المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثامن والعشرون [السمع والطاعة والالتزام بالسنة] - الفتح المبين بشرح الأربعين

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌عناية العلماء بـ "الأربعين النووية

- ‌ترجمة الإمام محيي الدين النووي رضي الله عنه للإمام محمد بن الحسن الواسطي الحسيني الشريف

- ‌اسمه ومولده ونشأته

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته وتصانيفه

- ‌ترجمة الإمام الفقيه أحمد بن محمد ابن حجر الهيتمي المكي رحمه اللَّه تعالى

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌مُقاساته في الطَّلب وخروجه إلى مكة

- ‌زملاؤه وأقرانه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌وصف النسخ الخطية

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌صور المخطوطات المستعان

- ‌[خُطْبَةُ الكِتَابِ]

- ‌[خطبة الأربعين النووية]

- ‌[روايات حديث: "من حفظ على أمتى أربعين حديثًا

- ‌تَنبيهَان

- ‌أحدهما [عدم التفرقة فيمن حفظ أربعين صحيحة وحسنة، وضعيفة في الفضائل]

- ‌ثانيهما [حفظ الأربعين مختصٌّ بالحديث الشريف]

- ‌[ذكر بعض من صنف أربعين حديثًا]

- ‌[بيان سبب تأليف "الأربعين" وشرطه فيها]

- ‌الحديث الأول [الأعمال بالنيات]

- ‌فائدة [تأثير الرياء على ثواب الأعمال]

- ‌الحديث الثاني [مراتب الدين: الإسلام والإيمان والإحسان]

- ‌تنبيه [تلازم مفهوم الإيمان والإسلام وتأويل ما ورد من تغايرهما]

- ‌الحديث الثالث [أركان الإسلام]

- ‌تنبيه [ثبوت عموم الحديث ووجوب تكرر الأركان من أدلة أخرى]

- ‌الحديث الرابع [مراحل خلق الإنسان وتقدير رزقه وأجله وعمله]

- ‌تنبيه [تعليق الطلاق على الحمل، ومتى تنفخ الروح]

- ‌الحديث الخامس [إنكار البدع المذمومة]

- ‌الحديث السادس [الابتعاد عن الشُّبهات]

- ‌الحديث السابع [النصيحة عماد الدين]

- ‌الحديث الثامن [حرمة دم المسلم وماله]

- ‌تنبيه [لزوم موافقة المجتهدين لأمر الإمام المجتهد العادل وحكمه]

- ‌الحديث التاسع [النهي عن كثرة السؤال والتنطُّع]

- ‌الحديث العاشر [كسب الحلال سبب لإجابة الدعاء، وأكل الحرام يمنعها]

- ‌تنبيه [علاقة انتفاء القبول بانتفاء الصحة]

- ‌الحديث الحادي عشر [من الورع توقي الشُّبَه]

- ‌الحديث الثاني عشر [ترك ما لا يعني والاشتغال بما يفيد]

- ‌تنبيه [تقسيم الأشياء مما يعني الإنسان وما لا]

- ‌الحديث الثالث عشر [من علامات كمال الإيمان حبُّك الخير للمسلمين]

- ‌الحديث الرابع عشر [حرمة المسلم ومتى تُهدر]

- ‌الحديث الخامس عشر [التكلم بخير وإكرام الجار والضيف من الآداب الإسلامية]

- ‌تنبيه [الصمت مطلقًا منهيٌّ عنه، والفرق بينه وبين السكوت]

- ‌الحديث السادس عشر [النهي عن الغضب]

- ‌تنبيه [الغضب للَّه محمودٌ ولغيره مذموم]

- ‌الحديث السابع عشر [الأمر بالإحسان والرفق بالحيوان]

- ‌الحديث الثامن عشر [حسن الخلق]

- ‌تنبيه [الأعمال الصالحة لا تكفر غير الصغائر، ووجوب التوبة من الصغيرة]

- ‌الحديث التاسع عشر [نصيحةٌ نبويةٌ لترسيخ العقيدة الإسلامية]

- ‌الحديث الموفي عشرين [الحياء من الإيمان]

