الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع عشر [الأمر بالإحسان والرفق بالحيوان]
عَنْ أَبِي يَعْلَى شدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإذَا قَتَلْتُمْ. . فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ. . فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).
(عن أبي يعلى) ويقال: أبي عبد الرحمن (شداد بن أوس رضي الله عنه الأنصاري الخزرجي، ابن أخي حسان، قيل: وهو بدري، وهو غلط، وإنما البدري والده، قال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء: (كان شداد ممن أوتي العلم والحلم)(2).
سكن بيت المقدس، وأعقب بها، وتوفي سنة ثماني وخمسين، أو إحدى وأربعين، أو أربع وستين عن خمسٍ وسبعين سنة، ودُفن بها وقبره بظاهر باب الرحمة باقٍ إلى الآن.
روي له خمسون حديثًا، خرَّج له البخاري حديثًا، ومسلم آخر (3).
(عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إن اللَّه كتب) أي: طلب وأوجب؛ إذ الوجوب هو موضوع (كتب) عند أكثر الفقهاء والأصوليين، لكن المراد هنا: مطلق الطلب؛ لأنه أعم فائدةً، فالإحسان الواجب: أن يأتي بما وجب عليه من فعلٍ أو تركٍ
(1) صحيح مسلم (1955).
(2)
ذكره الإمام ابن عبد البر رحمه اللَّه تعالى في "الإستيعاب"(2/ 134).
(3)
وهو هذا الحديث.
مستوفيًا لشروطه، والمندوب: أن يأتي بمكملات الواجب وبالمندوب مع معتبراته ومكملاته.
(الإحسان) مصدر (أحسن) إذا أتى بالحسن؛ وهو: ما حسَّنه الشرع لا العقل، خلافًا للمعتزلة، كما هو مقررٌ في الأصول، والمراد به هنا: تحسين الأعمال المشروعة، لا مجرد الإنعام على الغير؛ لأن الأول أعم نفعًا، وأكثر فائدةً؛ لأن الإحسان في الفعل يعود منه نفع عليه وعلى غيره، فحق على من شرع في شيءٍ منها أن يأتي به على غاية كماله، ويحافظ على آدابه المصحِّحة والمكمِّلة له، وليحذر من أن تسوِّل له نفسُه أنه إذا فعل ذلك. . قلَّ عمله؛ لأنه وإن قلَّ يزيد به الثواب حتى يفوق مع قلَّته الكثير الذي لا إحسان فيه.
(على) أي: في أو إلى (كل شيءٍ) يُستثنى منه القديم سبحانه وتعالى؛ فإنه لا حاجة به إلى إحسان أحد؛ لاستغنائه بذاته عما سواه، والأعراض والجمادات لا يتأتَّى الإحسان إليها، فبقي النباتُ والحيوانُ آدميًا وغيره -والإحسان إليهما مُتَأَتٍّ، أما الثاني. . فواضح، وأما الأول. . فلنموِّه- والملائكةُ والإحسان إليهم بإحسان عشرتهم، بألَّا يفعل بحضرة الحفظة ما يكرهون، ولا يأكل ما يتأذَّون بريحه؛ لتأذِّيهم بما يتأذَّى به بنو آدم؛ كما في الحديث (1)، والجنُّ بنحو نيتهم بالسلام من الصلاة؛ فإنه يسنُّ للمصلي أن ينوي به مَنْ على يمينه أو يساره من ملائكةٍ ومؤمني إنسٍ وجنٍّ.
ويصل إليهم وإلى الملائكة إحسانٌ آخر من المصلي؛ فإنه إذا قال في التشهد: (وعلى عباد اللَّه الصالحين). . أصابتهما وغيرهما هذه الدعوة؛ كما في الحديث (2).
والإحسان لشياطينهم وكفارهم بالدعاء لهم ككفار الإنس بالإسلام.
قيل: ويخص من (كل شيءٍ) أيضًا: المؤذي من نحو الحشرات والسباع؛ فلا حظَّ لها في الإحسان. انتهى، وهو ممنوعٌ؛ إذ جواز قتلها، بل وجوبه، لا ينافي
(1) أخرجه مسلم (564)، وابن حبان (1644)، وابن خزيمة (1665) عن سيدنا جابر رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (831)، ومسلم (402) عن سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه.
الإحسان إليها بإحسان القتلة، وبالإطعام إن لم يجب قتلها فورًا؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:" في كل كبدٍ رطبة أجرٌ"(1).
قيل: ويجوز أن تكون (على) على بابها، والمعنى: أنه سبق من اللَّه تعالى تعبُّدٌ لعبده بالإحسان على كل شيءٍ، حتى إذا ذبح بسكينٍ غيرِ كالَّةٍ. . لم يضيع اللَّه ذلك له. انتهى، ولم يظهر من هذا التقدير أنها على بابها؛ فإنها فيه بمعنى (في) أيضًا.
