الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَضْمَنُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، أَوْ أشَارَ إِلَيْهِ، أَوْ أَعَانَ عَلَى ذَبْحِهِ،
ــ
مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}. قال شيخُنا (1)، رَضِىَ الله عنه: ولا نَعْلَمُ أحَدًا خالَفَ في قَتْلِ الصَّيْدِ مُتَعَمِّدًا، أنَّ فيه الجَزاءَ، إلَّا الحسنَ، ومُجاهِدًا، قالا: يَجِبُ في الخَطإِ والنِّسْيانِ، ولا يَجِبُ في العَمْدِ. وهذا خِلافُ النَّصِّ، فلا يُلْتَفَتُ إليه.
وقَتْلُ الصَّيْدِ نَوْعان؛ مُباحٌ ومُحَرَّمٌ، فالمُحَرَّمُ أن يَقْتُلَه ابْتِداءً مِن غيرِ سَبَبٍ يُبِيحُ قَتْلَه، ففيه الجَزاءُ؛ لِما ذَكَرْنا. والمُباحُ ثَلَاثَةُ أنْواعٍ؛ أحَدُها، أن يُضْطَرَّ إليه. والثّانِى، أن يَصُولَ عليه الصَّيْدُ. والثّالِثُ، إذا أرادَ تَخْلِيصَه مِن سَبُعٍ أو شَبَكَةٍ أو نحوِه. وسَنَذْكُرُ ذلك إن شاء اللهُ تعالى.
فصل: ويَضْمَنُ ما تَلِف في يَدِه، وإن صادَه لم يَمْلِكْه؛ لأنَّ ما حَرُمَ لحقِّ غيرِه، لا يُمْلَكُ بالأخْذِ مِن غيرِ إذْنِه، كمالِ غيرِه، وعليه إرْسالُه في مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ فيه، فإنْ لم يَفْعَلْ، فَتَلِفَ، ضَمِنَه، كمالِ الآدَمِىِّ إذا أخَذَه بغيرِ حَقٍّ فَتَلِفَ في يَدِه، وإن كان مَمْلُوكًا لآدَمِىٍّ، فعليه رَدُّه إليه؛ لكَوْنِه غَصَبَه منه.
فصل: وإن أتْلَفَ جُزْءًا مِن الصَّيْدِ، فعليه ضَمانُه؛ لأنَّ جُمْلَتَه مَضْمُونَةٌ، فكان بعضُه مَضْمُونًا، كالآدَمِىِّ والأمْوالِ.
1199 - مسألة: (ويَضْمَنُ ما دَلَّ عليه، أو أشارَ إليه، أو أعانَ
(1) في: المغنى 5/ 395.
أَوْ كَانَ لَهُ أَثَرٌ فِى ذَبْحِهِ؛ مِثْلَ أَنْ يُعِيرَهُ سِكِّينًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا، فَيَكُونَ جَزَاؤُهُ بَيْنَهُمَا.
ــ
على ذَبْحِه، أو كان لة أثَرٌ في ذَبْحِه، مثلَ أن يُعِيرَه سِكِّينًا، إلَّا أن يَكُونَ القاتِلُ مُحْرِمًا، فيَكُونَ جَزاؤه بينَهما) يَحْرُمُ على المُحْرِمِ الدَّلالَة على الصَّيْدِ، والإِشارَةُ إليه، فإنَّ في حديثِ أبِى قَتَادَةَ (1)، لَمّا صادَ الحِمارَ الوَحْشِىَّ، وأصْحابُه مُحرِمُون، قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«هَلْ مِنْكم أحَدٌ أمَرَه أن يَحْمِلَ عَلَيْهَا، [3 ل/42 ظ] أوْ أشَارَ إلَيْها؟» . وفي لَفْظٍ: فأبْصَروا حِمارًا وَحْشِيًّا، وأنا مَشْغولٌ أخْصِفُ (2) نَعْلِى، فلم يُؤْذِنُونِي، وأحَبُّوا لو أنِّى أبْصَرْتُه. وهذا يَدُلُّ على تَعَلُّقِ (3) التَّحْرِيمِ بذلك، لو وُجِدَ منهم. ولأنَّه سَبَبٌ إلى إتْلافِ صَيْدٍ مُحَرَّمٍ عليه، فحَرُمَ، كنَصْبِ الشَّرَكِ.
