الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِى، جَزَاءُ الصَّيْدِ؛ يَتَخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْمِثْلِ أوْ تَقْوِيمِهِ بِدَرَاهِمَ يَشْتَرِى بِهَا طَعَامًا، فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِين مُدًّا، أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَإنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ، خُيِّرَ بَيْنَ الإطْعَامِ وَالصِّيَامِ. وَعَنْهُ، أنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَيَجِبُ الْمِثْلُ، فَإِن لَمْ يَجِدْ، لَزِمَهُ الإطْعَامُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، صَامَ.
ــ
إحْداهما، يُجزِى مُدُّ بُرٍّ لكلِّ مِسْكِينٍ مكانَ نِصْفِ صاعٍ مِن غيرِه، كما في كَفّارَةِ اليَمِينِ. والثّانِيَةُ، لا يُجْزِئُ إلَّا نِصْفُ صاعٍ؛ لأنَّ الحُكْمَ ثَبَت فيه بطرَيقِ التَّنْبِيهِ أو القِياسِ، والفَرْعُ يُماثِلُ أصْلَه، ولا يُخالِفُه. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ.
فصل: ومَن أبِيحَ له حَلْقُ رَأْسِه، جاز له تَقْدِيمُ الكَفّارَةِ على الحَلْقِ، فَعَلَه علىٌّ رَضِىَ الله عنه، ولأنَّها كَفّارَةٌ، فجاز تَقْدِيمُها على وُجُوبِها، ككَفّارَةِ اليَمِينِ.
الفَصْلُ الثّالِثُ، أنَّهْ لا فَرْقَ بينَ فِعْلِها لعُذْرٍ أو غيرِه، وقد ذَكَرْناه.
1215 - مسألة: النَّوْعُ (الثّانِى، جَزاءُ الصَّيْدِ؛ يَتَخَيَّرُ فيه بينَ المِثْلِ وتَقْويمِه بدَرَاهِمَ يَشْتَرِى بها طَعامًا، فيُطْعِمُ لكلِّ مِسْكِين مُدًّا، أو يَصُومُ عن كلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وإن كان ممّا لا مِثْلَ لة، خُيِّرَ بينَ الإطْعامِ والصِّيامِ. وعنه، أنَّ جَزاءَ الصَّيْدِ على التَّرْتِيبِ، فيَجِبُ المِثْلُ، فإن لم يَجدْ، لَزِمَه الإطْعامُ، فإن لم يَجِدْ، صام)
الكَلامُ في هذه المسألةِ في فُصُولٍ؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحَدُها، في وُجُوبِ الجَزاءِ على المُحْرِمِ في قَتْلِ الصَّيدِ، وأجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على وُجُوبِه في الجُمْلَةِ، وقد نَصَّ الله تعالى عليه بقَوْلِه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (1). نَصَّ على وُجُوبِ الجَزاءِ على المُتَعَمِّدِ. وقد ذكَرناه.
الفَصْلُ الثّانِى، أنَّه على التَّخْيِيرِ بينَ الأشْياءِ المَذْكُورَةِ، بأيِّها شاء كَفَّرَ، مُوسِرًا كان، أو مُعْسِرًا. وبهذا قال مالكٌ، والشافعىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ ثانِيَةٌ، أنَّها على التَّرْتِيبِ، فيَجِبُ المِثْلُ أوَّلًا، فإن لم يَجِدْ أطْعَمَ، فإن لم يَجِدْ صام. رُوِىَ هذا عن ابنِ عباسٍ، والثَّوْرِىِّ، ولأنَّ هَدْىَ المُتْعَةِ على التَّرْتِيبِ، وهذا آكَدُ منه؛ لأنَّه بفِعْلِ مَحْظورٍ. وعنه رِوايَةٌ ثالِثَةٌ، أنَّه لا إطْعامَ في كَفّارَةِ الصَّيْدِ؛ وإنَّما ذَكَرَه في الآيَةِ ليَعْدِلَ به الصِّيامَ، لأنَّ مَن قَدَر على الإِطْعامِ قَدَر على الذَّبْحِ.
