الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرأَتِهِ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ، وَلَا تَحْلِيلُهَا إنْ أحرَمَتْ بِهِ.
ــ
به يَقَعُ عن حَجَّةِ الإِسْلامِ الواجِبَةِ بأصْلِ الشَّرْعِ، كالمَرِيضِ إذا تَكَلَّفَ حُضُورَ الجُمُعَةِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ له تَحْلِيلَها؛ لفُقْدانِ شَرْطِها، فأشْبَهَتِ الأمَةَ والصَّغِيرَةَ، فإنَّه لَمَّا فَقَدَتِ الحُرِّيَّةَ والبُلُوغَ مَلَك مَنْعَها، [ولأنَّها](1) ليست واجِبَةً عليها، أشْبَهَت سائِرَ التَّطَوُّعِ. فأمّا الخُرُوجُ إلى حَجِّ التَّطَوُّعِ والإِحْرامُ به، فله مَنْعُها منه.
1137 - مسألة: (وليس للرجلِ مَنْعُ امرأتِه مِن حَجِّ الفَرْضِ، ولا تَحْلِيلُها إن أحْرَمَت به)
بغيرِ خِلافٍ، حَكاه ابنُ المُنْذِرِ. فإن أذِنَ لها، فله الرُّجُوعُ ما لم تَتَلبَّسْ بالإِحْرامِ. ومتى قُلْنا: له تَحْلِيلُها.
(1) في الأصل: «لأنها» . بدون الواو.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فحَلَّلهَا، فحُكْمُها حُكْمُ المُحْصَرِ، يَلْزَمُها الهَدْىُ، أو الصومُ إن لم تَجِدْه، كسائِرِ المُحْصَرِين. ليس للرجلِ (1) منْعُ امرأتِه مِن المُضِىِّ إلى الحَجِّ الواجِبِ عليها، إذا كَمَلَت شُرُوطُه، وكان لها مَحْرَمٌ يَخْرُجُ معها؛ لأنَّه واجِبٌ، وليس له مَنْعُها مِن الواجِباتِ، كالصومِ والصلاةِ. وهذا قولُ النَّخَعِىِّ، وإسْحاقَ، وأصحابِ الرَّأْىِ. وهو الصَّحِيحُ مِن قَوْلَى الشافعيِّ. وله قولٌ آخَرُ: أنَّ له مَنْعَها؛ بِناءً على أنَّ الحَجَّ على التَّراخِى. ووَجْهُ ذلك ما تَقَدَّمَ. ويُسْتَحَبُّ لها اسْتِئْذانُه. نَصَّ عليه. فإن أذِنَ لها، وإلَّا خَرَجَت بغيرِ إذْنِه.
فصل: ولا تَخْرُجُ إلى الحَجَّ في عِدَّةِ الوَفاةِ. نَصَّ عليه. ولها الخُرُوجُ إذا كانَتْ مَبْتُوتَةً؛ لأنَّ المَبِيتَ ولُزُومَ مَنْزِلِها واجِبٌ في عِدَّةِ الوَفاةِ دُون المَبْتُوتَةِ، فإنَّه لا يَجبُ عليها ذلك، وقُدِّمَ على الحَجَّ؛ لأنَّه يَفُوتُ. وأمّا الرَّجْعيَّةُ فحُكْمُها حُكْمُ الزَّوْجَةِ، فإن خَرَجَتْ للحَجِّ فَتُوُفِّىَ زَوْجُها في الطَّرِيقِ، فسَنَذْكُر ذلك في العِدَدِ، إن شاء اللهُ تعالى، واللهُ أعْلَمُ. وإن لم (2) تَكْمُل شُرُوطُه، فله مَنْعُها مِن المُضِىِّ إليه والشُّرُوعِ فيه؛ لأنَّه يُفوِّتُ حَقِّه بما ليس بواجِبٍ عليها، فمَلَكَ مَنْعَها منه، كصومِ التَّطَوُّعِ.
