الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ،
ــ
أوْلَى، فلم يَلْزَمْه شيءٌ، كمَن لَزِمَتْه الصلاةُ بتَيَمُّم، فقَضَى بوُضُوءٍ.
1212 - مسألة: (وإن جامَعَ بعدَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ لم يَفْسُدْ نُسُكُه
،
وَيَمْضِى إلَى التَّنْعِيمِ فَيُحْرِمُ؛ لِيَطُوفَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أوْ شَاةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
ويَمْضِى إلى التَّنعِيمِ فيُحْرِمُ؛ ليَطوفَ وهو مُحْرِم. وهل يَلْزَمُه بَدَنَةٌ أو شاةٌ؟ على رِوايَتَيْن) في هذه المسألة ثَلاثَةُ فُصُول؛ أحَدُها، أنَّ الوَطْءَ بعدَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ لا يُفْسِدُ الحَجَّ. وهو قولُ ابنِ عباسٍ، وعِكْرِمَةَ، وعَطاءٍ، والشعْبِىِّ، ورَبِيعَةَ، ومالكٍ، والشافعىِّ، وإسْحاقَ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وقال النَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، وحَمّاد: عليه حَجٌّ مِن قابِل؛ لأنَّ الوَطْءَ صادَفَ إحْرامًا تامًّا بالحَجِّ، فأفْسَدَه، كالوَطْءِ قبلَ الرَّمْىٍ. ولَنا، قولُ النبىٍّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ شَهِدَ صَلَاَتنَا هَذه، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتى نَدْفعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» (1). ولأنَّ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب من لم يدرك عرفة، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 452. والترمذى، في: باب من أدرك الإمام بجمع. . . .، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 128، 129. والنسائى، في: باب في من لم يدرك صلاة الصبح. . . .، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 213، 214. وابن ماجه، في: باب من أتى عرفة قبل الفجر. . . .، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1004. والدارمى، في: باب بما يتم الحج. من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 59 والإمام أحمد، في: المسند 4/ 15، 261، 262.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابنَ عباس قال، في رجل أصابَ أهْلَه قبلَ أن يُفيضَ يومَ النَّحْرِ: يَنْحَران جَزُورًا بينَهما ، وليس عليه الحَجُّ مِن قابِلٍ (1). ولا نَعْرِفُ له في الصَّحابَةِ مُخالِفًا. ولأنَّها عِبادَة لها تَحَلُّلان، فوُجُود المُفْسِدِ بعدَ تَحَلُّلِها الأوَّلِ لا يُفْسِدُها، كما بعدَ التَّسْلِيمَةِ الأولَى في الصلاةِ، وبهذا فارَقَ ما قبلَ التَّحَلُّلِ الأولِ. الفصل الثّانِي، أن يَفْسُدَ الإحْرامُ بالوَطْءِ بعدَ جَمْرَةِ العَقَبَةِ، فيَلْزَمُه أن يُحْرِمَ مِن الحِلِّ. وبذلك قال عِكْرِمَةُ، ورَبِيعَةُ، وإسْحاقُ. وقال ابنُ عباسٍ، وعَطاءٌ، والشَّعْبِيُّ، والشافعيُّ: حَجُّه صَحِيح، ولا يَلْزَمُه إحْرام؛ لأنَّه إحْرامٌ لم يَفْسُدْ جَمِيعُه، فلم يَفْسُدْ بَعْضُه، كما بعدَ التَّحَلُّلِ الثّانِي. ولَنا، أنَّه وَطْءٌ صادَفَ إحْرامًا، فأفْسَدَه، كالإحْرام التّامِّ. وإذا فَسَد إحْرامُه، فعليه أن يُحْرِمَ؛ ليَأتىَ بالطّوافِ في إحْرامٍ صَحِيحٍ؛ لأنَّ