فصل: وليس له الإِعانَةُ على الصَّيْدِ بشئٍ، فإنَّ في حديثِ أبِى قَتادَةَ المُتَّفَقِ عليه: ثمَّ رَكِبْت ونَسِيتُ السَّوْطَ والرُّمْحَ، فقلت لهم: ناوِلُونِى السَّوْطَ والرُّمْحَ، قالُوا: واللهِ لا نُعِينُك عليه. وفى رِوايَةٍ: فاسْتَعَنتُهم،
(1) أخرجه البخارى، في: بابا من استوهب من أصحابه. . . .، من كتاب الهبة وفضلها. صحيح البخارى 3/ 201. ومسلم، في: باب تحريم الصيد للمحرم، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 851 - 854. وأبو داود، في: باب لحم الصيد للمحرم، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 429. والنسائى، في: باب إذا ضحك المحرم. . . . ، وباب إذا أشار المحرم. . . .، من كتاب مناسك الحج. المجتبى 5/ 145، 146.
(2)
أخْصِف نعلى: أخرُزُها.
(3)
في م: «تعليق» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأبَوْا أن يُعِينُونِى. وهذا يَدُلُّ على أنَّهم اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَ الإعانَةِ، والنبىُّ صلى الله عليه وسلم أقَرَّهم علي كل ذلك. ولأنَّه، إعانَةٌ على مُحَرَّمٍ، فَحُرِّمَ، كالإِعانَةِ على قَتْلِ الآدَمِىِّ. ويَضْمَنُه بالدَّلالَةِ عليه، فإذا دَلَّ المُحْرِمُ حلالًا على الصَّيْدِ فأتْلَفَه، فالجزاءُ على المُحْرِمِ. رُوِىَ ذلك عن علىٍّ، وابنِ عباسٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعَطاءٍ، ومُجاهِدٍ، وبَكْرٍ المُزَنِىِّ، وإسْحاقَ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وقال مالكٌ، والشافعيُّ: لا شئَ على الدّالِّ؛ لأنَّه يُضْمَنُ بالجِنايَةِ، فلا يُضْمَنُ بالدَّلالَةِ، كالآدَمِيِّ. ولَنا، حديثُ أبِى قَتادَةَ، ولأنَّه سَبَبٌ يُتَوَصَّلُ به إلى إتْلافِ الصَّيْدِ، فتَعَلَّقَ به الضمانُ، كما لو نَصَب أُحْبُولَةً، ولأنَّه قولُ علىٍّ، وابنِ عباسٍ، رَضِىَ الله عنهما، ولا مُخالِفَ لهما في الصَّحابَةِ. وإن أشارَ اليه، فهو كما لو دَلَّ عليه؛ لأنَّه في مَعْناه.
فصل: فإن دَلَّ مُحْرِمًا على الصَّيْدِ، فقَتَلَه، فالجَزاءُ بينَهما. وبه قال عَطاءٌ، وحَمّادُ بنُ أبِى سُليْمانَ. وقال الشَّعْبِىُّ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأصْحابُ الرَّأىِ: على كلِّ واحِدٍ جَزاءٌ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ مِن الفِعْلَيْن يَسْتَقِلُّ بالجَزاءِ إذا انْفَرَدَ، فكذلك إذا لم يَضْمَنْه غيرُه. وقال مالكٌ والشافعىُّ: لا شَئَ على الدّالِّ. ولَنا، أنَّ الواجِبَ جَزاءُ المُتْلَفِ، وهوِ واحِدٌ، فيَكُونُ الجَزاءُ واحِدًا، وعلى مالكٍ والشافعىِّ ما سَبَق. ولا فَرْقَ في جَمِيعِ [الصُّوَرِ بَيْنَ](1) كَوْنِ المَدْلُولِ عليه ظاهِرًا، أو خَفِيًّا لا يَراه إلَّا بالدَّلَالَةِ عليه. ولو دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا على صَيْدٍ، ثم دَلَّ الآخَرُ آخَرَ، ثم كذلك إلى عَشَرَةٍ، فقَتَلَه العاشِرُ، كان الجَزاءُ على جَمِيعِهم. وِإن قَتَلَه الأوَّلُ فلا شئَ على غيرِه؛ لأنَّه لم يَدُلَّه عليه أحَدٌ، فلا يُشارِكُه في ضَمانِه أحَدٌ. ولو كان المَدْلُولُ رَأَى الصَّيْدَ قبلَ الدَّلالَه والإِشارَةِ، فلا شئَ على الدّالِّ والمُشِيرِ؛ لأنَّ ذلك لم يَكُنْ سَبَبًا في تَلَفِه، ولأنَّ هذه ليستْ دَلالَةً على الحَقِيقَةِ، وكذلك إن وُجِدَ مِن المُحْرِمِ حَدَثٌ عندَ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ؛ مِن
(1) في م: «الصورتين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ضَحِكٍ، أو اسْتِشْرافٍ، فَفَطِنَ له غيرُه فصاده، فلا شئَ على المُحْرِمِ؛ فإنَّ في حديثِ أبِى قَتادَةَ (1)، قال: خرَجْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى إذا كُنّا بالقاحَةِ (2)، ومِنّا المُحْرِمُ، ومِنّا غيرُ المُحْرِمِ، إذ بَصُرْتُ بأصْحابِى يَتراءَون شيئًا، فنَظرتُ، فإذا حِمارُ وَحْشٍ. وفى لَفْظٍ: فبَيْنا أنا مع أصْحابِى، فضَحِكَ بعضُهم، إذ نَظَرْتُ، إذا أنا بحِمارِ وَحْشٍ. وفى لَفْظٍ: فلَمّا كُنّا بالصِّفاحٍ (3)، إذا هم يَتَراءَون. فقُلْتُ: أىَّ شئٍ تَنْظُرُون؟ فلم يُخْبِرُونِي. مُتَّفَقٌ عليه.