نعم؛ يصح في تقريره أن يقال: المعنى: أن اللَّه تعالى طلب من عبده الإحسان حال كونه مستعليًا منه على كل شيءٍ أراد إيصاله إليه، فعبَّر عن مزيد الإحسان وعمومه للمحسن إليه باستعلائه عليه مبالغة في طلب كماله.
ثم رأيت بعضهم قال في جعلها على بابها: والتقدير: كتب الإحسان في الولاية على كل شيء، وما ذكرته أبلغ وأنسب بسياق الحديث، فتأمله.
ويصح في تقدير كونها على بابها أن يقال: المراد: أنه تعالى أوجب على كل شيءٍ أن يكون محسنًا؛ أي: بحسب ما يناسبه، كالتسبيح من الجماد.
(فإذا قتلتم) إنما فرَّع صلى الله عليه وسلم هذا والذي بعده على ما قبله، وخصَّهما بالذِّكر مع أن صور الإحسان لا تنحصر؛ لأنهما الغاية في إيذاء الحيوان، فإذا طلب الإحسان فيهما مع كونهما الغاية في الأَذى. . فما بالك بغير ذلك؟! فإنه أحرى أن يطلب فيه الإحسان.
أو أن سبب التخصيص رَدَّ ما كانت الجاهلية عليه من التمثيل في القتل بجاع الأنوف، وقطع الآذان والأيدي والأرجل، ومن الذبح بالمُدَى الكالَّة ونحوها مما يعذب الحيوان، ومن أكلهم المنخنقة وما ذكر معها في آية (المائدة) فنهى عن ذلك بقوله:(فأحسنوا القتلة) هي بكسر القاف: الهيئة والحالة، كالجِلسة، بخلافها بالفتح؛ فإنها المصدر، وأفاد الأمر وجوب إحسان ذلك في كل قتلٍ جائز، ذبحًا كان، أو قَوَدًا، أو حدًّا، أو غيره، فيكون بآلةٍ غير كالَّةٍ، مع السرعة وعدم قصد
(1) أخرجه البخاري (2363)، ومسلم (2244) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه.
التعذيب، فإن اقتص بآلةٍ كالَّة. . ضمن ما سرى منها؛ لتقصيره (1).
نعم؛ يراعى في القاتل الهيئة والآلة التي قتل بها، فيفعل به حيث أمكنت؛ طلبًا للمماثلة المبني عليها القودُ ما أمكن.
واحترزت بقولي: (حيث أمكنت) عن نحو القتل بلواطٍ وسحرٍ، فيعدل فيه إلى السيف؛ لتعذُّر المماثلة حينئذ.
(وإذا ذبحتم) ما يحل ذبحه من البهائم (فأحسنوا الدبحة) فيها -كسرًا وفتحًا- ما مر في (القِتلة)، وفي رواية:"الذبح" وهي التي في أكثر نسخ "صحيح مسلم"(2)، وهو المصدر لا غير، وإحسانه هنا بنحو ما مر، وبأن يرفق بالبهيمة، فلا يصرعها بعنفٍ وغلظةٍ، ولا يجرها إلى موضع الذبح. جرًا عنيفًا، وبإحداد الآلة، وتوجيهها إلى القِبْلة، والتسمية، ونية التقريب بذبحها إلى اللَّه تعالى، وقطع الحلقوم والمريء والودجين، والاعتراف إلى اللَّه تعالى بالمنَّة والشكر له على هذه النعمة العظيمة؛ وهي إحلاله وتسخيره تعالى لنا ما لو شاء. . حرَّمهُ وسلَّطه علينا (3).
ومن الإحسان إلى البهائم التي لا يراد ذبحها: عدم حسبها للقتل وغيره؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن صبر البهائم)(4) وهو: أن تُحبس البهيمة ثم تُضرب بالنبل ونحوه حتى تموت، وصح عنه أيضًا النهي، عن أن تُتَّخذ غرضًا (5)، وأن من فعل ذلك. . فهو ملعون (6).
ومن الإحسان إليها أيضًا: ألَّا تُحمَّل فوق طاقتها، ولا يستمر راكبها عليها وهي
(1) قوله: (ضمن ما سرى منها لتقصيره) محله: في قصاص الأطراف، أما قصاص النفس. . فلا ضمان فيه؛ لأنه يستحق إزهاق روحه. اهـ "مدابغي".
(2)
انظر "شرح النووي على مسلم"(13/ 107).
