المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فائدة [تأثير الرياء على ثواب الأعمال] - الفتح المبين بشرح الأربعين

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌عناية العلماء بـ "الأربعين النووية

- ‌ترجمة الإمام محيي الدين النووي رضي الله عنه للإمام محمد بن الحسن الواسطي الحسيني الشريف

- ‌اسمه ومولده ونشأته

- ‌شيوخه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته وتصانيفه

- ‌ترجمة الإمام الفقيه أحمد بن محمد ابن حجر الهيتمي المكي رحمه اللَّه تعالى

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم

- ‌شيوخه

- ‌مُقاساته في الطَّلب وخروجه إلى مكة

- ‌زملاؤه وأقرانه

- ‌تلامذته

- ‌مؤلفاته

- ‌وفاته

- ‌وصف النسخ الخطية

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌صور المخطوطات المستعان

- ‌[خُطْبَةُ الكِتَابِ]

- ‌[خطبة الأربعين النووية]

- ‌[روايات حديث: "من حفظ على أمتى أربعين حديثًا

- ‌تَنبيهَان

- ‌أحدهما [عدم التفرقة فيمن حفظ أربعين صحيحة وحسنة، وضعيفة في الفضائل]

- ‌ثانيهما [حفظ الأربعين مختصٌّ بالحديث الشريف]

- ‌[ذكر بعض من صنف أربعين حديثًا]

- ‌[بيان سبب تأليف "الأربعين" وشرطه فيها]

- ‌الحديث الأول [الأعمال بالنيات]

- ‌فائدة [تأثير الرياء على ثواب الأعمال]

- ‌الحديث الثاني [مراتب الدين: الإسلام والإيمان والإحسان]

- ‌تنبيه [تلازم مفهوم الإيمان والإسلام وتأويل ما ورد من تغايرهما]

- ‌الحديث الثالث [أركان الإسلام]

- ‌تنبيه [ثبوت عموم الحديث ووجوب تكرر الأركان من أدلة أخرى]

- ‌الحديث الرابع [مراحل خلق الإنسان وتقدير رزقه وأجله وعمله]

- ‌تنبيه [تعليق الطلاق على الحمل، ومتى تنفخ الروح]

- ‌الحديث الخامس [إنكار البدع المذمومة]

- ‌الحديث السادس [الابتعاد عن الشُّبهات]

- ‌الحديث السابع [النصيحة عماد الدين]

- ‌الحديث الثامن [حرمة دم المسلم وماله]

- ‌تنبيه [لزوم موافقة المجتهدين لأمر الإمام المجتهد العادل وحكمه]

- ‌الحديث التاسع [النهي عن كثرة السؤال والتنطُّع]

- ‌الحديث العاشر [كسب الحلال سبب لإجابة الدعاء، وأكل الحرام يمنعها]

- ‌تنبيه [علاقة انتفاء القبول بانتفاء الصحة]

- ‌الحديث الحادي عشر [من الورع توقي الشُّبَه]

- ‌الحديث الثاني عشر [ترك ما لا يعني والاشتغال بما يفيد]

- ‌تنبيه [تقسيم الأشياء مما يعني الإنسان وما لا]

- ‌الحديث الثالث عشر [من علامات كمال الإيمان حبُّك الخير للمسلمين]

- ‌الحديث الرابع عشر [حرمة المسلم ومتى تُهدر]

- ‌الحديث الخامس عشر [التكلم بخير وإكرام الجار والضيف من الآداب الإسلامية]

- ‌تنبيه [الصمت مطلقًا منهيٌّ عنه، والفرق بينه وبين السكوت]

- ‌الحديث السادس عشر [النهي عن الغضب]

- ‌تنبيه [الغضب للَّه محمودٌ ولغيره مذموم]

- ‌الحديث السابع عشر [الأمر بالإحسان والرفق بالحيوان]

- ‌الحديث الثامن عشر [حسن الخلق]

- ‌تنبيه [الأعمال الصالحة لا تكفر غير الصغائر، ووجوب التوبة من الصغيرة]

- ‌الحديث التاسع عشر [نصيحةٌ نبويةٌ لترسيخ العقيدة الإسلامية]

- ‌الحديث الموفي عشرين [الحياء من الإيمان]

- ‌الحديث الحادي والعشرون [الاستقامة لبُّ الإسلام]

- ‌الحديث الثاني والعشرون [دخول الجنة بفعل المأمورات وترك المنهيات]

- ‌الحديث الثالث والعشرون [من جوامع الخير]

- ‌الحديث الرابع والعشرون [آلاء اللَّه وفضله على عباده]

- ‌تنبيه [الدعاء بالهداية جائز ولو للمسلم]

- ‌فائدة [في الفرق بين القرآن والأحاديث القدسية، وأقسام كلام اللَّه تعالى]

