الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الأَكلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَكلُ مَا صِيدَ لأَجْلِهِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ.
ــ
1200 - مسألة: (ويَحْرُمُ عليه الأكْلُ مِن ذلك كلِّه، وأكْلُ ما صِيدَ لأجْلِه، ولا يَحْرُمُ عليه الأكْلُ مِن غيرِ ذلك)
لا خِلافَ في تَحْرِيم الصَّيْدِ على المُحْرِمِ إذا صادَه أو ذبَحَه؛ لقَوْلِه تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (1). وإن صادَه حَلالٌ، أو ذَبحَه، وكان مِن المُحْرِمِ إعانَةٌ فيه، أو دَلالَةٌ، أو إشارَةٌ إليه، لم يُيَحْ أيْضًا؛ لأنَّه أعانَ عليه، أشْبَهَ ما لو ذَبَحَه. وإن صِيدَ مِن أجْلِه، حَرُمَ عليه أكْلُه. يُرْوَى ذلك عن عثمانَ بنِ عَفّانَ، رَضِىَ اللهُ عنه. وبه قال مالكٌ، والشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: له أكْلُ ماصِيدَ لأجْلِه؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ أبِى قَتادَةَ: «هَلْ مِنْكُمْ أحَدٌ أمَرَهُ، أوْ أشَارَ إلَيْهِ بِشَئٍ؟» . قالُوا: لا. قال: «كُلُوا مَا بَقِىَ مِنْ لَحْمِهَا» . مُتَّفَقٌ عليه (2). فدَلَّ على أنَّ التَّحْرِيمَ
(1) سورة المائدة 96.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 278.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إنَّما يَتَعَلَّقُ بالاشارَةِ والأمْرِ والإِعانَةِ، ولأنَّه صَيْدٌ مُذَكَّى، لم يَحْصُلْ فيه ولا في سَبَبِه مَنْعٌ منه، فلم يَحْرُمْ عليه أكْلُه، كما لولم يُصَدْ له. ولَنا، ما روَى ابنُ عباس، رَضِىَ اللهُ عنهما، أنَّ الصَّعْبَ بنَ جَثّامَةَ اللَّيْثِىَّ أهْدَى إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم حِمارًا وَحْشِيُّا، وهو بِالأبْواءِ (1) أو بوَدَّانَ (2)، فرَدَّه عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلَمّا رَأى ما في وَجْهِه قال:«إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أنَّا حُرُمٌ» . مُتَّفَقٌ عليه (3). وروَى جابِرٌ، رَضِىَ اللهُ عنه، قال: سَمِعْت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوه، أوْ يُصَدْ لَكُم» . رَواه أبو داودَ، والنَّسائِىُّ، والتِّرْمِذِيُّ (4). وقال: هو أحسَنُ
(1) الأيواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. معجم البلدان 1/ 100.
(2)
ودان: موضع بين مكة والمدينة، وهى قرية جامعة من نواحى الفرع بينها وبين هرشة ستة أميال، وبينها وبين الأبواء نحو من ثمانية أميال، قريبة من الجحفة. معجم البلدان 4/ 910.
(3)
أخرجه البخارى، في: باب إذا أهدى للمحرم. . . .، من كتاب المحصر وجزاء الصيد، وفى: باب قبول هدية الصيد، وباب من لم يقبل الهدية. . . .، من كتاب الهبة. صحيح البخارى 3/ 16، 203، 208. ومسلم، في: باب تحريم الصيد للمحرم، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 850، 851.
كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في كراهية لحم الصيد. . . .، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 78. والنسائى، في: باب ما لا يجوز للمحرم. . . .، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 144. وابن ماجه، في: باب ما ينهى عنه المحرم. . . .، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1032. والدارمي، في: باب في أكل لحم الصيد. . . .، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 39. والإمام مالك، في: باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 353. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 216، 362، 4/ 37، 38، 71 - 73.
(4)
أخرجه أدو داود، في: باب لحم الصيد للمحرم، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 429. والترمذى، في: باب ما جاء في أكل الصيد. . . .، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 75. والنسائى، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حديثٍ في البابِ. وهذا فيه تَحْرِيمُ ما صِيدَ للمُحْرِمِ، وفيه إباحَةُ ما لم يَصِدْه ولم يُصَدْ له.