فصل: فإن أَحْرَمَتْ بالحَجِّ الواجِبِ عليها، لم يَكُنْ له مَنْعُها، وكذلك
(1) في م: «للزوج» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إن أحْرَمَتْ بالعُمْرَةِ الواجِبَةِ، ولا تَحْلِيلُها إذا أحْرَمَتْ بها (1) في قولِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ؛ منهم النَّخَعِيُّ، وإسْحاقُ، وأصْحاب الرَّأْىِ. وبه قال الشافعىُّ أصَحِّ قوْلَيْه، وقال في الآخَرِ: له مَنْعُها. لأنَّ الحَجَّ عندَه على التَّراخِى، فلا يَتَعَيَّنُ في هذا العام. والصَّحِيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّ الحَجَّ الواجِبَ يَتَعَيَّن بالشُّرُوعِ فيه، فصارَ كالصلاةِ إذا أحْرَمَتْ بها في أوَّلِ وَقتِها، وقَضاءِ رَمضانَ إذا شَرَعَتْ فيه، ولأنَّ حَقَّ الزَّوْجِ مُسْتَمِرٌّ على الدَّوَامِ، فلو مَلَك مَنْعَها في هذا العامِ، مَلَكَه في كلِّ عامٍ، فيُفْضِى إلى إسْقاطِ أحَدِ أرْكانِ الإِسْلامِ.
فصل: فإن أحْرَمَتْ بواجِبٍ، فحَلَفَ عليها زَوْجُها بالطَّلاقِ الثَّلاثِ أن لا تَحُجَّ العامَ، فليس لها أن تَحِلَّ؛ لأنَّ الطَّلاقَ مُباحٌ، وليس لها تَرْكُ الفَضِيلَةِ لأجْلِه. ونَقَل مُهَنّا، من أحمدَ، أنَّه سُئِل عن هذه المَسْألةِ، فقالَ: قال عَطاءٌ: الطَّلاقُ هَلاكٌ، وهي بمَنْزِلَةِ المُحْصَرِ. فاحْتَجَّ بقولِ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَطاءٍ، فلَعَلَّه ذَهَب إليه؛ لأنَّ ضَرَرَ الطَّلاقِ عَظيمٌ؛ لِما فيه مِن خُرُوجِها مِن بَيْتِها، ومُفارَقَةِ زَوْجِها ووَلَدِها، وقد يَكُونُ ذلك أعْظَمَ مِن ذَهابِ مالِها، ولذلك سَمّاه عَطاءٌ هَلاكًا. ولأنَّه لو مَنَعَها عَدُوٌّ مِن الحَجِّ إلَّا أن تَدْفَعَ إليه مالَها، كان ذلك حَصْرًا، فهذا أوْلَى.
فصل: وليس للوالِدِ مَنْعُ وَلَدِه مِن حَجِّ الفَرْضِ والنَّذْرِ، ولا تَحْلِيلُه مِن إحْرامِه، وليس للوَلَدِ طاعَتُه في تَرْكِه؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالَى» (1). فأمّا التَّطَوُّعُ فله مَنْعُه مِن الخُرُوجِ إليه (2)؛ لأنَّ له مَنْعَه مِن الغزْوِ، وهو مِن فرُوضِ الكِفاياتِ، فالتَّطَوُّعُ
(1) أخرجه مسلم، في: باب وجوب طاعة الأمراء. . . .، من كتاب الإمارة. صحيح مسلم 3/ 1469. وأبو داود، في: باب في الطاعة، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 38. والنسائي، في: باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع، من كتاب البيعة. المجتبى 7/ 142. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 131، 4/ 426، 427، 432، 436، 5/ 66، 67، 70.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أوْلَى. فإن أحْرَمَ بغيرِ إذْنِه، لم يَمْلِكْ تَحْلِيلَه؛ لأنَّه وَجَب بالدُّخُولِ فيه، فصارَ كالواجِبِ ابْتِداءً، أو كالنَّذْرِ.
فصل: فإن أحْرَمَتِ المرأةُ بحَجَّةِ النَّذْرِ بغيرِ إذْنٍ، فهل لزَوْجِها مَنْعُها؟ على رِوايَتَيْن، حَكاهما القاضي أبو (1) الحسينِ؛ إحْداهما، ليس له مَنْعُها، كحَجَّةِ الإِسْلامِ. والثّانِيَة، له مَنْعُها؛ لأنَّه وَجَب عليها بإيجابِها، أشْبَهَ حَجَّ التَّطَوُّعِ إذْا أحْرَمَتْ به.
(1) في م: «وأبو» .
فَصْلٌ: الشَّرْطُ الْخَامِسُ، الِاسْتِطَاعَةُ؛ وَهُوَ أن يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً صَالِحَةً لِمِثْلِهِ بِآلَتِهَا الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ، أَوْ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ، فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ، وَخَادِمٍ، وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَمُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ عَلَى الدَّوَامِ.
