الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجِبُ عَلىَ الْمُتَمتِّعِ وَالْقَارِنِ [63 و] دَمُ نُسُكٍ، إذَا لَم يَكُونَا مِن حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ وَهُمْ أهْلُ مَكَّةَ، وَمَنْ كَان مِنْهَا دُون مَسَافَةِ الْقَصْرِ.
ــ
1163 - مسألة: (ويَجِبُ على المُتَمَتِّعِ والقارنِ دَمُ نُسُكٍ، إذا لم يَكُونا مِن حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ؛ وهم أهْلُ مَكةً، ومَن كان منها دُونَ مَسافَةِ القَصْرِ)
يَجِبُ الدِّمُ على المُتَمَتعِ في الجُمْلَةِ بالإجْماعِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ مَن أهَلَّ بعُمرَةٍ في أشهُرِ الحَجَّ مِن أهْلِ الآفاقِ مِن المِيقاتِ، وقَدِم مَكَّةَ ففَرَغَ منها وأقامَ بها فحَجَّ مِن عامِه، أنَّه متَمَتعٌ، وعليه الهَدْىُ إن وَجَدَ، وإلَّا فالصِّيامُ. وقد نصَّ الله سبحانه عليه بقَوْلِه:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ} الآية. وقال ابنُ عُمَرَ: تَمَتع الناسُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم -بالعُمْرَةِ الى الحَجِّ، فلَمّا قَدِم رسولُ اللهِ - صلي الله عليه وسلم -، قال للنّاسِ: «مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَطُف بِالْبَيْتِ، وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، ثُمِّ لْيُهِل بالحَجِّ، وَيُهْدِى، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَليَصُمْ ثَلَاَثةَ أيَّامٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في الحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أهْلِه». مُتَّفَقٌ عليه (1). وعنَ أبى جَمْرَةَ (2)، قال: سَألْتُ ابنَ عباس عن المُتْعَةِ، فأمَرَنِى بها، وسَألْتُه عن الهَدْىِ، فقالَ: فيها جَزُورٌ أو بَقَرَة أو شِرْكٌ (3) في دَمٍ. مُتَّفَقٌ عليه (4).
فصل (5): والدَّمُ الواجِبُ شاةٌ، أو سُبْع بَدَنَةٍ، أو بَقَرَةٍ (6)، فإنْ نَحَرَ بَدَنَةً، أو ذَبَح بَقَرَةً، فقد زادَ خَيْرًا. وبه قال الشافعىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال مالكٌ: لا يُجزِيءُ إلَّا بَقَرَةٌ (6)؛ لأنَّ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 157.
(2)
في م: «حمزة» .
(3)
أى مشاركة في دم، حيث يجزئ الشيء الواحد عن جماعة.
(4)
أخرجه البخارى، في: باب التمتع والإقران. . . .، وباب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 176، 204. ومسلم، في: باب جواز العمرة في أشهر الحج، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 911.
(5)
في م: «مسألة» .
(6)
في م: «بدنة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبى - صلي الله عليه وسلم - لَمّا تَمَتعَ ساق بَدَنَةً. والذى ذَكَره تَرْكٌ لظاهِرِ القُرْآنِ؛ لأنَّه سبْحانَه قال: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} .واطِّراحُ الآثارِ الثّابِتَةِ. وما احْتَجُّوا به فلا حُجَّةَ فيه؛ فإنَّ إهْداءَ النبىِّ - صلي الله عليه وسلم - للبَدَنةِ لا يَمْنَعُ إجْزاءَ ما ذونَها، فإنَّ النبىَّ - صلي الله عليه وسلم - قد ساق مائَةَ بَدَنَةٍ، ولا خِلافَ في أنَّ ذلك ليس بواجب، فلا يَجِبُ أنَّ تَكونَ البَدَنَة التى (1) يَذْبَحُها على صِفَةِ بُدْنِ النبىِّ - صلي الله عليه وسلم -، ثم إنَّهم يقُولُون: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان مُفْرِدًا في حَجَّتِه. ولذلك ذَهَبُوا إلى تَفْضِيلِ الإفْرادِ، فكيفَ يَكون سَوْقه للبَدَنةِ دَلِيلًا لهم في التَّمَتُّعِ، ولم يَكنْ متَمَتِّعًا!
