المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الأول [الأعمال بالنيات] - الفتح المبين بشرح الأربعين

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌عناية العلماء بـ "الأربعين النووية

- ‌ترجمة الإمام محيي الدين النووي رضي الله عنه للإمام محمد بن الحسن الواسطي الحسيني الشريف

- ‌اسمه ومولده ونشأته

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته وتصانيفه

- ‌ترجمة الإمام الفقيه أحمد بن محمد ابن حجر الهيتمي المكي رحمه اللَّه تعالى

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌مُقاساته في الطَّلب وخروجه إلى مكة

- ‌زملاؤه وأقرانه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌وصف النسخ الخطية

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌صور المخطوطات المستعان

- ‌[خُطْبَةُ الكِتَابِ]

- ‌[خطبة الأربعين النووية]

- ‌[روايات حديث: "من حفظ على أمتى أربعين حديثًا

- ‌تَنبيهَان

- ‌أحدهما [عدم التفرقة فيمن حفظ أربعين صحيحة وحسنة، وضعيفة في الفضائل]

- ‌ثانيهما [حفظ الأربعين مختصٌّ بالحديث الشريف]

- ‌[ذكر بعض من صنف أربعين حديثًا]

- ‌[بيان سبب تأليف "الأربعين" وشرطه فيها]

- ‌الحديث الأول [الأعمال بالنيات]

- ‌فائدة [تأثير الرياء على ثواب الأعمال]

- ‌الحديث الثاني [مراتب الدين: الإسلام والإيمان والإحسان]

- ‌تنبيه [تلازم مفهوم الإيمان والإسلام وتأويل ما ورد من تغايرهما]

- ‌الحديث الثالث [أركان الإسلام]

- ‌تنبيه [ثبوت عموم الحديث ووجوب تكرر الأركان من أدلة أخرى]

- ‌الحديث الرابع [مراحل خلق الإنسان وتقدير رزقه وأجله وعمله]

- ‌تنبيه [تعليق الطلاق على الحمل، ومتى تنفخ الروح]

- ‌الحديث الخامس [إنكار البدع المذمومة]

- ‌الحديث السادس [الابتعاد عن الشُّبهات]

- ‌الحديث السابع [النصيحة عماد الدين]

- ‌الحديث الثامن [حرمة دم المسلم وماله]

- ‌تنبيه [لزوم موافقة المجتهدين لأمر الإمام المجتهد العادل وحكمه]

- ‌الحديث التاسع [النهي عن كثرة السؤال والتنطُّع]

- ‌الحديث العاشر [كسب الحلال سبب لإجابة الدعاء، وأكل الحرام يمنعها]

- ‌تنبيه [علاقة انتفاء القبول بانتفاء الصحة]

- ‌الحديث الحادي عشر [من الورع توقي الشُّبَه]

- ‌الحديث الثاني عشر [ترك ما لا يعني والاشتغال بما يفيد]

- ‌تنبيه [تقسيم الأشياء مما يعني الإنسان وما لا]

- ‌الحديث الثالث عشر [من علامات كمال الإيمان حبُّك الخير للمسلمين]

- ‌الحديث الرابع عشر [حرمة المسلم ومتى تُهدر]

- ‌الحديث الخامس عشر [التكلم بخير وإكرام الجار والضيف من الآداب الإسلامية]

- ‌تنبيه [الصمت مطلقًا منهيٌّ عنه، والفرق بينه وبين السكوت]

- ‌الحديث السادس عشر [النهي عن الغضب]

- ‌تنبيه [الغضب للَّه محمودٌ ولغيره مذموم]

- ‌الحديث السابع عشر [الأمر بالإحسان والرفق بالحيوان]

- ‌الحديث الثامن عشر [حسن الخلق]

- ‌تنبيه [الأعمال الصالحة لا تكفر غير الصغائر، ووجوب التوبة من الصغيرة]

- ‌الحديث التاسع عشر [نصيحةٌ نبويةٌ لترسيخ العقيدة الإسلامية]

- ‌الحديث الموفي عشرين [الحياء من الإيمان]

- ‌الحديث الحادي والعشرون [الاستقامة لبُّ الإسلام]

- ‌الحديث الثاني والعشرون [دخول الجنة بفعل المأمورات وترك المنهيات]

- ‌الحديث الثالث والعشرون [من جوامع الخير]

- ‌الحديث الرابع والعشرون [آلاء اللَّه وفضله على عباده]

- ‌تنبيه [الدعاء بالهداية جائز ولو للمسلم]

- ‌فائدة [في الفرق بين القرآن والأحاديث القدسية، وأقسام كلام اللَّه تعالى]

- ‌الحديث الخامس والعشرون [التنافس في الخير، وفضل الذِّكر]

- ‌الحديث السادس والعشرون [كثرة طُرُق الخير وتعدُّد أنواع الصدقات]

- ‌الحديث السابع والعشرون [تعريف البر والإثم]

- ‌تنبيه [كيفية الاحتجاج بحديثٍ من كتب السنة]

- ‌الحديث الثامن والعشرون [السمع والطاعة والالتزام بالسنة]

- ‌قاعدة [في بيان كيفية أخذ الحكم]

- ‌الحديث التاسع والعشرون [طريق النجاة]

- ‌الحديث الثلاثون [الالتزام بحدود الشرع]

- ‌الحديث الحادي والثلاثون [الزهد في الدنيا وثمرته]

- ‌الحديث الثاني والثلاثون [لا ضرر ولا ضرار]

- ‌تنبيه [في المراد من حديث: "لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه في جداره

- ‌فائدة [في بيان مراتب الضرورات]

- ‌الحديث الثالث والثلاثون [أسس القضاء في الإسلام]

- ‌فائدة [فصل الخطاب]

- ‌الحديث الرابع والثلاثون [تغيير المنكر ومراتبه]

- ‌الحديث الخامس والثلاثون [أخوة الإسلام وحقوق المسلم]

- ‌الحديث السادس والثلاثون [قضاء حوائج المسلمين، وفضل طلب العلم]

- ‌الحديث السابع والثلاثون [عظيم لطف اللَّه تعالى بعباده وفضله عليهم]

- ‌تنبيه [في بيان قوله تعالى: {وَهَمَّ بِهَا}]

- ‌الحديث الثامن والثلاثون [محبة اللَّه لأوليائه وبيان طريق الولاية]

- ‌تنبيه [اقتراف المعصية محاربة للَّه عز وجل]

- ‌الحديث التاسع والثلاثون [رفع الحرج في الإسلام]

- ‌فائدة [في بيان سبب نزول آخر "سورة البقرة

- ‌فائدة أخرى [في بيان بطلان مذهب أهل التقية]

