الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَشْتَرِطُ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّى أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِى، فَيَسِّرْهُ لِى،
ــ
والأُضْحِيَةَ لا يَجِبان بمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كذلك النُّسُكُ. ولَنا، أنَّها عِبادَةٌ ليس في آخِرِها نُطْقٌ واجِبٌ، فلم يَكُنْ في أوَّلِها، كالصيامِ. والخَبَرُ المُرادُ به الاسْتِحْبابُ، فإنَّ مَنْطُوقَه رَفْعُ الصَّوْتِ، ولا خِلافَ في عَدَمِ وُجُوبِه، فما هو مِن ضَرُورَتِه أوْلَى، ولو وَجَب النُّطْقُ لم يَلْزَمْ كَوْنُه شَرْطًا، فإنَّ كَثِيرًا مِن واجِباتِ الحَجِّ غيرُ مُشْتَرَطَةٍ فيه، والصلاةُ في آخِرِها نُطْقٌ واجِبٌ، بخِلافِ الحَجِّ والعُمْرَةِ. وأمّا الهَدْىُ والأُضْحِيَةُ فإيجابُ مالٍ، فهو يُشْبِهُ النَّذْرَ، بخِلافِ الحَجِّ؛ لأنَّه عِبادَةٌ بَدَنِيَّةٌ. فعلى هذا لو نَطَق بغيرِ ما نَواه، نَحْوَ أن يَنْوِىَ العُمْرَةَ، فيَسْبِقَ لسانُه إلى الحَجِّ، أو بالعَكْسِ، انْعَقَدَ ما نَواه دُونَ ما لَفَظ به. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلْمِ على هذا. وذلك لأنَّ الواجِبَ النِّيَّةُ، وعليها الاعْتِمادُ، واللَّفْظُ لا عِبْرَةَ به، فلم يُؤَثِّرْ، كما لا يُؤَثِّرُ اخْتلافُ النِّيَّةِ فيما يُعْتَبَرُ له اللَّفْظُ دُونَ النِّيَّةِ. فإن لَبَّى، أو ساق الهَدْىَ مِن غيرِ نِيَّةٍ، لم يَنْعَقِدْ إحْرامُه؛ لأنَّ ما اعْتُبِرَت له النِّيَّةُ لا يَنْعَقِدُ بدُونِها، كالصومِ والصلاةِ.
1159 - مسألة: (ويَشْتَرِطُ، فيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّى أُرِيدُ النُّسُكَ
وَتَقَبَّلْهُ مِنِّى، فَإِنْ حَبَسَنِى حَابِسٌ، فَمَحِلِّى حَيْثُ حَبَسْتَنِى.
ــ
الفُلانِيَّ، فيَسِّرْه لى، وتَقَبُّلْه مِنِّى، وإن حَبَسَنِى حابِسٌ، فمَحِلِّى حيث حَبَسْتَنِى) فإن أرادَ التَّمَتُّعَ قال: اللَّهُمَّ إنِّى أُرِيدُ العُمْرَةَ، فيَسِّرْها لى، وتَقَبَّلْها مِنِّى، وإن حَبَسَنِى حابِسٌ فمَحِلِّى حيث حَبَسْتَنِى. وإن أرادَ الإِفْرادَ، قال: اللَّهُمَّ إنِّى أُريدُ الحَجَّ فيَسِّرْه لى وتَقَبَّلْه مِنِّى. ويَشْتَرِطُ. وإن أرادَ القِرانَ قال: اللَّهُمَّ إنِّى أُرِيدُ الحَجَّ والعُمْرَةَ فيَسِّرْهما لى، وتَقَبَّلْهما مِنِّى. ويَشْتَرِطُ. وهذا الاشْتِراطُ مُسْتَحَبٌّ. ويُفِيدُ هذا الشَّرْطُ شَيْئَيْن؛ أحَدُهما، أنَّه إذا عاقه عَدُوٌّ أو مَرَضٌ أو ذَهابُ نَفَقَةٍ ونَحْوُه، أنَّ له التَّحَلُّلَ. والثّانِي، أنَّه متى حَلَّ بذلك فلا شئَ عليه. ومِمَّن رَأى الاشْترِاط في الإِحْرامِ؛ عُمَرُ، وعليٌّ، وابنُ مسعودٍ، وعَمّارٌ، رَضِىَ اللهُ عنهم. وبه قال عَبِيدَةُ السَّلْمانِىُّ، وعَلْقَمَةُ، والأسْوَدُ، وشُرَيْحٌ، وسعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وعطاءٌ، وعِكْرِمَةُ، والشافعيُّ بالعراقِ. وأنْكَرَه ابنُ عُمَرَ، وطاوُسٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والزُّهْرِيُّ، ومالكٌ، وأبو حنيفةَ. وعن أبِى حنيفةَ، أنَّ الاشْتِراطَ يُفِيدُ سُقُوطَ الدَّمِ، فأمّا التَّحَلُّلُ فهو ثابِتٌ عندَه بكلِّ إحْصارٍ. واحْتَجُّوا بأنَّ ابنَ عُمَرَ كان يُنكِرُ الاشْتِراطَ، ويَقُولُ: حَسْبُكم سُنَّةُ نَبِيِّكُم صلى الله عليه وسلم. ولأنَّها عِبادَةٌ تَجِبُ بأصْلِ الشَّرْعِ، فلم يُفِدْ الاشْتِراطُ فيها، كالصومِ والصلاةِ. ولَنا، ما رَوَتْ عائِشَةُ، رَضِىَ اللهُ عنها، قالَت: دَخَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ضُباعَةَ بنتِ الزُّبَيْرِ، فقالَتْ: يا رسولَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللهِ، إنِّى أُريدُ الحَجَّ، وأنا شاكِيَةٌ. فقالَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«حُجِّى، وَاشْتَرِطِى أنَّ مَحِلِّى حَيْثُ حَبَسْتَنِى» . مُتَّفقٌ عليه (1). وعن ابنِ عباسٍ، رَضِىَ اللهُ عنهما، أنَّ ضُباعَةَ أتَتِ النبي صلى الله عليه وسلم، فقالَتْ: يا رسولَ اللهِ، إنِّى أُرِيدُ الحَجَّ، فكيفَ أقُولُ؟ قالَ:«قُولِى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، ومَحِلِّى مِنَ الأرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنى، فإن لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثنيْتِ» . رَواه مسلمٌ (2). ولا قولَ لأحَدٍ مع قولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فكيفَ يُعارَضُ بقَوْلِ ابنِ عُمَرَ، ولو لم يَكُنْ فيه حديثٌ لكانَ قولُ الخَلِيفَتَيْن الرّاشِدَيْن مع مَن قد ذَكَرْنا قولَه مِن فُقَهاءِ الصحابةِ أوْلَى مِن قولِ ابنِ عُمَرَ.
(1) أخرجه البخارى، في: باب الأكفاء في الدين. . . .، من كتاب النكاح. صحيح البخارى 7/ 9. ومسلم، في: باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 867، 868.
كما أخرجه النسائي، في: باب كيف يقول إذا اشترط، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 131. وابن ماجه، في: باب الشرط في الحج، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 979، 980. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 164، 202، 349، 360، 420.
(2)
في: باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 868. كما أخرجه أبو داود، في: باب الاشتراط في الحج، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 411. والترمذى، في: باب ما جاء في الاشتراط في الحج، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 170. والنسائي، في: باب كيف إذا اشترط، من كتاب الحج. المجتبى 5/ 130. وابن ماجه، في: باب الشرط في الحج، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 980. والدارمى، في: باب الاشتراط في الحج، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 35. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 337، 352.