الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحجتنا: أن كلًّا من هذه الثلاثة ثبت في كون اليمين فيها على المدعي حديثٌ صحيح (1) خُصَّ به عمومُ حديث: "واليمين على المدعى عليه"، والرواية في قصة خيبر المعارضة لذلك في القسامة ردها الحفاظ (2).
فائدة [فصل الخطاب]
قال بعض العلماء: إن فصل الخطاب في قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} هو: البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
(حديث حسن) أو صحيح، كما عبَّر به في مواضع أخر، وكلام أحمد وأبي عبيد ظاهرٌ في أنه صحيحٌ عندهما يحتج به.
(رواه) بإسنادٍ حسنٍ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين (البيهقي) صاحب التصانيف الجليلة، كيف وقد حاز بها ما لم يَحُزْه شافعيٌّ؟! حتى قال إمام الحرمين: ما من شافعي إلا وللشافعي عليه المِنَّة إلا البيهقي، فإن له المِنَّةَ؛ أي: لأنه الذي بيَّن أن مذهبه طبق السنة الصحيحة، وتصدَّى للرد على مخالفيه.
ولد سنة أربعٍ وثمانين وثلاث مئة، ومات سنة ثمانٍ وخمسين وأربع مئة.
(وغيره هكذا) أي: بهذا اللفظ المذكور (وبعضه في "الصحيحين") إذ لفظهما كما في "الجمع بينهما" للحميدي: عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما: "لو يُعطى الناس بدعواهم. . لادَّعى ناسٌ دماء رجالٍ وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه"(3)، وفي روايةٍ لهما قال ابن أبي مُليكة: كتب ابن عباسٍ رضي اللَّه تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين على المدعى عليه)(4).
وقول الأصيلي: لا يصح مرفوعًا. . مردودٌ بتصريحهما بالرفع فيه من رواية ابن
(1) قوله: (أن كلًّا من هذه الثلاثة) أي: القسامة، واليمين مع الشاهد، واليمين المردودة. اهـ "مدابغي"
(2)
انظر "جامع العلوم والحكم"(2/ 231 - 233).
(3)
انظر "الجمع بين الصحيحين"(996).
(4)
صحيح البخاري (2514)، وصحيح مسلم (1711/ 2).
جريج (1)، ورفعه أيضًا أبو داوود والترمذي وغيرهما (2)، قال المصنف:(وإذا صح رفعه بشهادة البخاري ومسلم وغيرهما. . لم يضره مَنْ وقفه، ولا يكون ذلك تعارضًا ولا اضطرابًا، فإن الراوي قد يعرض له ما يوجب السكوت عن الرفع من نحو نسيانٍ أو اكتفاءٍ بعلم السامع والرافعُ عدلٌ ثبتٌ، فلا يلتفت إلى الوقف إلا في الترجيح عند التعارض كما هو مبينٌ في الأصول)(3).
وخرجه الإسماعيلي في "صحيحه" بلفظ: "لو يعطى الناس بدعواهم. . لادعى رجالٌ دماء قومٍ وأموالهم، ولكن البينة على الطالب، واليمين على المطلوب"(4).
وأخرج الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: "البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه"(5) ولكن في سنده ضعيف من جهة حفظه.
والدارقطني: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة" وفيه ضعيف مع أنه مرسل، وفي رواية له:"المدعى عليه أولى باليمين إلا أن تقوم بينة" وله عنده طرقٌ متعددةٌ لكنها ضعيفة (6).
وفي رواية: أن امرأتين كانتا تخرزان في بيتٍ أو حجرة، فخرجت إحداهما وقد أُنْفِذَت الإشفى -وهي: حديدة تخرز بها- في كفِّها، فادعت على الأخرى، فرُفِعَ ذلك لابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما فقال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لو يعطى الناس بدعواهم. . لذهبت دماؤهم وأموالهم" ذكِّروها باللَّه واقرؤوا عليها: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} الآية، فذكَّروها فاعترفت، فقال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليمين على المدعى عليه"(7).
(1) صحيح البخاري (4552)، وصحيح مسلم (1711).
(2)
سنن أبي داوود (3619)، وسنن الترمذي (1342).
(3)
انظر كلام الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى في "شرح مسلم"(12/ 2 - 3) فهو قريب من هذا الكلام.
(4)
أخرجه البيهقي (10/ 252) عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما.
(5)
سنن الترمذي (1341) عن سيدنا عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما.
(6)
سنن الدارقطني (4/ 218 - 219) عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما.
(7)
أخرجه البخاري (4552).
ثم هذا الحديث قاعدةٌ عظيمةٌ من قواعد الشرع، وأصلٌ من أصول الأحكام، وأعظم مرجعٍ عند التنازع والخصام، كيف وقد علم منه أنه لا يُحكَم لأحدٍ بدعواه وإن كان فاضلًا شريفًا في حقٍّ من الحقوق وإن كان محتقرًا يسيرًا حتى يستند المدعي إلى ما يُقوِّي دعواه؟! وإلَّا. . فالدعاوى متكافئة، والأصل: براءة الذِّمم من الحقوق، فلا بد من دالٍّ على تعلُّق الحق بالذمة حتى تترجح به الدعوى.
* * *