الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلا تَأثِيرَ لِلْحَرَمِ وَلا لِلْإحْرَامِ في تَحْرِيمِ حَيَوَانٍ إنْسِيٍّ، وَلا مُحَرَّمِ الْأَكْلِ.، إلَّا الْقَمْلَ في رِوَايَةٍ. وَأيُّ شَيءٍ تَصَدَّقَ بِهِ، كَانَ خَيْرًا مِنه.
ــ
وقيلَ: عليه الضَّمانُ. وهو قولُ قَتادَةَكما لعُمُومِ الآيَة. ولأنَّ غايَةَ ما فيه أنَّه عَدِم القَصْدَ إلى قَتْلِه، فأشْبَهَ قَتْلَ الخطأ. ولَنا، أنَّه فِعْلٌ أُبِيحَ لحاجَةِ الحَيَوانِ، فلم يَضْمَنْ ما تَلِف به، كما لو داوى وَلِي الصَّبِيِّ الصَّبِيَّ، فمات بذلك، وهذا ليس بمُتَعَمِّدٍ، ولا تَناوَلُه الآيَةُ.
1206 - مسألة: (ولا تَأْثِيرَ للحَرَم ولا للإحْرامِ في تَحْرِيمِ حَيَوانٍ إنسىٍّ، ولا مُحَرَّمِ الأكْلِ، إلَّا القَمْلَ)
على المُحْرِمِ في رِوايَةِ. وأيُّ شئٍ تَصَدَّقَ به، كان خَيْراً منه) لا تَأثِيرَ للحَرَمِ ولا للإحْرامِ في تَحْرِيم شيئٍ مِن الحَيَوانِ الأهْلِيِّ؛ كبَهِيمةِ الأنعامِ، والخَيلِ، والدجاجِ، ونحوِها؛ لأنَّه ليس بِصَيْدٍ، وإنَّما حَرَّمَ الله سُبْحانَه الصَّيْدَ. وقد كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَذْبَح البُدْنَ في احْرامِه في الحَرَمِ، يَتَقَرَّبُ إلى اللهِ سُبْحانَه بذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال عليه السلام: «أفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ والثَّجُّ» (1). يعني إسالَةَ الدِّماءِ بالذَّبْحِ والنَّحْرِ. وهذا لا خِلافَ فيه. فإن كان مُتَولِّدًا بينَ وَحْشِىٍّ وأهلىٍّ، غَلَب جانِبُ التَّحْرِيمِ.
فصل: فأمّا المُحَرَّمُ أكلُه فهو ثَلاثةُ أقْسام؛ أحَدُها، الخَمْسُ الفَواسِق التي أباحَ الشّارِعُ قَتْلَها في الحِلِّ والحَرَمِ، وهي الحِدَأةُ، والغُرابُ، والفَأرَةُ، والعَقْرَبُ، والكَلْبُ العَقُورُ. وفي بعض ألْفاظ الحديثِ: الحَيَّةُ مَكانَ العَقْرَبِ. فيُباحُ قَتْلُهُنَّ في الإحْرام والحَرَمِ. وهذا قولُ أكثَرِ أهْلِ العِلْمِ منهم؛ الثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرَّأْيِ، وإسْحاقُ. وحُكِيَ عن النَّخَعِيِّ أنَّه مَنَع قَتْلَ الفَأْرَةِ. والحديثُ صَريحٌ في حِلِّ قَتْلِها، فلا تَعْوِيلَ على ما خالَفَه. والمُرادُ بالغُرابِ الأبقَعُ وغُرابُ البَيْنِ. وقال قَوْمٌ: لا يُباحُ قَتْلُ غُراب البَيْنِ؛ لأنَّه رُوِىَ: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ في الحِلِّ وَالْحَرَمِ؛ الحَيًّةُ، وَالْغُرَابُ الأبقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا» . رَواه مسلمٌ (2). وهذا يُقَيِّدُ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 211.