(3)
قال المناوي: (وما ذكره من عدِّ نيةِ التقرب بها، وشكر اللَّه تعالى إذا اضطر على ذلك من أفراد إحسان الذبحة: هو ما وقع للشارح الهيتمي وليس بقويم؛ لأن الكلام في إحسان هيئة الذبح كما تقرر، فلا دخل للنية وشكر اللَّه تعالى في هيئته وإن كان شكر المنعم بذلك واجبًا كما هو جليٌّ) انتهى، وأيضًا نية التقريب بالذبح خاصة بنحو الهدي والأضحية. اهـ هامش (غ)
(4)
أخرجه البخاري (5513)، ومسلم (1956) عن سيدنا أنس رضي الله عنه.
(5)
أخرجه مسلم (1957)، والترمذي (1475)، والنسائي (7/ 238) عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما.
(6)
أخرجه البخاري (5515)، ومسلم (1958) عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما.
واقفةٌ إلا لحاجة، ولا يحلب منها ما يضر ولدها، ولا يُشوى السمك والجراد حتى يموت.
وقد حكى ابن حزمٍ الإجماع على وجوب الإحسان في الذبحة.
وأسهل وجوه قتل الآدمي ضرب عنقه بالسيف، وورد في تحريم المثلة أحاديث كثيرة؛ منها:"من مثَّل بذي روحٍ ثم لم يتُب. . مثَّل اللَّه به يوم القيامة"(1)، وهو مخصوصٌ بغير القاتل الممثل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم (رضخ رأس يهوديٍّ بين حجرين)(2) لفعله ذلك بجارية من جواري المدينة.
وعن جمعٍ من السلف: أنَّ مَنْ قُتل لكفرٍ أو ردةٍ يمثَّل به بالحرق بالنار، وروي عن أبي بكر وخالد بن الوليد رضي الله عنهما وغيرهما شيء من ذلك (3)، وصح عن عليٍّ كرم اللَّه تعالى وجهه أنه حرَّق المرتدين، فأنكر ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما عليه (4).
وأصل ذلك: فعله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين حيث (قطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا)(5)، وفي رواية:(ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا)(6)، وفي أخرى:(وسُمِرت أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون)(7)؛ وذلك لأنهم قتلوا، وأخذوا المال، وارتدوا.
وأجيب بأن هذا كان قبل تحريم المثلة، وبأن أعينهم إنما سملت؛ لأنهم فعلوا ذلك بالرعاة؛ كما أخرجه مسلم (8)، وذكر ابن شهاب: أنهم قتلوا الراعي ومثلوا به،
(1) أخرجه الإمام أحمد (2/ 92) عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه البخاري (2413)، ومسلم (1672) عن سيدنا أنس رضي الله عنه. وهذا يخالف ما قدمه في شرح الحديث الرابع عشر (ص 312) من أنها (يهودية) بالتأنيث، وما هنا من الذكير موافقٌ لما في "شرح المسعودي" و"المناوي" وغيرهما، وهو الصواب. اهـ هامش (غ)
(3)
أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد"(5/ 314).
(4)
أخرجه ابن حبان (5606)، وأبو داوود (4351)، والترمذي (1458).
(5)
أخرجه مسلم (1671) عن سيدنا أنس رضي الله عنه. والسمل: أن تفقأ العين بمسمارٍ محميٍّ بالنار، وبنفس المعنى: وسُمِرت أعينهم.
(6)
عند مسلم (10/ 1671) عن سيدنا أنس رضي الله عنه.
(7)
عند البخاري (233)، ومسلم (1671/ 11) عن سيدنا أنس رضي الله عنه.
(8)
صحيح مسلم (1671/ 14) عن سيدنا أنس رضي الله عنه.
وابن سعد: أنهم قطعوا يده ورجله، وغرسوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات (1).
ويدل على النسخ أنه صلى الله عليه وسلم أمر بتحريق رجلين من قريش ثم قال: "كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا بالنار، وإن النار لا يعذب بها إلا اللَّه تعالى، فإن وجدتموهما. . فاقتلوهما" رواه البخاري (2).
(وليحد) بضم الياء مِن (أَحدَّ) السكين وحدَّدها واستحدَّها بمعنًى، وبفتحها مِن (حدَّ)(أحدكم شفرته) وجوبًا إن كانت كالَّةً بحيث يحصل للحيوان بها تعذيب، وإلَّا. . فندبًا، وهي السكين ونحوها مما يُذبح به، وشفرتُها: حدُّها، فسميت باسمه؛ تسميةً للشيء باسم جزئه.
وينبغي حال حدها أن يواريها عنها؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك. رواه أحمد وابن ماجة (3).
(وليرح) بضم أوله من (أراح): إذا جلب الراحةَ (4)، أو كان له دخل في حصولها بأيِّ وجهٍ كان.
(ذبيحته) بإمرار السكين عليها بسرعة، وبسقيها عند الذبح، وبالإمهال بسلخها حتى تبرد، وبألَّا يحد السكين بحضرتها كما مر.