فصل: وإنَّما يَجِبُ الدم بشُروطٍ خَمْسَةٍ؛ أوَّلُها، أنَّ يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أشْهرِ الحَجِّ، فإن أحْرَمَ بها في غيرِ أشْهُرِه لم يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، ولا يَلْزَمُه دَمٌ، سَواءٌ وَقَعَت أفْعالها في أشْهُرِ الحَجِّ، أو في غيرِه. نَصَّ عليه. قال الأثْرَمُ: سَمِعْت أبا عَبدِ اللهِ، سُئِلَ عن (2) مَنْ أهَل بعُمْرَةٍ في غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ، ثم قَدِم في شَوّالٍ، أيَحِلُّ في عُمْرَتِه مِن شوالٍ، أو يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؟
(1) في م: «الذى» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: لا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا. واحْتَجَّ بحديثِ جابِر (1)، وذَكَر إسْنادَه عن أبِى الزُّبَيْرِ، أنَه سَمِع جابِر بنَ عبدِ اللهِ، يُسْألُ عن امْرَأةٍ تَجْعَلُ على نَفْسِها عُمْرَةً في شهر مُسَمًّى،. ثم يَخْلُو إلَّا لَيْلَةً واحِدَةً، ثم تَحِيضُ؟ قال: لتَخْرُجْ، ثم لتُهِلَّ بعُمْرَةٍ، ثم لتَنتَظِرْ حتى تَطْهُرَ، ثم لتَطُفْ بالبَيْتِ. قال أبو عبدِ اللهِ: فجَعَلَ عُمْرَتَها في الشَّهْرِ الذى حَلَّتْ فيه. ولا نَعْلَمُ بينَ أهْلِ العِلْمِ خِلافًا أنَّ مَن اعْتَمَرَ في غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ، وفَرَغ مِن عُمْرَتِه قبلَ أشْهُرِ الحَجِّ، أنَّه لا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، إلَّا قَوْلَين شاذَّين؛ أحَدُهما، عن طاوُسٍ، أنَّه قال: إذا اعْتَمَرْت في غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ، ثم أقَمْتَ حتى الحَجِّ، فأنْتَ مُتَمَتِّعٌ.
(1) أخرجه البيهقى، في: باب نذر العمرة في شهر مسمى، من كتاب الحج. السنن الكبرى 85/ 10.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والآخَرُ، عن الحسنِ، أنَّه قال: مَن اعْتَمَرَ بعدَ النَّحْرِ، فهى مُتْعَةٌ. قال ابنُ المُنْذِرِ: لا نَعْلَمُ أحَدًا قال بواحِدٍ مِن هذَيْن القَوْلَيْن. فأمّا إن أحْرَمَ بالعُمْرَةِ في غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ، ثم حَلَّ منها في أشْهُرِ الحَجِّ، فإنَّه لا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، على ما ذَكَرْناه عن أحمدَ. ونُقِلَ مَعْنَى ذلك عن جابِرٍ، وأبِى عِياضٍ (1). وهو قولُ إسْحاقَ، وأحَدُ قَوْلَىِ الشافعىِّ. وقال طاوُمن: عُمْرَتُه في الشهْرِ الذى يَدْخُلُ فيه الحَرَمَ. وقال الحسنُ، والحَكَمُ، وابنُ شُبْرُمَةَ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ في أحَدِ قَوْلَيْه: عُمْرَته في الشَّهْرِ الذى يَطُوفُ فيه. وقال عَطاءٌ: عُمْرَتُه في الشَّهْرِ الذى يَحِلُّ فيه.