- ‌الحديث الأربعون [اغتنام الأوقات قبل الوفاة]

- ‌الحديث الحادى والأربعون [اتباع النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌الحديث الثاني والأربعون [سعة مغفرة اللَّه عز وجل]

- ‌[خَاتمَة الكِتَاب]

- ‌بَابُ الإِشَارَاتِ إِلَى ضَبْطِ الأَلْفَاظِ الْمُشْكِلَاتِ

- ‌في الخطبة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الخامس عشر

- ‌السابع عشر

- ‌الثامن عشر

- ‌التاسع عشر

- ‌العشرون

- ‌الحادي والعشرون

- ‌الثالث عشر

- ‌الرابع والعشرون

- ‌الخامس والعشرون

- ‌السادس والعشرون

- ‌السابع والعشرون

- ‌الثامن والعشرون

- ‌التاسع والعشرون

- ‌الثلاثون

- ‌الثاني والثلاثون

- ‌الرابع والثلاثون

- ‌الخامس والثلاثون

- ‌الثامن والثلاثون

- ‌الأربعون

- ‌الثاني والأربعون

- ‌فصل [المراد بالحفظ في قوله صلى الله عليه وسلم: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا

- ‌أَهَمُّ مَصَادِرِ وَمَرَاجْعِ التَّحْقِيقِ

الفصل: ‌الحديث الأول [الأعمال بالنيات]

‌الحديث الأول [الأعمال بالنيات]

عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ آمْرِئٍ مَا نَوَي، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. . فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ أمْرَأة يَنْكِحُهَا. . فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" رَوَاهُ إِمَامَا الْمُحَدِّثينَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ بَرْدِزْبَهْ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ مُسلِمٍ الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِي رضي الله عنهما فِي "صَحِيحَيْهِمَا" اللَّذَيْنِ هُمَا أَصَحُّ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ (1).

ابتدأ به اقتداءً بالسلف؛ فإنهم كانوا يحبون ذلك تنبيهًا للطالب على مزيد الاعتناء والاهتمام بحسن النية، والإخلاص في الأعمال؛ فإنه روحها الذي به قِوامها، وبفقده تصير هباءً منثورًا (2).

رواه من الأئمة الحفَّاظ فوق ثلاث مئة نَفْسٍ، وقيل: سبع مئة، عن سعيد بن يحيى بن سعيد الأنصاري (3)، عن محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يروه عنه غير

(1) أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).

(2)

قال الإمام ابن عطاء اللَّه السكندري رحمه اللَّه تعالى: الأعمال صورٌ قائمةٌ، وأرواحها وجود سرِّ الإخلاص فيها. انظر "شرح الحكم" للعلامة الشرنوبي رحمه اللَّه تعالى (ص 74).

(3)

كذا في جميع النسخ، وفي هامش (و):(صوابه: يحيى بن سعيد. اهـ تقرير شيخنا). وقال العلامة المدابغي رحمه الله: (هكذا في النسخ، والذي في "البخاري": عن يحيى بن سعيد الأنصاري، فالصواب: إسقاط لفظة: "سعيد بن").

ص: 119

الأنصاري، عن علقمة، ولم يروه عنه غير التيمي (1).

(عن أمير المؤمنين) ولم يروه عنه غير علقمة، وهو أول من سُمِّي به من الخلفاء؛ لاستثقالهم (خليفةَ خليفةِ رسول اللَّه) صلى الله عليه وسلم (2)، لا مطلقًا؛ فقد سُمي به عبد اللَّه بن جحش رضي اللَّه تعالى عنه حين أَمَّره النبي صلى الله عليه وسلم على السرية التي أرسلها أول مقدمه المدينة، وفيها أُنزلت:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] الآيتينِ (3).

(أبي حفصٍ عمر بن الخطاب) بن نُفَيْل بن عبد العُزى العدوي القرشي، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي، كناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي حفص؛ وهو لغةً: الأسد، ولقَّبه بالفاروق؛ لفرقانه بين الحق والباطل بإسلامه؛ إذ أَمْرُ المسلمين قبله كان على غايةٍ من الخفاء، وبعده على غايةٍ من الظهور.

أسلم بعد أربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأةً، سنة ستٍّ من النبوة، وبُويع له بالخلافة يوم موت الصديق رضي اللَّه تعالى عنهما، وهو يوم الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الأولى، سنة ثلاث عشرة من الهجرة، بعهدٍ منه إليه، ففتح الفتوح العظيمة الكثيرة؛ كما أشار صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بحديث البئر المشهور (4).

(1) وفيه طرفةٌ من طُرَف الإسناد؛ وهي: أنه رواه ثلاثةٌ تابعيون بعضهم عن بعضٍ: يحيى، ومحمد، وعلقمة. ذكرها الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى في "شرح صحيح مسلم"(13/ 54).

(2)

أي: في اللفظ؛ لِمَا فيه من التكرير. وفي بعض النسخ هنا زادة؛ وهي (لأنه خليفة أبي بكر خليفةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

(3)

انظر "سيرة ابن هشام"(2/ 601)، و"الدر المنثور" للإمام السيوطي رحمه اللَّه تعالى (1/ 600)، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب له كتابًا وأمره ألَّا يقرأه إلا في مكان كذا وكذا، وألَّا يكره أحدًا على السير معه، فلما قرأ الكتاب. . استرجع، وقال: سمعًا وطاعة للَّه ولرسوله، فخبرهم الخبر، وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان، ومضى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى، فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام؟! فانزل اللَّه تعالى الآية.

(4)

أخرج البخاري (3676)، ومسلم (2393) واللفظ له، عن سيدنا عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "أُريت كأني أنزع بدلوِ بكرةٍ على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبًا أو ذنوبين، فنزع نزعًا ضعيفًا، واللَّه تبارك وتعالى يغفر له، ثم جاء عمر فاستقى فاستحالت غَرْبًا، فلم أر عبقريًا من الناس يفري فريه، حتى رَوِيَ الناس وضربوا العَطَن". و (غربًا): دلوًا كبيرًا، وكذا (ذنوبًا) بفتح الذال، و (العطن): مبرك الإبل؛ أي: روي الناس ورويت إبلهم فأقامت على الماء، وليس الضعف من سيدنا أبي بكر =

ص: 120

وقد ذكرتُ بقية أحواله ومناقبه وعظيم سيرته الحسنة الحميدة في كتابي "الصواعق المحرقة لإخوان الشياطين أهل الضلالة والابتداع والزندقة"(1).

واستشهد على يد نصرانيٍّ اسمه أبو لؤلؤة (2)، يوم الأربعاء، لأربعٍ بقين من ذي الحجة، سنة ثلاثٍ وعشرين من الهجرة، وهو ابن ثلاثٍ وستين على الصحيح.