(2)
في: باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب، من كتاب الحج. صحيح مسلم 856/ 2 - 859. كما أخرجه البخارى، في: باب ما يقتل المحرمُ من الدواب، من كتاب جزاء الصيد. صحيح البخارى 3/ 17. والنسائى، في: باب مايقتل في الحرم من الدواب، وباب قتل الحيَّةِ في الحرم، وباب قتل الحِدَاةِ في الحرم، من كتاب المناسك. المجتبى 163/ 5، 165. وابن ماجه، في: باب ما يقتل المحرم، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1031. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 122، 164.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُطْلَقَ ذِكْرِ الغُرابِ في الحديثِ الآخَرِ، ولا يُمْكِنُ حَمْلُهُ على العُمُومِ، بدَلِيلِ أنَّ المُباحَ مِن الغِرْبانِ لا يَحِلُّ قَتْلُه. ولَنا، ما رَوَتْ عائشَةُ، رضي الله عنها، قالَتْ: أمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بقَتْلِ خَمس فَواسِقَ في الحَرَمِ؛ الحِدَأةُ، والغُرابُ، والفَأْرَةُ، والعَقْرَبُ، والكَلْبُ العَقُورُ. وعن ابنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، لَيْسَ عَلَى المُحْرِمِ جُنَاحٌ في قَتْلِهِنَّ» . وذَكَر مثلَ حديثِ عائشَةَ. مُتَّفَقٌ عليهما (1). وهذا عامٌّ في الغُرابِ، وهو أَصَحُّ مِن الحديثِ الآخَرِ. ولأنَّ غُرابَ البَيْنِ مُحَرَّم الأكْلِ، يَعْدُو على أمْوالِ النّاس، ولا وَجْهَ لإخْراجِه مِن العُمُومِ. وفارَقَ ما أُبِيحَ أكْلُه، فإنَّه ليس في مَعْنى ما أُبِيحَ قَتْلُه، فلا يَلْزَمُ مِن تَخْصِيصِه تَخْصِيصُ ما ليس في مَعْناه. القِسْم الثّانِي مِن المُحَرَّمِ أكلُه، ما كان طَبْعُه الأَذَى، وإن لم يُوجَدْ منه أذًى؛ كالأسَدِ،
(1) الأول أخرجه البخارى، في: باب ما يقتل المحرم من الدواب، من كتاب المحصر وجزاء الصيد. صحيح البخارى 3/ 17. ومسلم، في: باب ما يندب للمحرم. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 856، 857. كما أخرجه النسائى، في: باب ما يقتل المحرم من الدواب، من كتاب مناسك الحج. المجتبى 5/ 148. وابن ماجه، في: باب ما يقتل المحرم، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 1031/ 2.