- ‌الحديث الحادي والعشرون [الاستقامة لبُّ الإسلام]

- ‌الحديث الثاني والعشرون [دخول الجنة بفعل المأمورات وترك المنهيات]

- ‌الحديث الثالث والعشرون [من جوامع الخير]

- ‌الحديث الرابع والعشرون [آلاء اللَّه وفضله على عباده]

- ‌تنبيه [الدعاء بالهداية جائز ولو للمسلم]

- ‌فائدة [في الفرق بين القرآن والأحاديث القدسية، وأقسام كلام اللَّه تعالى]

- ‌الحديث الخامس والعشرون [التنافس في الخير، وفضل الذِّكر]

- ‌الحديث السادس والعشرون [كثرة طُرُق الخير وتعدُّد أنواع الصدقات]

- ‌الحديث السابع والعشرون [تعريف البر والإثم]

- ‌تنبيه [كيفية الاحتجاج بحديثٍ من كتب السنة]

- ‌الحديث الثامن والعشرون [السمع والطاعة والالتزام بالسنة]

- ‌قاعدة [في بيان كيفية أخذ الحكم]

- ‌الحديث التاسع والعشرون [طريق النجاة]

- ‌الحديث الثلاثون [الالتزام بحدود الشرع]

- ‌الحديث الحادي والثلاثون [الزهد في الدنيا وثمرته]

- ‌الحديث الثاني والثلاثون [لا ضرر ولا ضرار]

- ‌تنبيه [في المراد من حديث: "لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه في جداره

- ‌فائدة [في بيان مراتب الضرورات]

- ‌الحديث الثالث والثلاثون [أسس القضاء في الإسلام]

- ‌فائدة [فصل الخطاب]

- ‌الحديث الرابع والثلاثون [تغيير المنكر ومراتبه]

- ‌الحديث الخامس والثلاثون [أخوة الإسلام وحقوق المسلم]

- ‌الحديث السادس والثلاثون [قضاء حوائج المسلمين، وفضل طلب العلم]

- ‌الحديث السابع والثلاثون [عظيم لطف اللَّه تعالى بعباده وفضله عليهم]

- ‌تنبيه [في بيان قوله تعالى: {وَهَمَّ بِهَا}]

- ‌الحديث الثامن والثلاثون [محبة اللَّه لأوليائه وبيان طريق الولاية]

- ‌تنبيه [اقتراف المعصية محاربة للَّه عز وجل]

- ‌الحديث التاسع والثلاثون [رفع الحرج في الإسلام]

- ‌فائدة [في بيان سبب نزول آخر "سورة البقرة

- ‌فائدة أخرى [في بيان بطلان مذهب أهل التقية]

- ‌الحديث الأربعون [اغتنام الأوقات قبل الوفاة]

- ‌الحديث الحادى والأربعون [اتباع النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌الحديث الثاني والأربعون [سعة مغفرة اللَّه عز وجل]

- ‌[خَاتمَة الكِتَاب]

- ‌بَابُ الإِشَارَاتِ إِلَى ضَبْطِ الأَلْفَاظِ الْمُشْكِلَاتِ

- ‌في الخطبة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الخامس عشر

- ‌السابع عشر

- ‌الثامن عشر

- ‌التاسع عشر

- ‌العشرون

- ‌الحادي والعشرون

- ‌الثالث عشر

- ‌الرابع والعشرون

- ‌الخامس والعشرون

- ‌السادس والعشرون

- ‌السابع والعشرون

- ‌الثامن والعشرون

- ‌التاسع والعشرون

- ‌الثلاثون

- ‌الثاني والثلاثون

- ‌الرابع والثلاثون

- ‌الخامس والثلاثون

- ‌الثامن والثلاثون

- ‌الأربعون

- ‌الثاني والأربعون

- ‌فصل [المراد بالحفظ في قوله صلى الله عليه وسلم: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا

- ‌أَهَمُّ مَصَادِرِ وَمَرَاجْعِ التَّحْقِيقِ

الفصل: ‌الحديث الثامن والعشرون [السمع والطاعة والالتزام بالسنة]

‌الحديث الثامن والعشرون [السمع والطاعة والالتزام بالسنة]

عَنْ أَبِي نَجِيحٍ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، قَالَ:"أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ. . فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُودَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (1).