(رضي اللَّه) تعالى (عنه قال) دون غيره؛ إذ لم يروِ هذا الحديثَ غيرُه من طريقٍ صحيحٍ وإن رواه نحو عشرين صحابيًا، فهو -وإن أجمعوا على صحته- فردٌ غريبٌ باعتبار أوله، بل تكررت الغرابة فيه أربع مراتٍ كما مر (3)، وهو مشهورٌ باعتبار آخره وليس بمتواتر؛ لأن شرط المتواتر: أن يوجد فيه عدد التواتر في جميع طبقاته.

(سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: إنما) هي لتقوية الحكم الذي في حيِّزها اتفاقًا، ومن ثَمَّ وجب أن يكون معلومًا للمخاطب، أو منزَّلًا منزلته، ولإفادةِ الحصر وضعًا على الأصح فيهما عند جمهور الأصوليين (4)، خلافًا لجمهور النحاة، وهو إثبات الحكم لما بعدها ونفيه عمَّا عداه؛ وذلك لأنها وردت في كلامهم له غالبًا، والأصل: الحقيقة، وجواز غلبة الاستعمال في غير ما وضعت له خلاف الأصل، فلا بد له من دليل، ولأنها -بناءً على أنها غيرُ بسيطةٍ- مركبةٌ من (إنَّ) الإثباتية و (ما) النافية. . فإما أن تنفي الحكم عمَّا بعدها وتثبته لغيره، وهو باطلٌ إجماعًا، وإما عكسه، وهو المطلوب.

= رضي الله عنه، ولكن من الوقت بسبب الفتن التي اتفقت في زمانه من قتال أهل اليمامة وقتل مسيلمة، وفي زمن سيدنا عمر رضي الله عنه اتسعت الفتوح، وكثرت الأموال والخيرات.

(1)

انظر الباب الرابع منه (ص 87 - 104).

(2)

الأَولى: كنيته أبو لؤلؤة، واسمه فيروز، وقيل: هو مجوسي، عليه وعلى من أحبه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين.

(3)

لم يَرْوِه من الصحابة إلا عمر رضي الله عنه، ولم يروه عنه إلا علقمة، ولم يروه عنه إلا محمد بن إبراهيم، ولم يروه عنه إلا يحيى بن سعيد رحمهم اللَّه تعالى.

(4)

قوله: (ولإفادة الحصر) عطفٌ على قوله: (لتقوية) أي: فهي لأمرين: التأكيد والحصر، بلا خلافٍ في الأول، وعلى الأصح في الثاني، وهل تفيده بالمنطوق أو بالمفهوم؟ قال البرماوي في "شرح ألفيته":(الصحيح: أنه بالمنطوق) اهـ، وممَّن صرح بأنه منطوقٌ: أبو الحسين بن القطان، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، والغزالي، بل نقله البلقيني عن جميع أهل الأصول من المذاهب الأربعة إلا اليسير كالآمدي. اهـ "قسطلاني"(1/ 53)

ص: 121

فإن قلنا ببساطتها. . تعيَّن الأول، وورودها لغير الحصر نادرٌ، على أن الحصر إما حقيقيٌّ نحو:{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} ، وإما إضافيٌّ نحو:{إِنَمَا اَللَّهُ إِلَهٌ وَحِدٌ} ؛ لأن صفاته تعالى لا تنحصر في ذلك، وإنما قصد به الرد على منكري التوحيد، ومنه:"إنما الربا في النسيئة"(1)، بل فهم منه ابن عباسٍ رضي اللَّه تعالى عنهما الحصر الحقيقي، فقصر الربا عليه (2)، وقال الجمهور: إن كان إضافيًا. . فظاهرٌ، أو حقيقيًا. . فمفهومه منسوخٌ بأدلةٍ أخرى.

وإنما حَسُن: (هل قام عمرو) بعد: (إنما قام زيد) ولم يكن تحصيلًا للحاصل (3)؛ لأنها قد يتجوز بها لغير الحصر، وتراخيها فيه عن:(ما قام إلا زيد) لأنه قدر مشترك بينهما، واختص الثاني بزيادة قوة فيه؛ لزيادة حروفه، نظير (سوف) و (السين) في التنفيس؛ ولأنه فيه لفظيٌّ للتصريح بـ (ما) و (إلا) جمعًا بين النفي والإثبات بالمطابقة، وفي (إنما) معنوي.

وقولُ شارحٍ: الأنسب أنها ليست للحصر مطلقًا؛ لخبر: "ما من نبىٍّ من الأنبياء إلا وقد أُوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيتُه وحيًا"(4)، ويلزم من كونها للحصر نفي المعجزة عن غير القراَن، وأنه يمتنع الاحتجاج بغيره؛ لنفي المعجزة عنه. . ليس في محله (5)؛ لما قررناه من أن الحصر يكون إضافيًا، وهو هنا كذلك، فحصر المعجزة في القرآن ليس لنفيها عن غيره، بل لتمييزه عن سائر المعجزات بأنه المعجزة الكبرى الدائمة المحفوظة من التغيير والتبديل، التي لم يُقهَر المعاندون بمثلها، فصارت المعجزات كلها كأنها في ضمنه فحصرت فيه.

(1) أخرجه مسلم (1596/ 102) عن سيدنا ابن عباس عن سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنهم.

(2)

أي: على ربا النسيئة. انظر "المحلى" للإمام ابن حزم رحمه اللَّه تعالى (8/ 483 - 484)، و"المغني" للإمام ابن قدامة المقدسي رحمه اللَّه تعالى (6/ 52)، و"موسوعة فقه ابن عباس" رضي الله عنهما للدكتور محمد رواس قلعه جي (ص 338) وما بعدها.

(3)

جوابٌ عما يقال: لو كانت (إنما) لإفادة الحصر. . لما حسُن: (هل قام عمرو) بعد (إنما قام زيد) مثلًا؛ لأنه يكون من طلب تحصيل الحاصل، وتحصيل الحاصل محالٌ، فكذا طلبه، فأجاب بقوله:(لأنها قد يتجوز بها) يعني: إنما (لغير الحصر) أي: والسؤال بـ (هل قام عمرو) مبنى على هذا. اهـ هامش (غ)

(4)

أخرجه البخاري (4981)، ومسلم (152) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

قوله: (ليس في محله) خبرٌ لقوله: (وقول شارح).

ص: 122

ونظيره: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} أي: إنما الكاملون في الإيمان (1)، {إِنَّمَاَ أَنتَ مُنذِرٌ} أي: بالنسبة لمن لا يؤمن، "إنما أنا بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إليَّ"(2) أي: بالنسبة لعدم الاطلاع على بواطن الأمور، {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} أي: بالنسبة لمن آثرها.

