الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُحْرِمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ، وَلَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ [62 ظ] مُحْرِمٌ.
ــ
1154 - مسألة: (والاخْتِيارُ أن لا يُحْرِمَ قبلَ مِيقاتِه، ولا يُحْرِمَ بالحَجِّ قبلَ أشْهُرِه، فإن فَعَل فهو مُحْرِمٌ)
الأفْضلُ الإِحْرامُ مِن المِيقاتِ، ويُكْرَهُ قبلَه. رُوِىَ نَحْوُ ذلك عن عُمَرَ، وعثمانَ، رَضِىَ الله عَنهما. وبه قال الحسنُ، وعَطاءٌ، ومالكٌ، وإسْحاقُ. وقال أبو حنيفةَ: الأفْضلُ الإِحْرامُ مِن بَلَدِه. وعن الشافعىِّ كالمَذْهَبَيْن. وكان عَلْقَمَةُ، والأسْوَدُ، وعبدُ الرحمنِ يُحْرِمُون مِن بُيُوتِهم. واحْتَجُّوا بما رَوت أُمُّ سَلَمَةَ، زَوْجُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّها سَمِعَت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أوْ عُمْرةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأقْصَى إلَى الْمَسْجدِ الْحَرَامِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ - أو - وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» . شَكَّ عبدُ اللهِ أيَّتَهما قال. رَواه أبو داودَ (1). وأحْرَمَ ابنُ عُمَرَ من إيليَاءَ (2). وروَى النَّسائِيُّ،
(1) في: باب في المواقيت، من كتاب الحج. سنن أبي داود 1/ 404.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 6/ 299.
(2)
إيلياء: مدينة القدس.
وأخرجه الإمام مالك، في: باب مواقيت الإهلال بالحج، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 331. والبيهقى، في: باب فضل من أهل من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 30. والإمام الشافعى، في: باب الإهلال من دون الميقات، من كتاب اختلاف مالك. الأم 7/ 235.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأبو داودَ (1)، بإسْنادِهِما. عن الصُّبَىِّ (2) بنِ مَعْبَدٍ، قال: أهْلَلْتُ بالحَجِّ والعُمْرَةِ، فَلمَّا أتَيْتُ العُذَيْبَ لَقِيَنِى سَلْمانُ بنُ رَبِيعَةَ، وزَيْدُ بنُ صُوحانَ، وأنا أُهِلُّ بهما، فقالَ أحَدُهُما: ما هذا بأفْقَهَ مِن بَعِيرِه. فأتَيْتُ عُمَرَ، فذَكَرْتُ ذلك له، فقالَ لى: هُدِيتَ لسُنَّةِ نَبيِّكَ صلى الله عليه وسلم. وهذا إحْرامٌ به قبلَ المِيقاتِ. ورُوِىَ عن عُمَرَ، وعليٍّ، رَضِىَ اللهُ عنهما، في قوْلِه تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (3). إنما هو (4) أن تُحْرِمَ بهما مِن دُوَيْرَةِ أهْلِك (5). ولَنا، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأصْحابَه أحْرَمُوا مِن المِيقاتِ، ولا يَفْعَلُون إلَّا الأفْضَلَ. فإن قِيلَ: إنَّما فعَل ليُبَيِّنَ الجَوازَ. قُلْنا: قد حَصَل بَيانُ الجَوازِ بقَوْلِه، كما في سائِرِ المَواقِيتِ. ثم لو كان كذلك، لكانَ أصْحابُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم وخُلفاؤه يُحْرِمُون مِن بُيُوتِهم، ولَما تَواطَأُوا على تَرْكِ الأفْضَلِ واخْتِيارِ الأدْنَى، وهم أفْضَلُ الخَلْقِ، ولهم مِن الحِرْصِ على الفضائِلِ والدَّرَجاتِ ما لهم. وروَى أبو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، بإسْنادِه، عن أبى أيُّوبَ، رَضِىَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
(1) تقدم تخريجه في صفحة 8.
(2)
في م: «الضبى» . وانظر ما تقدم في الكلام عليه في صفحة 8.