(1) عمرو بن الأسود العنسى أبو عياض، تابعى من العلماء الثقات، توفى في خلافة معاوية. تهذيب التهذيب 8/ 4 - 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو قولُ مالكٍ. وقال أبو حنيفةَ: إن طاف للعُمْرَةِ أرْبَعَةَ أشْواطٍ في غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ فليس بمُتَمَتِّعٍ، وإن طاف الأرْبَعَةَ في أشْهُرِ الحَجِّ فهو مُتَمَتِّعٌ؛ لأن العُمْرَةَ صَحَّتْ في أشْهُرِ الحَجِّ، بدَلِيلِ أنَّه لو وَطِى أفْسَدَها، أشْبَهَ إذا أحْرَمَ بها في أشْهُرِ الحَجِّ. ولَنا، ما ذَكَرْناه عن جابِر، ولأنَّه أتَى بنُسُكٍ لا تَتِمُّ العُمْرَةُ إلَّا به في غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ، فلم يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، كما لو طاف. ويُخَرَّجُ. عليه ما قاسُوا عليه. الثّانِى، أنَّ يَحُجَّ من عامِه، فإنِ اعْتَمَرَ في أشْهُرِ الحَجِّ فلم يَحُجَّ ذلك العامَ، بل حَجَّ من العامِ القابِلِ، فليس بمُتَمَتِّع. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا، إلَّا قولًا شاذًّا عن الحسنِ في مَن اعْتَمَرَ في أشْهُرِ الحَجِّ، فهو مُتَمَتِّعٌ، حَجَّ أو لم يَحُجَّ. والجُمْهُورُ على خِلافِ هذا؛ لأن اللهَ تعالى قال:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} . وهذا يَقْتَضِى المُوالاةَ بينَهما، ولأنَّهم إذا أجْمَعُوا على أنَّ مَن اعْتَمَرَ في غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ، ثم حَجَّ مِن عامِه، فليس بمُتَمَتِّعٍ، فهذا أوْلَى؛ لأنَّ التَّباعُدَ بينَهما أكْثَرُ. الثّالِثُ، أنَّ لا يُسافِرَ بينَ العُمْرَةِ والحَجِّ سَفَرًا بَعِيدًا تُقْصَرُ في مِثْلِه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصلاةُ. نَصَّ عليه. ورُوِىَ ذلك عن عَطاءٍ، [والمُغِيرَةِ المدينىِّ](1)، وإسْحاقَ. وقال الشافعىُّ: إن رَجَع إلى المِيقاتِ فلا دَمَ عليه. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: إن رَجَع مِن مِصْرِه بَطَلَتْ مُتْعَتُه، وإلَّا فلا. وقال مالكٌ: إن رَجَع إلى مِصْرِه أو إلى غيرِه أبْعَدَ مِن مِصْرِه بَطَلَتْ مُتْعَتُه، وإلَّا فلا. وقال الحسنُ: هوِ مُتَمَتِّعٌ وإن رَجَع إلى بَلَدِه. واخْتارَه ابنُ المُنْذِرِ؛ لعُمُومِ قَوْلِه تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} الآية. ولَنا، ما رُوِى عن عُمَرَ، رَضِىَ الله عنه، أنَّه قال: إذا اعْتَمَرَ في أشْهُرِ الحَجِّ ثم أقامَ، فهو مُتَمَتِّعٌ، فإن خرَج ورَجع، فليس بمُتَمَتِّعٍ. وعن ابنِ عُمَرَ نحوُ ذلك.
(1) في م: «والمغيرة والمدينى» .