والمُحكَّم في ذلك القرائن والسياق، فحيث عيَّنَّا الحصر في شيءٍ مخصوصٍ. . فهو إضافيٌّ، وإلَّا. . فهو حقيقيٌّ.

فإن قلت: حَذفُ (إنما) في روايةٍ صحيحةٍ يدلُّ على عدم اعتبار الحصر (3).

قلت: ممنوع؛ لأن روايةَ ذكرِها فيها زيادة، وزيادةُ الثقةِ مقبولةٌ.

(الأعمال) هي: حركات البدن، فتدخل فيها الأقوال، ويتجوز بها عن حركات النفس، وآثرها على الأفعال؛ لئلا تتناول أفعال القلوب، وهي لا تحتاج لنيةٍ كما يأتي، و (أل) فيها للعهد الذِّهني، أي: غير العادية؛ لعدم توقف صحتها على نية، أو للاستغراق، وهو ما حكي عن جمهور المتقدمين، ولا يرد عليه نحو الأكل من العاديات، ونحو قضاء الديون من الواجبات؛ لأن من أراد الثواب عليه. . احتاج إلى نيةٍ كما يأتي، لا مطلقًا؛ لحصول المقصود بوجود صورته.

(بالنيات) بالتشديد من (نوى): قصد، فأصل (نية): نِوْيَة، ثم أُعلت كسيدة، وقيل بالتخفيف، من (ونى): أبطأ؛ لأنه يحتاج في تصحيحها إلى نوع إبطاء؛ أي: بسببها، أو مصاحبة لها، فعلى الأول هي جزءٌ من العبادة، وهو الأصح، وعلى الثاني هي شرطٌ (4)، وأُفردت في روايةٍ (5)؛ لأنها مصدر، وجُمعت في هذه؛ لاختلاف أنواعها.

(1) قوله: (الكاملون في الإيمان) فحصر الإيمان في (الذين وجلت قلوبهم) ليس لنفي الإيمان عن غيرهم من المؤمنين، بل لتمييزهم عنهم بالصفة الكاملة اللائقة بمن صَدَقوا في إيمانهم باللَّه تعالى: وهي تلين قلوبهم بذكره استعظامًا له تعالى. (محمد طاهر) اهـ هامش (غ)

(2)

أخرجه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص 354) بلفظه، وأخرج نحوه البخاري (7169)، ومسلم (1713) عن سيدتنا أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها.

(3)

أخرجها البخاري (54)، ومسلم (1907) عن سيدنا عمر رضي الله عنه؛ ولفظه:"الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى. . . ".

(4)

ولا ثمرة لهذا الخلاف، إذ لا بد منها على كل حالٍ، ومبنى الخلاف -كما في "شرح البهجة"- على أن النية هل

هي فعل أو صفة. اهـ هامش (غ)

(5)

تقدم ذكرها قريبًا؛ وهي رواية: "الأعمال بالنية".

ص: 123

وهي لغة: القصد؛ أي: عزم القلب، وشرعًا: قصده المقترن بالفعل؛ أي: إلا في الصوم ونحو الزكاة؛ للعسر، فهو محلها، لكن يسنُّ مساعدة اللسان له.

وقيل: محلها الدماغ، ورُدَّ بأن هذا لا مجال للرأي فيه، بل يتوقَّف على السمع، والأدلة السمعية دالة على الأول؛ منها خبر:"التقوى ههنا" وأشار بيده إلى صدره ثلاثًا (1)، وأيضًا: فالإخلاص اللازم لها محلُّه القلب اتفاقًا.

ومتعلَّقُ هذا الظرفِ الصحةُ؛ إذ هي أكثر لزومًا للحقيقة، فالحمل عليها أَولى؛ لأن ما كان ألزم للشيء. . كان أقرب خطورًا بالبال عند إطلاق اللفظ، لا الكمالُ، فلا يصح عملٌ -كالوضوء، خلافًا لأبي حنيفة رضي اللَّه تعالى عنه، ولا نسلم أن الماء مطهرٌ بطبعه، وكالتيمم، خلافًا للأوزاعي- إلا بنيةٍ، ما لم يقم دليلٌ على التخصيص.

وممَّا يعيِّن تقدير الصحة وأن الحصر فيها عامٌّ إلا لدليلٍ. . خبرُ البيهقي: "لا عمل لمن لا نية له"(2)، وخبرُ غيره: اليس للمرء من عمله إلا ما نواه، لا عمل إلا بنية) (3)، والخبر الصحيح:"إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه إلا أُجِرْتَ عليها"(4)، وخبر ابن ماجه:"إنما يبعث الناس على نياتهم" ورواه مسلم بمعناه (5).

وشُرِعت تمييزًا للعبادة من العادة؛ كالغسل يكون تنظيفا وعبادة، أو لرتب العبادة بعضها عن بعض؛ كالتيمم يكون للجنابة والحدث وصورتهما واحدة، وكالصلاة تكون فرضًا ونفلًا.

(1) قطعة من حديث سيأتي تخريجه (ص 550) وهو الحديث الخامس والثلاثون من أحاديث المتن.

(2)

سنن البيهقي الكبرى (1/ 41) عن سيدنا أنس رضي الله عنه.

(3)

انظر "تلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى (1/ 150)، فقد قال:(هذا الحديث بهذا اللفظ لم أجده. . .).

(4)

أخرجه البخاري (56)، ومسلم (1628) عن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

(5)

انظر "صحيح مسلم"(2884) عن أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي الله عنها، و"سنن ابن ماجه"(4229) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 124

فلا تجب في عبادةٍ لا تكون عادةً ولا تلتبس بغيرها (1)؛ كالإيمان باللَّه سبحانه وتعالى، والمعرفة، والخوف، والرجاء، والنية، والقراءة، والأذكار، حتى خطبة الجمعة على الأوجه؛ لتميُّزها بصورتها مع لزوم التسلسل أو الدور لو توقفتِ النيةُ على نية، ولزوم التناقضِ المحالِ لو توقفتِ المعرفةُ عليها؛ إذ هي قصد المنوي، ولا يقصد إلا ما يعرف، فيلزم أن يكون الإنسان عارفًا باللَّه تعالى قبل معرفته له، فيكون عارفًا به غير عارفٍ به في حالةٍ واحدةٍ.

نعم؛ تجب في قراءةٍ نَذَرها ومثلها كما هو ظاهرٌ كل ذِكْرٍ نذره؛ ليتميز الفرض حينئذٍ من غيره، ولا تجب في التروك؛ كترك الزنا إلا لحصول ثواب الترك (2)؛ لأن القصد اجتناب المنهي، وهو حاصلٌ بانتفاء وجوده وإن لم تكن نية.