- ‌الحديث الخامس والعشرون [التنافس في الخير، وفضل الذِّكر]

- ‌الحديث السادس والعشرون [كثرة طُرُق الخير وتعدُّد أنواع الصدقات]

- ‌الحديث السابع والعشرون [تعريف البر والإثم]

- ‌تنبيه [كيفية الاحتجاج بحديثٍ من كتب السنة]

- ‌الحديث الثامن والعشرون [السمع والطاعة والالتزام بالسنة]

- ‌قاعدة [في بيان كيفية أخذ الحكم]

- ‌الحديث التاسع والعشرون [طريق النجاة]

- ‌الحديث الثلاثون [الالتزام بحدود الشرع]

- ‌الحديث الحادي والثلاثون [الزهد في الدنيا وثمرته]

- ‌الحديث الثاني والثلاثون [لا ضرر ولا ضرار]

- ‌تنبيه [في المراد من حديث: "لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه في جداره

- ‌فائدة [في بيان مراتب الضرورات]

- ‌الحديث الثالث والثلاثون [أسس القضاء في الإسلام]

- ‌فائدة [فصل الخطاب]

- ‌الحديث الرابع والثلاثون [تغيير المنكر ومراتبه]

- ‌الحديث الخامس والثلاثون [أخوة الإسلام وحقوق المسلم]

- ‌الحديث السادس والثلاثون [قضاء حوائج المسلمين، وفضل طلب العلم]

- ‌الحديث السابع والثلاثون [عظيم لطف اللَّه تعالى بعباده وفضله عليهم]

- ‌تنبيه [في بيان قوله تعالى: {وَهَمَّ بِهَا}]

- ‌الحديث الثامن والثلاثون [محبة اللَّه لأوليائه وبيان طريق الولاية]

- ‌تنبيه [اقتراف المعصية محاربة للَّه عز وجل]

- ‌الحديث التاسع والثلاثون [رفع الحرج في الإسلام]

- ‌فائدة [في بيان سبب نزول آخر "سورة البقرة

- ‌فائدة أخرى [في بيان بطلان مذهب أهل التقية]

- ‌الحديث الأربعون [اغتنام الأوقات قبل الوفاة]

- ‌الحديث الحادى والأربعون [اتباع النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌الحديث الثاني والأربعون [سعة مغفرة اللَّه عز وجل]

- ‌[خَاتمَة الكِتَاب]

- ‌بَابُ الإِشَارَاتِ إِلَى ضَبْطِ الأَلْفَاظِ الْمُشْكِلَاتِ

- ‌في الخطبة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الخامس عشر

- ‌السابع عشر

- ‌الثامن عشر

- ‌التاسع عشر

- ‌العشرون

- ‌الحادي والعشرون

- ‌الثالث عشر

- ‌الرابع والعشرون

- ‌الخامس والعشرون

- ‌السادس والعشرون

- ‌السابع والعشرون

- ‌الثامن والعشرون

- ‌التاسع والعشرون

- ‌الثلاثون

- ‌الثاني والثلاثون

- ‌الرابع والثلاثون

- ‌الخامس والثلاثون

- ‌الثامن والثلاثون

- ‌الأربعون

- ‌الثاني والأربعون

- ‌فصل [المراد بالحفظ في قوله صلى الله عليه وسلم: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا

- ‌أَهَمُّ مَصَادِرِ وَمَرَاجْعِ التَّحْقِيقِ

الفصل: ‌فائدة [تأثير الرياء على ثواب الأعمال]

(فهجرته إلى ما هاجر إليه) عبر بـ (إلى) هنا وبـ (اللام) ثَمَّ؛ ليفيد أن من كانت هجرته لأجل تحصيل ذلك. . كان هو نهاية هجرته، لا يحصل له غيره، وإنما اتحد الشرط والجزاء لفظًا ثَمَّ (1) -تبركًا بذكر اللَّه ورسوله، وتعظيمًا لهما بتكراره، ولكونه أبلغ في الهجرة إليهما؛ إذ من يسعى لخدمة ملكٍ تعظيمًا له أَجْزلُ عطاءً ممَّن يسعى لينال كسرةً من مأدبته- لا هنا (2)؛ إظهارًا لعدم الاحتفال بأمرهما، وتنبيهًا على أن العدول عن ذكرهما أبلغ في الزجر عن قصدهما، فكأنه قال: إلى ما هاجر إليه، وهو حقيرٌ مهينٌ لا يجدي.

