الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّة تَجَاوُزُ الْمِيقَاتِ بِغيْرِ إِحْرَامٍ، إِلَّا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ، أَوْ حَاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ؛ كَالْحَطَّابِ وَنَحْوِهِ،
ــ
لم يَعْرِفْ حَذْوَ المِيقاتِ المُقارِبِ لطَرِيقِه، احْتاطَ، فأحْرَمَ مِن بُعْدٍ، بحيث يَتَيَقَّنُ أنَّه لم يُجاوِزِ المِيقاتَ إلَّا مُحْرِمًا؛ لأنَّ الإِحْرامَ قبلَ (1) المِيقاتِ جائِزٌ، وتَأْخِيرَه عنه غيرُ جائِزٍ، فالاحْتِياطُ فِعْلُ ما ذَكَرْنا. ولا يَلْزَمُه الإِحْرامُ حتى يَعْلَمَ أنَّه قد حاذاه؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ وُجُوبِه، فلا يَجِبُ بالشَّكِّ (2). فإن أحْرَمَ، ثم عَلِم بعدُ أنَّه قد جاوَزَ ما يُحاذِى المِيقاتَ غيرَ مُحْرِمٍ، فعليه دَمٌ. وإن شَكَّ في أقْرَبِ المِيقاتَيْن إليه، فالحُكْمُ فيه كالحُكْمِ في المسألةِ قبلَها، فإن كانا مُتساوِيَيْن في القُرْبِ إليه أحْرَمَ مِن حَذْوِ أبْعَدِهما.
1152 - مسألة: (ولا يَجُوزُ لِمَن أرادَ دُخُولَ مَكَّةَ تَجاوُزُ المِيقاتِ بغيرِ إحْرامٍ، إلَّا لقِتالٍ مُباحٍ، أو حاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ؛ كالحَطّابِ ونحوِه
،
(1) في الأصل: «من» .
(2)
في م: «بالنسك» .
ثُمَّ إِنْ بَدَا لَهُ النُّسُكُ، أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ.
ــ
ثم إن بَدا له النُّسُكُ، أحْرَمَ مِن مَوْضِعِه) مَن تَجاوَزَ المِيقاتَ مِمَّن لا يُرِيدُ النُّسُكَ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْن؛ أحَدُهما، مَن لا يُرِيدُ دُخُولَ الحَرَمِ، فهذا لا يَلْزَمُه الإِحرامُ بغيرِ خِلافٍ، ولا شئَ عليه في تَرْكِه، فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه أتَوْا بَدْرًا مَرَّتَيْن، وكانُوا يُسافِرُون للجهادِ وغيرِه، فيَمُرُّون بذِى الحُلَيْفَةِ غيرَ مُحْرِمِين، ولا يَرَوْن بذلك بَأْسًا. فإن بَدَا لهذا الإِحْرامُ، أحْرَمَ مِن مَوْضِعِه، ولا شئَ عليه. وهذا ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ. وبه يَقُولُ مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وصاحِبا أبى حنيفةَ. وحَكَى ابنُ المُنْذِرِ عن الإِمامِ أحمدَ، رَحِمَه الله تعالى، في الرجلِ يَخْرُجُ لحاجَةٍ وهو لا يُرِيدُ الحَجَّ، فجاوَزَ ذا الحُلَيْفَةِ، ثم أرادَ الحَجَّ: يَرْجِعُ إلى ذِى الحُلَيْفَةِ، فيُحْرِمُ. وبه قال إسْحاقُ؛ لأنَّه أحْرَمَ مِن دُونِ المِيقاتِ، فلَزِمَه الدَّمُ، كالذى يُرِيدُ دُخُولَ الحَرَم. والأوَّلُ أصَحُّ، وكَلامُ أحمدَ يُحْمَلُ على مَن يُجاوِزُ المِيقات، مِمَّن يَجِبُ عليه الإِحْرامُ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أهْلِهِنَّ، مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ الحَجَّ أوِ العُمْرَةَ» (1).
(1) تقدم تخريجه في صفحة 104.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّه حَصَل دُونَ المِيقاتِ على وَجْهٍ مُباحٍ، فكانَ له الِإحْرامُ منه، كأهْلِ ذلك المَكانِ، ولأنَّ هذا القولَ يُفْضِى إلى أنَّ (1) مَن كان مَنْزِلُه دُونَ المِيقاتِ، إذا خَرَج إلى المِيقاتِ ثم عاد إلى مَنْزِلِه وأرادَ الإِحْرامَ، لَزِمَه الخُروجُ إلى المِيقاتِ، ولا قائِلَ به، ولأنَّه مُخالِفٌ لقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُه دُونَ المِيقَاتِ فَمُهَلُّهُ مِنْ أهْلِهِ» . القِسْمُ الثّانِى، مَن يُرِيدُ دُخولَ الحَرَمِ إلى مَكَّةَ أو غَيرِها، وهم على ثَلاثَةِ أضْرُبٍ؛ أحَدُها، مَن يَدْخُلُها لقتالٍ مُباحٍ، أو مِن خَوْفٍ، أو لحاجَةٍ؛ كالحَطّابِ، والحَشّاشِ، وناقِلِ المِيرَةِ (2)، والفَيْجِ (3)، ومَن كانَتْ له ضَيْعَةٌ يَتَكَرَّرُ دُخُولُه وخُرُوجُه إليها، فلا إحْرامَ عليهم؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم دَخَل يومَ فَتْحِ مَكَّةَ حَلالًا وعلى رَأْسِه المِغْفَرُ، وكذلك أصحابُه، ولم يُعْلَمْ أنَّ أحَدًا منهمِ أحْرَمَ، ولأنَّا لو أوْجَبْنا الإِحْرامَ على مَن يَتَكَرَّرُ دُخُولُه أفْضَى إلى أن يَكُونَ في جَمِيعِ زَمَنِه مُحْرِمًا، فسَقَطَ للحَرَجِ. وهذا مَذْهَبُ الشافعىِّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَجُوزُ لأحَدٍ دُخُولُ الحَرَمِ بغيرِ إحْرامٍ، إلَّا مَن كان دُونَ المِيقاتِ؛ لأنَّه يُجاوِزُ المِيقاتَ مُرِيدًا للحَرَمِ، فلم يَجُزْ بغيرِ إحْرامٍ.
(1) زيادة يستلزمها السياق.
(2)
المِيرة: الطعام يجمع للسفر ونحوه.
(3)
في النسختين: «الفيح» بالحاء. والفيج: رسول السلطان على رجله، أو الذى يسعى بالكتب. ويأتي في الإنصاف في صفحة 122.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولَنا، ما ذَكَرْنا مِن النصِّ والمَعْنَى. وقد روَى التِّرْمِذِيُّ (1)، بإسْنادِه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَل يومَ فَتْحِ مَكَّةَ، وعلى رَأْسِه عِمامَةٌ سَوْداءُ. وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ومتى أرادَ هذا النُّسُكَ بعدَ مُجاوَزَةِ المِيقاتِ، أحْرَمَ مِن مَوْضِعِه، كالقِسْمِ الذى قبلَه، وفيه مِن الخِلافِ ما فيه. الضَّرْبُ الثانِى، مَن لا يَجِبُ عليه الحَجُّ؛ كالعَبْدِ، والصَّبِىِّ، والكافِرِ إذا أسْلَمَ بعدَ تَجاوُزِ المِيقاتِ، أو عَتَقَ العَبْدُ، أو بَلَغ الصَّبِىُّ، وأرادُوا الإِحْرامَ، فإنَّهم يُحْرِمُون مِن مَوْضِعِهم، ولا دَمَ عليهم. وبه قال عَطاءٌ، ومالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزاعِيُّ، وإسْحاقُ. وبه قال أصْحابُ الرَّأْىِ في الكافِرِ يُسْلِمُ، والصَّبِىِّ يَبْلُغُ، وقالُوا في العَبْدِ: عليه دَمٌ. وقال الشافعىُّ في جَمِيعِهم: على كلِّ واحِدٍ منهم دَمٌ. وعن أحمدَ، في الكافِرِ يُسْلِمُ، كقَوْلِه. واخْتارَها أبو بَكْرٍ. وقال القاضى: وهى أصَحُّ. ويَتَخَرَّجُ في الصَّبِىِّ والعَبْدِ كذلك؛ قِياسًا على الكافِرِ يُسْلِمُ؛ لأنَّهم تَجاوَزُوا المِيقاتَ
(1) في: باب ما جاء في الألوية، من أبواب الجهاد، وفى: باب ما جاء في العمامة السوداء، من أبواب اللباس. عارضة الأحوذى 7/ 177، 243.
كما أخرجه مسلم، في: باب جواز دخول مكة بغير إحرام، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 990. وأبو داود، في: باب في العمائم، من كتاب اللباس. سنن أبي داود 2/ 376. والنسائي، في: باب دخول مكة بغير إحرام، من كتاب المناسك، وفى: باب لبس العمائم السود، من كتاب الزينة. المجتبى 5/ 159، 8/ 186. وابن ماجه، في: باب لبس العمائم في الحرب، من كتاب الجهاد، وفى: باب العمامة السوداء، من كتاب اللباس. سنن ابن ماجه 2/ 942، 1186. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 363، 387.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بغيرِ إحْرامٍ، وأحْرَمُوا دُونَه، فوَجَبَ الدَّمُ، كالمُسْلِمِ البالِغِ العاقِلِ. ولَنا، أنَّهم أحْرَمُوا مِن المَوْضِعِ الذى وَجَب عليهم الإِحْرامُ منه، فأشْبَهُوا المَكِّىَّ ومَن قَرْيَتُه دُونَ المِيقاتِ إذا أحْرَمَ منها، وفارَقَ مَن يَجِبُ عليه الإِحْرامُ إذا تَرَكه؛ لأنَّه تَرَك الواجبَ عليه. الضَّرْبُ الثّالِثُ، المُكَلَّفُ الذي يَدْخُلُ لغيرِ قِتالٍ ولا حاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ، فلا يَجُوزُ له تَجاوُزُ المِيقاتِ غيرَ مُحْرِمٍ. وبه قال أبو حنيفةَ، وبعضُ أصحابِ الشافعىِّ. وقال بَعْضُهم: لا يَجِبُ الإِحْرامُ عليه. وعن أحمدَ ما يَدُلُّ على ذلك؛ لِما روَى ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنهما، أنَّه دَخَلَها بغيرِ إحْرامٍ (1). ولأنَّه أحَدُ الحَرَمَين أشْبَهَ (2) حرَمَ المَدِينَةِ، ولأنَّ الوُجُوبَ مِن الشّارِعِ، ولم يَرِدْ به إيجابُ ذلك على كلِّ داخِلٍ، فيَبْقَى على الأصْلِ. ولَنا، أنَّه لو نَذَر دُخُولَها، لَزِمَه الإِحْرامُ، ولو لم يَكُنْ واجِبًا لم يَجِبْ بنَذْرِ الدُّخُولِ، كسائِرِ البُلْدانِ. إذا ثَبَت ذلك، فمَتَى أرادَ الإِحْرامَ بعدَ تجاوُزِ المِيقاتِ، فالحُكْمُ فيه كمَن تَجاوَزَه مُرِيدًا لنُسُكٍ.
(1) أخرجه البيهقى، في: باب من رخص في دخولها بغير إحرام، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 178.
(2)
في م: «شبه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَن دَخَل الحَرَمَ بغيرِ إحْرامٍ، مِمَّن يُرِيدُ الإِحْرامَ، فلا قَضاءَ عليه. وهذا قولُ الشافعىِّ. وقال أبو حنيفةَ: يَجِبُ عليه أن يَأْتِىَ بحَجٍّ أو عُمْرَةٍ، فإن أتَى بحَجَّةِ الإِسْلامِ في سَنَتِه، أو مَنْذُورَةٍ، أو عُمْرَةٍ (1)، أجْزَأه عن عُمْرَةِ الدُّخُولِ اسْتِحْسانًا؛ لأنَّ مُرُورَه على المِيقاتِ مُريدًا للحَرَمِ يُوجِبُ الإِحْرامَ، فإذا لم يَأْتِ به وَجَب قَضاؤه، كالنَّذْرِ. ولَنا، أنَّه مَشْرُوعٌ لتَحِيَّةِ البُقْعَةِ (2)، فإذا لم يَأْتِ به سَقَط،
(1) في م: «أعمره» .
(2)
في النسخ: «المنفعة» خطأ. وانظر المغنى 5/ 72.