(1) أخرجه البيهقى، في: باب الرجل يصيب امرأته بعد التحلل الأول. . . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى 171/ 5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الطَّوافَ رُكْنٌ، فيَجِبُ أن يَأْتِيَ به في إحْرامٍ صَحِيحٍ، كالوُقُوفِ. ويَلْزَمُه الإحْرامُ مِن الحِلِّ؛ لأنَّ الإحْرامَ يَنْبَغِي أن يَجْمَعَ فيه بينَ الحِلِّ والحَرَمِ، فلو أبحْنا له الإحْرامَ مِن الحَرَمِ، لم يَجْمَعْ بينَهما؛ لأنَّ أفْعالَه كلَّها تَقَعُ في الحَرَمِ، أشبهَ المُعْتَمِرَ. وإذا أحْرَمَ، طافَ للزِّيارَةِ، وسَعَى إن لم يَكُنْ سَعَى، وتَحَلَّل؛ لأنَّ الذي بَقِيَ عليه بَقِيَّةُ أفْعالِ الحَجِّ. وإنَّما وَجَب عليه الإحْرامُ ليَأتِيَ بها في إحْرام صَحِيحٍ، هذا ظاهِرُ كلام الخِرَقِيِّ. والمَنْصُوصُ عن أحمدَ، رحمه الله، ومَن وافَقَه مِن الأئمَّةِ، أنَّه يَعْتَمِرُ، فيَحْتَمِلُ، أنَّهم أرادُوا هذا أَيضًا، وسَمُّوْه عُمْرَةً؛ لأنَّ هذه أفْعالُ العُمْرَةِ، ويَحْتَمِلُ أنَّهم أرادُوا عُمْرَةً حَقِيقَةً، فيَلْزَمُه سَعْىٌ وتَقْصِيرٌ. والأوَّلُ أصَحُّ. وقَوْلُه: يُحْرِمُ مِن التَّنعِيمِ. لم يَذْكُرْه لوُجُوبِ الإحْرامِ منه، بل لأنَّه حِلٌّ، فمَن أتى الحِلَّ وأحْرَمَ، جاز، كالمُعْتَمِرِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومتى وَطِيء بعدَ رَمْيِ الجَمْرَةِ لم يَفْسُدْ حَجُّه؛ حَلَق أو لم يَحْلِقْ. هذا ظاهِرُ كَلامِ أحمدَ، والخِرَقِيِّ، ومَن سَمَّيْنا مِن الأئمَّةِ؛ لتَرْتِيبِهم هذا الحُكْمَ على الوَطْءِ بعدَ مُجَرَّدِ الرَّمْيِ، مِن غيرِ اعْتِبارِ أمْرٍ زائدٍ.
فصل: فإن طاف للزِّيارَةِ، ولم يَرْمِ، ثم وَطِيء، لم يَفْسُدْ حَجُّه بحالٍ؛ لأنَّ الحَجَّ قد تَمَّتْ أرْكانُه كلُّها ، ولا يَلْزَمُه إحْرامٌ مِن الحِلِّ؛ فإنَّ الرمْىَ ليس برُكْنٍ، ولا يَلْزَمُه دَمٌ؛ لِما ذَكَرْنا. ويَحْتَمِلُ أن يَلْزَمَه؛ لأنَّه وَطِيء قبلَ وُجُودِ ما يَتمُّ به التَّحَلُّل، أشْبَهَ مَن وَطِيء بعدَ الرَّمْيِ، قبلَ الطَّوافِ.
فصل: والقارِنُ كالمُفْرِدِ، في أنَّه إذا وَطِيء بعدَ الرَّمْيِ لم يَفْسُدْ حَجُّه ولا عُمْرَتُه؛ لأنَّ الحُكْمَ للحَجِّ، ألا تَرَى أنَّه لا يَحِلُّ مِن عُمْرَتِه قبلَ الطَّوافِ، ويَفْعَلُ ذلك إذا كان قارِنًا ، ولأنَّ التَّرتِيبَ للحَجِّ دُونَها، والحَجُّ لا يَفْسُدُ قبلَ الطَّوافِ، كذلك العُمْرَةُ. وقال أحمدُ، في مَن وَطِيء بعدَ الطَّوافِ يَوْمَ النَّحْرِ، قبلَ أن يَرْكَعَ: ما عليه شيءٌ. قال أبو طالِبٍ: سَألْتُ أحمدَ عن الرجلِ يُقَبِّلُ بعدَ رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ، قبلَ أن يَزُورَ البَيْتَ؟ قال:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ليس عليه شيءٌ، قد قَضَى المَناسِكَ. فعلى هذا ليس في غيرِ الوَطْءِ في الفَرْجِ شيءٌ. الفصلُ الثّالِثُ، فيما يَجِبُ عليه فِدْيَةً للوَطْءِ، وهو شاةٌ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ. وهو قولُ عِكْرمَةَ، ورَبِيعَةَ، ومالكٍ، وإسْحاقَ. وفيه رِوايَة أخْرَى، أنَّ عليه بَدَنَةً. وهو قولُ ابنِ عباس (1)، وعَطاءٍ، والشَّعبِيِّ، والشافعيِّ، وأصْحابِ الرَّأيِ؛ لأنَّه وَطْءٌ في الحَجِّ، فوَجَبَتْ به بَدَنَةٌ، قبلَ رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ. ووَجْهُ الأُوْلَى، أنَّه وَطْءٌ لم يُفْسِدِ الحَجَّ، فلم يُوجِبْ بَدَنَةً، كالوَطْءِ دُونَ الفَرْجِ، إذا لم يُنْزِلْ، ولأنَّ حُكْمَ الإحْرامِ خَفَّ بالتَّحَلُّلِ الأولِ، فيَنْبَغِي أن يَنْقُصَ مُوجِبُه عن الإحْرامَ التّامِّ.