ولأن ذكرهما يستحلى عند العامة، فلو كرر. . ربما عَلِقَ بقلب بعضهم، فيهش له ويرضى به، ويظنه العيش الكامل، فضرب عنهما صفحًا؛ لإزالة هذا المحذور، وذَمُّ قاصد إحداهما (3) -وإن قصد مباحا- لأنه خرج لطلب فضيلة الهجرة ظاهرًا، وأبطن خلافه؛ فلذلك توجَّه عليه الذم، وأيضًا: أغراض الدنيا لا تنحصر (4)، فأتى بما يشملها، وهو ما هاجر إليه، بخلاف الهجرة إلى اللَّه ورسوله؛ فإنه لا تعدُّدَ فيها، فأُعيدا بلفظهما تنبيهًا على ذلك.

‌فائدة [تأثير الرياء على ثواب الأعمال]

العمل إما رياء محض (5)؛ بأن يراد به غرضٌ دنيويٌّ فقط ولو مباحًا، فهو حرامٌ لا ثواب فيه، وإما مشوب برياءٍ ولا ثواب فيه أيضًا، للخبر الصحيح:"من عمل عملًا أشرك فيه غيري. . فانا منه بريءٌ، هو للذي أشرك"(6) وحَمْلُ الغزاليِّ الإشراكَ

(1) أي: في قوله: "فمن كانت هجرته إلى اللَّه ورسوله. . . ".

(2)

أي: في قوله: "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها. . . ".

(3)

كلامٌ إضافيٌّ مبتدأ، خبره قوله: (لأنه خرج

إلخ) اهـ "مدابغي"

(4)

قوله: (وأيضًا) عطف على قوله: (إظهارًا لعدم الاحتفال. . . إلخ) اهـ "مدابغي"

(5)

أي: العمل غير الخالص للَّه تعالى. (محمد طاهر) اهـ هامش (غ)

(6)

أخرجه ابن ماجه (4202)، والإمام أحمد (2/ 435)، والطبراني في "الأوسط"(6525) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 133

فيه على المساواة محله في إشراك دنيوي لا رياء فيه (1)، على أن هذا لا يؤثر في منع الثواب مطلقًا؛ كما يدل عليه نص الشافعي والأصحاب: أن من حج بنية التجارة. . كان له ثوابٌ بقدر قصده الحج، كما بيَّنتُ ذلك مع هذه المسألة بما لم أُسبق إليه في "حاشيتي" على "إيضاح المصنف في المناسك"(2)، فعلم أن من قصد بجهاده إعلاء كلمة اللَّه تعالى ونيل نحو غنيمة. . نقص أجره، ولم يبطل؛ لخبر مسلم:"إن الغزاة إن غنموا. . تعجَّلوا ثلثي أجرهم، وإلَّا. . تمَّ لهم أجرهم"(3).

وبه يتبيَّن حمل الأحاديث الكثيرة المصرِّحة بأن إرادة المجاهد الدنيا تُحبط أجره على ما إذا تمحَّض الجهاد للدنيا، ومن عقد عملًا للَّه ثم طرأ له خاطرُ رياءٍ؛ فإن دفعه. . لم يضر إجماعًا، وإن استرسل معه. . ففيه خلاف، والذي رجَّحه أحمد وجماعةٌ من السلف ثوابه بنيته الأولى، ومحله: في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والحج، دون نحو القراءة، ففيه لا أجر فيما بعد حدوث الرياء.

ولو تمَّ عمله خالصًا فأُثني عليه ففرح. . لم يضر؛ لخبر مسلم: "تلك عاجل بشرى المسلم"(4).

(رواه إماما المحدثين) ورعًا وزهدًا واجتهادًا في تخريج الصحيح وإيداعه -دون غيره- كتابيهما، حتى ائْتمَّ بهما في ذلك الأئمة الذين حذوا حذوهما.

(1) انظر "إحياء علوم الدين"(4/ 384 - 385). قوله: (وحمل الغزالي. . . إلخ) حاصله: أن الشخص إذا أوقع عبادةً وشرك فيها بين دينيٍّ ودينونيٍّ. . فالذي رجَّحه ابن عبد السلام: أنه لا ثواب له مطلقًا عملًا بظاهر الخبر، واختار الغزالي اعتبار الباعث على العمل، قال: فإن كان الأغلب قصد الديني. . فله أجرٌ بقدره، أو الدنيوي أو تساويا. . فلا أجر له، وحمل الخبر على ما إذا غلب قصد الدنيوي أو تساويا، وظاهره: أن الحكم كذلك وإن وجد هناك رياء، مع أنه متى وُجِد في العبادة رياءٌ. . أحبط ثوابها وإن قلَّ الرياء، فإطلاقه ليس مسلَّمًا؛ ولهذا اعترض عليه الشارح، وحمل كلامه على ما إذا لم يكن المخالط الآخر رياءً؛ كما لو حج ناويًا مع حجه التجارة، أو المتوضئ ناويًا التبرُّدَ أو التنظُّفَ، ثم إن الشمس الرملي رحمه الله اعتمد كلام الغزالي مع الحمل المذكور، والشارح رحمه الله لم يعتمده، بل اعتمد أنه إذا لم يكن رياء. . يثاب بقدر قصد الديني وإن قلَّ؛ ولهذا استدرك عليه بقوله:"على أن هذا لا يؤثر. . . إلخ" اهـ "مدابغي"

(2)

انظر حاشية المؤلف المسماة: "منح الفتاح شرح حقائق الإيضاح"(ص 40 - 41).