ــ
فصل: (الشَّرْطُ الخامِسُ، الاسْتِطاعَةُ؛ وهي أن يَمْلِكَ زادًا وراحِلَةً صَالِحَةً لِمثْلِه بآلَتِها الصّالِحَةِ لمِثْلِه، أو ما يَقْدِرُ به على تَحْصِيلِ ذلك، فاضِلًا عَمّا يَحْتاجُ إليه مِن مَسْكَنٍ، وخادِمٍ، وقَضاءِ دَيْنِه، ومُؤْنَتِه ومُؤْنَةِ عِيالِه على الدَّوامِ) الاسْتِطاعَةُ المُشْتَرَطَةُ لوُجُوبِ الحَجِّ والعُمْرَةِ مِلْكُ الزادِ والراحِلَةِ. وبه قال الحسنُ، ومجاهِدٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والشافعيُّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإسْحاقُ. قال التِّرْمِذِىُّ (1): والعَمَلُ عليه عندَ أهْلِ العِلْمِ. وقال عِكْرِمَةُ: هي الصِّحَّةُ. وقال الضَّحَّاكُ: إن كان شابًّا فلْيُؤاجِرْ نفْسَه بأكْلِه وعَقِبِه، حتَّى يَقْضِىَ نُسُكَه. وعن مالكٍ، إن كان يُمْكِنُه المَشْىُ، وعادَتُه سُؤالُ النّاسِ، لَزِمَه الحَجُّ؛ لأنَّ هذه الاسْتِطاعَةَ في حَقِّه، فهو كواجِدِ الزادِ والراحِلَةِ. ولَنا، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَّرَ الاسْتِطاعَةَ بالزّادِ والراحِلَةِ، فوَجَبَ الرُّجُوعُ إلى تَفْسِيرِه، فرَوَى الدَّارَقُطْنِىُّ (2)، بإسْنادِه عن جابِرٍ،
(1) انظر: عارضة الأحوذى 4/ 28.
(2)
في: أول كتاب الحج. سنن الدارقطني 2/ 215 - 218.
كما أخرجه البيهقى، عن أنس وعائشة وابن عمر، في: باب الرجل يطيق الحج ماشيًا، من كتاب الحج. السنن الكبرى 4/ 330.
وأخرجه عن ابن عمر الترمذي وابن ماجه. انظر التخريج التالي. وانظر الكلام على طرقه وأسانيده في: إرواء الغليل 4/ 160 - 167.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وعبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وأنَسٍ، وعائِشَةَ، رَضِىَ اللهُ عنهم، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: ما السَّبِيلُ؟ قال: «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» . وروَى ابنُ عُمَرَ، قال: جاء رجلٌ إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، ما يُوجِبُ الحَجَّ؟ قال:«الزَّاد وَالرَّاحِلَةُ» . رَواه التِّرْمِذِىُّ (1)، وقال: حديثٌ حسنٌ. وروَى الإِمامُ أحمد (2)، قال: ثنا هُشَيْمٌ، عن يُونُسَ، عن الحسنِ، قال: لَمّا نَزَلَتْ هذه الآيَةُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (3). قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، ما السَّبِيلُ؟ قال:«الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» . ولأنَّها عِبادَةٌ تَتَعَلَّقُ بقَطْعِ مسافَةٍ بَعِيدَةٍ،
(1) في: باب ما جاء في إيجاب الحج بالزاد والراحلة، من أبواب الحج، وفى: باب تفسير سورة آل عمران، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذي 4/ 27، 11/ 124، 125. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما يوجب الحج، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 967.
(2)
مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله 2/ 675. ومن رواية أبي داود 97.
كما أخرجه البيهقى، في: باب بيان السبيل، من كتاب الحج. السنن الكبرى 4/ 327.
(3)
سورة آل عمران 97.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فاشْتُرِطَ لوُجُوبِها الزَّادُ والرَّاحِلَةُ، كالجِهادِ. وما ذَكَرُوه ليس باسْتِطاعَةٍ، فإنَّه شاقٌّ وإن كان عادَةً. والاعْتِبارُ بعُمُومِ الأحْوالِ دُونَ خُصُوصِها، كما أنَّ رُخَصَ السَّفَرِ تَعُمُّ مَن يَشُقُّ عليه ومَن لا يَشُقُّ عليه. وكذلك مَن كان له ما يَقْدِرُ به على تَحْصِيلِ الزَّادِ والرَّاحِلَةِ بالشُّرُوطِ المَذْكُورَةِ؛ لأنَّه في مَعْنَى مِلْك الزَّادِ والرَّاحِلَةِ. ولأنَّ القُدْرَةَ على ما تَحْصُلُ به الرَّقَبَةُ في الكَفّارَةِ كمِلْكِ الرَّقَبَةِ، فكذلك هَهُنا.