(1) أخرجه البيهقى، في: باب الرجل يصيب امرأته بعد التحلل الأول، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 171.
فَصْلٌ: التَّاسِع، الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لِشَهْوَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَأَنْزَلَ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ.
ــ
فصل: وإذا أفْسَدَ القَضاءَ لم يَجِبْ عليه قَضاؤه، وإنَّما يَقْضِي عن الحَجِّ الأولِ، كما لو أفْسَدَ قَضاءَ الصلاةِ والصيامِ، وَجَب القَضاءُ للأصْلِ دُونَ القَضاءِ، كذا ههُنا. وذلك لأنَّ الواجِبَ لا يَزْدادُ بفَواته، وإنَّما يَبْقَى ما كان واجِبًا في الذِّمَّةِ على ما كان عليه، فيَعُودُ (1) به القَضاءُ.
فصل: قال الشيخُ، رضي الله عنه: (التّاسِعُ، المُباشَرَةُ فيما دُونَ الفَرْجِ لشَهْوَةٍ، فإن فَعَل فأنزلَ، فعليه بَدَنَةٌ. وهل يَفْسُدُ
(1) في الأصل: «فرد» .
وَهَلْ يَفْسُدُ نُسُكُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإنْ لَمْ يُنْزِلْ، لَمْ يَفْسُدْ.
ــ
نُسُكُه؟ على رِوايَتَيْن. وإن لم يُنْزِلْ، لم يَفْسُدْ) إذا وَطِيء فيما دُونَ الفَرْجِ، أو قَبَّلَ، أو لَمَس بشَهْوَةٍ، فأنْزَلَ، فعليه بَدَنَةٌ. وبذلك قال الحسنُ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وأبو ثَوْرٍ. وقال الشافعيُّ، وأصْحابُ الرَّأْيِ، وابن المُنْذِرِ: عليه شاةٌ؛ لأنَّه مُباشَرَةٌ دُونَ الفرْجِ، أشْبَهَ ما لو لم يُنْزِلْ. ولَنا، أنَّها مُباشَرَةٌ أوْجَبَتِ الغُسْلَ، فأوْجَبت بَدَنَةً، كالوَطْءِ في الفَرْجِ.