وهو المغيرة بن عبد الرحمن المخزومى، فقيه المدينة بعد مالك، ومات بعده بسبع سنين. انظر ترجمته ق تهذيب التهذيب 10/ 265.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّه إذا رَجَع إلى المِيقاتِ أو ما دُونَه لَزِمَه الإحْرامُ منه، فإذا كان بَعِيدًا، فقد أنْشَأ سَفَرًا بَعِيدًا لحَجِّه، فلم يَتَرَفَّهْ بتَرْكِ أحَدِ السَّفَرَيْن، فلم يَلْزَمْه دَمٌ، كموضِعِ الوِ فاق. والآيَةُ تَناوَلَتِ المُتَمَتِّعَ، وهذا ليس بمُتَمَتِّعٍ؛ بدَلِيلِ قولِ عُمَرَ، رَضِىَ الله عنه. الرّابعُ، أنَّ يَحِل مِن إحْرامِ العُمْرَةِ قبلَ إحْرامِه بالحَجِّ، فإن أدْخَلَ الحَجَّ على العُمْرَةِ قبلَ حِلِّه منها، كما فَعَل النبىُّ صلى الله عليه وسلم، فإنَّه يَصِيرُ قارِنًا، ولا يَلْزَمُه دَمُ المُتْعَةِ. قالَتْ عائِشَةُ، رَضِىَ اللهُ عنها: خَرَجْنا مع النبىِّ - صلي الله عليه وسلم - عامَ حَجَّةِ الوَداعِ، فأهْلَلْنا بعُمْرَةٍ، فقَدِمْتُ مَكَّةَ وأنا حائِضٌ، لم أطُفْ بالبَيْتِ، ولا بينَ الصَّفا والمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذلك إلى النبىِّ - صلي الله عليه وسلم -، فقالَ:«انْقُضِى رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِى، وَأهِلِّى بالْحَجِّ، وَدَعِى الْعُمْرَةَ» . قالَتْ: ففَعَلْتُ، فلَمّا قَضَيْنا الحَجَّ أرْسَلَنِى رسولُ اللهِ - صلي الله عليه وسلم - مع عبدِ الرحمنِ بنِ أبِى بَكْر إلى التَّنْعِيمِ، فاعْتَمَرْتُ معه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقالَ: «هذِهِ عُمْرَة مَكَانَ عُمْرَتِكِ» . قال عُرْوَةُ: فقَضَى اللهُ حَجتَها وعُمْرَتَها، ولم يَكُنْ في شئٍ مِن ذلك هَدْيٌ ولا صَوْمٌ ولا صَدَقَةٌ. مُتُّفَقٌ عليه (1). ولكن عليه دَمٌ للقِرانِ؛ لأنَّه صار قارِنًا، وتَرَفَّهَ بسُقُوطِ أحَدِ السَّفَرَيْن. فأمّا قولُ عُرْوَةَ: لم يَكُنْ في ذلك هَدْيٌ. يَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ لم يَكُنْ فيه هَدْيٌ للمُتْعَةِ، إذ قد ثَبَت أنَّ رسولَ اللهِ - صلي الله عليه وسلم - ذَبَح عن نِسائِه بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ (2). الخامِسُ، أنَّ لا يَكُونَ مِن حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ. ولا خِلافَ بين أهْلِ العِلْمِ في أنَّ دَمَ المُتْعَةِ لا يَجِبُ على حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرام؛ لقولِه تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} .