(1) سورة المائدة 95.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هكذا قال ابنُ عباسٍ. وهذا قولُ الشافعىِّ. ولَنا، قَوْلُه سُبْحانَه:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} . و «أوْ» في الأمْرِ للتَّخْيِيرِ. رُوِىَ عن ابنِ عباسٍ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قال: كلُّ شئٍ «أوْ» فهو مُخَيَّرٌ، وأمّا ما كان «فإنْ لَمْ يَجِدْ» فهو الأوَّلُ فالأوَّلُ] (1).
ولأنَّه عَطَف هذه الخِصالَ بَعْضَها على بَعْض بـ «أو» ، فكانَ مُخَيَّرًا في جَمِيعِها، كفِدْيَةِ الأذَى. وقد سمَّى الله تعالى الطَّعامَ كَفّارَةً، ولا يَكُونُ كَفّارَةً ما لم يَجِبْ إخْراجُه وجَعْلُه طَعامًا للمَساكِينِ، وما لا يَجُوزُ صَرْفُه إليهم لا يَكُونُ طَعامًا لهم. ولأنَّها كَفّارَةٌ ذَكَر فيها الطَّعامَ، فكانَ من خِصالِها كسائِرِ الكَفّاراتِ، وقَوْلُهم: إنَّها وَجَبَتْ بفِعْلِ مَحْظورٍ. يَبْطُلُ بفِدْيَةِ الأذَى. على أنَّ لَفْظَ النَّصِّ صَرِيحٌ في التَّخْيِيرِ، فليس تَرْكُ مَدْلُولِه قِياسًا على هَدْىِ المُتْعَةِ بأوْلَى مِن العَكْسِ، فكما لا يَجُوزُ ثَمَّ، لا يَجُوزُ هنا.
(1) أخرجه البيهقى، في: باب التخيير بين الإطعام والكسوة والعتق، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى 10/ 60.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا اخْتارَ المِثْلَ، ذَبَحَه وتَصَدَّقَ به على فُقَراءِ الحَرَمِ، ولا يُجْزِئُه أن يَتَصَدَّقَ به حَيًّا على المَساكِينِ؛ لأنَّ اللهَ سُبْحانَه سَمّاهُ هَدْيًا، والهَدْىُ يَجِبُ ذَبْحُه، ش له ذَبْحُه أىَّ وَقْتٍ شاء، ولا يَخْتَصُّ (1) ذلك بأيَّام النَّحْرِ؛ لأنَّ الأمْرَ به مُطْلَقٌ.
الَفَصْلُ الثّالِثُ، أنَّه مَتَى اخْتارَ الِإطْعامَ، فإنَّه يُقَوِّمُ المِثْلَ بدَرَاهِمَ، والدَّراهِمَ بطَعامٍ، ويَتَصَدَّق به على المَساكِينِ. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال مالكٌ: يُقَوِّمُ الصَّيْدَ، لا المِثْلَ. وحَكَى ابنُ أبي موسى رِوايَةً مِثْلَ ذلك. وحَكَى رِوايَةً أُخْرَى، أنَّه إن شاء اشْتَرَى بالدَّراهِمِ طَعامًا، فَتَصَدَّقَ به، وإن شاء تَصَدَّقَ بالدَّراهِمِ. وَجْهُ قولِ مالكٍ، أنَّ التَّقْوِيمَ إذا وَجَب لأجْلِ الإتْلافِ قُوِّمَ المُتْلَفُ، كالذى لا مِثْلَ له. ولَنا على مالكٍ، أنَّ كلَّ مُتْلَفٍ وَجَب فيه المِثْلُ، إذا قُوِّمَ وَجَبَتْ قِيمَةُ مِثْلِه، كالمِثْلِىِّ مِن مالِ الآدَمِىِّ.
(1) في الأصل: «يخص» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعلى أنَّه لا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بالدَّراهِمِ، أنَّ اللهَ سُبْحانَه إنَّما ذَكَر في الآيَةِ التَّخْيِيرَ بينَ ثَلَاثَةِ أشْياءَ، وهذا ليسَ منها. والطَّعامُ المُخْرَجُ هو الذى يُخْرَجُ في الفِطرةِ وفِدْيَةِ الأذَى مِن التَّمْرِ والزَّبِيبِ. والبُرُّ والشَّعِيرُ، قياسًا عليه، ويَحْتَمِل أن يُجزِئَ كلُّ ما يُسَمَّى طَعامًا؛ لدُخُولِه في إطْلاقِ اللَّفْظِ.