(عن أبي نجيح العِرباض) بعينٍ مهملةٍ مكسورةٍ، وباءٍ موحدةٍ، وأصله: الطويل (ابن سارية) بسينٍ مهملةٍ وتحتية، السُّلَمي من أهل الصُّفَّة، وهو أحد البكَّائين (2)، وكان يقول:(إنه رابع الإسلام)(3).

(رضي اللَّه) تعالى (عنه) نزل الشام، وسكن حمص، مات في فتنة ابن الزبير رضي اللَّه تعالي عنهما، ويقال: سنة خمس وسبعين، روى له أصحاب "السنن الأربعة".

(قال: وعظنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أي: بعد صلاة الصبح، كما في

(1) سنن أبي داوود (4607)، وسنن الترمذي (2676).

(2)

الذين نزل فيهم قوله تعالي: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} الآيةَ، وكان من المشتاقين إلى اللَّه تعالي يحب أن يقبض إليه، يقول في دعائه:(اللهم؛ كبرت سني، ووهن عظمي، فاقبضني إليك) اهـ "مدابغي"

(3)

انظر "الإصابة"(2/ 466).

ص: 469

الرواية الآتية، وكان صلى الله عليه وسلم يقع ذلك منه أحيانًا لا دائمًا؛ كما في "الصحيحين" مخافة سآمتهم ومللهم (1)، ومن ثم كان ابن مسعود يُذكِّر كل يوم خميس، فاستزيد فاعتلَّ بذلك (2).

(موعظةً) من الوعظ؛ وهو النُّصح والتذكير بالعواقب، وتنوينها للتعظيم؛ أي: موعظة جليلة، كما يدل عليه رواية:"موعظة بليغة"(3) أي: بلغت إلينا، وأثَّرت في قلوبنا حتى (وجِلت) أي: خافت، وكأنه كان مقام تخويف ووعيد (منها) أي: من أجلها، ويصح أن تكون لابتداء الغاية.

(القلوب) مر الكلام على القلب في شرح (السادس)(4).

(وذرفت) بالمعجمة وفتح الراء؛ أي: سالت (منها) فيها ما مر (العيون) أي: دموعها، وأخَّر هذا عما قبله؛ لأنه إنما ينشأ غالبًا عنه، وفيه أنه ينبغي للعالم أن يَعِظَ أصحابه، ويذكرهم، ويخوفهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ولا يقتصر لهم على مجرد معرفة الأحكام والحدود والرسوم (5)، وأنه ينبغي المبالغة في الموعظة؛ لترقيق القلوب، فيكون أسرع إلى الإجابة؛ قال تعالى:{وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} ، وقال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} .

ومن ثم (كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة. . اشتدَّ غضبه، وعلا صوته، واحمرَّت عيناه، وانتفخت أوداجه كأنه منذر جيشٍ يقول: صبَّحكم مسَّاكم)(6).

وإنما طُلبت بلاغة الخطبة؛ لأنها أقرب إلى قبول القلوب واستجلابها؛ إذ البلاغة

(1) صحيح البخاري (68)، وصحيح مسلم (2821) عن سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه.

(2)

لما سُئل رضي الله عنه الاستزادة -كما أخرجه البخاري (70)، ومسلم (2821/ 83) -. . قال:(أَمَا إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا).

(3)

أخرجها أبو داوود (4607)، وابن ماجه (42).

(4)

انظر ما تقدم (ص 248).

(5)

الرسوم: أي التعاريف.

(6)

أخرجه مسلم (867) عن سيدنا جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما.

ص: 470

هنا: المبالغة في التوصل إلى إفهام المعاني المقصودة، وإدخالها قلوب السامعين بأحسن صورة من الألفاظ الدالة عليها، وأفصحها، وأحلاها للأسماع، وأوقعها في القلوب، وكان صلى الله عليه وسلم لا يطيل خُطبته، بل يُبْلِغ ويوجز.