فصل: فإن أعارَ قاتِلَ الصَّيْدِ سِلاحًا، فقَتَلَه به، فهو كما لو دَلَّهُ عليه؛ سَواءٌ كان المُسْتَعارُ ممّا لا يَتِمُّ قَتْلُه إلَّا به، أو أعارَه شَيْئًا هو مُسْتَغْنٍ عنه، مثلَ أن يُعِيرَه رُمْحًا ومعه رُمْحٌ، وكذلك لو أعانَه عليه بمُناوَلَتِه سِلاحَه أو سَوْطَه، أو أمَرَه باصْطِادِه؛ لِما ذَكَرْنا مِن حديثِ أبِى قَتادَةَ، وقولِ أصْحابِه: واللهِ لا نُعِينُكَ عليه بشئٍ. وقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ مِنْكُمْ أحَدٌ أمَرَهُ أنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أوْ أشَارَ إلَيْهَا؟» . وكذلك إن أعارَه سِكِّينًا فذَبَحَه بها. فأمّا إن أعارَه آلةً لِيَسْتَعْمِلَها في غيرِ الصَّيْدِ، فاسْتَعْمَلَها في
(1) تقدم تخريجه في صفحة 278.
(2)
القاحة: مدينة على ثلاث مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل. معجم البلدان 4/ 5.
(3)
الصفاح: موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسْرة الداخل الى مكة من مشاش. معجم البلدان 3/ 398.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّيْدِ، لم يَضْمَنْ؛ لأنَّ ذلك غيرُ مُحَرَّمٍ عليه، أشْبَهَ ما لو ضَحِك عندَ رُؤيَةِ الصَّيْدِ، ففَطِنَ له إنْسانٌ، فصادَه.
فصل: فإن دَلَّ الحَلالُ مُحْرِمًا على صَيْدٍ، فقَتَلَه، فلا شئَ على الحَلالِ؛ لأنَّه لا يَضْمَنُ الصَّيدَ بالإِتْلافِ، فبالدَّلالَةِ عليه (1) أوْلَي، إلَّا أن يَكُونَ ذلك في الحَرَمِ، فيَشتَرِكان في الجَزاءِ، كالمُحْرِمَيْن، لأنَّ صَيْدَ الحَرَمِ حَرامٌ على الحَلالِ والمُحْرِمِ. فإنِ اشتَرَكَ في قَتْلِ الصَّيْدِ حَلالٌ ومُحْرِمٌ في الحِلِّ، فعلى المُحْرِمِ الجَزاءُ جَمِيعُه، على ظاهِرِ قولِ أحمدَ، رحمه الله. وقال أصْحابُ الشافعىِّ: عليه نِصْفُ الجَزاءِ، كما لو كانا مُحْرِمَيْن. ولَنا، أنَّه اشْتَرَك في قَتْلِه مَن يَجِبُ عليه الضَّمانُ، ومَن لا يَجِبُ، فاخْتَصَّ الجَزاءُ بمَن يَجِبُ عليه، كما لو دَلَّ الحَلالُ مُحْرِمًا على صَيْدٍ، فعليه. ولأنَّه اجْتَمَعَ مُوجِبٌ ومُسْقِطٌ، فغلَبَ الإِيجابُ، كما لو قَتَل صَيْدًا بعضُه في الحَرَمِ وبَعْضُه في الحِلِّ. ذَكَر هذه المسألةَ القاضى أبو الحُسَيْنَ.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وكذلك إن كان شَرِيكُه سَبُعًا، ثم إن كان جَرْحُ أحَدِهما قبلَ صاحِبِه، والسّابِقُ الحَلالُ أو السَّبُعُ، فعلى المُحْرِمِ جَزاؤه مَجْرُوحًا، وإن كان السّابِقُ المُحْرِمَ فعليه أرْشُ جَرْحِه، على ما ذَكَرْنا. وإن كان جَرْحُهما في حالٍ واحِدَةٍ، أو جَرَحاه ومات منهما، فالجَزاءُ كلُّه على المُحْرِمِ. وفيه وَجْهٌ لنا، كقولِ أصْحابِ الشافعىِّ: إنَّ على المُحْرِمِ نِصْفهَ، كالمُحْرِمَيْن.