الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِى شَمِّ الرَّيْحَانِ وَالنَّرْجِسِ وَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْبَرَمِ وَنَحْوِهَا،
ــ
للمُحْرِمِ شَمُّ العُودِ، ولا فِدْيَةَ عليه؛ لأنَّه لا يُتَطَيَّبُ به هكذا، إنَّما يُقصَدُ منه التَّبخِيرُ، وكذلك الفَواكِهُ كلُّها؛ مِن الأُتْرُجِّ والتُّفّاحِ والسَّفَرْجَلِ وغيرِها، وكذلك نَباتُ الصّحراءِ؛ كالشِّيحِ والقَيْصُومِ (1) والخُزامَى الذى تُسْتَطابُ رائِحَتُه، وما يَشَمُّه الآدَمِيُّون لغيرِ قَصْدِ الطِّيبِ؛ كالحِنّاءِ والعُصْفُرِ، فمُباحٌ شَمُّه، ولا فِدْيَةَ في شئٍ مِن ذلك. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا، إلَّا ما رُوِىَ عن ابنِ عُمَرَ، أنَّه كان يَكْرَهُ للمُحْرِمِ أن يَشَمَّ شَيْئًا مِن نَبْتِ الأرْضِ مِن الشِّيحِ والقَيْصُومِ وغيرِهما. ولا نَعْلَمُ أحَدًا أوْجَبَ في ذلك شَيْئًا؛ لأنَّه لا يُقْصَدُ للطِّيبِ، ولا يُتَّخَذُ منه الطِّيبُ، أشْبَهَ سائِرَ نَبْتِ الأرْضَ. وقد رُوِىَ أنَّ أزْواجَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، كُنَّ يُحْرِمْنَ في المُعَصْفَراتِ (2).
1196 - مسألة: (وفى شَمِّ الريْحانِ والنَّرْجِسِ والوَرْدِ والبَنَفْسَجِ
(1) شجر على أطرافه زهر مستدير ذهبى اللون طيب الرائحة.
(2)
أخرجه البخارى عن عائشة تعليقا، في: باب ما يلبس المحرم، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 169. ووصله البيهقى، في: باب العصفر ليس بطيب، من كتاب الحج. السنن الكبرى 59/ 5. وأخرجه الإمام مالك، عن أسماء بنت أبى بكر، في: باب لبس الثياب المصبغة، من كتاب الحج. الموطأ 326/ 1. والبيهقى في الموضع السابق.
وَالِادِّهَانِ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيِّبٍ فِى رَأْسِهِ، رِوَايَتَانِ.
ــ
والبَرَمِ (1) ونحوِها، والادِّهانِ بدُهْنٍ غيرِ مُطِّيِّبٍ في رَأْسِه، روايَتان) المذكورُ في هذه المسألَةِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْن؛ أحَدُهما، ما يُنْبِتُه الآدَمِيُّون للطِّيبِ، ولا يُتَّخَذُ منه طِيبٌ، كالرَّيْحانِ الفارِسِىِّ والمَرْدَشوشِ (2) والنَّرْجِسِ والبَرمِ، ففيه رِوايَتان؛ إحْداهما، يُباحُ بغيرِ فِدْيَةٍ. وهو قولُ عثمانَ، وابنِ عباس، والحسنِ، ومُجاهِدٍ، وإسْحاقَ؛ لأنَّه إذا يَبِس ذَهَبَت رائِحَتُه، أشْبَهَ نَبْتَ البَرِّيَّةِ، ولأنَّه لا يُتَّخَذُ منه طِيبٌ، أشْبَهَ العُصْفُرَ. والثّانِيَةُ، يَحْرُمُ شَمُّه، فإن فَعَل، فعليه الفِدْيَةُ. وهو قولُ جابِرٍ، وابنِ عُمَرَ، والشافعىِّ، وأبِى ثَوْرٍ؛ لأنَّه يُتَّخَذُ للطِّبِ، أشْبَهَ الوَرْدَ. وكَرهَه مالكٌ وأصْحابُ الرَّأْىِ، ولم يُوجِبُوا فيه شيئًا. وكَلامُ
(1) البَرَم: زهر أصفر طيب الرائحة لشجرة تسمى شجرة إبراهيم. تكملة المعاجم العربية لدوزى. النسخة العربية 1/ 311.