والثاني أخرجه البخارى، في: باب ما قتل المحرم من الدواب، من كتاب المحصر وجزاء الصيد: صحيح البخارى 3/ 17. ومسلم، في: باب ما يندب للمحرم. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 856 - 859. كما أخرجه أبو داود، في: باب ما قتل المحرم من الدواب، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 428. والنسائي، في: باب ما يقتل المحرم من الدواب، من كتاب مناسك الحج. المجتبى 5/ 147، 149. والإمام مالك، في: كتاب ما قتل المحرم من الدواب، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 356. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 8، 32، 37، 48، 50، 52، 54، 65، 77.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والنَّمِرِ، والفهْدِ، والذِّئْبِ، وما في مَعْناه، فيُباحُ قَتْلُه ايضُاً ، ولا جَزاء فيه. قال مالكٌ: الكَلْبُ العَقُور، ما عَقَر النّاسَ وعَدا عليهم، مِثلَ الأسَدِ، والذِّئْبِ، والنَّمِرِ، والفهْدِ. فعلى هذا يُباحُ قَتْلُ كلِّ ما فيه أذًى للنّاسِ في أنفُسِهم وأمْوالهِم، مِثْلَ سِباعِ البَهائِمِ كلِّها، الحَرام أكْلُها، وجَوارِحِ الطَّيْرِ؛ كالبازِيِّ، والصَّقْرِ، والشّاهِينِ، والعُقابِ، ونحوِها، والحشَراتِ المُؤْذِيَة، والزُّنْبُورِ، والبَقِّ، والبَعُوضِ، والبَراغِيثِ، والذُّبابِ. وبه قال الشَّافعيُّ. وقال أصْحابُ الرايِ: يُقْتَلُ ما جاء في الحديثِ، والذِّئْبُ قِياسًا عليه. ولَنا، أنَّ الخَبَرَ نَصَّ مِن كلِّ جِنْسٍ على صُورَةٍ مِن أدْناه؛ تَنْبِيهًا على ما هو أعْلَى منها، ودَلالَةً على ما كان في مَعْناها، فنَصُّه على الغُرابِ والحِدَأةِ تَنْبِيهٌ على البازِيِّ ونحوِه، وعلى الفَارَةِ تَنْبِيهٌ على الحَشراتِ، وعلى العَقْرَبِ تَنْبية على الحَيَّة، وقد ذُكِرَتْ في بعضِ الأحاديثِ، وعلى الكَلْبِ العَقُورِ تَنْبيهٌ على السِّباعِ التي هي أعْلَى منه، ولأنَّ ما لا يُضْمَنُ بقِيمَتِه ولا مِثْلِه، لا يُضْمَنُ بشئٍ، كالحَشراتِ. القِسْمُ الثّالِثُ مِن المُحَرَّمِ الأكْلِ، ما لا يُؤْذِي بِطبعِه، كالرَّخَمِ، والدِّيدانِ، فلا أثَرَ للحرَمِ ولا للإحْرامِ فيه، ولا جَزَاءَ فيه إن قَتَلَه. وبه قال الشافعيّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال مالكٌ: يحرُمُ قَتْلُها، فإن قَتَلَها فَداها، وكذلك كل سَبُعٍ لا يَعْدُو على النّاسِ. فإذا وَطِئَ الذُّبابَ، أو النَّمْلَ، أو الذَّرَّ، أو قَتَل الزُّنبُورَ، تَصَدَّقَ بشَئٍ مِن الطَّعام. وقال ابنُ عَقِيل: في النَّمْلَةِ لُقْمَةٌ أو تَمْرَةٌ إذا لم تُؤْذِه. ويَتَخَرَّجُ في النًّحْلَةِ مثلُ ذلك؛ لأنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن قتل النَّمْلَةِ والنَّحْلَةِ (1). وحَكَى ابنُ أبي موسى: في الضِّفْدَعِ حُكُومَةٌ. ولَنا، أنَّ الله سُبْحانَه إنَّما أوْجَبَ الجَزاءَ في الصَّيْدِ، وليس هذا بِصَيْدٍ. قال بعضُ أهْلِ العِلْمِ: الصَّيدُ ما جَمَع ثلاًثةَ أشْياءَ؛ أنْ يَكُونَ مُباحاً مُمْتَنِعًا (2). ولأنَّه لا مِثْلَ له ولا قِيمَةَ، والضَّمَانُ إنّما يَكُونُ بأحَدِ هذين
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في قتل الذَّرِّ، من كتاب الأدب. سنن أبي داود 2/ 656. وابن ماجه، في: باب ما يُنهى عن قتله، من كتاب الصيد. سنن ابن ماجه 2/ 1074. والدارمي، في: كتاب النهى عن قتل الضفادع والنحلة، من كتاب الأضاحى. سنن الدَّارميّ 2/ 89. والإمام مالك، في: باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو. من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 448. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 332، 347.