ولتردد إزالة النجاسة بين الفعل والترك اختلفوا في اشتراطها فيه، ورجَّح الأكثرون عدمه تغليبًا لمشابهة التروك؛ إذ هي أقرب إليها منها إلى الفعل، وألحقوا به غسلَ الميت؛ إذ القصد منه التنظيف، والخروجَ من الصلاة؛ لأنه تركٌ أيضًا، ولا تجب نيةُ تفرقةِ صومِ نحو التمتع (3).

واستشكل بنية الجمع في جمع التقديم، ومن ثَمَّ اختار البُلقيني عدمَ وجوبها فيه أيضًا، ويرد: بأن الجمع ضم إحداهما إلى الأخرى، فهو فعلٌ حقيقة، بخلاف التفريق؛ فإنه تركٌ حقيقةً، أو أقرب إلى الترك، فاتضح ما قالوه، وبطل ما اختاره.

وإنما لم تجب في جمع التأخير؛ لأن وقت الثانية يصلح للأولى من غير عذرٍ، بخلاف عكسه، وعند عدم الصلاحية لا بد من نيةٍ تُميزه عن التلاعب.

ومطلق النية في كلامه صلى الله عليه وسلم وكلام السلف والعارفين يُراد بها غالبًا

(1) في أكثر النسخ: (أو لا تلتبس بغيرها) وقد قال الإمام المدابغي رحمه اللَّه تعالى: (ولعل "أو" بمعنى الواو؛ أي: فلا تجب النية في عبادة لا تكون عادة ولا تلتبس بغيرها. . .).

(2)

ومن ههنا يؤخذ حصول الثواب للحائض بترك الصلاة والصوم إن قصدت الامتثال بالشارع وكذا غيره، فاحفظه فإنه مهمٌّ. اهـ هامش (غ)

وفي هامشها أيضًا: (فإن قلت: الصوم من التروك؛ لأنه كفٌّ عن تعاطي المفطر مع أنهم أجمعوا على وجوب النية فيه. . أُجيب بأن الصوم إمساكٌ، والإمساك يقع عادةً وعبادة، فاحتيج لنيةٍ تميز بينهما).

(3)

أي: فيما إذا فاته صيام ثلاثة أيام في الحج؛ فالأصح عند ذلك: وجوب التفريق بينها وبين السبعة، ولكن لا تجب النية. انظر "النجم الوهاج" للإمام الدميري رحمه اللَّه تعالى (3/ 571 - 572).

ص: 125

تمييز المقصود بالعمل، وهل هو اللَّه تعالى وحده، أو غيره، أو مع غيره؟ فهي حينئذٍ بمعنى الإرادة، وبها عبر عنها في القرآن كثيرًا، نحو:{تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} ، {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} ، والفرق بينهما إنما يأتي على المعنى السابق عند الفقهاء.

ثم هذا الحديث قد تواتر النقل عن الأئمة بتعظيم موقعه، وكثرة فوائده، وأنه أصل عظيم من أصول الدين، ومن ثَمَّ خطب به صلى الله عليه وسلم كما في رواية البخاري فقال:"يا أيها الناس؛ إنما الأعمال بالنيات"(1)، وخطب به عمر رضي اللَّه تعالى عنه على منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما أخرجه أيضًا (2).

ولذلك قال أبو عبيد: (ليس في الأحاديث أجمع وأغنى وأكثر فائدةً منه، ومن ثَمَّ قال أبو داوود: إنه نصف العلم)(3).

ووجهه: أنه أجلُّ أعمال القلب والطاعة المتعلقة بها (4)، وعليه مدارها، فهو قاعدة الدين، ومن ثَمَّ كان أصلًا في الإخلاص أيضًا، وأعمالُ القلب تقابل أعمال الجوارح، بل تلك أجلُّ وأفضل، بل هي الأصل، فكان نصفًا، بل أعظم النصفين كما تقرر.

وقال كثيرون منهم الشافعي: (إنه ثلث العلم)(5).

(1) صحيح البخاري (6953)، والذي فيه بلفظ:"بالنية" عن سيدنا عمر رضي الله عنه.

(2)

صحيح البخاري (1) عن سيدنا عمر رضي الله عنه.

(3)

ذكره العلامة المناوي رحمه اللَّه تعالى في "فيض القدير"(1/ 32) ونقل فيه عن الإمام أحمد رحمه اللَّه تعالى قولَه: (أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث: "الأعمال بالنية"، و"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه. . فهو رد"، و"الحلال بين، والحرام بين". وقال أبو داوود: مدار السنة على أربعة أحاديث: "الأعمال بالنية"، وحديث: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، وحديث: "الحلال بين والحرام بين"، وحديث: "وإن اللَّه طيب لا يقبل إلا طيبًا". . .)، ونظمها العلامة طاهر بن معوذ رحمه اللَّه تعالى -كما في "الفتوحات الوهبية" (ص 53) - فقال:(من الخفيف)

عمدة الدين عندنا كلماتٌ

أربعٌ من كلام خير البريَّةْ

اتق الشبهات، وازهد، ودع ما

ليس يعنيك، واعملَنَّ بنيَّةْ

(4)

قوله: (ووجهه أنه) أي: الحديث باعتبار ما اشتمل عليه من النية، يعني أن النية أجلُّ أعمال القلب، و (أل) للجنس، فالضمير في قوله:(والطاعة المتعلقة بها) يعود إلى القلب باعتبار الجنس، ويدل على هذا ما وجد في نسخ "شرح الشيخ الشبرخيتي" (ص 52):(المتعلقة به) بالتذكير، فليتأمل. اهـ هامش (غ)

(5)

أخرجه البيهقي عن الإمام الشافعي رحمهما اللَّه تعالى في "معرفة السنن والآثار"(589).

ص: 126

قال البيهقي: (لأن كسب العبد إما بقلبه، أو بلسانه، أو بجوارحه، فالنية أحدها وأرجحها؛ لأنهما تابعان لها صحةً وفسادًا، وثوابًا وحرمانًا، ولا يتطرق إليها رياءٌ ونحوه بخلافهما، ومن ثَمَّ ورد: "نية المؤمن خيرٌ من عمله")(1) وهو ضعيفٌ لا موضوع، خلافًا لمن زعمه (2).

ويدل لخيريَّتها خبرُ أبي يعلى: "يقول اللَّه تعالى للحفظة يوم القيامة: اكتبوا لعبدي كذا وكذا من الأجر، فيقولون: ربنا؛ لم نحفظ ذلك عنه، ولا هو في صحفنا"(3).