(3)
سورة البقرة 196.
(4)
في الأصل: «إنما هما» . وانظر المغنى 5/ 66.
(5)
أخرجه عنهما الشافعي، في: باب الإهلال من دون الميقات، من كتاب اختلاف مالك. الأم 7/ 235. وأخرجه عن على الحاكم، في: تفسير سورة البقرة، من كتاب التفسير. المستدرك 2/ 276. والبيهقى، في: باب من استحب الإحرام من دويرة أهله. . . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 30. والطبرى عن علي في تفسيره 2/ 207.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«يَسْتَمْتِعُ أحَدُكُمْ بِحِلِّهِ مَا اسْتَطَاعَ، فَإنَّه لَا يَدْرِى مَا يَعْرِضُ لَهُ فِى إحْرامِهِ» (1). وروَى الحسنُ، أنَّ عِمْرانَ بنَ حُصَيْنٍ أحْرَمَ مِن مِصْرِه، فبَلَغَ ذلك عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، فغَضِبَ، وقال: يَتَسامَعُ النّاسُ أنَّ رجلًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أحْرَمَ مِن مِصْرِه. وقال: إنَّ عبدَ اللهِ بنَ عامِرٍ أحْرَمَ مِن خُراسانَ، فلَمّا قَدِم على عثمانَ، رَضِىَ الله عنه، لامَه فيما صَنَع، وكَرِهَه له. رَواهما سعيدٌ، والأثْرَمُ (2). وقال البخاريُّ (3): كَرِه عثمانُ أن يُحْرِمَ مِن خُراسانَ أو كِرْمانَ. ولأنَّه أحْرَمَ قبلَ المِيقاتِ، فكُرِهَ، كالإِحْرامِ بالحَجِّ قبل أشْهُرِه. ولأنَّه تَغْرِيرٌ بالإِحْرامِ، وتَعْرِيضٌ لفِعْلِ مَحْظُوراتِه، وفيه مَشَقَّةٌ على النَّفْسِ، فكُرِهَ، كالوصالِ في الصَّوْمِ. قال عَطاءٌ: انْظُرُوا هذه المَواقِيتَ التي وَقَّتَ لكم، فخُذُوا برُخَصِ اللهِ فيها، فإنَّه عَسَى أن يُصِيبَ أحَدُكم ذَنْبًا في إحْرامِه، فيَكُونَ أعْظَمَ لوِزْرِه، فإنَّ الذَّنْبَ في الإِحْرامِ أعْظَمُ مِن ذلك. فأمّا حديثُ الإِحْرامِ مِن بَيْتِ المَقْدِسِ (4)، ففيه ضَعْفٌ، يَرْوِيه ابنُ أبى فُدَيْكٍ، ومحمدُ بنُ إسْحاقَ،
(1) أخرجه البيهقى، في: باب من استحب الإحرام من دويرة أهله. . . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 30، 31. وقد ضعَّف إسناده.
(2)
الأول، أخرجه الطبراني في الكبير 18/ 107. قال الهيثمى: رجاله رجال الصحيح إلا أن الحسن لم يسمع من عمر. مجمع الزوائد 3/ 217.
والثانى، أخرجه البيهقى، في: باب من استحب الإحرام من دويرة أهله. . . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 31.
(3)
في: باب قول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 173.
