الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا، أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَفْسَخَ إِذَا طَافَ وَسَعَى وَيَجْعَلَهَا عُمْرَةً؛ لِأَمْرِ رَسُولٍ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِذلِكَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَاقَ مَعَهُ هَدْيًا، فَيَكُون عَلَى إِحْرَامِهِ.
ــ
وليس هذا مُتَمَتِّعًا. وِالصَّحِيحُ الأوَّلُ، فإنَّنا قد ذَكَرْنا أنَّه مُتَمَتِّعٌ، وإن لم يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فهو فرْعٌ عليه، ووُجُوبُ الدَّمِ على القارِنِ إنَّما كان مَعْنى النَّصِّ على المُتَمَتِّعِ، ولا يَجُوزُ أن يُخالِفَ الفَرْعُ عليه.
1164 - مسألة: (ومَن كان مُفْرِدًا أو قارِنًا، أحْبَبْنا له أن يَفْسَخَ إذا طاف وَسَعى ويَجْعَلَها عُمْرَةً؛ لأمْرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أصْحابَه بذلك، إلَّا أن يَكُونَ معه هَدْىٌ، فيَكُونَ على إحْرامِه)
إذا كان مع المُفْرِدِ والقارِنِ هَدْىٌ، فليس له أن يَحِلَّ مِن إحْرامِه ويَجْعَلَه عُمْرَةً، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِما روَى ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمّا قَدِم مَكَّةَ، قال للنّاسِ:«مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أهْدَى فإنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَئٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِىَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُم (1) أهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ لْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ (2) هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاَثةَ أيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أهْلِهِ» . مُتَّفَقٌ عليه (3). فأمّا مَن لا هَدْىَ معه، فيُسْتَحَبُّ له إذا طاف وسَعَى أن يَفْسَخَ نِيَّتَه بالحَجِّ، ويَنْوِىَ عُمْرِةً مُفْرَدَةً، فَيُقَصِّرَ ويَحِلَّ مِن إحْرامِه؛ ليَصِيرَ مُتَمَتِّعًا، إن لم يَكُنْ وقَف بعَرَفَةَ. وكان ابنُ عباسٍ، رَضِىَ اللهُ عنهما، يَرَى أنَّ مَن طافَ بالبَيْتِ وسَعَى فقد حَلَّ، وِإن لم يَنْوِ ذلك. وبهذا الذى ذَكَرْناه قال مُجاهِدٌ، والحسنُ، وداودُ. وذَهَب أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ إلى (4) أنَّه لا يَجُوزُ له ذلك؛ لأنَّ الحَجَّ أحَدُ النُّسُكَيْن، فلم يَجُزْ فَسْخُهُ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «يحل» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 157.
(4)
في الأصل: «على» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالعُمْرَةِ. وروَى ابنُ ماجه (1) عن بِلالِ بنِ الحارِثِ المُزَنِىِّ، عن أبِيهِ، أنَّه قال: يا رسولَ اللهِ، فَسْخُ الحَجِّ لَنا خاصَّةً، أو لِمن يَأْتِىِ؟ قال:«لَنَا خَاصَّةً» . ورُوِىَ أيضًا عن المُرَقِّعِ الأَسَدِىِّ (2)، عن أبِى ذرٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، قال: كان ما أذِنَ لَنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ دَخَلْنا مَكَّةَ أن نَجْعَلَها عُمْرَةً، ونَحِلَّ مِن كلِّ شَئٍ، أنَّ تلك كانَتْ لَنا خاصَّةً، رُخْصَةً مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، دُونَ جَمِيعِ النّاسِ (3). ولَنا، أنَّه قد ثَبَت عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّه أمَرَ أصْحابَه في حَجَّةِ الوَداعِ الذين أفْرَدُوا الحَجَّ وقَرَنُوا أن يَحِلُّوا كلُّهم، ويَجْعَلُوها عُمْرَةً، إلَّا مَن كان معه الهَدْىُ، في أحاديثَ كَثِيرَةٍ مُتَّفَقٍ عليها، بحيثُ يَقْرُبُ مِن المُتَواتِرِ، ولم يَخْتَلِفْ في صِحَّةِ ذلك وثُبُوتِه عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أحَدٌ مِن أهْلِ العِلْمِ عَلِمْناه. وذَكَر أبو حَفْصٍ، في «شَرْحِه»
(1) في: باب من قال كان فسخ الحج لهم خاصة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 994. كما أخرجه أبو داود في: باب الرجل يهل بالحج ثم يجعلها عمرة، من كتاب المناسك. سنن أبو داود 1/ 420. والنسائى، في: باب إباحة فسخ الحج. . . .، من كتاب الحج. المجتبى 5/ 140. والدارمى، في: باب في فسخ الحج، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 50.