وقال الإمام الشافعي رضي اللَّه تعالى عنه أيضًا: (إنه يدخل في سبعين بابًا)، ولم يُرِدْ به المبالغة، خلافًا لمن وهم فيه (4)؛ لأن من تدبَّر مسائل النية في متفرقات الأبواب. . وجدها تزيد على ذلك؛ إذ تدخل في ربع العبادات بكماله، وكنايات العقود، والحلول، والإقرار، والأيمان، والظهار، والقذف، والأمان، والردة، وفي الهدايا، والضحايا، والنذور، والكفارات، والجهاد، وسائر القُرَب؛ كنشر العلم، وكل ما يتعاطاه الحُكَّام، بل وسائر المباحات إذا قصد بها التقوي على

(1) انظر كتاب "السنن الصغير"(1/ 12).

(2)

الحديث أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب"(148) عن سيدنا النواس بن سمعان رضي الله عنه، والطبراني في " الكبير"(6/ 185)، وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 255) عن سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه.

وفي هامش (ب): (في رواية: "نية المرء خيرٌ من عمله" وقد وقع السؤال عن معناه، وأجاب الفقيه ابن عبد السلام بجوابين [القواعد الكبرى (1/ 333 - 334)]: أحدهما: أنه وارد على سبب؛ وهو أنه صلى الله عليه وسلم وعد بثوابٍ على حفر بئرٍ، فنوى عثمانُ رضي اللَّه تعالى عنه حفْرَه، فسبق كافرٌ بحفرها، فقال:"نية المرء خير من عمله" يعني: [نية] عثمان خيرٌ من عمله؛ يعني الكافر. ثانيهما: أن النية المجردة من المؤمن خيرٌ من عمله المجرد عن النية؛ لأنه لا ثواب على العمل إلا بنيته، بخلاف النية. وفي الجواب الأول ضعفٌ؛ لأن أفعل التفضيل يقتضي المشاركة، وعمل الكافر لا خير فيه ألبتة، إلا أن يقال: سماه خيرًا باعتباره في نفسه وإن لم يُثَبْ عليه؛ بدليل أنه لو أسلم. . أُثيب عليه من غير تضعيف؛ كما يدل عليه: "أسلمت على ما أسلفت من خير"). وحديث: "أسلمت على ما أسلقت من خيرٍ" أخرجه البخاري (1436)، ومسلم (123) عن سيدنا حكيم بن حزام رضي الله عنه، وسيذكره الشارح (ص 214).

(3)

ذكره الإمام العيني رحمه اللَّه تعالى في "عمدة القاري"(1/ 35) بلفظه، وعزاه لأبي يعلى في "مسنده"، ولم يخرجه أبو يعلى بلفظه فيما بين أيدينا، وإنما أخرج نحوًا منه في حديث طويل (3429) عن سيدنا أنس رضي الله عنه.

(4)

انظر قول الإمام الشافعي رحمه الله، وتفصيل المسألة في "فتح الباري"(1/ 11).

ص: 127

الطاعة، أو التوصل إليها؛ كالوطء بقصد إقامة السُّنة، أو الإعفاف، أو تحصيل الولد، وفي تمييز العمد من قسيميه (1)، وفي منع القطع إذا أخذ نحو الدائن مال مدينه بقصد الاستيفاء، وقصد دين الرهن عند الأداء، واللقطة للتملك أو الحفظ، وفسخ من أسلم على أكثر من أربعٍ بقصد الطلاق اختيارًا للنكاح، ولا بقصده اختيارًا للفراق (2)، ووطء زوجته معتقدًا أنها أجنبيةٌ، وشربُ ماءٍ يظن أنه خمرٌ، وقتل قاتل مورثه يظن أنه معصوم، فيفسق؛ لقصده نحو الزنا، ولا يحدُّ؛ لمصادفته المحل المباح.

لكن قال ابن عبد السلام: (يكون عذابه متوسطًا بين الكبيرة والصغيرة)(3) لأنه يترتَّب على المفاسد غالبًا، ولم يترتب هنا مفسدةٌ كبيرة، وفي عكسه لا يأثم ولا يحدُّ اعتبارًا بنيته.

ولو خاطب امرأةً بـ (أنت طالق) أو قِنًا بـ (أنت حرٌّ). . طلقت وعتق وإن ظنهما أجنبيينِ؛ لمصادفته المحل الغير المتوقف على نية، فلم تؤثر فيه عند وجود الصريح نفيًا ولا إثباتًا.

وتدخل في غير ذلك ممَّا لا يخفى عليك استحضاره بعد ما تقرر، فعلم أنه إنما أراد التحديد بالسبعين بالنسبة إلى جملة الأبواب، وأما بالنسبة إلى جزئيات المسائل. . فذلك لا ينحصر.

(وإنما لكل امرئ ما) أي: جزاء الذي (نوى) دون ما لم ينوه، ودون ما نواه غيره له، فاستفيد من هذه الجملة -دون التي قبلها- وجوبُ التعيين في نية ما يلتبس دون غيره؛ كالطهارة، والزكاة، والكفارة، والنسك؛ للخبر الصحيح -خلافًا لمن

(1) أي: شبه العمد والخطأ.

(2)

قوله: (بقصد الطلاق اختيارًا للنكلاح. . . إلخ) كمن أسلم على ثمانٍ مثلًا، فقال لأربع منهنَّ: فسختُ نكاحكنَّ، ونوى به الطلاق. . كان اختيارًا لنكاحهن، وكأنه قال: اخترت نكاحكن وطلقتكُنَّ، فينقطع نكاحهن بالفسخ المنوي به الطلاق، وتندفع به الباقيات بالشرع، وإن لم ينو به الطلاق. . كان اختيارًا لفراقهن ونكاح الباقيات؛ وكأنه قال: اخترت فراقكن ونكاحَ الباقيات؛ كما هو مبسوطٌ في محله من كتب الفقه. اهـ هامش (غ)

(3)

القواعد الكبرى (1/ 34).

ص: 128

طعن فيه- أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يلبِّي بالحج عن رجلٍ فقال له: "أحججت عن نفسك؟ " قال: لا، قال:"هذه عن نفسك، ثم حجَّ عن الرجل"(1)، ووجه فهم ذلك من هذه الجملة الثانية: أن أصل النية فيما يلتبس عُلِم من الجملة الأولى، ومنع الاستنابة في النية علم من الجملة الثانية.

نعم؛ يستثنى منه نية الوكيل في تفرقة الزكاة إذا فُوضت إليه؛ لأنها حينئذٍ تابعة، ومن ثَمَّ لو استناب غيره في نية الزكاة وحدها. . لم يصح كما هو ظاهر، وإنما اعتبرت نية الولي عن الصبي للنسك، والحاج عن غيره، ومغسل نحو المجنونة؛ لعدم تأهُّل المنوي عنهم لها، فأُقيمت نيةُ الناوي عنهم مقام نيتهم.