والمَعْنَى في ذلك أنَّ حاضِرَ المَسْجدِ الحَرامِ مِيقاته مَكَّةُ، ولا يَحْصُلُ له الترَّفُّهُ بتَرْكِ أحَدِ السَّفَرَيْن، ولأنه أَحْرَمَ مِن مِيقاتِه، أشْبَهَ المُفْرِدَ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 111.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في هدى البقرة، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 406. وابن ماجه، في: باب عن كم تجزئ البدنة والبقرة، من كتاب الأضاحى. سنن اين ماجه 2/ 1047.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وحاضِرُو (1) المَسْجِدِ الحَرامِ أهْلُ الحَرَمِ، ومَن بينَه وبين مَكَّةَ دُونَ مَسافَةِ القَصْرِ. نَصَّ عليه أحمدُ. ورُوِىَ ذلك عن عَطاءٍ، وبه قال الشافعيُّ. وقال مالكٌ: هم أهْلُ مَكَّةَ. وقال مُجاهِدٌ: هم أهْلُ الحَرَم. ورُوِىَ ذلك عن طاوُسٍ. ورُوِىَ عن مَكْحُولٍ وأصْحابِ الرَّأْىِ: مَن دُون المَواقِيتِ؛ لأنَّه مَوْضِغ شرِعَ فيه النُّسُكُ، فاشبَهَ الحَرَمَ. ولَنا، أنَّ حاضِرَ الشَّئِ مَن دَنا منه، ومَن دُونَ مَسافَةِ القَصْرِ قَرِيبٌ مِن حُكْمِ الحاضِرِ، بدَلِيلِ أْنَّه إذا قَصَدَه لا يَتَرَخَّصُ رُخَصَ المُسافِرِ؛ مِن القَصْرِ، والفِطْرِ، فيَكُونُ مِن حاضِرِيه. وتَحْدِيدُه بالمِيقاتِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّه قد يَكُونُ بَعِيدًا يَثْبُتُ له حُكْمُ السَّفَرِ البَعِيدِ إذا قَصَدَه، ولأنَّ ذلك يُفْضِى إلى جَعْلِ البَعِيدِ مِن حاضِرِيه، والقَرِيبِ مِن غيرِ حاضِرِيه؛ لتَفاوُتِ المَواقِيتِ في القُرْبِ والبُعْدِ. واعْتِبارُه بما ذَكَرْناه أوْلَى؛ لأنَّ الشّارِعَ حَدَّ الحاضِرَ دُونَ مَسافَةِ القَصْرِ، بنَفْى أحْكامِ المُسافِرِين عنه، فكانَ الاعْتِبارُ به أوْلَى مِن الاعْتِبارِ بالنُّسُك؛ لوُجُودِ لَفْظِ الحُضُورِ في الآيَةِ.
(1) في الأصل: «وحاضِرى» علي حكاية لفظ الآية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا كان للمُتَمَتِّعِ قَرْيَتانِ؛ قَريَبةٌ، وبَعِيدَةٌ، فهو مِن حاضِرى المَسْجِدِ الحَرامِ؛ لأنَّه إذا كان بعضُ أهْلِه قرِييًا لم يُوجَدْ فيه الشَّرْطُ، وهو أنَّ لا يَكُونَ أهْلُه مِن حاضِرِى المسْجِدِ الحَرام، ولأنَّ له أنَّ يُحْرِمَ مِن القَرِييَةِ، فلم يَكُنْ بالتَّمَتُّعِ مُتَرَفِّهًا بِتَرْكِ أحَدِ السَّفَرَيْن. وقال القاضى: له حُكْمُ القَرْيَةِ التى يُقِيمُ بها أكْثَرً، فإنِ اسْتَوَيا، فمِن التى مالُه بها أكْثَرُ، فإنِ اسْتَوَيا، فمِن التى يَنْوِى الإقامَةَ بها أكْثَرَ، فإنِ اسْتَوَيا، فله حُكْمُ القَرْيَةِ التى أحْرَمَ منها. وقد ذَكَرْنا دَلِيلَ ما قُلْناه.