(2)
في م: «المرشوش» . ويقال أيضًا: مرزنجوش، ومرزجوش، ومردقوش، فارسى معّرب، واسمه السمسق بالعربية، نبات طيب الرائحة. جامع مفردات الأدوية 4/ 144.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدَ مُحْتَمِلٌ لهذا، فإنَّه قال في الرَّيْحانِ: ليس مِن آلةِ المُحْرِمِ. ولم يَذْكُرْ فيه فِدْيَةً. الثّانِى، ما يَنْبُتُ للطِّيبِ، ويُتَّخَذُ منه طِيبٌ، كالوَرْدِ والبَنَفْسَجِ والياسَمِينِ والخِيرِىِّ، فهذا إذا اسْتَعْمَلَه وشَمَّه، ففيه الفِدْيَةُ؛ لأنَّ الفِدْيَةَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَجِبُ فيما يُتخَذُ منه، كماءِ الوَرْدِ، فكذلك أصْلُه. وعن أحمدَ رِ وايَةٌ أُخْرَى في الوَرْدِ، لا شَئَ في شَمِّه؛ لأنَّه زَهْرٌ، أشْبَهَ سائِرَ الشَّجَرِ. وقد ذَكَر شيخُنا فيه ههُنا رِوايَتَيْن. وكذلك ذَكَر أبو الخَطّابِ. والأوْلَى تَحْرِيمُه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ووُجُوبُ الفِدْيَةِ فيه؛ لأنَّه يَنْبُتُ للطِّيبِ، ويُتَّخَذُ منه، أشْبَهَ الزَّعْفَرانَ والعَنْبَرَ. قال القاضى: يُقالُ، إنَّ العَنْبَرَ ثَمَرُ شَجَرَةٍ، وكذلك الكافُورُ.
فصل: فأمّا الادِّهانُ بدُهْنٍ لا طِيبَ فيه، كالزَّيْتِ، والشَّيْرَجِ، والسَّمْنِ، والشَّحمِ، ودُهْنِ البانِ (1) السّاذَجِ، فنَقَلَ الأثْرَمُ، قال: سَمِعْتُ أبا عبدِ الله يُسْألُ عن المُحْرِمِ يَدَّهِنُ بالزَّيْتِ والشَّيْرَجِ؟ فقالَ:
(1) البان: شجر سبط القوام لين، ورقه كورق الصفصاف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نعم، يَدَّهِنُ به إذا احْتاجَ إليه، ويَتَداوَى المُحْرِمُ بما يأْكُلُ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ عَوامُّ أهْلِ العِلْمِ على أنَّ للمُحْرِمِ أن يَدْهُنَ بَدَنه بالشَّحْمِ والزَّيْتِ والسَّمْنِ. ونُقِلَ جوازُ ذلك عن ابنِ عباسٍ، وأبِى ذَرٍّ، والأسْوَدِ بنِ يَزِيدَ، وعَطاءٍ، والضَّحّاكِ. نَقَلَه الأثْرَمُ. ونَقَل أبو داودَ عن أحمدَ، أنَّه قال: الزَّيْتُ الذى يُؤْكَلُ لا يَدْهُنُ المُحْرِمُ به رَأْسَه. فظاهِرُ هذا أنَّه لا يَدْهُنُ رَأْسَه بشئٍ مِن الأدْهانِ. وهو قولُ عَطاء، ومالكٍ، والشافعىِّ، وأبِى ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّه يُزِيلُ الشَّعَثَ، ويُسَكِّنُ الشَّعَرَ.
فصل: فأمّا دَهْنُ سائِرِ البَدَنِ، فلا نَعْلَمُ عن أحمدَ فيه مَنْعًا، وقد أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على إباحَتِه في اليَدَيْنِ، وإنَّما الكَراهَةُ في الرَّأْسِ خاصَّةً؛ فإنَّه مَحَلُّ الشَّعَرِ. وقال القاضى: في إباحَتِه في جَمِيعِ البَدَنِ رِوايَتان. فإن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فعلَه فلا فِدْيَةَ فيه، في ظاهِرِ كَلامِ أحمدَ، سَواءٌ دَهْنُ رَأْسِه وغيرِه، إلَّا أن يَكُونَ مُطَيِّبًا. وقد رُوِىَ عن ابنِ عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه صُدِعَ وهو مُحْرِمٌ، فقالُوا: ألا نَدهُنُك بالسَّمْنِ؟ قال: لا. قالُوا: أليس تَأْكُلُه؟ قال: ليس أكْلُه كالادِّهانِ به. وعن مُجاهِدٍ، أنَّه إن تَداوَى به فعليه الكَفّارَةُ. وقال مَن مَنَع مِن دَهْنِ الرَّأْسِ: فيه الفِدْيَةُ؛ لأنَّه مُزِيلٌ للشَّعَثِ، أشْبَهَ ما لو كان مُطَيِّبًا. ولَنا، أنَّ وُجُوبَ الفِدْيَةِ يَحْتاجُ إلى دَلِيلٍ، ولا دَلِيلَ فيه مِن نَصٍّ ولا إجْماعٍ، ولا يَصِحُّ قِياسُه على الطِّيبِ، فإنَّ الطَّيبَ يُوجِبُ الفِدْيَةَ وإن لم يُزِلْ شَعَثًا، ويَسْتَوِى فيه الرَّأْسُ وغيرُه، والدُّهْنُ بخِلافِه، ولأنَّه مانِعٌ لا تجِبُ الفِدْيَة باسْتِعْمالِه في البَدَنِ، فلم تجِبْ باسْتِعْمالِه في الرَّأْسَ، كالماءِ.