(4)
حديث الإحرام من بيت المقدس تقدم تخريجه في صفحة 127.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفيهما مَقالٌ. ويَحْتَمِلُ اخْتِصاصَ هذا ببَيْتِ المَقْدِس دُونَ غيرِه؛ ليَجْمَعَ بينَ الصلاةِ في المَسْجِدَيْن في إحْرامٍ واحِدٍ، ولذلك أحْرَمَ ابنُ عُمَرَ منه، ولم يَكُنْ يُحْرِمُ مِن غيرِه، إلَّا مِن المِيقاتِ. وقولُ عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، للصُّبَىِّ (1): هُدِيتَ لسُنَّةِ نَبِيِّك. يَعْنِى في الجَمْعِ بينَ الحَجِّ والعُمْرَةِ، لا في الإِحْرامِ مِن قَبلِ المِيقاتِ، فإنَّ سُنَّةَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم الإِحْرامُ مِن المِيقاتِ، بيَّنَ ذلك بفِعْلِه وقَوْلِه، وقد تَبَيَّنَ أنَّه لم يُرِدْ ذلك بإنْكارِه على عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ، حينَ أحْرَمَ مِن مِصْرِه. وأمّا قولُ عُمَرَ، وعلىٍّ، رَضِىَ اللهُ عنهما، فإنَّما قالا: إتْمامُ العُمْرَةِ أن تنْشِئَها مِن بَلَدِك. يَعْنِى أن تنْشِئَ لها سَفَرًا مِن بلَدِك، تَقصِدُ له، ليسِ أن تُحْرِمَ بها مِن أهْلِك. قال أحمدُ: كان سُفْيان يُفَسِّرُه بهذا. وكذلك فَسَّرَه به أحمدُ. ولا يَصِحُّ أن يُفَسَّرَ بنَفْسِ الإِحْرامِ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه ما أحْرَمُوا بها مِن بُيُوتِهم، وقد أمَرَهم اللهُ سبحانه بإتْمامِ العُمْرَةِ، فلو حُمِل قَوْلُهم على ذلك لكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه تَارِكين الأمْرَ. ثم إنَّ عُمَرَ وعليًّا ما كانا يُحْرِمان إلَّا مِن المِيقاتِ، أفَتَراهما يَرَيان أنَّ ذلك ليس بإتْمامٍ لها، ويَفْعَلانه؟! هذا لا يَنْبَغى أن يَتَوَهَّمَه أحَدٌ. ولذلك أنْكَرَ عُمَرُ على عِمْرانَ إحْرامَه مِن مِصْرِه، واشْتَدَّ عليه، وكَرِه أن يَتَسامَعَ النّاسُ، مَخافَةَ أن يُؤْخَذَ به، أفتراه كَرِه إتْمامَ العُمْرَةِ، واشْتَدَّ عليه أن يَأْخُذَ النّاسُ بالأفْضَلِ؟! هذا لا يَجُوزُ، فتَعَيَّنَ حَمْلُ قَوْلِهما على ما حَمَلَه عليه الأئِمَّةُ.
(1) في م: «للضبي» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويُكْرَهُ الإِحْرامُ بالحَجِّ قبلَ أشْهُرِه، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه؛ لكَوْنِه إحْرامًا به قبلَ وَقْتِه، فأشْبَهَ الإِحْرامَ به قبلَ مِيقاتِه، بل الكَراهَةُ هنا أشَدُّ؛ لأنَّ في صِحَّتِه اخْتِلافًا. فإن أحْرَمَ بالحَجِّ قبلَ مِيقاتِ المَكانِ صَحَّ إحْرامُه بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه، إلَّا أنَّه يُكْرَهُ ذلك، وقد ذَكَرْناه. وإن أحْرَمَ به قبلَ أشْهُرِه، صَحَّ أيضًا، إذا بَقِىَ على إحْرامِه إلى وَقْتِ الحَجِّ. نَصَّ عليه أحمدُ في رِوايَةِ جَماعَةٍ. وهو قولُ النَّخَعِيِّ، والثَّوْرِىِّ، وأبي حنيفةَ، ومالكٍ، وإسْحاقَ. وقال عَطاءٌ، وطاوُسٌ، ومُجاهِدٌ، والشافعيُّ: يَجْعَلُه عُمْرَةً. وذَكَر القاضى في «الشَّرْحِ» رِوايَةً مثلَ ذلك. واخْتارَها ابنُ حامِدٍ، لقولِ اللهِ تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (1). تَقْدِيرُه وَقْتُ الحَجِّ، أو أشْهُرُ الحَجِّ، مِن قَبِيلِ حَذْفِ المُضافِ، وإقامَةِ المُضافِ إليه مُقامَه. وإذا ثَبَت أنَّه وَقْتُه لم يَصِحَّ تَقْدِيمُه عليه، كأوْقاتِ الصَّلَواتِ.
(1) سورة البقرة 197.