الفَصْلُ الرّابعُ، أنَّه يُطْعِمُ كلَّ مِسْكِينٍ مِن البُرِّ مُدًّا، يَدْفَعُ إليه في كَفّارَةِ اليَمِينِ، ومِن سائِرِ الأصْنافِ، نِصْفَ صاعٍ. نَصَّ عليه أحمدُ، رَحِمَه اللهُ تَعالى، في إطعامِ المَساكِينِ، في الفِدْيَةِ والجَزاءِ وكَفّارَةِ اليَمِينِ: إن أطْعَمَ بُرًّا، فمُدٌّ لكلِّ مِسْكِين، وإن أطْعَمَ تَمْرًا، فنِصْفُ صاعٍ لكلِّ مِسْكِينٍ. ولَفْظُ شيخِنا ههُنا مُطْلقٌ في أنَّه يُطْعِمُ لكلِّ مِسْكِينٍ مُدًّا، ولم يُفَرِّقْ بينَ الأصْنافِ. وكذلك ذَكَرَه الخِرَقِىُّ مُطلَقًا. والأوْلَى أنَّه لا يَجْتَزِئُ مِن غيرِ البُرِّ بأقَلَّ مِن نِصْفِ صاعٍ؛ لأنَّه لم يَرِدِ الشرعُ في مَوْضِعٍ بأقَلَّ مِن ذلك في طُعْمَةِ المَساكِينِ، وهذا لا تَوْقِيفَ فيه، فيُرَدُّ إلى نُظرَائِه. ولا يُجْزِئُ إخْراجُ الطَّعامِ إلَّا على مَساكِينِ الحَرَمِ؛ لأنَّه قائِمٌ مَقامَ الهَدْىِ الواجِبِ لهم، فيَكُونُ أيْضًا لهم، كقِيمَةِ المِثْلِىِّ مِن مالِ الآدَمِىِّ.
الفَصْلُ الخامِسُ، أنَّه يَصُومُ عن كلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وهو قولُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَطاءٍ، ومالكٍ، والشافعىِّ؛ لأنَّها كَفّارَة دَخَلَها الصِّيامُ والإطْعامُ، فكانَ اليَوْمُ في مُقابَلَةِ المُدِّ، ككَفّارَةِ الظِّهارِ. وعن أحمدَ، رحمه الله، أنَّه يَصُومُ عن كلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. وهو قولُ ابنِ عباسٍ، والحسنِ، والنَّخَعِىِّ، والثَّوْرِىِّ، وأصحابِ الرَّأْىِ، وابنِ المُنْذِرِ. قال القاضى: المسألةُ رِوايَةٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واحِدَةٌ، واليَوْمُ عن مُدِّ بُرٍّ، أو نِصْفِ صاعٍ مِن غيرِه. وكَلامُ أحمدَ في الرِّوايَتَيْن مَحْمولٌ على اخْتِلافِ الحالَيْن؛ لأنَّ صَوْمَ اليَوْمِ مُقابِلُ إطْعام المِسْكِينِ، وإطْعامُ المِسْكِينِ مُدُّ بُرٍّ، أو نِصْفُ صاعٍ مِن غيرِه، ولأنَّ اللهَ تعالى جَعَل اليَوْمَ في كَفّارَةِ الظِّهارِ في مُقابَلَةِ إطْعامِ المِسْكِينِ، فكذا ههُنا. وروَى أبو ثَوْرٍ، أنَّ كَفّارَةَ الصَّيْدِ مِن الإطْعامِ والصِّيامِ مِثْلُ كَفّارَةِ الَادَمِيِّ. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ عباسٍ رَضِىَ اللهُ عنهما. ولَنا، أنَّه جَزاءٌ عن مُتْلَفٍ، فاخْتَلَفَ باخْتِلافِه، كبَدَلِ مالِ الآدَمِىِّ. ولأنَّ الصحابَةَ، رَضِىَ اللهُ عنهم، حينَ قَضَوْا في الصَّيدِ قَضَوْا فيه مُخْتَلِفًا.