وأوقع بعض العلماء الطلاق والنذر بالنية المجردة عملًا بعموم الحديث، وأباه الأكثرون؛ لأنهما من وظائف اللسان لغةً وشرعًا، فلا تؤثر فيهما النية المجردة.

وقيل: مفاد الأُولى أن صلاح العمل وفساده بحسب النية الموجدة له، ومفاد الثانية أن جزاء العامل بحسب نيته من خيرٍ أو شرٍّ، وهاتان كلمتان جامعتان وقاعدتان كليتان لا يشدُّ عنهما شيء.

قيل: ويؤخذ منهما بطلان حِيَل نحو الربا؛ لأنه المنوي دون البيع، ويردُّ: بأنا وإن سلمنا أنه المنوي وحده فلا تؤثر فيه؛ لأن نيته إنما هي عند المواطأة، وهي سابقة لعقد البيع، فلا تؤثر فيه؛ لأن نيته إنما تؤثر إن اقترنت بالفعل؛ إذ ذاك هو حقيقتها كما مر.

على أن لنا أدلةً ظاهرةً على جواز الحيل (2)؛ منها: حديث خيبر المشهور؛

(1) أخرجه أبو داوود (1811)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 337)، والدراقطني في "سننه" (2/ 270) عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما وقد سمعه صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك عن شُبْرُمة قال: "من شبرمة؟ " قال: أخٌ لي.

(2)

والحيلة على أقسام: فإن توصل بها بطريقٍ مباحٍ إلى إبطال حقٍّ وإثبات باطل. . فهي حرام إلى حرام، أو إثبات حقٍّ أو دفعِ باطلٍ. . فواجبةٌ أو مستحبة، أو إلى ترك مندوب. . فهي مكروهة. ووقع اختلاف بين الأئمة في القسم الأول: هل يصح مطلقًا وينفذ ظاهرًا وباطنًا، أو يبطل مطلقًا، أو يصح مع الإثم؟ والأصل في ذلك الاختلاف اختلافهم: هل المعتبر في صيغ العقود ألفاظها أو معانيها. . . إلخ؟ والمشهور عند النُّظار: حمل الحديث على العبادات، فحمله البخاري عليها وعلى المعاملات، وتبع مالكًا في القول بسدِّ الذرائع واعتبار المقاصد، فلو فسد اللفظ وصح القصد. . أُلغي اللفظ وأُعمل القصد تصحيحًا وإبطالًا، قال: والاستدلال بهذا الحديث على =

ص: 129

وهو: "بع الجَمْع -أي: الجيد (1) - بالدراهم، ثم اشترِ بها جنيبًا"(2) وهو الرديء (3)، وإنما أمرهم بذلك؛ لأنهم كانوا يبيعون الصاعين من هذا بالصاع من ذلك، فعلَّمهم صلى الله عليه وسلم الحيلة المانعة من الربا.

ومن ثَمَّ أخذ السبكي منه عدم كراهة هذه الحيلة، فضلًا عن حرمتها؛ لأن القصد هنا بالذات تحصيل أحد النوعين دون الزيادة، فإن قصدها. . كرهت الحيلة الموصلة إليها، ولم يحرم؛ لأنه توصُّل بغير طريقٍ محرمٍ، فعلم أن كل ما قصد التوصل إليه من حيث ذاتُهُ لا من حيث كونُهُ حرامًا. . جاز بلا كراهة، وإلَّا. . كره، إلا أن يحرم طريقه فيحرم؛ كتعدي اليهود في السبت، فإن القصد منعهم من الاستيلاء على الصيد فيه، ودخولُه في حفرهم التي هيؤوها له قبل يوم السبت استيلاءٌ منهم عليه فيه، فلم تفدهم الحيلة شيئًا.

وقول ابن حزم: (كلُّ عقدٍ حيلةٌ إلى محرم) ليس في محلِّه؛ لأن الوطء المتوصل إليه بالنكاح ليس محرمًا، إنما المحرم الزنا، فالأعم إذا شَمَل صورةً مباحةً وصورةً محرمةً. . لا يوصف بالتحريم، ولا التوصلُ إليه بالطريق الشرعي تحيُّلٌ على التحريم (4).

ثم لمّا كان في تينك الجملتين نوع إجمال. . ذكر صلى الله عليه وسلم عقبهما مفرعًا عليهما تفصيل بعض ما تضمنتاه زيادةً للإيضاح، ونصًا على صورة السبب الباعث على هذا الحديث، وهي على ما روي -وإن قال بعض المحدثين: لم نر له

= سد الذرائع وإبطال الحيل من أقوى الأدلة، ونص الشافعي على كراهة تعاطي الحيل في تفويت الحقوق، فقال بعض أصحابنا: هي كراهة تنزيه، وقال بعضٌ من محقيقيهم كالغزالي: هي كراهة تحريم، فمن نوى بعقد البيع الربا. . وقع في الربا، ومن نوى بعقد النكاح التحلل. . كان محللًا ودخل في الوعيد على ذلك. اهـ هامش (غ)

(1)

قوله: (الجمع أي الجيد) صوابه: الرديء، أو سقط منه لفظ:(غير) أو هو كل نوع من التمر لا يعرف له اسم، وقيل: هو المختلط من أنواع شتى، وعادتهم ألا يخلط كذلك إلا الرديء. اهـ "مدابغي"

(2)

أخرجه البخاري (2202)، ومسلم (1593/ 95) عن سيدنا أبي هريرة وسيدنا أبي سعيد رضي الله عنهما.

(3)

قوله: (جنيبًا وهو الرديء) صوابه: وهو الجيد، قال في "شرح المشكاة": وهو نوع جيد معروف، أو أجود التمر، وحينئذٍ تعلم ما في قوله:(يبيعون الصاعين من هذا. . . إلخ) وأنه لا يأتي إلا على ما علمت أنه خلاف الصواب، تأمل اهـ "مدابغي"

(4)

انظر تفصيل الإمام السبكي رحمه اللَّه تعالى في "الفتاوى"(1/ 328 - 329) في باب الحجر، مسألة التجارة في مال اليتيم.

ص: 130

سندًا صحيحًا-: أن رجلًا من مكة كان يهوى امرأةً تُسمى أم قيس (1)، فخطبها فامتنعت حتى تهاجر، فلما هاجرت إلى المدينة. . هاجر لأجلها (2)، فعرَّض به تنفيرًا عن مثل قصده فقال:(فمن كانت هجرته) وهي -أعني الهجرة- لغةً: الترك، وشرعًا: مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام خوف الفتنة، ووجوبها باقٍ.

وخبر: "لا هجرة بعد الفتح"(3) المراد به: لا هجرة بعد فتح مكة منها؛ لأنها صارت دار الإسلام (4).

وحقيقةً: مفارقة ما يكرهه اللَّه تعالى إلى غيره؛ للحديث الآتي: "والمهاجر من هجر ما نهى اللَّه عنه"(5).

وكانت أول الإسلام إما من مكة إلى الحبشة، أو منها ومن غيرها إلى المدينة، والمراد بها هنا: الانتقال من الوطن إلى غيره، سواء مكة وغيرها، وصورة السبب لا تخصص، لكنها داخلةٌ قطعًا.

(إلى اللَّه ورسوله) قصدًا ونيةً (فهجرته إلى اللَّه ورسوله) ثوابًا وأجرًا، فليس الشرط هنا عين الجزاء؛ لأنهما -وإن اتحدا لفظًا- اختلفا معنًى، وهو كافٍ في اشتراط تغاير الجزاء والشرط، والمبتدأ والخبر.

(1) قال القسطلاني رحمه اللَّه تعالى (1/ 55): (لم يسمه أحدٌ ممن صنف في الصحابة فيما علمته). انتهى، قال مشايخنا: وما قيل: إن اسمه حاطب،. لم يثبت. اهـ "مدابغي"

(2)

أخرجه الطبراني في "الكبير"(9/ 103)، وقال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى في "الفتح" (1/ 10):(وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور) ثم ذكر رواية الطبراني وقال: (وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث: "الأعمال. . . " سيق بسب ذلك، ولم أرَ في شيءٍ من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك).

(3)

أخرجه البخاري (2783)، ومسلم في الإمارة (1353) عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

قال العلماء: المسلم بدار الحرب أو دار الإسلام التي استولى عليها الكفار إذا لم يمكنه إظهار دينه، أو خافت فتنةً فيه. . وجبت الهجرة إن أطاقها، وعصى بإقامته ولو أنثى لم تجد محرمًا مع أمنها على نفسها، أو كان خوف الطريق أقل من خواف الإقامة، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا هجرة بعد الفتح" أي: من مكة؛ لكونها دار الإسلام إلى يوم القيامة، فإن أمكنه إظهار دينه لشرفه أو شرف قومه وأمن فتنةً في دِينه، ولم يرج ظهور الإسلام بإقامته. . استُحبَّ له الهجرة إلى دار الإسلام، لئلا يكثر سوادهم به، كما في "شرحي المنهاج" لابن حجر (9/ 269)، والرملي (8/ 82)، وكما في "شرح الروض" لشيخ الإسلام (4/ 204).

(5)

أخرجه البخاري (10)، وأبو داوود (2481)، والنسائي (8/ 105) عن سيدنا عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما.

ص: 131

(ومن كانت هجرته لدنيا) بضم أوله -وحكي كسره- وبقصره من غير تنوين؛ إذ هو غير منصرف؛ للزوم ألف التأنيث فيه، وحكي تنوينه، من (الدنو) لسبقها الدار الآخرة، وهي: سائر المخلوقات الموجودة قبل الآخرة. وقيل: الأرض مع الهواء والجو.

و (اللام) للتعليل، أو بمعنى (إلى) كقوله:(فهجرته إلى ما هاجر إليه) والأول أظهر، وستأتي حكمة التغاير بينهما.

(يصيبها) شبَّه تحصيلها عند امتداد الأطماع إليها بإصابة الغرض بالسهم، بجامع سرعة الوصول وحصول المقصود.

(أو امرأة ينكحها)(1) أي: يتزوجها كما في رواية (2). وذكر الدنيا (3): إما زيادة على السبب؛ تحذيرًا من قصدها، نظير:"هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"(4) بعد السؤال عن طهورية ماء البحر، وإما لأن أم قيس انضم لجمالها مالٌ فقصدهما مهاجرها، وإما لأن السبب قصده نكاحها وقصد غيره دنيا (5).

(1) سئل بعض الفضلاء عن كلمة (أو) في قوله صلى الله عليه وسلم: "إلى دنيا يصيبها أو امرأة. . . " الحديث، مع أن عطف الخاص على العام من خواص (الواو) أو (حتى)؛ فأجاب بأن ذلك إذا أُريد بالعام ما يشمل الخاص، أما إذا أريد به ما عدا الخاص. . فيعطف بـ (أو)؛ ولعل الحكمة في الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم نبَّه بعطفها بـ (أو) على شدة ضرر النساء حتى كأنها نصفٌ وباقي الدنيا نصف، ولو عطف بالواو. . لعلم أن لهنَّ زيادة مضرة، لكن لا يحصل عند العطف بـ (أو) من التنبيه على أنهنَّ قسم مساوٍ لجميع ما عداهن، واللَّه تعالى أعلم. (قدقي رحمه اللَّه تعالى) اهـ هامش (غ)

(2)

عند البخاري (54)، ومسلم (1907) عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(3)

حذفت الواو في النسخ كلها إلا (ط).

(4)

أخرجه ابن حبان (1243)، والحاكم (1/ 140)، وأبو داوود (83) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

المرأة داخلة في الدنيا، وحذر الشارع من الدنيا ثم حذر من المرأة؛ تنبيهًا على زيادة التحذير من باب ذكر الخاص بعد العام كما في قوله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ، قال بعض العارفين: ما أيس الشيطان من إنسانٍ قط إلا أتاه من قِبل النساء، وقال سفيان: قال إبليس: سهمي الذي إذا رميت به لم أخطئ. . النساء، ومن ثم جُعلن في القرآن عين الشهوات، قال تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} ، وقال سيدنا علي رضي الله عنه:(أيها الناس؛ لا تطيعوا للنساء أمرًا، ولا تَدَعوهن يُدبِّرن أمرَ عيش؛ فإنهنَّ إن تُركن وما يردن. . أفسدن المُلك وعصين المالك، وجدناهنَّ لا دين لهنَّ في خلواتهن، ولا وازع لهنَّ عند شهواتهنَّ، اللذة بهنَّ يسيرةٌ، والحَيْرة بهنَّ كثيرةٌ، فأما صوالحهنَّ. . ففاجرات، وأما طوالحهنَّ. . فعاهرات، وأما المعصومات. . فهنَّ المعدومات، فيهن ثلاث خصالٍ من خصال اليهود: يتظلمن وهن الظالمات، ويتمنعن وهن الراغبات، ويحلفن وهن الكاذبات، فاستعيذوا باللَّه من شرارهن، وكونوا على حذرٍ من خيارهن، والسلام) اهـ "مدابغي" باختصار

ص: 132