وفي خبر مسلم: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئِنَّةٌ من فقهه (1)، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة؛ فإن من البيان لسحرًا"(2).

(فقلنا: يا رسول اللَّه؛ كأنها موعظة مودع) كأن وجه فهمهم لذلك مزيد مبالغته صلى الله عليه وسلم في تخويفهم وتحذيرهم على ما كانوا يألفونه منه قبل، فظنوا أن ذلك لقرب وفاته ومفارقته لهم؛ فإن المودع يستقصي ما لا يستقصي غيره في القول والفعل.

وفيه جواز تحكيم القرائن والاعتماد عليها في بعض الأحوال؛ لأنهم إنما فهموا توديعه إياهم بقرينة إبلاغه في الموعظة أكثر من العادة كما تقرر.

واحتمالُ أنه أشار إلى توديعهم ففهموا ما سألوه منه نظيرَ ما وقع في حجة الوداع. . بعيدٌ، بدليل قولهم:(كأنها).

(فأوصنا) أي: وصيةً جامعةً كافيةً؛ فإنهم لما فهموا أنه مودعٌ. . استوصوه وصيةً تنفعهم ويُتَمَسَّك بها بعده، ويكون فيها كفاية لمن يتمسك بها، وسعادة له في الدارين.

ويؤخذ منه: أنه ينبغي لتلامذة العالم أن يسألوه في مزيد وعظهم وتخويفهم ونصحهم، ثم رأيت بعضهم صرَّح به فقال: فيه استحبابُ استدعاءِ الوصية والوعظ من أهلهما، واغتنام أوقات أهل الدين والخير قبل فراقهم (3).

(قال: أوصيكم بتقوى اللَّه) تعالى، جمع في ذلك كل ما يُحتاج إليه من أمور الآخرة؛ لما مر أن التقوى: امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وتكاليف الشرع لا تخرج عن ذلك، وأصلها: وِقْوَى بكسر أوله وقد يفتح، من الوقاية -أبدلت تاءً

(1) مئنة -بكسر الهمزة وتشديد النون-: العَلَامة والدلالة؛ أي: علامة يتحقق بها فقهه. اهـ هامش (غ)

(2)

صحيح مسلم (869) عن سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنهما.

(3)

في بعض النسخ: (قبل فواتهم).

ص: 471

كتراث وتخمة- وهي: ما يستر الرأس، فالمتقي جعل بينه وبين المعاصي وقايةً تحول بينه وبينها من قوة عزمه على تركها، واستحضار علمه بقبحها.

والوصية بالتقوى هي وصية اللَّه تعالى للأولين والآخرين؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} ومر الكلام على التقوى بمزيد في وصيته صلى الله عليه وسلم معاذًا بها (1).

(والسمع والطاعة) جمع بينهما تأكيدًا للاعتناء بهذا المقام، ومن ثم خصه بالذِّكر عاطفًا له على ما يشمله وغيره وهو تقوى اللَّه تعالى، فهو من عطف الخاص على العام؛ لمزيد التأكيد والاعتناء بشأنه، ويصح أن يكون عطفَ مغايرٍ، من حيث إنَّ أظْهَرَ مقاصد التقوى انتظامُ الأمورِ الأخرويةِ، وأظهرَ مقاصد هذا انتظامُ الأمور الدنيوية، ومن ثم قال علي كرم اللَّه وجهه:(إن الناس لا يصلحهم إلا إمامٌ بَرٌّ أو فاجرٌ)(2)، وقال الحسن:(ما يصلح اللَّه تعالى به أكثر مما يفسده)(3).

(وإن تأمَّر عليكم عبدٌ) هذا إما من باب ضرب المثل بغير الواقع على طريق التقدير والفرض، وإلَّا. . فهو لا تصح ولايته، ونظيره:"من بنى للَّه مسجدًا ولو كَمَفْحَصِ قطاةٍ. . بنى اللَّه له بيتًا في الجنة"(4)، وإما من باب الإخبار بالغيب، وأن نظام الشريعة يختل حتى توضع الولايات في غير أهلها، والأمر بالطاعة حينئذٍ إيثارٌ لأهون الضررين؛ إذ الصبر على ولاية مَنْ لا يجوز ولايته أهون من إثارة الفتنة التي لا دواء لها ولا خلاص منها.