فصل: ويَخْتَصُّ اشْتِراطُ الرَّاحِلَةِ بالبَعِيدِ الذي بينَه وبينَ البَيْتِ مَسافَةُ القَصْرِ، فأمّا القَرِيبُ الذي يُمْكِنُه المَشْىُ، فلا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الراحِلَةِ في حَقِّه؛ لأنَّها مَسافَةٌ قرِيبَةٌ، يُمْكِنُه السَّعْىُ إليها، فلزِمَة، كالسَّعْىِ إلى الجُمُعَةِ، وإن كان مِمَّنْ لا يُمْكِنُه المَشْىُ، كالشَّيْخِ الكَبِيرِ، اعْتُبِرَ وُجُودُ الحُمُولَةِ في حَقِّه، لأنَّه عاجِزٌ عن المَشْىِ إليه (1)، أشْبَهَ البَعِيدَ. وأمّا الزّادُ، فلا بُدَّ منه، فإن لم يَجِدْ زَادًا، ولا قَدَر على كَسْبِه، لم يَلْزَمْه الحَجُّ.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والزّادُ الذي تُشْتَرَطُ القُدْرَةُ عليه، هو ما يَحْتاجُ إليه في ذَهابِه ورُجُوعِه، مِن مَأْكُولٍ ومَشْرُوبٍ وكُسْوَةٍ، فإن كان يَمْلِكُه، أو وَجَدَه يُباعُ بثَمَنِ المثْلِ في الغَلاءِ والرُّخْصِ، أو بزِيادَةٍ يَسِيرَةٍ لا تُجْحِفُ بمالِه، لَزِمَه شِراؤه، وإن كانَتْ تُجْحِفُ به (1) لم يَلْزَمْه، كما قُلْنا في شِراءِ الماءِ للوُضُوءِ. وإذا كان يَجِدُ الزّادَ في كلِّ مَنْزِلٍ، لم يَلْزَمْه حَمْلُه، وإن لم يَجِدْه كذلك، لَزِمَه حَمْلُه، وأمّا الماءُ وعَلَفُ البَهائِمِ فسَنَذْكُرُه، إن شاء اللهُ تعالى.
فصل: ويُشْتَرَطُ أن يَجِدَ راحِلَةً تَصْلُحُ لمِثْلِه؛ إمّا بشِراءٍ أو كِراءٍ، لذَهابِه ورُجُوعِه، ويَجِدَ ما يَحْتاجُ إليه مِن آلتِها التى تَصْلُحُ لِمثْلِه، فإن كان مِمَّن يَكْفِيه الرَّحْلُ والقَتَبُ، ولا يَخْشَى السُّقُوطَ، اكْتَفَى بذلك.
(1) في م: «بماله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن كان مِمَّن لم تَجْرِ عادَتُه بذلك، أو يَخْشَى السُّقُوطَ عنهما، اعْتُبِر وجُودُ مَحْمِلٍ وما أشْبَهَه، ممّا (1) لا يُخْشى سُقُوطُه عنه، ولا مَشَقَّةَ فيها؛ لأنَّ اعْتِبارَ الرَّاحِلَةِ في حَقِّ القادِرِ على المَشْىِ، إنَّما كان لدَفْعِ المَشَقَّةِ، فيَجِبُ أن يُعْتَبَرَ هَهُنا ما تَنْدَفعُ به المَشَقَّةُ، وإن كان مِمَّن لا يَقْدِرُ على خِدْمَةِ نَفْسِه والقِيامِ بأمْرِه، اعْتُبِرَتِ القدْرَة على مَن يَخدِمُه؛ لأنَّه مِن سَبِيلِه.