فصل: وفي فسادِ النُّسُكِ به رِوايَتان؛ إحْداهما، يَفْسُدُ. اخْتارَها أبو بَكْرٍ، والخِرَقِيُّ، فيما إذا وَطِيء دُونَ الفَرْجِ فأنزلَ. وهو قولُ الحسنِ، وعَطاءٍ، والقاسِمِ بنِ محمدٍ، ومالكٍ، وإسْحاقَ؛ لأنَّها عِبادَةٌ يُفْسِدُها الوَطْءُ، فأفْسَدَها الإِنْزالُ عن مُباشَرَةٍ، كالصيامِ. والثّانِيَةُ، لا يَفْسُدُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو قولُ الشافعيِّ، وأصْحابِ الرأيِ، وابنِ المُنْذِرِ، وهو الصَّحِيحُ، إن شاء الله تعالى؛ لأنَّه اسْتِمْتاع لا يَجِبُ بنَوْعِه الحَدُّ، فلم يُفْسِدِ الحَجَّ، كما لو لم يُنزِلْ، ولأنَّه لا نَصَّ فيه ولا إجْماعَ، ولا يَصِحُّ قِياسُه على المَنْصُوص عليه؛ لأنَّ الوَطْءَ في الفَرْجِ يَجِبُ بنَوْعِه الحَدُّ، ولا يَفْتَرِقُ الحالُ فيه بينَ الإنْزالِ وعَدَمِه، بخِلافِ المُباشَرَةِ. والصيامُ بخِلافِ الحَجِّ في المُفْسِداتِ، ولذلك يَفْسُدُ إذا أنْزَلَ بتَكْرَارِ النَّظرَ وسائرِ مَحْظُوراتِه، والحجُّ لا يَفْسُدُ بشئٍ مِن مَحْظوراتِه غيرِ الجِماعِ، فافْتَرَقا. والمَرْأةُ كالرجلِ في هذا، إذا كانَتْ ذاتَ شَهْوَةٍ، وإلَّا فلا شئَ عليها، كالرجلِ إذا لم يَكُنْ له شَهْوةٌ. وإن لم يُنْزِلْ لم يَفْسُدْ حَجُّه بذلك. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّها كلُ مباشَرَةٌ دُونَ الفَرْجِ عَرِيَتْ عن الإنْزالِ، فلم يَفْسُدْ بها الحَجُّ، قِياسًا عليه. وقد رُوِيَ عن ابنِ عباس، رضي الله عنهما، أنَّه قال لرجل قبَّلَ زَوْجَتَهَ: أفْسَدْتَ حَجَّكَ. ورُوِيَ ذلك عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ. وهو مَحْمُولٌ على ما إذا أنْزَلَ.
فصْلٌ: وَالْمَرْأةُ إحْرَامُهَا في وَجْهِهَا، وَيَحْرُمُ [66 و]، عَلَيْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ، إِلَّا في اللِّبَاس، وَتَظْلِيلِ الْمَحْمَلِ.
ــ
فصل: فإن كَرَّرَ النَّظَرَ، فأنْزَلَ أو لم يُنْزِلْ، لم يَفْسُدْ حَجُّه. رُوِيَ ذلك عن ابنِ عباس. وهو قولُ أبي حنيفةَ، والشافعيِّ. وروىَ عن الحسنِ، وعَطاءٍ، ومالكٍ، في مَن رَدَّدَ النَّظَرَ حتى أمْنَى، عليه حَجٌّ قابِلٌ؛ لأنَّه أنزل بفِعْلٍ مَحْظُورٍ، أشْبَهَ الإنْزالَ بالمُباشَرَةِ. ولَنا، أنَّه إنْزالٌ مِن غيرِ مُباشَرَةٍ، أشْبَهَ الإْنزالَ بالفِكْرِ والاحْتِلام، والأصْلُ الذي قاسُوا عليه مَمْنُوعٌ. ثم إن المُباشَرَةَ أبلَغُ في اللَّذَّةِ، وَآ كَدُ في اسْتِدْعاءِ الشَّهْوَةِ، فلا يَصِح القِياسُ عليها. وإن لم يُنْزِلْ لم يَفْسُدْ حَجُّه. لا نَعْلَمُ أحَدًا قال بخِلافِ ذلك؛ لأنَّه لا يُمْكِن التَّحَرُّزُ منه، أشْبَهَ الفِكْرَ، واللهُ أعْلَمُ.
فصل: قال،، رضي الله عنه:(والمَرْأةُ إحْرامُها في وَجْهِها، ويَحْرُمُ عليها ما يَحْرُمُ على الرجلِ، إلَّا في اللِّباسِ، وتَظْلِيلِ المَحْمَلِ) يَحْرُمُ على المَرْأةِ تَغْطَيةُ وَجْهِها في إحْرامِها. لا نَعْلَمُ في هذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خِلافًا، إلَّا ما رُوِيَ عن أسماءَ، رضي الله عنها، أنَّها كانَتْ تُغَطِّي وَجْهَها (1). فيَحْتَمِلُ أنَّها كانَتْ تُغَطِّيه بالسُّدْلِ (2) عندَ الحاجَةِ، ولا يَكُون اخْتِلافًا. قال ابن المُنْذِرِ: كَراهِيَةُ البرقُع ثابِتَةٌ عن سعدٍ، وابنِ عُمَرَ، وابنِ عباسٍ، وعائشَةَ، رضي الله عنهم. ولا نَعْلَمُ أحَدًا خالَفَ فيه. والأصْلُ فيه ما روَى البخاريُّ وغيرُه (3)، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:«وَلا تَنْتَقِبُ الْمَرْأةُ، وَلا تَلْبَس القُفَّازَيْنِ» . ورُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«إحْرَام الرَّجُل في رَأسِهِ، وإحْرَام المَرْأةِ في وَجْهِهَا» (4).