ويرشد إلى هذا تعقيب ذلك بقوله: (فإنه من يعش منكم. . فسيرى اختلافًا

(1) انظر ما تقدم (ص 350).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(38409).

(3)

ذكر الحافظ ابن رجب رحمه اللَّه تعالى في "جامع العلوم والحكم"(2/ 117) قول الحسن بتمامه؛ وهو: (هم يلون من أمورنا خمسًا: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود، واللَّهِ؛ ما يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا، واللهِ؛ لَمَا يصلح اللَّه بهم أكثر مما يفسدون؛ مع أن -واللَّه- إن طاعتهم لغيظ، وإن فرقتهم لكفر).

(4)

أخرجه ابن حبان (1610)، والطبراني في "الصغير"(2/ 120)، والطيالسي في "مسنده" (461) عن سيدنا أبي ذر رضي الله عنه. والقطاة: طائر يشبه الحمامة، والمفص -وزان جعفر-: المكان الذي تضع فيه بيضها.

ص: 472

كثيرًا) (1) فيه من معجزاته صلى الله عليه وسلم: الإخبار بما يقع بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر، وقد كان صلى الله عليه وسلم عالمًا به جملةً وتفصيلًا؛ لِمَا صح أنه كُشف له عمَّا يكون إلى أن يدخل أهل الجنة والنار منازلهم، ولم يكن يبينه لكل أحدٍ، وإنما كان يحذِّر منه على العموم، ثم يلقي التفصيل إلى الآحاد؛ كحذيفة وأبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنهما.

(فعليكم) أي: الزموا حينئذٍ التمسك (بسنتي) أي: طريقتي وسيرتي القويمة التي أنا عليها مما أصَّلْتُه لكم من الأحكام الاعتقادية والعملية، الواجبة والمندوبة، وغيرهما.

وما فسَّرتُ به السُّنةَ من أنها: الطريقة القويمة الجارية على السنن وهو السبيل الواضح. . هو مما وافَقَتْ فيه اللغةُ الشرعَ؛ لاستعمالها فيهما بهذا المعنى، وتخصيصهم لها بما طُلِبَ طلبًا غيرَ جازم اصطلاحٌ طارئٌ قصدوا به التمييزَ بينها وبين الفرض، ويشهد له حديث:"من صلى ثنتي عشرة ركعة من السنة. . بنى اللَّه له بيتًا في الجنة"(2) على أن التمييز بينهما كان معروفًا عند الجاهلية أيضًا، أَلَا ترى إلى قول ذي الأصبع العدواني:[من الهزج]

ومنهم مَنْ يجيز النا

سَ بالسُّنَّة والفرضِ

فهو ما تأصَّل التزامه للخلق، كأنه قطع عليهم التردد فيه، من (فَرَض) أي: قَطَع، وإليه يرجع التقدير؛ لأن ما قدر قد قطع عما كان مشترِكًا معه (3).

(وسنة) أي: طريقة (الخلفاء الراشدين المهديين)(4) وهم: أبو بكر، فعمر،

(1) قوله: (وإنه) أي: الشأن (من يعش) بالجزم، وفي نسخ:(من يعيش) بالرفع. وقال العلامة الشبرخيتي رحمه اللَّه تعالى في "الفتوحات الوهبية"(ص 234): (وإتيانه بالسين في قوله: "فسيري" دون "سوف" يدل علي قرب الرؤية، وكان الأمر كذلك، فظهرت فتة سيدنا عثمان، وواقعة الجمل، ومحاربة سيدنا معاوية لسيدنا علي رضي الله عنهما على الإمارة، ومحاربته لسيدنا الحسن فسلم الأمر إليه؛ لأجل إطفاء نار الفتنة، ثم ظهر أعظم الفتن قتل سيدنا الحسين رضي الله عنه.

(2)

أخرجه الترمذي (414)، وابن ماجه (1140) عن أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي الله عنها بنحوه.