(2)
ذكر هنا شيئين وزاد عليهما صاحب المغني: وحشيا. المغني 5/ 177.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا بأسَ من أن يُقَرِّدَ المُحْرِمُ بَعِيرَه. رُوِيَ ذلك عن ابنِ عُمَرَ، رَضىَ الله عنهما، أنَّه قَرَّدَ بَعِيرَه بالسُّقْيَا (1)، أي نَزَع القُرادَ (2) عنه، فرَماه. وهذا قولُ ابن عباسٍ، وجابِرِ بنِ زَيْدٍ (3)، وعَطاءٍ. وقال مالكٌ: لا يَجُوزُ. وكَرِهَه عِكْرِمَةُ. ولَنا، أنَّه قولُ مَن سَمَّيْنا مِن الصَّحابَةِ، ولأنَّه مُؤْذٍ فأبِيحَ قَتْلُه، كالحَيَّه والعَقْرَبِ.
فصل: فأمّا القَمْلُ، ففيه روايَتان؛ إحْداهما، إباحَةُ قَتْلِه؛ لأنَّه مِن
(1) السقيا: منزل بين مكة والمدينة، قيل: هي على يومين من المدينة.
(2)
القُراد: دويبة متطفلة، تعيش على الدواب والطيور، وتمتص دمها.
(3)
في الأصل: «يزيد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أكثرِ الهَوامِّ أذًى، فأُبِيحَ قَتْلُه، كالبَراغِيثِ، وسائِرِ ما يُؤْذِي. والثّانِيَةُ، أنَّ قَتْلَه مُحَرَّم. وهو ظاهِرُ كَلام الخِرَقِيِّ؛ لأنَّه يَتَرَفَّهُ بإزالَتِه، فَحُرِّمَ، كقَطْع الشَّعَرِ، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى كَعْبَ بنَ عُجْرَةَ والقَمْلُ يَتَناثَرُ على وَجْهِه، فقالَ له:«احْلِقْ رَأسَك» (1). فلو كان قَتْلُ القَمْلِ وإزالته مُباحًا لم يَكُن كَعبٌ ليَتْرُكَه حتَّى يَصِيرَ كذلك، ولكانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمَرَه بإزالَتِه خاصَّة. والصِّئبانُ كالقَمْلِ؛ لأنَّه بَيْضُه، ولا فَرْقَ بينَ قَتْلِ القَمْل ورَمْيه، أو قَتْلِه بالزِّئبَقِ، لحُصُولِ التَّرَفُّهِ به. قال القاضي: إنَّما الرِّوايَتان فيما أَزالَه مِن شَعَرِه، أمّا ما ألْقاه مِن ظاهِرِ بَدَنِه وثَوْبِه، فلا شئَ فيه، رِوايَةً واحِدَةً. وظاهِرُ كَلامِ شيخِنا ههُنا يَقْتَضِي العُمُومَ. ويَجُوزُ له حَكُّ رَاسِه برِفْقٍ؛ كَيْلا يَقْطَعَ شَعَرًا، أو يَقْتُلَ قَمْلاً، فإن حَكَّ فرَأى في يَدِه شَعَرًا اسْتُحِبَّ له أن يَفدِيَه (2) احْتِياطًا، ولا يَجِبُ حَتى يَسْتَيْقِنَ.
(1) تقدم تخريجه في 2/ 145.