فصل: فإنْ دَخَل الآفاقِىُّ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا ناوِيًا الإقامَةَ بها بعدَ تَمَتعِه، فعليه دَمُ المُتْعَةِ. قال ابنُ المُنْذِرٍ: أجْمَعَ على هذا كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلْمِ. ولو كان الرجلُ مَنْشَؤُه بمَكَّةَ، فخَرَجَ عنها مُنْتَقِلًا مُقِيمًا بغيرِها،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم عاد إليها مُتَمَتِّعًا، ناوِيًا للإقامَةِ بها أو غيرَ ناوٍ، فَعَلَيْه دَمُ مُتْعَةٍ؛ لأنَّه خَرَج بالانْتِقالِ عنها عن أن يَكُونَ مِن أهْلِها. وبه قال مالكٌ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ؛ وذلك لأنَّ حُضُورَ المسْجِدِ الحَرامِ إنَّما حَصَل بنيَّةِ الإِقامَةِ وفِعْلِها، وهذا إنَّما نَوَى الإِقامَةَ إذا فَرَغ مِن أفْعالِ الحَجِّ؛ لأنَّه إذا فَرَغ مِن عُمْرَتِه فهو ناوٍ للخُرُوجِ إلى الحَجِّ، فكَأنَّه إنَّما نَوَى أن يُقِيمَ بعدَ وُجُوبِ الدَّمِ عليه، فأمّا إن سافَرَ المَكِّىُّ غيرَ منْتَقِلٍ، ثم عاد فاعْتَمَرَ مِن المِيقاتِ، وحَجَّ مِن عامِه، فلا دَمَ عليه، لأنَّه لم يَخْرُجْ بذلك عن كَوْنِ أهْلِه مِن حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ.
فصل: وهذا الشَّرْطُ الخامِسُ شَرْطٌ لوُجُوبِ الدَّمِ عليه، وليس بشَرْطٍ لكَوْنِه مُتَمَتِّعًا، فإنَّ مُتْعَةَ المَكِّىِّ صَحِيحَةٌ؛ لأنَّ التَّمَتُّع أحَدُ الأنْساكِ الثَّلَاثةِ، فَصَحَّ مِن المَكِّىِّ، كالنُّسُكَيْن الآخَرَيْن. ولأنَّ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ أن يَعْتَمِرَ في أشْهُرِ الحَجِّ ثم يَحُجَّ من عامِه. وهذا مَوْجُودٌ في المَكِّىِّ. وقد نُقِل عن أحمدَ: ليس علىِ أهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ. ومَعْناه ليس عليهم دَمُ مُتْعَةٍ؛ لأنَّ المُتْعَةَ له لا عليه، فتَعَيَّنَ حَمْلُه على ما ذَكَرْناه.
فصل: إذا تَرَك الآفاقِىُّ الإِحْرامَ مِن المِيقاتِ، وأحْرَمَ مِن دُونِه بعُمْرَةٍ، ثم حَلَّ منها، وأحْرَمَ بالحَجِّ مِن مَكَّةَ مِن عامِه، فهو مُتَمَتِّعٌ، وعليه دَمان؛ دَمُ المُتْعَةِ، ودَمِّ لإِحْرامِه مِن دُونِ المِيقاتِ. قال ابنُ المُنْذِرِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وابنُ عبدِ البَرِّ (1): أجْمَعَ العُلَماءُ على أنَّ مَن أحْرَمَ في أشْهُرِ الحَجِّ بعُمْرَةٍ، وحَلَّ منها، ولم يَكُنْ مِن حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ (2)، ثم أقامَ بمَكَّةَ حَلالًا، ثم حَجَّ مِن عامِه، أنَّه مُتَمَتِّعٌ عليه دَمٌ. وقال القاضى: إذا تَجاوَزَ المِيقاتَ، حتى صار بينَه وبينَ مَكَّةَ أقَلُّ مِن مَسافَةِ القَصْرِ، فأحْرَمَ منه، فلا دَمَ عليه للمُتْعَةِ، لأنَّه مِن حاضِرِى المسْجِدِ الحَرامِ. وليس بِجَيِّدٍ، فإن حُضُورَ المَسْجِدِ الحَرام إنَّما يَحْصُلُ بالإِقامَةِ به، ونِيَّةِ ذلك، وهذا لم تَحْصُلْ منه الإِقامَةُ، ولا نِيَّتُها. ولأنَّ اللهَ تعالى قال:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} . وهذا يَقْتَضِى أن يَكُونَ المانِعُ مِن الدَّمِ السُّكْنَى به، وهذا ليس بساكِنٍ. وإن أحْرَمَ الآفاقِىُّ بعُمْرَةٍ في غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ، ثم أقامَ بمَكَّةَ، واعْتَمَرَ مِن التَّنْعِيمِ في أشْهُرِ الحَجِّ، وحَجَّ مِن عامِه، فهو مُتَمَتِّعٌ. نَصَّ عليه أحمدُ (3). وعليه دَمٌ. وفى تَنْصِيصِه على هذه الصُّورَةِ تَنْبِيهٌ على إيجابِ الدَّم في الصُّورَةِ الأُولَى بطَرِيقِ الأوْلَى.