(3)

قوله: (لأن ما قدر قد قطع عمَّا كان مشتركًا معه) كالصلوات الخمس فرض؛ لأنها قطعت عما كان مشتركًا معها وهو النافلة في مطلق الصلاة، وبهذا يعلم أن (مشترِكًا) بالكسر اسم فاعل كما قرره شيخنا. اهـ هامش (غ)

(4)

قال الإمام التوربشتي رحمه الله تعالي: وإنما ذكر سنتهم في مقابلة سنته؛ لأنه علم أنهم لا يخطئون فيما =

ص: 473

فعثمان، فعلي، فالحسن رضي اللَّه تعالى عنهم وعن بقية الصحابة؛ فإن ما عرف عن هؤلاء أو عن بعضهم أَولى بالاتباع من بقية الصحابة إذا وقع بينهم الخلاف فيه.

ومن ثم قال بعض العلماء: يقدم ما أجمع عليه الأربعة، ثم ما أجمع عليه أبو بكر وعمر؛ للخبر الصحيح:"اقتدوا باللَّذَينِ من بعدي: أبي بكر، وعمر"(1) وهذا في حق المقلِّد الصِّرف في تلك الأزمنة القريبة من زمن الصحابة.

أما في زمننا. . فقال بعض أئمتنا: لا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة (2): الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد ابن حنبل رضوان اللَّه تعالى عليهم؛ لأن هؤلاء قد عُرفتْ قواعد مذاهبهم، واستقرت أحكامها، وخدمها تابعوهم وحرروها فرعًا فرعًا، وحكمًا حكمًا، فعزَّ أن يوجد حكمٌ إلا وهو منصوصٌ لهم إجمالًا أو تفصيلًا، بخلاف غيرهم؛ فإن مذاهبهم لم تحرر وتدوَّن كذلك، فلا تعرف لها قواعد تتخرج عليها أحكامها، فلم يجز تقليدهم فيما حفظ عنهم منها؛ لأنه قد يكون مشترطًا بشروطٍ أخرى وكلوها إلى فهمها من قواعدهم، فَقَلَّتِ الثقةُ بخلو ما حفظ عنهم من قيدٍ أو شرطٍ، فلم يجز التقليد حينئذ.

والدلائل على اتصاف أولئك الخلفاء بالرشاد -وهو ضدُّ الضلالِ- والهدايةِ لأقوم طريقٍ وأصوبه. . كثيرةٌ مشهورة؛ منها: قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} الآيةَ، ثم خص صلى الله عليه وسلم منهم اثنين بقوله:"اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر" ثم خصَّ منهما أجلهم وأكملهم، بل أجل واكمل مَنْ عدا الأنبياء من سائر الأمم بقوله لمن سألَتْه وأمرها أن ترجع إليه فقالت له: إن لم أجدك؟ تريد الموت، فقال:"ائتي أبا بكر"(3) فهذا خصوصُ خصوصِ الخصوص.

= يستخرجونه ويستنبطونه من سنته بالاجهاد، ولأنه عرف أن بعض سنته لا يشتهر إلا في زمانهم فأضافها إليهم؛ لبيان أن مَنْ ذهب إلى ردِّ تلك السُّنة مخطئٌ، فأطلق القول باتباع سنتهم سدًا للباب. اهـ "مدابغي"

(1)

أخرجه الترمذي (3662)، وابن ماجه (97)، والإمام أحمد (5/ 382) عن سيدنا حذيفة رضي الله عنه.

(2)

قوله: (لا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة) حتى أكابر الصحابة؛ لما قاله من أن مذاهبهم لم تدوَّن ولم تضبط، لكن حمله السبكي وغيره على الإفتاء والقضاء، أما في عمل الإنسان لنفسه فما عُلمت نسبته لذلك المجتهد إذا جمع شروطه عنده. . فجائز. اهـ "مدابغي"

(3)

أخرجه البخاري (3659)، ومسلم (2386) عن سيدنا جبير بن مطعم رضي الله عنه.