وروى الخلال والطبراني: أنه صلى الله عليه وسلم مر برجلٍ واضع رجله على صفحة شاةٍ وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال:"أفلا قبل هذا، أتريد أن تميتها موتتان؟! "(5).
ولا يذبح أخرى قبالتها، وروى ابن ماجة: مر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
(1) الطبقات الكبرى (2/ 93).
(2)
صحيح البخاري (3016) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه. وفي هامش (أ): (بلغ مقابلة على نسخة المؤلف بمكة المشرفة).
(3)
مسند الإمام أحمد (2/ 108)، وسنن ابن ماجة (3172) عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
في بعض النسخ: (حصلت له)، وفي أخرى:(حصل له)، وما أثبت قال عنه العلامة المدابغي رحمه اللَّه تعالى:(هكذا في صحاح النسخ).
(5)
المعجم الكبير (11/ 263) عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما.
برجلٍ وهو يجرُّ شاةً بأذنها، فقال:"دع أذنها، وخذ بسالفتها"(1) أي: وهي مُقدَّم العنق.
وأخرج عبد الرزاق: أن شاةً انفلتت من جزارٍ حتى جاءت النبي صلى الله عليه وسلم، فاتَّبعها فأخذها يسحبها برِجْلها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"اصبرى لأمر اللَّه، وأنت يا جزار، فسُقْها للموت سوقًا رفيقًا"(2).
وأخرج أحمد: يا رسول اللَّه؛ إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها، فقال:"إِنْ رحِمْتَها. . رحمك اللَّه"(3).
وعطف هذا على ما قبله؛ لأنه لبيان فائدته؛ إذ الذبح بآلةٍ كالَّةٍ يعذب الذبيحة، فراحتها أن تذبح بآلةٍ ماضيةٍ موحيةٍ (4)، ومن ثَمَّ قال صلى الله عليه وسلم:"من ولي القضاء. . فقد ذُبح بغير سكين"(5) أي: فقد عرض نفسه لعذابٍ يجد فيه ألمًا كألم الذبح بغير سكين؛ أي: في أصل المشاركة؛ لظهور أن سائر عذاب الدنيا لا نسبة بينه وبين أدنى عذاب الآخرة.
والذبيحة: فعيلة بمعنى مفعولة، وتاؤها للنقل من الوصفية إلى الاسمية؛ لأن العرب إذا وصفت بـ (فعيل) مؤنثًا. . قالت: امرأة قتيل، وعين كحيل، وشاة ذبيح، فإذا حذفوا الموصوف. . أثبتوا التاء وقالوا: قتيلة بني فلان، وذبيحتهم؛ لعدم دالٍّ على التأنيث حينئذٍ، ويعرب حينئذٍ اسمًا مفعولًا به أو نحوه، لا صفة، فاتضح أن التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية.
(رواه مسلم) وهو قاعدة الدين العامة؛ فهو متضمنٌ لجميعه؛ لأن الإحسان في الفعل: هو إيقاعه على مقتضى الشرع كما مر، ثم ما يصدر عن الشخص من الأفعال إما أن يتعلَّق بمعاشه وهو سياسة نفسه، وبدنه، وأهله، وإخوانه، وملكه، وباقي
(1) سنن ابن ماجه (3171) عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
مصنف عبد الرزاق (8609) عن الوضين بن عطاء رحمه اللَّه تعالى.
(3)
مسند الإمام أحمد (3/ 436) عن سيدنا قرة بن إياس رضي الله عنه.
(4)
أي: مُسَرِّعة للموت.
(5)
أخرجه أبو داوود (3571)، والترمذي (1325) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه.
الناس، أو بمعاده وهو الإيمان الذي هو عمل القلب، والإسلام الذي هو عمل الجوارح، فمن أحسن في هذا كله، وأتى به على وفق السداد والشرع. . فقد فاز بكل خيرٍ، وسَلِم من كل ضير، ولكن دون ذلك خرط القتاد (1)، وبذل المُهَج وتقطُّع الأكباد.
قال الخطابي: (ولما كان العلماء ورثة الأنبياء، ومما ورثوه منهم تعليم الناس الإحسان، وكيفيته، والأمر به إلى كل شيءٍ. . ألهم اللَّه تعالى الأشياء الاستغفار للعلماء؛ مكافأةً لهم على ذلك؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن العالم ليستغفر له مَنْ في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف البحر") اهـ (2)
* * *
(1) الخرط: هو قشر العود بأن تضع يدك على أعلاه ثم تمرُّ بها عليه إلى أسفله، والقتاد: شجر له شوك كالإبر. وانظر "مجمع الأمثال" للميداني (1/ 634).
(2)
انظر "معالم السنن"(4/ 39). والحديث عند أبي داوود (3641)، والترمذي (2682)، وابن ماجه (223) عن سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه.