الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنِ اسْتَظَلَّ بِالْمَحْمِلِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ.
ــ
وأباحَ ذلك الشافعىُّ. ولَنا، قَوْلُه صلى الله عليه وسلم:«الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» (1). وقد ذَكَرْناه في الطَّهارَةِ. إذا ثَبَت ذلك، فإنَّه يُمْنَعُ مِن تَغْطِيَةِ بعضِ رَأْسِه، كما يُمْنَعُ تَغْطِيَةَ جَمِيعِه؛ لأنَّ المَنْهِىَّ عنه يَحْرُمُ بَعْضُه، كما يَحْرُمُ جَمِيعُه، ولذلك لَمّا قال الله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} (2). حَرُمَ حَلْقُ بَعْضِه. وسَواءٌ غَطّاه بالمَلْبُوسِ المُعْتادِ، أو بغيرِه، مثلَ أن عَصَبَه بعِصابَةٍ، أو شَدَّه بسَيْرٍ، أو جَعَل عليه قِرْطاسًا فيه دَواءٌ، أو لا دَواءَ فيه، أو خَضَبَهُ بحِنَّاءٍ أو طَلاه بِطِينٍ، أو نُورَةٍ، أو جَعَل عليه دَواءً، فإنَّ جَمِيعَ ذلك سَتْرٌ له وتَغْطِيَةٌ، وهو مَمْنُوعٌ منه. وسَواءٌ كان ذلك لعُذْرٍ أو غيرِه، تَجِبُ به الفِدْيَةُ؛ لقَوْلِه تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} . الآية. ولحديثِ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ (3). وبهذا كلِّه قال الشافعىُّ. وكان عَطاءٌ يُرَخِّصُ في العِصابَةِ مِن الضَّرُورَةِ. والصَّحِيحُ الأوَّلُ، كما لو لَبِس قَلَنْسُوَةً للبردِ.
1185 - مسألة: (وإنِ اسْتَظَلَّ بالمَحْمِلِ، ففيه رِوايتان)
كَرِه
(1) تقدم تخريجه في 1/ 288.
(2)
سورة البقرة 196.
(3)
تقدم تخريجه في 2/ 145.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدُ، رحمه الله، للمُحْرِمِ الاسْتِظْلَالَ بالمحْمِلِ وما كان في مَعْناه، كالهَوْدَجِ والعَمّارِيَّةِ ونحوِ ذلك على البَعِيرِ، رِوايَةً واحِدَةً. ويُرْوَى كَراهَتُه عن ابنِ عُمَرَ، ومالكٍ، وعبدِ الرحمنِ بنِ مَهْدِىٍّ، وأهْلِ المَدِينَةِ. وكان سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: لا يَسْتَظِلُّ البَتَّةَ. ورَخَّصَ فيه رَبِيعَةُ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ. ورُوِىَ ذلك عن عُثمانَ، وعَطاءٍ؛ لِما رَوَتْ أُمُّ الحُصَيْنِ، قالت: حَجَجْتُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الوَادعِ، فرَأيْتُ أُسامَةَ وبِلالًا، وأحَدُهما آخِذٌ بخِطامِ ناقَةِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، والآخَرُ رافِعٌ ثَوْبَه يَسْتُرُه مِن الحَرِّ، حتى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. رَواه مسلمٌ (1). ولأنَّه يُباحُ له التَّظَللُ في البَيْتِ والخِباءِ، فجاز في حالِ الرُّكُوبِ، كالحَلالِ.
(1) في: باب استحباب رمى جمرة العقبة. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 944.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في المحرم يظلل، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 425، 426. والنسائى، في: باب الركوب إلى الجمار. . . .، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 219.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واحْتَجَّ أحمدُ، بأنَّ عَطاءً روَى أنَّ ابنَ عُمَرَ، رَضِىَ الله عنه، رَأى على رَحْلِ عُمَرَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبِي رَبِيعَةَ عُودًا يَسْتُرُه مِن الشَّمسِ، فنَهاه. وعن نافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ، أنَّه رَأى رجلًا مُحْرِمًا على رَحْلٍ، وقد رَفَع عليه ثَوْبًا على عُودٍ يَسْتُرُه مِن الشَّمسِ، فقالَ: أضْحِ لمن أحْرَمْتَ له. أى ابرُزْ للشمسِ. رَواهما الأثْرَمُ (1). ولأنَّه يَسْتُرُه بما يَقْصِدُ به التَّرَفُّهَ أشْبَهَ ما لو غَطّاهُ. والحديثُ الذى اسْتَدَلُّوا به قد ذَهَب إليه أحمدُ، ولم يَكْرَهْ الاسْتِتَارَ بالثَّوْبِ، فإنَّ ذلك لا يَقْصِدُ الاسْتِدامَةَ، والهَوْدَجُ بخِلافِه، والخَيْمَةُ والبَيْتُ يُرادان لجَمْعِ الرَّحْلِ وحِفْظِه، لا للتَّرَفُّهِ. إذا ثَبَت ذلك فإنَّ أحمدَ، رحمه الله، إنَّما كَرِه ذلك كَراهَةَ تَنْزِيهٍ في الظاهِرِ
(1) وأخرجهما البيهقى، في: باب من استحب للمحرم أن يضحى. . . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 70.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عنه؛ لوُقُوعِ الخِلافِ فيه، وقولِ ابنِ عُمَرَ، ولم يَرَ ذلك حَرامًا ولا مُوجِبًا للفِدْيَةِ. قال الأثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللهِ يُسْألُ عن المُحْرِمِ يَسْتَظِلُّ على المَحمِلِ؟ قال: لا. وذَكَر حديثَ ابنِ عُمَرَ. قيلَ له: فإن فَعَل، يُهَرِيقُ دَمًا؟ قال: أمّا الدَّمُ فلا. وعنه، أنَّه تَجِبُ عليه الفِدْيَةُ. اختارَه الخِرَقِىُّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو قولُ أهْلِ المَدِينَةِ؛ لأنَّه سَتَر رَأْسَه بما يُسْتَدامُ ويُلازِمُه غالِبًا، أشْبَهَ ما لو سَتَرَه بشئٍ يُلاقِيه. ويُرْوَى عن الرِّياشِىِّ (1)، قال: رَأيْتُ أحمدَ بنَ المَعَذَّلِ (2) في الموقِفِ في يوم شَدِيدِ الحَرِّ، وقد ضَحَى للشمسِ، فقُلْتُ له: يا أبا الفَضْلِ، هذا أمْرٌ قد اخْتُلِفَ فيه، فلو أخَذْتَ بالتَّوْسِعَةِ. فأنْشأ يَقُولُ:
ضَحَيْتُ له كى أسْتَظِلَّ بظِلِّه
…
إذا الظِّلُّ أضْحَى في القِيامَةِ قالِصَا
فوا أسَفا إن كان سَعْيُك باطِلًا
…
وواحَسْرَتا إن كان حَجُّكَ ناقِصَا
(1) أبو الفصل العباس بن الفرج، كان إماما في اللغة والنحو إخباريًا، قتله الزنج بالبصرة سنة سبع وخمسين ومائتين. العبر 2/ 14.
والقصة والبيتان في ترتيب المدارك 2/ 553، وفيه:«المبرد» مكان: «الرياشى» .
(2)
أحمد بن المعذل بن غيلان العبدى البصرى، فقيه مالكى متكلم، وكان ورعا متبعًا للسنة، من رجال القرن الثالث. طبقات الفقهاء للشيرازى 164، ترتيب المدارك 2/ 550 - 558، الديياج المذهب 1/ 143 - 141.