(2)
في م: «يعيده» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن تَفَلَّى المُحْرِمُ، أو قَتَل قَمْلاً، فلا فِدْيَةَ فيه، فإنَّ كَعْبَ ابنَ عُجْرَةَ حينَ حَلَق رَأْسَه قد أذْهَبَ قَمْلاً كَثِيرًا، ولم يَجِبْ عليه لذلك شيئٌ، إنَّما أوْجَبَ الفِدْيَةَ بحَلْقِ الشَّعَرِ، ولأنَّ القَمْلَ لا قِيمَةَ له، فأشْبَهَ البَعُوضَ والبَراغِيثَ، ولأنَّه ليس بصَيْدٍ، ولا هو مَأكُول. حُكِيَ عن ابن عُمَرَ، قال: هي أهْوَنُ مَقْتُول. وسُئلَ ابنُ عباس، عن (1) مُحْرِم ألْقَى قَمْلَةً، ثم طَلَبَها فلم يَجِدْها، قال: تلك (2) ضالَّة لا تُبْتَغَى. وهذا قولُ طاووسٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وعطَاءٍ، وأبِي ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وعن أحمدَ -في مَن قَتَل قَمْلَةً- قال: يُطْعِمُ شَيْئًا. فعلى هذا، أيُّ شئٍ تَصَدَّقَ به أجْزَأهُ، سَواءٌ قَتَل قَلِيلاً أو كثيرًا. وهذا قولُ أصْحابِ الرَّأْيِ. وقال إسْحاقُ: تَمْرَةٌ فما فَوْقَها. وقال مالكٌ: حَفْنَة مِن طَعامٍ. ورُوِي ذلك عن ابنِ عُمَرَ. وهذه الأقْوالُ كلُّها قَرِيبٌ مِن قَوْلِنا، فإنَّهُم لم يُرِيدُوا بذلك التَّقْدِيرَ، وإنَّما هو على التَّقْرِيبِ لأقَلِّ ما يُتَصَدَّقُ به.
(1) في م: «في» .
(2)
في م: «مالك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والخِلافُ إنَّما هو في قَتْلِه للمُحْرِمِ، أمّا في الحَرَمِ فيُباحُ قَتْلُ القَمْلِ بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّه إنَّما حُرِّمَ في حَقِّ المُحْرِمِ؛ لِما فيه مِن التَّرَفُّهِ، فهو كقَطْعِ الشَّعَرِ،، ومَن كان في الحَرَمِ غيرَ مُحرِمٍ، فمُباحٌ له قَطْعُ الشَّعَرِ، وتَقْلِيم الأظْفارِ، والطِّيبُ، وسائرُ ما يُتَرَفَّهُ به.
فصل: ولا بَأسَ بغسْلِ المُحْرِمِ رَأْسَه وبَدَنَه برِفْقٍ. فَعَل ذلك عُمَرُ، وابْنُه، ورَخَّصَ فيه علىٌّ، وجابِرٌ، وسَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْى. وكَرِه مالك للمُحْرِمِ أن يَغْطِسَ في الماءِ، ويُغيِّبَ فيه رَأسَه، ولَعَلَّه ذَهَب إلى أنَّ ذلك سِتْرٌ له. والصَّحِيحُ أَنَّه لا بَأْسَ بذلك؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ ذلك ليس بسِتْرٍ، ولهذا لا يَقُومُ مَقامَ السُّتْرَةِ في الصلاةِ. وقد رُوِيَ عن ابنِ عباس، قال: رُبَّما قال لي عُمَرُ ونحن مُحْرِمُون بالجُحْفَةِ: تعالَ أُباقِيك (1) أيُّنا أطْوَلُ نَفَسًا في الماءِ. رَواه سعيد (2). ولأنّه ليس بسِتْرٍ مُعْتادٍ، وأشْبَهَ صَبَّ الماءِ عليه، ووَضْعَ يَدِه عليه. وقد روَى عبد اللهِ بنُ حُنَيْنٍ، قال: أرْسَلَنِي ابنُ عباسٍ إلى أبِي أَيوبَ الأنْصارِيِّ، فأتَيْتُه وهو يَغْتَسِلُ، فسَلَّمْتُ عليه، فقالَ: مَن هذا؟ فقلتُ (3): أنا عبد اللهِ بنُ حُنَيْنٍ، أرْسَلَنِي إليك عبد اللهِ بنُ عباس لم يَسْألك: كيف كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَأسَه وهو مُحْرمٌ. فوَضَعَ أبو أيُّوبَ يَدَه على الثوْبِ، فطَأْطَأه حتَّى بَدا لي رَأسُه، ثم قال لإنْسانٍ يَصُبُّ عليه الماءَ: صُبَّ. فصَبَّ على
(1) يعني: ننظر أينا أبقى.