فصل: فإن بَقِىَ مِن الطَّعامِ ما لَا يَعْدِلُ يَوْمًا، كدُونِ المُدِّ، صام عنه يومًا كامِلًا. كذلك قال عَطاءٌ، والنَّخَعِىُّ، وحَمّادٌ، والشافعىُّ، وأصحابُ الرَّأىِ. ولا نَعْلَمُ أحَدًا خالَفَهم؛ لأنَّ الصَّوْمَ لا يَتَبَعَّضُ، فيَجِبُ تَكْمِيلُه. ولا يَجِبُ التَّتابُعُ في الصِّيامِ. وبه قال الشافعىُّ، وأصحابُ الرَّأىِ؛ فإنَّ اللهَ سُبْحانَه أمَرَ به مُطْلَقًا، فلا يَتَقَيَّدُ بالتَّتابُعِ مِن غيرِ دَلِيلٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يَجُوزُ أن يَصُومَ عن بعضِ الجَزاءِ، ويُطْعِمَ عن بَعْضٍ. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه قال الشافعىُّ، والثَّوْرِىُّ (1)، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وجَوَّزَه محمدُ بنُ الحسنِ، إذا عَجَز عن بعضِ الإطْعامِ. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّها كَفّارَةٌ واحِدَةٌ، فلم يَجُزْ فيها ذلك، كسائِرِ الكَفّاراتِ.
فصل: وإن كان ممّا لا مِثْلَ له مِن الصَّيْدِ، يُخَيَّرُ قاتِلُهُ، بينَ أن يَشْتَرِىَ بقِيمَتِه طَعامًا، فيُطْعِمَه للمَساكِينِ، وبينَ أن يَصُومَ، لتَعَذُّرِ المِثْلِ. وهل يَجُوزُ إخْراجُ القِيمَةِ؟ فيه احْتِمالان؛ أحَدُهما، لا يَجُوزُ. وهو ظاهِرُ كَلامِ أحمدَ في رِوايَةِ حَنْبَلٍ، فإنَّه قال: إذا أصاب المُحْرِمُ صَيْدًا، ولم يُصِبْ له عَدْلَ حُكْمٍ عليه، قَوَّمَ طَعامًا، إن قَدَر على طَعامٍ، وإلَّا صام لكلِّ نصْفِ صاعٍ يومًا. هكذا يُرْوَى عن ابنِ عباسٍ. ولأنَّه جَزاءُ صَيْدٍ، فلم يَجُزْ إخْراجُ القِيمَةِ فيه، كالذى له مِثْلٌ، ولأن اللهَ تعالى خَيرَّ بَينَ ثَلَاثَةِ
(1) سقط من: م.
[66 ظ] فصْلٌ: الضَّرْبُ الثَّانِى عَلَى التَّرْتِيبِ، وَهُوَ ثَلَاثةُ أنْوَاعٍ؛ أحَدُهَا، دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، فَيَجِبُ الْهَدْىُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَصِيَامُ ثَلَاَثَةِ أَيَّام فِى الْحَجِّ، وَالأفْضَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَإنْ صَامَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، أَجْزأَهُ،
ــ
أشْياءَ، ليس منها القِيمَةُ، فإذا عَدِم أحَدَ الثَّلاثَةِ، يَبْقَى التَّخْيِيرُ بينَ الشَّيئَيْن الباقِيَيْن، فأمّا إيجابُ شئٍ غيرِ المَنْصُوصِ عليه فلا. والثّانِى، يَجُوزُ إخْراجُ القِيمَةِ؛ لأنًّ عُمَرَ، رَضِىَ الله عنه، قال لكَعْبٍ: ما جَعَلْتَ على نَفْسِك؟ قال: دِرْهَمَيْن. قال: اجْعَلْ ما جَعَلْتَ على نَفْسِك (1). وقال. عَطاءٌ: في العُصْفُورِ نِصْفُ دِرْهَمٍ. وظاهِرُه إخْراجُ الدّراهِمِ الواجِبَةِ. وعنه، أنَّ جَزاءَ الصَّيْدِ على التَّرْتِيبِ. وقد ذَكَرْناه.