(2)
كذا بالنسخ. وردت هذه النسبة هكذا في التاريخ الكبير للبخارى 8/ 58، وفى أصول الثقات لابن حبان، كما في حاشية 5/ 460، وفى أصول المغنى، كما في حاشية 5/ 252. وقد ضبطها ابن ماكولا، والسمعانى، «الأُسَيِّدَى».
(3)
أخرجه مسلم، في: باب جواز التمتع، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 897. والنسائى، في: باب إباحة فسخ الحج. . . .، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 141. وابن ماجه، في: باب من قال كان فسخ الحج لهم خاصة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 994. كلهم عن إبراهيم التيمى، عن أبيه في يد بن شريك. ورواية المرقع أخرجها الحميدى في مسنده برقم (132).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بإسْنادِه عن إبراهيمَ الحَرْبِىِّ (1)، وقد سُئِلَ عن فَسْخِ الحَجِّ (2) إلى العُمْرَةِ، فقالَ: قال سَلَمَةُ بنُ شَبِيبٍ لأحمدَ بنِ حَنبلٍ: يا أبا عبدِ اللهِ، كلُّ شئٍ منك حسنٌ جَمِيلٌ، إلَّا خَلَّةً واحِدَةً. فقالَ: وما هى؟ قال: تَقُولُ بفَسْخِ (3) الحَجِّ. قال أحمدُ: قد كُنْتُ أرَى أنَّ لك عَقْلًا، عندِى ثمانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا صِحاحًا جِيادًا، كلُّها في فَسْخِ الحَجِّ، أتْرُكُها لقَوْلِك! وقد روَى فَسْخَ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ ابنُ عُمَرَ، وابنُ عباسٍ، وجابِرٌ، وعائِشَةُ، رَضِىَ اللهُ عنهم، وأحاديثُهم مُتَّفَقٌ عليها. ورَواه غيرُهم مِن وُجوهٍ صِحاحٍ. قال جابِرٌ: أهْلَلْنا - أصْحابَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بالحَجِّ خالِصًا وَحْدَه وليس معه عُمْرَةٌ (4)، فقَدِمَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم صُبْحَ رابِعَةٍ مَضَتْ مِن ذِى الحَجَّةِ، فلَمّا قَدِمْنا أمَرَنا النبى صلى الله عليه وسلم أن نَحِلَّ، قال:«أحِلُّوا وَأصِيبُوا مِنَ النِّساءِ» . قال: فبَلَغَه عَنّا أنَّا نَقُولُ: لم يَكُنْ بينَنا وبينَ عَرَفَةَ إلَّا خمْسُ لَيالٍ، أمَرَنا أن نَحِلَّ إلى نِسائِنا، فنَأْتِىَ عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذاكِيرُنا
(1) في م: «الخرقى» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «نفسخ» .
(4)
في م: «غيره» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالمَنِىِّ. قال: فقامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ:«قَدْ عَلِمْتُمْ أنِّى أتْقَاكُمْ للهِ وَأصْدَقُكُمْ وَأُبَرُّكُمْ، وَلَوْلَا هَدْيِى تَحَلَّلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ، فَحِلُّوا، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أهْدَيْتُ» . قال: فحَلَلْنا، وسَمِعْنا وأطَعْنا. قال: فقالَ سُراقَةُ بنُ مالكِ بنِ جُعْشُمٍ المُدْلِجىُّ: مُتْعَتُنا هذه يا رسولَ اللهِ لعامِنا هذا، أم للآبَدِ؟ فَظَنَّه محمدُ بنُ بَكْرٍ (1)، أنَّه قال:«لِلأبَدِ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). فأمّا حديثُهم، فقالَ أحمدُ: روَى هذا الحديث الحارِثُ بنُ بِلالٍ، فمَن الحارِثُ بنُ بلالٍ؟ يَعنِى أنَّه مَجْهُولٌ. ولم يَرْوِه إلَّا الدَّرَاوَرْدِىُّ (3)، وحديثُ أبى ذَرٍّ رَواه مُرَقِّعٌ الأَسَدِىُّ (4)،
(1) في م: «أبى بكر» .
