الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبِهِ نَسْتَعِينُ
وصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَآلهِ وَصَحْبِهِ
[خُطْبَةُ الكِتَابِ]
الحمد للَّه الذي وفَّق طائفةً من علماء كل عصرٍ للقيام بأعباء الأحاديث والسُّنن، وميَّزهم على من سواهم بسلوكهم أوضحَ المحجة وأقومَ السَّنَن، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، شهادةً أنتظم بها في سلكهم، وأتبوأ بخلوصها سوابغ النِّعم وسوابق المنن، وأشهد أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، خير من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وأفضل من تحلَّى بمعالي الخُلق الحسن، صلى اللَّه وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، الذين بذلوا أنفسهم في نقل جوامع أقواله (1)، وغرر أحواله إلينا؛ لنأمن من غوائل المحن والفتن، صلاةً وسلامًا دائمينِ بدوام جوده على أمته في السِّر والعلن.
أما بعد:
فإن "الأربعين" التي خرَّجها الشيخ الإمام، والصدِّيق الهمام، ولي اللَّه تعالى بلا نزاع، ومحرر مذهب الإمام الشافعي بلا دفاع، محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النواوي، قدس اللَّه تعالى روحه، ونوَّر ضريحه. . لما كانت أحاديثها من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، المشتملة على أبلغ المعاني، وأحكم المباني، حتى وُصِف أكثرها بأن عليه مدار الإسلام، وابتناء أكثر الأحكام. . كانت حقيقةً بأن يُعتنى بها حفظًا وتعليمًا، وتفهُّمًا وتفهيمًا.
فلذا عنَّ في أن أكتب عليها شرحًا يعرِّف رواتَها، ويُبيِّن أحكامها، ويوضِّح
(1) قوله: (أنفسهم) وفي نسخ: (نفوسهم) وكلٌّ منهما جمع (نفس) والأول هو القياس، والنفس لها معانٍ؛ منها: العين، والذات الشاملة للروح والجسد، ومنها: الروح، ومنها الدم. اهـ "مدابغي".
غريبها، ويعرب مشكلها، ويشير إلى بعض ما يُستنبط منها من الأصول والفروع والآداب، مع إيثار الإيجاز ومجانبة الإطناب، كان كانت حريةً بالتطويل والإكثار؛ لِمَا اشتملت عليه من بدائع الفوائد والأسرار، ولعمري؛ إن كثيرًا من أحاديثها يحتمل مجلدات، ولكن التطويل مُملٌّ، والاختصار أكثر مما يأتي مخلٌّ؛ لأنه إنما يشير إلى تقرير قواعدها على وجهٍ كليٍّ في أكثرها، وإلا. . فتفصيلها يستدعي تطويلًا أقل ما يكون في ثلاث مجلدات، يفصِّل في أحدها: حكم الإيمان، وهو علم أصول الدين، وفي ثانيها: حكم الإسلام، وهو علم الفقه، وفي ثالثها: حكم الإحسان، وهو علم التصوف. هذا بالنسبة لحديثٍ واحدٍ منها، وهو حديث جبريل الآتي، فكيف بجميعها؟!
وبذلتُ في تحريرها الجهدَ، وتخليصِ الكلام عليها الوسعَ (1)؛ رجاء أن تعود عليَّ بركة مخرِّجها، ومددٌ من رفيع جناب المُفتَنّ بها على أمته صلى الله عليه وسلم، وشرف وكرم.
واللَّه أسأل أن ينفع به، وأن يبلغني كل مأمولٍ بسببه؛ إنه بكل خيرٍ كفيل، وهو حسبي ونعم الوكيل، وسميته:
"الفتح المبين بشرح الأربعين"
(1) في بعض النسخ: (وتلخيص الكلام عليها).