(1) الاستذكار 214/ 11.
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذَكَر القاضى شَرْطًا سادِسًا لوُجُوبِ الدَّم، وهو أن يَنْوِىَ في ابْتِداءِ العُمْرَةِ، أو (1) أثْنائِها أنَّه مُتَمَتِّعٌ. وظاهِر النَّصِّ يَدُلُّ على أنَّ هذا غير مُشتَرَطٍ، فإنَّه لم يَذْكرْه، وكذلك الإِجْماعُ الذى ذَكَرْناه مُخالِفٌ لهذا القولِ، لأنَّه قد حَصَل له التَّرَفُّةُ بتَرْكِ أحَدِ السَّفَرَيْن، فلَزِمَه الدَّمُ، كَمَن نوى.
فَصْلٌ في وَقْتِ وُجُوب الهَدْىِ وذَبْحِه: أمّا وَقْتُ وُجُوبِه، فعن أحمدَ، أنَّه يَجِبُ إذا أحْرَمَ بالحَجِّ. وهو قولُ أبِى حنيفةَ، والشافعىِّ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} . وهذا قد فَعَل ذلك، ولأنَّ ما جُعِلَ غايَةٌ فوُجُودُ أوَّلِهْ كافٍ، كقَوْلِه تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (2). وعنه، أنَّه يَجِبُ الدَّمُ إذا وَقَف بعَرَفَةَ. اخْتارَه القاضى. وهو قولُ مالكٍ؛ لأنَّ التَّمَتُّعَ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ إنَّما يَحْصُلُ بعدَ وجُودِ الحَجِّ منه، ولا يَحْصُلُ ذلك إلَّا بالوُقُوفِ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«الْحَجُّ عَرَفَةُ» (3). ولأنَّه قبلَ ذلك
(1) في م: «و» .
(2)
سورة البقرة 187.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب من لم يدرك عرفة، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 451، 452. والترمذى، في: باب تفسير سورة البقرة، الآية {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ. . . .}، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 11/ 98، 99. والنسائى، في: باب فرض الوقوف يعرفة، من كتاب مناسك الحج. المجتبى 5/ 206. وابن ماجه، في: باب من أتى عرفة. . . .، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1003. والدارمى، في: باب بما يتم الحج، من كتاب المناسك. سنن الدارمى 2/ 59. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 309، 310، 335.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَعْرِضُ الفَواتُ، فلا يَحْصُلُ التَّمَتُّعُ، ولأنَّه لو أحْرَمَ بالحَجِّ، ثم أُحْصِرَ (1) أو فاتَه الحَجُّ، لم يَلْزَمْه دَمُ المُتْعَةِ، ولا كان مُتَمَتِّعًا، ولو وَجَب الدَّمُ لما سَقَط. وقال عَطاءٌ: يَجِبُ إذا رَمَى الجَمْرَةَ. ونحوُه قولُ أبِى الخَطّابِ، قال: يَجِبُ إذا طَلَع الفَجْرُ يومَ النَّحْرِ؛ لأنَّه وَقْتُ ذَبْحِه، فكانَ وَقْتَ وُجُوبِه.
