الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن والثلاثون [محبة اللَّه لأوليائه وبيان طريق الولاية]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا. . فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ. . كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيَ بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي. . لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي. . لأُعِيذَنَّهُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (1).
(عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه تعالى قال) علم به أن هذا من الأحاديث القدسية، ومر الكلام عليها مستوفى فراجعه (2).
(من عادى) من المعاداة ضد الموالاة، والعدو ضد الولي، والأنثى عدوة، وهو من النوادر؛ إذ فعول بمعنى فاعل لا تلحقه تاء؛ لاستواء المذكر والمؤنث فيه كصبور، وجمعه: عُدى بضم أوله وكسره، وعُداة بالضم لا غير.
وفي رواية: "من أهان"(3)(لي) متعلق بقوله: (وليًا) وهو: مَنْ تولَّى اللَّهَ بالطاعة والتقوى فتولاه اللَّهُ بالحفظ والنصرة، من الوَلْي؛ وهو القرب والدنو.
فالولي هنا: القريب من اللَّه تعالى؛ لتقربه إليه باتباع أوامره، واجتناب نواهيه،
(1) صحيح البخاري (6502).
(2)
انظر (ص 432).
(3)
عند الطبراني في "الكبير"(8/ 221) عن سيدنا أبي أمامة رضي الله عنه.
والإكثار من نوافل العبادات، مع كونه لا يفتر عن ذكره، ولا يرى بقلبه غيره؛ لاستغراقه في نور معرفته، فلا يرى إلا دلائل قدرته، ولا يسمع إلا آياته، ولا ينطق إلا بالثناء عليه، ولا يتحرك إلا في طاعته، وهذا هو المتقي؛ قال تعالى:{إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} .
(فقد آذنته بالحرب) أي: أعلمته بأني محاربٌ له، ونظيره:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، ويقرب منه:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآيةَ، ومَنْ حاربه اللَّه تعالى -أي: عامله معاملة المحارب من التجلي عليه بمظاهر القهر والجلال والعدل والانتقام-. . لا يفلح أبدًا، وهذا من التهديد في الغاية القصوى؛ إذ غاية تلك المحاربة الإهلاك، فهي من المجاز البليغ (1)، وكأن المعْنيَّ فيه: ما اشتملت عليه تلك المعاداة من المعاندة للَّه بكراهة محبوبه.
ومن ثم لما وقع ذلك لإبليس حين أبى عن السجود المأمور به لآدم. . أهلكه اللَّه هلاكًا لا شفاء له أبدًا، وفي ذلك إنذارٌ إلى كل من عادى وليًا له بأنه محاربه، فإذا أخذه على غرةٍ. . كان ذلك بعد الإعذار بتقديم الإنذار.
وفي رواية بدل هذا: "فقد استحلَّ محارمي"(2)، وفي أخرى:"فقد استحلَّ محاربتي"(3)، وفي أخرى:"فقد بارزني بالمحاربة"(4)، وفي أخرى:"فقد آذى اللَّه، ومن آذى اللَّه. . يوشك أن يأخذه" والكلام فيمن عادى وليًا من أجل ولايته وقربه من اللَّه تعالى، لا مطلقًا، فلا تدخل منازعته في محاكمةٍ أو خصومةٍ راجعةٍ لاستخراج حقٍّ أو كشف غامضٍ؛ لجريان نوعٍ ما من الخصومة بين أبي بكر وعمر، وعلي والعباس، وكثير من الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، مع أن الكل أولياء اللَّه تعالى.
(1) فاندفع به الاعتراض بأن المحاربة مفاعلة من الجانبين مع أن المخلوق في أسر الخالق، فكيف يحارب خالقه؟! وحاصل الجواب أمران: الأول: أن تلك المحاربة مجازية، فالمراد: المعاملة معاملة الحرب. الثاني: أن المراد بها: غايتها؛ وهو الإهلاك، فاطلق الحرب وأراد به لازمه مجازًا أيضًا، فهو على الأول من الاستعارة التمثيلية، وعلى الثاني مجاز مرسل. اهـ هامش (غ)
(2)
عند القضاعي في "مسند الشهاب"(1457) عن أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي الله عنها.
(3)
عند الإمام أحمد (6/ 256) عن أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي الله عنها.
(4)
عند القضاعي في "مسند الشهاب"(1456) عن سيدنا أنس رضي الله عنه.