(1) أخرجه الإِمام مالك، في: باب تخمير المحرم وجهه، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 328.
(2)
السدل بالضم والكسر: السَّتر. وبالفتح: سدْل الثوب.
(3)
أخرجه البخارى، في: باب ما ينهى من الطيب للمحرم. . . .، من كتاب المحصر وجزاء الصيد. صحيح البخارى 3/ 19. وأبو داود، في: باب ما يلبس المحرم، من كتاب المناسك. سنن أبو داود 1/ 424. والترمذي، في: باب ما جاء فيما لا يجوز للمحرم. . . .، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 53/ 4 ، 54. والنسائي، في: باب النهى عن أن تنتقب المرأة الحرام، وباب النهى عن أن تلبس المحرمة القفازين، من كتاب المناسك. المجتبي 101/ 5، 104. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 22.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 235.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن احْتاجَتْ إلى سَتْرِ وَجْهِها؛ لمُرُورِ الرجالِ قَرِيبًا منها، فإنَّها تَسْدِلُ الثَّوْبَ فوقَ رَأسِها على وَجْهِها. رُوِيَ ذلك عن عثمانَ، وعائشَةَ، رضي الله عنهما. وبه قال عَطاء، ومالك، والثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، وإسْحاقُ، ومحمدُ بن الحسنِ، ولا نَعْلَم فيه خِلافًا؛ لِما رُوِيَ عن عائشَةَ، رضي الله عنها، قالَتْ: كان الرُّكْبانُ يَمُرُّون بِنا، ونحن مُحْرِمات مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذَوْنا سَدَلَتْ إحْدانا جِلْبابَها علي وَجْهِها، فإذا جاوَزُونا كَشَفْناه. رَواه أبو داودَ، والأثْرَمُ (1). ولأن بالمَرْأةِ حاجَةً إلى سَتْرِ وَجْهِها، فلم يَحْرُمْ عليها. سَتْرُه على الإطْلاقِ، كالعَوْرَةِ. وذَكَر القاضي: أنَّ الثَّوْبَ يَكُونُ مُتجافِيًا عن وَجْهِها، بحيثُ لا يُصِيبُ البَشَرَةَ، فإن أصابَها ثم زال أو أزالَتْه بسرعَةٍ، فلا شئَ عليها، كما لو أطارَتِ الرِّيحُ الثَّوْبَ عن عَوْرَةِ المُصَلِّي ثم عاد بسُرْعَةٍ، لا تَبْطُلُ الصلاةُ. وإن لم تَرْفعْه مع القُدْرَةِ، فَدَتْ؛ لأنَّها اسْتَدامَتِ السَّتْرَ. قال شيخُنا (2): ولم أُر هذا الشَّرْطَ عن أحمدَ، ولا هو في الخَبَرِ، مع أنَّ الظاهِرَ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في المحرمة تغطى وجهَها، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 425. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 30.
(2)
في: المغنى 5/ 155.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خِلافه، فإنَّ الثَّوْبَ المَسْدولَ لا يَكاد يَسْلَمُ مِن إصابَةِ البَشَرَةِ، فلو كان هذا شَرْطًا لبُيِّنَ. وإنَّما مُنِعَتِ المَرْأة مِن البُرْقُعِ والنِّقابِ ونحوِه، ممّا يعَدُّ لسَتْرِ الوَجْهِ. قال أحمد: إنَّما لها أن تَسْدِلَ على وَجْهِها مِن فوق، وليس لها أن تَرْفَعَ الثَّوْبَ مِن أسفلَ. كأنه يَقول: إن النِّقابَ مِن أسفلَ على وَجْهِها.
