ إذا بَرَزْتَ. وهذا قولُ مالكٍ. وقال الشافعىُّ: يُلَبِّى في المساجِدِ كلِّها، ويَرْفَعُ صَوْتَه؛ لعُمُومِ الحديثِ. ولَنا، قولُ ابنِ عباس، ولأنَّ المساجِدَ إنَّما بُنِيَتْ للصلاةِ، وجاءَتِ الكَراهَةُ لِرَفْعِ الصَّوْتِ عامًّا (1)، إلَّا الإِمامَ خاصَّةً، فوَجَبَ إبْقاؤها على عُمُومِها. فأمّا مَكَّةُ فتُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ فيها؛ لأنَّها مَحَلُّ النُّسُكِ، وكذلك المَسْجِدُ الحَرامُ وسائِرُ مساجِدِ الحَرَمِ، كمَسْجِدِ مِنًى، وفى عَرَفاتٍ أيضًا.
فصل: ويُسْتَحَبُّ الدُّعاءُ يعدَها، فيَسْألُ اللهَ الجَنَّةَ، ويَسْتَعِيذُ به مِن النّارِ، ويَدْعُو بما أحَبَّ؛ لِما روَى الدّارَقُطْنِىُّ (2) بإسْنادِه، عن خُزَيْمَةَ ابنِ ثابِتٍ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا فَرَغ مِن تَلْبِيَتِه سَأل اللهَ مَغْفِرَتَه ورِضْوانَه، واسْتَعاذَه برَحْمَتِه مِن النّارِ. وقال القاسِمُ بنُ محمدٍ: يُسْتَحَبُّ للرجلِ إذا فَرَغ مِن تَلْبِيَيه أن يُصَلِّىَ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم. لأنَّه مَوْضِعٌ شُرِع فيه ذِكْرُ الله تِعالى، فشُرِعَ فيه الدُّعاءُ، ولأنَّ الدُّعاءَ مَشْرُوعٌ مُطْلَقًا، فتأكَّدَتْ مَشْرُوعِيَّتُه بعدَ ذِكْرِ الله تِعالى. ويُسْتَحَبُّ أن يُصَلِّىَ على
(1) في م: «عامة» .
(2)
في: باب المواقيت، من كتاب الحج. سنن الدارقطنى 2/ 338.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبىِّ صلى الله عليه وسلم بعدَها؛ لأنَّه مَوْضِعٌ شُرِعَ فيه ذِكْرُ اللهِ تعالى، فشُرِعَتْ فيه الصلاةُ على رسولِه، كالصلاةِ، أو فشُرِعَ فيه ذِكْرُ رسولِه، كالأذانِ.
فصل: ويُسْتَحَبُّ ذِكْرُ ما أحْرَمَ به في تَلْبِيَيه. قال أحمدُ: إن شِئْتَ لَبَّيْتَ بالحَجِّ، وإن شِئْتَ لَبَّيْتَ بعُمْرَةٍ، وإن شِئْتَ لَبَّيْتَ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ، فقُلْتَ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وعُمْرَةٍ. وقال أبو الخَطّابِ: لَا يُستَحَبُّ. ويُرْوَى عنِ ابنِ عُمَرَ. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّ جابِرًا قال: ما سَمَّى النبىُّ صلى الله عليه وسلم في تَلْبِيَيه حَجًّا ولا عُمْرَةً. وسَمِع ابنُ عُمَرَ رجلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ بعُمْرَةٍ. فضَرَبَ صَدْرَه، وقال: تُعْلِمُه ما في نَفْسِك (1). ولَنا، ما روَى أنَسٌ، رَضِىَ اللهُ عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» . وقال جابِرٌ: قَدِمْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ونحن نَقُولُ: لَبَّيْكَ بالحَجِّ. وقال ابنُ عباسٍ: قَدِم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصْحابُه وهم يُلَبُّون بالحَجِّ. وقال ابنُ عُمَرَ: بَدَأ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأهَلَّ بالعمْرَةِ، ثم أهَلَّ بالحَجِّ. مُتَّفَقٌ على هذه الأحاديثِ (2). وقال أنَسٌ: سَمِعْتُهم يَصْرُخُون بهما صُراخًا. رَواه البخارىُّ (3). وهذه الأحاديثُ أصَحُّ مِن حديثِهم
(1) أخرجهما البيهقى، في: باب من قال لا يسمى في إهلالِه حجًّا ولا عمرة. . . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 40.
(2)
تقدم تخريج حديث أنس في صفحة 152. وحديث جابر، أخرجه البخارى، في: باب من لبّى بالحج وسماه، من كتاب الحج. صحيح البخارى 176/ 2. ومسلم، في: باب في المتعة بالحج والعمرة، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 886. أما حديث ابن عباس فتقدم تخريجه في صفحة 153. وحديث ابن عمر تقدم تخريجه في صفحة 153.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 212.