وأمّا وَقْتُ ذَبْحِه، فيَوْمُ النَّحْرِ. وبه قال مالكٌ، وأبو حنيفةَ؛ لأنَّ ما قبلَ يومِ النَّحْرِ لا يَجُوزُ ذَبْحُ الأُضْحِيَةِ فيه، فلا يَجُوزُ ذَبْحُ الهَدْىِ الذى للتَّمَتُّعِ (2) كما قبلَ التَّحَلُّلِ مِن العُمْرَةِ. وقال [أبو طالِبٍ] (3): سَمِعْتُ أحمدَ قال -في الرجلِ يَدْخُلُ مَكَّةَ في شَوّالٍ، ومعه هَدْىٌ- قال: يَنْحَرُ بمَكَّةَ، وإن قَدِم قبلَ العَشْرِ نَحَرَه، لا يَضِيعُ أو يَمُوتُ أو يُسْرَقُ. وكذا قال عَطاءٌ.
(1) في الأصل: «حضر» .
(2)
في م: «للمتمتع» .
(3)
في م: «أبو الخطاب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن قَدِم في العَشْرِ لم يَنْحَرْه حتى يَنْحَرَه بمِنًى؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم وأصْحابَه قَدِمُوا في العَشْرِ فلم يَنْحَرُوا حتى نَحَرُوا بمِنًى. ومَن جاء قبلَ ذلك نَحَرَه عن عُمْرَتِه، وأقامَ على إحْرامِه، وكان قارِنًا. وقال الشافعىُّ: يَجُوزُ نَحْرُه بعدَ الإِحْرام بالحَجِّ. قولًا واحِدًا، وفيما قبلَ ذلك بعدَ حِلِّه مِن العُمْرَةِ احْتِمالان. وَوَجْهُ جَوازِه، أنَّه دَمٌ يَتَعَلَّقُ بالإِحْرامِ، ويَنُوبُ عنه الصِّيامُ، فجاز قبلَ يومِ النَّحْرِ، كدَمِ الطِّيبِ، ولأنَّه يَجُوزُ إذا بَدَّلَه قبلَ يَوْمِ النَّحْرِ، فجازَ أداؤُه قبلَه، كسائِرِ الفِدْياتِ.
فصل: ويَجِبُ الدَّمُ على القارِنِ في قولِ عامَّةِ أهْلِ العِلْمِ، ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا، إلَّا عن داودَ؛ لأنَّه قال: لا دَمَ عليه. ورُوِىَ عن طاوُسٍ. وحَكَى ابنُ المُنْذِرِ أنَّ ابنَ داودَ لَمّا دَخَل مَكَّةَ سُئِلَ عن القارِنِ، هل يَجِبُ عليه دَمٌ؟ فقالَ: لا. فجَرُّوا برَحْلِه. وهذا يَدُلُّ على شُهْرَةِ الأمْرِ بَيْنَهُم. ولَنا، قَوْلُه تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} . وهذا مُتَمَتِّعٌ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ؛ بدَلِيلِ أنَّ عَلِيًّا لَمّا سَمِع عثمانَ يَنْهَى عن المُتْعَةِ أهَلَّ بالعُمْرَةِ والحَجِّ؛ ليَعْلمَ النّاس أنَّه ليس بمَنْهىٍّ عنه. وقال ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ الله عنهما: إنَّما القِرانُ لأهْلِ الآفاقِ، وتَلا قَوْلَه تعالى:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} . وقد رُوِىَ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجَّتِه وَعُمْرَتِهِ (1) فَلْيُهْرقْ دَمًا» (2). ولأنَّه تَرَفَّهَ بسُقُوطِ أحَدِ السَّفَرَيْن، فأشْبَهَ المُتَمَتِّعَ. فإن عَدِم الدَّمَ، فعليه صيامٌ، كصِيامِ المُتَمَتِّعِ، سواءٌ. ومِن شَرْطِ وُجُوبِ الدَّمِ عليه أن لا يَكُونَ مِن حاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ، في قولِ جُمْهُورِ العُلَماءِ. وقال ابنُ الماجِشُونَ: عليه دَمٌ؛ لأنَّ الله تعالى إنَّما أسْقَطَ الدَّمَ عن المُتَمَتِّعِ،
(1) سقط من: م.
(2)
لم نجده.