فصل: ويَجْتَمِع في حَقِّ المُحْرِمَةِ وُجوبُ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وتَحرِيمُ تَغْطِية الوَجْهِ. ولا يُمْكِن تَغْطِيَة جَمِيع الرَّأْسِ إلَّا بجُزْءٍ مِن الوَجْهِ، ولا كَشْفُ جَمِيع الوَجْهِ إلَّا بكَشْفِ جزْءٍ مِن الرَّأْسِ، فعندَ ذلك سَتْرُ الرَّأْسِ كلِّه أوْلَى؛ لأنَّه آكَدُ، إذ هو عَوْرَةٌ، ولا يَخْتَصُّ بحالَةِ الإحْرامِ، وكَشْفُ الوَجْهِ بخِلافِه، وقد أَبحْنا سَتْرَ جُمْلَتِه للحاجَةِ، العارِضَةِ، فسَتْرُ جُزْءٍ منه لسَتْرِ العَوْرَةِ أوْلَى.
فصل: ولا بَأْسَ للمَرْأةِ أن تَطوفَ منْتَقِبَةً، إن لم تَكنْ مُحْرِمَةً. فَعَلَتْه عائشَة، رَضىَ الله عنها. وكَرِه ذلك عَطاءٌ، ثم رَجَع عنه، وذَكَر أبو عبدِ اللهِ حديثَ ابنِ جُرَيْجٍ، أنَّ عَطاءً كان يَكْرَهُ لغيْرِ المُحْرِمَةِ أن تَطُوفَ منْتَقِبَةً، حتى حَدَّثْتُه عن الحسنِ بنِ مسلمٍ، عن صَفِيَّةَ بنتِ شَيْبَةَ، أنَّ عائشَةَ طافَتْ وهي مُنْتَقِبَةٌ. فأخَذَ به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَحْرُمُ عليها ما يَحْرُمُ على الرجلِ؛ مِن قَطْع الشَّعَرِ، وتَقْلِيمِ الأظْفارِ، والطِّيبِ، وقَتْلِ الصَّيْدِ، وسائرِ المَحْظُوراتِ، إلَّا لُبْسَ المَخيطِ، وتَظْلِيلَ المَحْمَلِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلْمِ، على أنَّ المَرْأةَ مَمْنُوعَةٌ ممّا مُنِعَ منه الرجالُ، إلَّا بعضَ اللِّباس. وأجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ، على أن للمُحْرِمَةِ لُبْسَ القُمُصِ (1) والدرُوعِ والسَّراوِيلاتِ والخُمُرِ والخِفافِ. وإنَّما كان كذلك؛ لأنَّ أمْرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم المُحْرِمَ بأمْرٍ وحُكْمَهُ عليه، يدخلُ فيه الرِّجالُ والنِّساءُ، إنَّما اسْتَثْنَى منه اللِّباسَ للحاجَةِ إلى سَتْر المَرْأةِ؛ لكَوْنِها عَوْرَةً، إلَّا وَجْهَها، فتَجَرُّدُها يُفْضِي إلى انْكِشافِها، فأُبِيحَ لها اللِّباسُ للسَّترِ، أبِيحَ للرجلِ عَقْد الإزارِ؛ كيلا يَسْقُطَ، فتَنْكَشِفَ عَوْرَتُه، ولم يُبِحْ عَقْدَ الرِّداءِ. وقد روَى ابنُ عُمَرَ، رضي الله عنهما، أنَّه سَمِع رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى النِّساءَ في إحْرامِهِنّ عن القُفازَيْن والنِّقابِ، وما مَس الوَرْسَ والزَّعْفَرانَ مِن الثِّيابِ ولْتَلْبَس بعدَ ذلك ما أحَبَّتْ مِن ألْوانِ الثِّيابِ؛ مِن مُعَصْفَرٍ أو خَزٍّ أو حَلْى أو سَراوِيلَ أو قَمِصٍ أو خُفٍّ (2). وهذا صَرِيحٌ. والمرادُ باللِّباسِ ههُنا المَخِيطُ مِن القُمُصِ والدُّرُوعِ والسَّراوِيلاتِ والخِفافِ، وما يَسْتُرُ الرَّأْسَ، ونَحْوَه.
(1) في الأصل: «القميص» .
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب ما يلبس المحرم، من كتاب المناسك. سنن أبو داود 1/ 424.كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 2/ 22.