فصل: قال رَضِىَ الله عنه: (الضَّرْبُ الثّانِي على التَّرْتِيبِ، وهو ثَلَاثةُ أنْواعٍ، أحَدُها، دمُ المُتْعَةِ والقِرانِ، فيَجبُ الهَدْىُ، فإن لم يَجِدْ، فصِيامُ ثَلاثَةِ أيّام في الحَجِّ، والأفْضَلُ أن يَكُونَ آَخِرُها يومَ عَرَفَةَ، وسَبْعَةٍ إذا رَجَع إلى أهْلِه، وإن صامَهُا قبلَ ذلك، أجْزَأه) لا نَعْلَمُ خِلافًا في وُجُوبِ الدَّمِ على المُتَمَتِّع والقارِنِ، وقد ذَكَرْناه فيما مَضَى، وذَكَرْنا شُرُوطَ وُجُوبِ الدَّمِ، فإن لم يَجِدْ فصِيامُ ثَلَاثةِ أيّامٍ في الحَجِّ، وسَبْعَةٍ إذا رَجَع إلى أهْلِه؛
(1) تقدم تخريجه في صفحة 321.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لقَوْلِه تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (1). وتُعْتَبَرُ القدْرَةُ على الهَدْىِ في مَوْضِعِه، فمتى عَدِمَه في مَوْضِعِهِ، جاز له الانْتِقالُ إلى الصِّيامِ، وإن كان قادِرًا عليه في بَلَدِه؛ لأنَّ وُجُوبَه مُوَقَّت، فاعْتبِرَت له القدْرَة عليه في مَوْضِعِه، كالماءِ في الطّهارَةِ، إذا عَدِمَه في مَكانِه انتقَلَ إلى التُّرابِ.
فصل: ولكلِّ واحِدٍ مِن صَوْم الثَّلاثَةِ والسَّبعَةِ وَقْتان؛ وَقْتُ اسْتِحْبابٍ، وَوَقْتُ جَوازٍ. فأمّا الثَّلَاثَةُ، فالأفْضَلُ أن يَكونَ آخِرها يَوْمَ عَرَفَةَ. يُرْوَى ذلك عن عَطاءٍ، وطاوُسٍ، والشَّعْبِىِّ، ومُجاهِدٍ، والحسنِ، والنَّخَعِىِّ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وعَلْقَمَةَ، وأصحابِ الرَّأْىِ. ورُوِىَ عن ابنِ عُمَرَ، وعائِشَةَ، رَضِىَ الله عنهما، أنَّه يَصُومُهُنَّ ما بينَ إهْلالِه بالحَجِّ ويَوْمِ عَرَفَةَ. وظاهِرُ هذا أنَّه يَجْعَل آخِرَها يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لأنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ بعَرَفَةَ غير مُسْتَحَبٍّ. وذَكَر القاضى في «المُجَرَّدِ» ذلك مَذْهَبُ أحمدَ. والمَنْصُوصُ عن أحمدَ ما ذَكَرْناه أولًا، وإنَّما أوْجَبْنا له صَوْمَ
(1) سورة البقرة 196.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَوْمِ عرَفَةَ ههُنا لمَوْضِعِ الحاجَةِ. وعلى هذا القَوْلِ، يُسْتَحَبُّ له تَقْدِيمُ الإحْرامِ بالحَجِّ قبلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ؛ ليَصُومَها في الحَجِّ، فإن صام منها شَيْئًا قبلَ إحْرامِه بالحَجِّ، جاز. نَصَّ عليه. فأمّا وَقْتُ جَوازِ صِيامِها، فإذا أحْرَمَ بالعُمْرَةِ. وهذا قولُ أبي حنيفةَ. وعن أحمدَ: إذا حَلَّ مِن العُمْرَةِ. وقال مالكٌ، والشافعىُّ: لا يَجُوزُ إلَّا بعدَ الإحْرامِ بالحَجِّ. ويُرْوَى ذلك عن ابنِ عُمَرَ. وهو قولُ إسْحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لقولِ اللهِ تعالى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} . ولأنَّه صِيامٌ واجِبٌ، فلم يَجُزْ تَقْدِيمُه على وَقْتِ وُجُوبِه، كسائِرِ الصِّيامِ الواجِبِ. ولأنَّ ما قَبْلَه وَقْتٌ لا يَجُوزُ فيه المُبْدَلُ، فلم يَجُزْ فيه البَدَلُ، كقَبْلِ الإِحْرامِ بالعُمْرَةِ. وقال الثَّوْرِيُّ والأوْزاعِىُّ: يَصُومُهُنَّ مِن أوَّلِ العَشْرِ إلى يومِ عَرَفَةَ. ولَنا، أنَّ إحْرامَ العُمْرَةِ أحَدُ إحْرامَىِ التَّمَتُّعِ، فجاز الصَّوْمُ بعدَه، كإحْرامِ الحَجِّ. وأمّا قَوْلُه:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} . فقِيلَ: مَعْناه في أشْهُرِ الحَجِّ، فإنَّه لابُدَّ فيه مِن إضْمارٍ، إذا كان الحَجُّ أفْعالًا لا يُصامُ فيها، إنَّما يُصامُ في وَقْتِها، أو في أشْهُرِها، فهو كقَوْلِه سُبْحانَه:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (1). وأمّا تَقْدِيمُه على وَقْتِ الوُجُوبِ، فيَجُوزُ إذا وُجِدَ السَّبَبُ،
(1) سورة البقرة 197.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كتَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ على الحِنْثِ وزُهُوقِ النَّفْسِ، وأمّا كَوْنُه بَدَلًا فلا يُقَدَّمُ على المُبْدَلِ، فقد ذَكَرْنا رِوايَةً في جَوازِ تَقدِيمِ الهَدْىِ على الإِحْرامِ بالحَجِّ، فكذلك الصومُ.
فصل: فأمّا تَقْدِيمُ الصَّوْمِ على إحْرامِ العُمْرَةِ، فلا يَجُوزُ. لا نَعْلَمُ قائِلًا بجَوازِه. إلَّا رِوايَةً عن أحمدَ، حَكاها بعضُ الأصحابِ، وليس بشئٍ؛ لأنَّه تَقدِيمُ الصومِ على سَبَبِه ووُجُوبِه، ومُخالِفٌ لقولِ أهْلِ العِلْمِ. وأحمدُ، رحمه الله، يُنَزَّهُ عن هذا. وأمّا السَّبْعَةُ فلها وَقْتان؛ وَقْتُ اخْتِيارٍ، وَوَقْتُ جَوازٍ، أمّا وَقْتُ الاخْتِيارِ فإذا رَجَع إلى أهْلِه؛ لِما روَى ابنُ عُمَرَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَضىَ الله عنهما، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ فِى الْحَجِّ، وسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أهْلِه» . مُتَّفَقٌ عليه (1). وأمّا وَقْتُ الجَوازِ، فإذا مَضَتْ أيّامُ التَّشْرِيقِ، قال الأثْرَمُ: سُئِلَ أحمدُ: هل يَصُومُ بالطَّرِيقِ أو بمَكَّةَ؟ قال: كيف شاء. وبهذا قال أبو حنيفةَ، ومالكٌ. وعن عَطاءٍ، ومُجاهِدٍ: يَصُومُها في الطَّريقِ. وهو قولُ إسْحاقَ. وقال ابنُ المُنْذِرِ: يَصُومُها إذا رَجَع إلى أهْلِه؛ للخَبَرِ. ويُرْوَى ذلك عن ابنِ عُمَرَ. وهو قولٌ للشافعىِّ. وله قولٌ كقَوْلِنا، وكقَوْلِ إسْحاقَ. ولَنا، أنَّ كلَّ صوْم لَزِمَه وجاز في وَطَنِه، جاز قبلَ ذلك، كسائِرِ الفُرُوضِ،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 157.