ص: 474

وقد بينتُ ذلك وغيره من كل ما جاء في فضائلهم ومآثرهم واستحقاقهم للخلافة على الترتيب المذكور في كتابي: "الصواعق المحرقة" فانظر ذلك منه؛ فإنه مهمٌّ، كيف وقد أحرق جميع شُبَهِ المبتدعة القادحة فيهم أو في بعضهم، ودعاويهم الباطلة، وأقاويلهم الكاذبة، قاتلهم اللَّه أنى يؤفكون (1).

(عضوا عليها بالنواجذ)(2) بالمعجمة جمع ناجذ؛ وهو آخر الأضراس -الذي يدل نباته على الحلم- من فوقُ وأسفلُ من كلٍّ من الجانبين، فللإنسان أربعٌ، هذا ما مشى عليه جمعٌ من الشارحين، وقال بعضهم: هي الأنياب، وقيل: آخر الأضراس المذكورة.

والمعنى على كلٍّ من القولين: عضوا عليها بجميع الفم؛ احترازًا من النهش، وهو الأخذ بأطراف الأسنان، فهو إما مجازٌ بليغٌ؛ إذ فيه تشبيه المعقول بالمحسوس، ومنه:{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} الآيةَ؛ إذ نوره تعالى معقولٌ لا محسوسٌ، أو كناية عن شدة التمسُّك بالسنة والجد في لزومها، كفعلِ مَنْ أمسك الشيء بنواجذه وعض عليه؛ لئلا ينزع منه؛ لأن النواجذ محددةٌ، فإذا عضت على شيءٍ. . نشبت فيه فلا يتخلص، وكذلك، بقال: هذا الشيء تعقد عليه الخناصر، وتلوى عليه الأنامل.

وقيل: يحتمل أن يكون معناه الأمر بالصبر على ما يصيبه من المضض في ذات اللَّه عز وجل (3)، كما يفعله المتألم مما أصابه من الألم.

(وإياكم ومحدَثاتِ الأمور) كلاهما منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ؛ أي: باعدوا واحذروا الأخذ بالأمور المُحدَثة في الدين، واتباع غير سنن الخلفاء الراشدين (فإن) ذلك بدعة، وإن (كل بدعة) وهي لغةً: ما كان مخترعًا على غير مثالٍ سابقٍ، ومنه:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: موجدهما على غير مثالٍ سبق.

(1) في هامش (أ): (بلغ مقابلة على نسخة المؤلف بمكة المشرفة، ثم بُلِّغ كذلك).

(2)

أمرٌ مِن (عض يعَض) وهو بفتح العين، وضمُّها لحنٌ، وكذا تقول: بِرَّ أمك ولا تقول بُرَّ أمك بضم الباء، فاحذر أن تضم العين كما وقع لبعض المدعين الزاعم أنه المجتهد المطلق في الدين، ثم إن العض بالضاد لِمَا كان بجارحة، وبالظاء المشالة لما كان بغيرها كعظ الزمان. اهـ هامش (غ)

(3)

المضض: وجع المصيبة.

ص: 475

وشرعًا: ما أحدث على خلاف أمر الشارع ودليله الخاص أو العام.

(ضلالة) لأن الحق في ما جاء به الشرع، فما لا يرجع إليه يكون ضلالة؛ إذ ليس بعد الحق إلا الضلال، ومر في شرح (الخامس) الكلام على ذلك مستوفًى (1)، وأن المراد بالمحدَث الذي هو بدعة وضلالة: ما ليس له أصلٌ في الشرع، وإنما الحامل عليه مجرد الشهوة أو الإرادة، فهذا باطلٌ قطعًا، بخلاف محدَثٍ له أصلٌ في الشرع إما بحمل النظير على النظير، أو بغير ذلك؛ فإنه حسنٌ؛ إذ هو سنة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين.

ومن ثم قال عمر رضي اللَّه تعالى عنه في التراويح: (نعمت البدعة هي)(2) فليس ذلك مذمومًا بمجرد لفظ: محدث، أو: بدعة؛ فإن القرآن باعتبار لفظه وإنزاله وصف بالمحدث أولَ (سورة الأنبياء)(3) وإنما منشأ الذم ما اقترن به من مخالفته للسنة ودعايته إلى الضلالة.