(2)
أخرجه البيهقي في: باب الاغتسال بعد الإحرام، من كتاب الحج. السنن الكبرى 63/ 5.
(3)
في الأصل: «فقال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَأْسِه، ثم حَرَّكَ رَأْسَه بيَدَيْه، فأقْبَلَ بهما وأدْبَرَ، ثم قال: هكذا رَأَيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يفْعَلُ. مُتَّفَقٌ عليه (1).
فصل: ويُكْرَهُ له غَسْلُ رَأَسِه بالسِّدْرِ والخِطْمِيِّ (2) ونحوِهما؛ لِما فيه من إزالَةِ الشَّعَثِ، والتعَرُّضِ لقَطْع الشعَرِ. وكَرِهَه جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وأصْحابُ الرأيِ. فإن فَعَل فلا فِدْيَةَ عليه. وبه قال الشافعيُّ، وأبو ثَوْر، وابن المُنْذِرِ. وعن أحمدَ رحمه الله: عليه الفِدْيَةُ.
(1) أخرجه البخارى، في: باب الاغتسال للمحرم، من كتاب المحصر وجزاء الصيد. صحيح البخارى. 3/ 20. ومسلم، في: باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 864. كما أخرجه أبو داود، في: باب المحرم يغتسل، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 426، 427. والنَّسائيّ، في: باب غسل المحرم، من كتاب المناسك. المجتبى 98/ 5. وابن ماجه، في: باب المحرم يغسل رأسه، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 978، 979. والدارمي، في: باب الإغتسال في الإحرام، من كتاب المناسك. سنن الدارمي 2/ 30. والإمام مالك، في: باب غسل المحرم، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 323. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 421.
(2)
الخطْمِيُّ، بفتح الحاء وكسرها: نبات من الفصيلة الخبازية، يدق ورقه يابساً، ويجعل غسلاً للرأس فينقِّيه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبه قال مالكٌ، وأبو حنيفةَ. وقال صاحِباه: عليه صَدَقَةٌ؛ لأنَّ الخِطْمِيَّ يُسْتَلَذُّ بِرائِحَتِه، ويُزيلُ الشَّعَثَ، ويَقْتُلُ الهَوامَّ، فوَجَبَتْ به الفِدْيَةُ، كالوَرْس. ولَنا، أنًّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال، في المُحْرِمِ الذي وقَصَه بَعِيرُه:«اغْسِلُوُه بمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْهِ، وَلا تُحَنِّطُوهُ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأسَهُ؛ فإنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيا» . مُتَّفقٌ عليه (1). فأمَرَ بِغَسْلِه
(1) تقدم تخريجه في 6/ 87.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالسِّدْرِ، مع إثْباتِ حُكْمِ الإحْرامِ في حَقِّه، والخِطْمِىُّ كالسِّدْرِ. ولأنَّه ليس بطِيبٍ، فلم تَجِبِ الفِدْيَةُ باسْتِعْمالِه، كالتُّرابِ. وقَوْلُهم: تُسْتَلَذُّ رائِحَتُه. مَمْنُوعٌ، ثم يبطُلُ بالفاكِهَةِ وبعضِ التُّرابِ. وإزالَةُ الشعَثِ يَحْصُلُ بذلك أَيضًا. وقَتْلُ الهَوامِّ لا يُعْلَمُ حُصُولُه، ولا يَصِحُّ قِياسُه على الوَرْس؛ لأنه طِيبٌ. ولذلك لو اسْتَعْمَلَه في غيرِ الغسْلِ، أو في ثَوْبِه، مُنِعَ منه، بخِلافِ مسْألتِنا.