(2)
أخرجه البخارى، في: باب تقضى الحائض المناسك كلها. . . .، من كتاب الحج، وفى: باب عمرة التنعيم، من كتاب العمرة، وفى: باب الاشتراك في الهدى. . . .، من كتاب الشركة، وفى: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم لو استقبلت. . . .، من كتاب الثمنى، وفى: باب نهى النبى صلى الله عليه وسلم على التحريم. . . .، من كتاب الاعتصام. صحيح البخارى 2/ 195، 196، 3/ 4، 5، 185، 9/ 103، 137. ومسلم، في: باب وجوه الإحرام. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 883، 884.
كما أخرجه أبو داود، في: باب إفراد الحج، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 415. والنسائى، في: باب إباحة فسخ الحج. . . .، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 140. وابن ماجه، في: باب فسخ الحج، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 992. الإمام أحمد، في: المسند 3/ 305، 317، 366.
(3)
في م: «الداروردى» .
(4)
في النسخ: «الأسيدى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فمَن مُرَقِّعٌ الأسَدِىُّ؟ شاعِرٌ مِن أهْلِ الكُوفَةِ لم يَلْقَ أبا ذَرٍّ. فقِيلَ له: أفليس قد روَى الأعْمَشُ، عن إبراهيمَ التَّيْمِىِّ، عن أبيه، عن أبِى ذَرٍّ، قالَ: كانَت مُتْعَةُ الحَجِّ لَنا خاصَّةً - أصْحابَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: أفيَقُولُ هذا أحَدٌ؟ المُتْعَةُ في كتابِ اللهِ، وقد أجْمَعَ النّاسُ على أنَّها جائِزَةٌ. قال الجُوزْجانِىُّ: مُرَقِّعٌ الأَسَدِىُّ ليس بالمَشْهُورِ، ومثلُ هذه الأحاديثِ في ضَعْفِها وجَهالةِ رُواتِها لا تُقْبَلُ إذا انْفَردَتْ، فكيفَ تُقْبَلُ في رَدِّ حُكْمٍ ثابِتٍ بالتَّواتُرِ، مع أنَّ قولَ أبى ذَرٍّ مِن رَأْيِه، وقد خالَفَه مَنٍ هو أعْلَمُ منه، وقد شَذَّ به عن الصَّحابَةِ، رَضِىَ اللهُ عنهم، فلا يَكُونُ حُجَّةٌ. وأمّا قِياسُهم فلا يُقْبَل في مُقابَلَةِ النَّصِّ الصَّحِيحِ، على أنَّ قِياسَ الحَجِّ على العُمْرَةِ في هذا لا يَصِحُّ، فإنَّه يَجُوز قَلْبُ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ في حَقِّ مَن فاتَه الحَجُّ ومَن حُصِرَ عن عَرَفَةَ، والعُمْرَةُ لا تَصِيرُ حَجًّا بحالٍ، ولأنَّ فَسْخَ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ يَصِيرُ به مُتَمَتِّعًا، فحَصَّلَ الفَضِيلَةَ، وفَسْخُ العُمْرَةِ إلى الحَجِّ يُفَوِّتُ الفَضِيلَةَ، ولا يَلْزَمُ مِن مَشْرُوعِيَّةِ ما يُحَصِّلُ الفَضِيلَةَ مَشْرُوعِيَّة ما يُفوِّتُها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا فَسَخ الحَجَّ إلى العُمْرَةِ صار مُتَمَتِّعًا، حُكْمُه حُكْمُ المُتَمَتِّعِين، في وُجُوبِ الدَّمِ وغيرِه. وقال القاضى: لا يَجبُ الدَّمُ؛ لأنَّ مِن شَرْطِ وُجُوبِه أن يَنْوِىَ في ابْتِداءِ العُمْرَةِ أو في أثنائِها (1) أنَّه مُتَمَتِّعٌ. وهذه دَعْوَى لا دَلِيلَ عليها، تُخالِفُ عُمُومَ الكِتابِ وصَرِيحَ السُّنَّةِ الثّابِتَةِ، فإنَّ اللهَ تَعالى قال:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2). وفى حديثِ ابنِ عُمَرَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُم أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بالْبَيْتِ وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ لْيُهِلَّ بالحَجِّ ولْيُهْدِ، ومَنْ لم يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُم ثَلَاَثَةَ أيّامٍ في الحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أهْلِهِ» . مُتَّفَقٌ عليه (3). ولأنَّ وُجُوبَ دَمِ المُتْعَةِ
(1) في النسخ: «انتهائها» . وانظر المغنى 5/ 255.
(2)
سورة البقرة 196.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 157.