فالحاصل: أن البدعة منقسمةٌ إلى الأحكام الخمسة؛ لأنها إذا عرضت على القواعد الشرعية. . لم تخل عن واحدٍ من تلك الأحكام.

فمِنَ البدع الواجبة على الكفاية: الاشتغالُ بالعلوم العربية المتوقف عليها فهم الكتاب والسنة؛ كالنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، واللغة -بخلاف العروض والقوافي ونحوهما (4) - وبالجرح والتعديل، وتمييز صحيح الأحاديث من سقيمها، وتدوين نحو الفقه وأصوله وآلاته، والرد على نحو القدرية، والجبرية، والمرجئة، والمجسِّمة، ومحل بسطه كتب أصول الدين؛ لأن حفظ الشريعة فرض كفايةٍ فيما زاد على المتعين؛ كما دلت عليه القواعد الشرعية، ولا يتأتى حفظها إلا بذلك؛ ولأن ما لا يتم الواجب المطلق إلا به. . واجبٌ.

(1) انظر ما تقدم (ص 221).

(2)

تقدم تخريجه (ص 223).

(3)

وهي قوله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} .

(4)

قوله: (بخلاف العروض) ذكر شيخ مشايخنا السندوبي: أن تعلُّم العروض والقوافي فرض كفاية أيضًا إن توقف فهم كلام العرب عليه. اهـ "مدابغي"

ص: 476

ومن البدع المحرمة: مذاهب سائر أهل البدع المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة.

ومن المندوبة: إحداث نحو الرُّبط، والمدارس، وكل إحسانٍ لم يعهد في العصر الأول، والكلام في دقائق التصوف، والجدل، وجمع المحافل، والاستدلال في المسائل العلمية إن قصد بذلك وجه اللَّه تعالى.

ومن المكروهة: زخرفة المساجد، وتزويق المصاحف.

ومن المباحة: التوسع في لذيذ المآكل والمشارب والملابس، وتوسيع الأكمام، وقد يختلف العلماء في ذلك فيجعله بعضهم مكروهًا، وبعضهم سنة، وكذا المصافحة عقب العصر والصبح على ما قاله ابن عبد السلام (1)، لكن قيده المصنف بما إذا صافح من هو معه قبلهما، أما من ليس معه قبلهما. . فمصافحته مندوبة؛ لأنها عند اللقاء سنةٌ إجماعًا، وكونه خصَّصها ببعض الأحوال وفرط في أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونها مشروعة فيه (2).

وبما تقرر علم أن قوله: "ومحدثات الأمور" عامٌّ أُريد به خاصٌّ؛ إذ سنة الخلفاء الراشدين منها، مع أنَّا أُمرنا باتباعها؛ لرجوعها إلى أصلٍ شرعيٍّ، وكذلك سنتهم؛ عام أُريد به خاص؛ إذ لو فرض خليفةٌ راشدٌ في عامة أمره سَنَّ سنةً لا يعضدها دليلٌ شرعيُّ. . امتنع اتباعها، ولا ينافي ذلك رشده؛ لأنه قد يخطئ المصيب، ويزيغ المستقيم يومًا ما، وفي الحديث:"لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة"(3).

واعلم: أن الكلام إما عامٌّ أريد به عامٌّ؛ نحو: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أو خاصٌّ أريد به خاصٌّ؛ نحو: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} أو عامٌّ أريد به خاصٌّ؛

(1) القواعد الكبرى (2/ 339).

(2)

قوله: (كونه) أي: المصافح (خصصها) أي: المصافحة (ببعض الأحوال) كعقب العصر والصبح (وفرط في أكثرها) أي: أكثر الأحوال فلم يصافح فيها (لا يخرج) هذا التخصيص (ذلك البعض) المخصص فيه (عن كونها) أي: المصافحة (مشروعة فيه) هكذا قرره شيخنا. اهـ "مدابغي"

(3)

أخرجه الترمذي (2033)، والإمام أحمد (3/ 8) عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 477