فصل: ولا يَحْرُمُ عليه الأكْلُ مِن غيرِ ذلك. وهذاْ مَذْهَبُ الشافعىِّ، وأبِى حنيفةَ، ومالكٍ. ويُرْوَى ذلك عن طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ. وحُكِىَ عن عليٍّ (1)، وابنِ عُمَرَ، وعائِشَةَ، وابنِ عباس، رَضِىَ اللهُ عنهم، أنَّ لَحْمَ الصَّيْدِ يَحْرُمُ على المُحْرِمِ بكلِّ حالٍ. وبه قال طاوسٌ وكَرِهَه الثَّوْرِيُّ، وإسْحاقُ؛ لعُمُومِ قَوْلِه سُبْحانَه:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} . ولِما ذَكَرْنا مِن حديثِ الصَّعْبِ بنِ جَثّامَةَ. وروَى أبو داودَ (2)، بإسْنادِه، عن عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ، عن أبِيه، قال: كان الحارِث خَلِيفَةَ عثمانَ على الطّائِفِ، فصَنَعَ له طَعامًا، وصَنَع فيه الحَجَلَ (3) واليَعاقِيبَ (4) ولَحْمَ الوَحْشِ، فبَعَثَ إلى علىِّ بنِ أبِى طالبٍ، فجاءَه، فقالَ: أطْعِمُوه قومًا حَلالًا، إنَّا حُرُمٌ. ثم قال عليٌّ: أنْشُدُ اللهَ مَن كان هَهُنا مِن أشْجَعَ، أتَعْلَمُون أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أهْدَى إليه رجلٌ حِمارَ وَحْشٍ، فأبَى أن يَأْكُلَه؟ قالُوا: نعم. ولأنَّه لَحْمُ صَيْدٍ فحَرُمَ على
= في: باب إذا أشار المحرم إلى الصيد، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 147. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 387.
(1)
في م: «عطاء» .
(2)
في: باب لحم الصيد للمحرم، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 428.
(3)
الحجل: طائر عل قدر الحمام، أحمر المنقار والرجلين، ويسمى دجاج البر.
(4)
اليعقوب: هو ذكر الحجل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُحْرِمِ، كما لو دَلَّ عليه. ولَنا، ما ذَكَرْنا مِن حديثِ أبِى قَتادَةَ، وجابِرٍ، فإنَّهما صَرِيحان في الحُكْمِ، وفى ذلك جَمْعٌ بينَ الأحاديثِ وبَيانُ المُخْتَلِفِ منها، بأن يُحْمَلَ تَرْكُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم الأكْلَ في حديثِ الصَّعْبِ بنِ جَثّامَةَ؛ لِعلْمِه، أو ظَنِّه أنَّه صِيدَ مِن أجْلِه، ويَتَعَيَّن حَمْلُه على ذلك؛ لِما ذَكَرْنا مِن الحديثَيْن، فإنَّ الجَمْعَ بينَ الأحاديثِ أوْلَى مِن التَّعارُضِ والتَّناقضِ. وروَى مالكٌ في «الموَطَّإِ» (1) أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَج يُرِيدُ مَكَّةَ، وهو مُحْرِمٌ، حتى إذا كان بالرَّوْحاءِ، إذا حِمارٌ وَحْشِىٌّ عَقِيرٌ، فجاءَ البَهْزِيُّ، وهو صاحِبُه، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، شَأْنَكُم بهذا الحِمارِ. فأمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أبا بَكْرٍ فقَسَمَه بينَ الرِّفاقِ
فصل: وَما حَرمَ على المُحْرِم لكَوْنِه دَلَّ عليه أو أعانَ عليه أو صِيدَ مِن أجْلِه، لا يَحْرُمُ على الحَلال أكْلُهَ؛ لقَوْلِ عليٍّ رَضِىَ اللهُ عنه: أطْعِمُوه حَلالًا. وقد بَيَّنَا حَمْلَه على أنَّه صِيدَ مِن أجْلِهم، وحديثِ الصَّعْب بنِ جَثّامَةَ، حينَ رَدَّ [3 لم 44 و] النبىُّ صلى الله عليه وسلم الصَّيْدَ عليه، لم يَنْهَه عن أكْلِه،
(1) في: باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 351. كما أخرجه النسائي، في: باب ما يجوز للمحرم أكله، من كتاب المناسك، وفى: باب إباحة أكل لحوم حمر الوحش، من كتاب الصيد والذبائح. المجتبى 5/ 143، 7/ 181.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّه صَيْدٌ حَلالٌ، فأُبِيحَ لِلحَلالِ أكْلُه، كما لو صِيدَ لهم. وهل يُباحُ أكْلُه لمُحْرِمٍ آخَرَ؟ فيه احْتِمالان؛ أحَدُهما، يُباحُ؛ فإنَّ ظاهِرَ حديثِ جابِرٍ إباحَتُه. وهو قولُ عثمانَ، رَضِىَ اللهُ عنه؛ لأنَّه يُرْوَى: أنَّه أُهْدِىَ له صَيْدٌ، فقالَ لأصْحابِه: كُلُوا. ولم يَأْكُلْ، وقال: إنَّما صِيدَ مِن أجْلِى (1). ولأنَّه لم يُصَدْ مِن أجْلِه، فحَلَّ له، كما لو صادَه الحَلالُ لِنَفْسه. ويَحْتَمِلُ أن يَحْرُمَ. وهو قولُ علىٍّ، رَضِىَ الله عنه؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ أبِى قَتادَةَ (2):«هَلْ مِنكُمْ أحَدٌ أمَرَهُ أن (3) يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أوْ أشَارَ إلَيْها؟» قالوا: لا. قال (4): «فَكُلُوهُ» . فمَفْهُومُه أنَّ إشارَةَ واحِدٍ منهم تُحَرِّمُه عليهم. والأوَّلُ أوْلَى.
فصل: واذا قَتَل المُحْرِمُ الصَّيْدَ، ثم أكَلَه، ضَمِنَه للقَتْلِ دُونَ الأكْلِ. وبه قال مالكٌ، والشافعيُّ. وقال عَطاءٌ، وأبو حنيفةَ: يَضْمَنُه للأكْلِ أيضًا؛ لأنَّه أكَلَ مِن صَيْد مُحَرَّمٍ عليه، فضَمِنَه، كما لو صِيدَ
(1) أخرجه الإمام مالك، في: باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 354.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 278.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأجْلِه. ولَنا، أنَّه صَيْدٌ مَضْمُونٌ بالجَزاءِ، فلم يُضْمَنْ ثانِيًا، كما لو أتْلَفَه بغيرِ الأكْلِ، وكَصَيْدِ الحَرَمِ (1) إذا قَتَلَه الحَلالُ وأكَلَه، وكذلك إن قَتَلَه مُحْرِمٌ آخَرُ، ثم أكَلَ هذا منه، لم يَجِبْ عليه الجَزاءُ؛ لِما ذَكَرْنا. ولأنَّ تَحْرِيمَه لكَوْنِه مَيْتَةً، والمَيْتَةُ لا تُضْمَنُ بالجَزاءِ، وكذلك إن حُرِّمَ عليه أكْلُه بالدَّلالَةِ عليه، أو (2) الإِعانَةِ عليه، فأكَلَ منه، لم يَضْمَنْ؛ لأنَّه صَيْدٌ مَضْمُونٌ بالجَزاءِ مَرَّةً، فلم يَجِبْ به جَزاءٌ ثانٍ، كما لو أتْلَفَه. فإن أكَلَ مِمّا صِيدَ لأجْلِه ضَمِنَه. وهو قولُ مالكٍ، والشافعىِّ في القَدِيمِ. وقال في الجَدِيدِ: لا جَزاءَ عليه؛ لأنَّه أكْلٌ للصَّيْدِ، فلم يَجِبْ به الجَزاءُ، كما لو قَتَلَه، ثم أكَلَه. ولَنا، أنَّه إتْلافٌ مَمْنُوعٌ منه لحُرْمَةِ الإحْرامِ، فتَعَلَّقَ به الضَّمانُ، كالقَتْلِ. أمّا إذا قَتَلَه، ثم أكَلَه، لا يُحَرَّمُ للإْتْلافِ، إنَّما حُرِّمَ لكَوْنِه مَيْتَةً. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يَضْمَنُه بمِثْلِه مِن اللَّحْمِ؛ لأنَّ أصْلَه مَضْمُونٌ بمِثْلِه مِن النَّعَمِ، فكذلك أبْعاضُه تُضْمَنُ بمِثْلِها، بخِلافِ حَيَوانِ الآدَمِىِّ، فإنَّه يُضْمَنُ جَمِيعُه بالقِيمَةِ، فكذلك أبْعاضُه.
فصل: وإذا ذَبَح المُحْرِمُ الصَّيْدَ، صار مَيْتَةً، يَحْرُمُ أكْلُه على جَمِيع النّاسِ. وهذا قولُ الحسنِ، والقاسِمِ، وسالِمٍ، ومالكٍ، والأوْزاعِىِّ،
(1) في م: «المحرم» .
(2)
في م: «و» .