فصل: ويُعْتَبَرُ أن يَكُونَ هذا فاضِلًا عمّا يَحْتاجُ إليه لنَفَقَةِ عِيالِه الذين تَلْزَمُه مُؤْنَتُهُم، في مُضِيِّه ورُجُوعِه؛ لأنَّ النَّفَقَةَ تَتَعَلَّقُ بها حُقُوقُ الآدَمِيِّين، وهم أحْوَجُ، وحَقُّهُم آكَدُ. وقد روَى عبدُ اللهِ بنُ عَمْرو، عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أن يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» . رَواه أبو داودَ (2). وأن يَكُونَ فاضِلاً عمّا يَحْتاجُ هو وأهْلُه إليه، مِن مَسْكَنٍ
(1) في م: «ممن» .
(2)
تقدم تخريجه في 7/ 317.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وخادِمٍ وما لا بُدَّ منه، وأن يَكُونَ فاضِلًا عن قَضاءِ دَيْنِه؛ لأنَّ قَضاءَ الدِّيْنِ مِن حوائِجِه الأصْلِيَّةِ، ويَتَعَلَّقُ به حُقُوقُ الآدَمِيِّين، فهو آكَدُ، وكذلك مَنْعُ الزكاةِ مع تَعَلُّقِ حُقُوقِ الفُقَراءِ بها، وحاجَتِهم إليها، فالحَجُّ الذي هو خالِصُ حَقِّ الله تِعالى أوْلَى، وسَواءٌ كان الدَّيْنُ لآدَمِىًّ مُعَيَّنٍ، أو مِن حُقُوقِ اللهِ تعالى، كزكاةٍ في ذِمَّتِه، أو كفّاراتٍ ونحْوِها. وإنِ احْتاجَ إلى النِّكاحِ، وخاف على نَفْسِه العَنَتَ، قَدَّمَ التَّزْوِيجَ؛ لأنَّه واجِبٌ عليه، لا غِنًى (1) به عنه، فهو كنَفَقَتِه، وإن لم يَخَفْ قَدَّمَ الحَجَّ؛ لأنَّ النِّكاحَ تَطَوُّعٌ، فلا يُقَدَّمُ على الحَجِّ الواجِب. وإن حَجَّ مَن تَلْزَمُه هذه الحُقُوقُ وضَيَّعَها، صَحَّ حَجُّه؛ لأنَّها مُتَعَلِّقَةٌ بذِمَّتِه، فلا تَمْنَعُ صِحَّةَ حَجِّهِ.
فصل: ومَن له دارٌ يَسْكُنُها، أو يَسْكُنُها عِيالُه، أو يَحْتاجُ إلى أُجْرَتِها لنَفَقَةِ نَفْسِه أو عِيالِه، أو بِضاعَةٌ متى نَقَصَها اخْتَلَّ رِبْحُها، فلم تَكْفِهِم،
(1) في م: «غناء» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو سائِمَةٌ يَحْتاجُون إليها، لم يَلْزَمْه الحَجُّ؛ لِما ذَكَرْنا. وإن كان له مِن ذلك شَئٌ فاضِلٌ عن حاجَتِه لَزِمَه بَيْعُه في الحَجِّ. فإن كان له مَسْكَنٌ واسِعٌ يَفْضُلُ عن حاجَتِه، وأمْكَنَه بَيْعُه وشِراءُ ما يَكْفِيه، ويَفْضُلُ قَدْرُ ما يَحُجُّ (1) به، لَزِمَه. وإن كانَتْ له كُتُبٌ يَحْتاجُ إليها، لم يَلْزَمْه بَيْعُها في الحَجَّ، وإلَّا لَزِمَه. وإن كان له بكتابٍ نُسْخَتان، يَسْتَغْنِى بإحْدَاهما، باعَ الأُخْرَى. وإن كان له دَيْنٌ على مَلِئٍ باذلٍ له يَكْفِيه في الحَجِّ، لَزِمَه؛ لأنَّه قادِرٌ، وإن كان على مُعْسِرٍ، أو تَعَذَّرَ اسْتِيفاؤه لم يَلْزَمْه.
فصل: فإن تَكَلَّفَ الحَجَّ مَن لا يَلْزَمُه، وأمْكَنَه ذلك مِن غيرِ ضرَرٍ يَلْحَقُ بغيرِه، مثلَ مَن [يَمْشِى و](2) يَكْتَسِبُ بصِناعَةٍ كالخَرْزِ، أو مُعاوَنَةِ مَن ينفِقُ عليه، أو يُكْتَرَى لزادِه ولا يَسْألُ النّاسَ، اسْتُحِبَّ له الحَجُّ؛
(1) في م: «يحتاج» .
(2)
سقط من: م.