(3)

صحيح مسلم (1906) عن سيدنا عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما.

(4)

صحيح مسلم (2642) عن سيدنا أبي ذر رضي الله عنه.

ص: 134

(أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة (1) بن بَرْدِزْبه) بموحدة مفتوحة، فمهملة ساكنة، فمهملة مكسورة، فزاي ساكنة، فموحدة مفتوحة، وهو بالعربية: الزراع (البخاري) الجُعفي، مولاهم (2)، كتب عن أحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين، وخلائق يزيدون على ألف، وروى عنه مسلم خارج "صحيحه" وأبو زرعة، والترمذي، وابن خزيمة، قيل: والنسائي.

ولد ثالث عشر شوال، سنة أربعٍ وتسعين ومئة، ومات ليلة السبت ليلة عيد الفطر سنة ستٍّ وخمسين ومئتين، ودفن بخرْتَنْك؛ قرية على فرسخين من سَمَرْقَنْد.

ومناقبه جمّةٌ أُفردت بالتآليف، وحُكي أنه عمي صبيًا، فرأى في نومه إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فتفل في عينيه، أو دعا له فأبصر، فمن ثَمَّ: لم يُقرأ كتابُه في كربٍ إلا فُرِّج.

(وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري) نسبةً إلى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، قبيلةٌ كبيرةٌ، وقُشير أيضًا بطنٌ من أسلم، منهم سلمة بن الأكوع رضي اللَّه تعالى عنه.

(النيسابوري) ولد سنة أربع ومئتين، ومات في رجب سنة إحدى وستين ومئتين، وأخذ عن أحمد وحرملة وخلائق، وروى عنه الترمذي حديثًا واحدًا (3).

([رضي الله عنهما] في "صحيحيهما")(4) المشهورينِ كنارٍ على علم، وهو -أعني الحديث المذكور- في سبع مواضع من "صحيح البخاري"(5).

(1) سقط من بعض النسخ قوله: (ابن المغيرة) وأثبتت من النسخ الأخرى ومن مخطوطات "الأربعين"، ولقد نبَّه العلامة المدابغي على ذلك رحمه اللَّه تعالى.

(2)

أي: مولى البخاري وآبائه إسماعيل وإبراهيم والمغيرة؛ لأن بردزبه كان فارسيًا على دين قومه، وأسلم ولده المغيرة على يد اليمان بن أخنس الجعفي فنُسب إليه ولاءً على مذهب من يرى أن من أسلم على يد شخصٍ. . كان ولاؤه له. ذكره القسطلاني [في "إرشاد الساري" (1/ 31)]. و (مولاهم) فاعل (الجعفي) فالجعفي: نعت سببيٌّ للبخاري، قرره شيخنا. اهـ "مدابغ"

(3)

وهو حديث سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أحصوا هلال شعبان لرمضان" انظر "سنن الترمذي"(687).

(4)

ما بين معكوفين ساقط من النسخ، ومثبت من نسخ المتن.

(5)

صحيح البخاري (1)، (54)، (2529)، (3898)، (5070)، (6689)، (6953)، وهو عند مسلم في موضع واحد (1907).

ص: 135

(اللذين هما أصح الكتب) بلا شكٍّ ولا مرية، كما أطبق عليه مَنْ بعدهما سيما المحدثون، حيث جعلوا الصحيح سبعة أقسام: ما اتفقا عليه، فما انفرد به البخاري، فمسلم، فما على شرطهما (1)، فما على شرط البخاري، فمسلم، فما صححه معتبرٌ وسَلِمَ عن المعارض.

وقول الشافعي رضي اللَّه تعالى عنه: (لا أعلم كتابًا بعد كتاب اللَّه تعالى أصح من "موطأ مالك" رضي اللَّه تعالى عنه)(2) إنما كان قبل ظهورهما، فلما ظهرا. . كانا بذلك أحق وأولى.

وللأئمة اختلافٌ طويلٌ في الترجيح بينهما، فالجمهور على أن ما أسنده البخاري في "صحيحه" -دون التعاليق والتراجم (3)، وأقوال الصحابة والتابعين- أصح مما في "مسلم" لأنه كان أعلم منه بالفن اتفاقًا، مع كونه تلميذه وخِريجه، ومن ثَمَّ قال الدارقطني:(لولاه. . ما راح مسلمٌ ولا جاء)(4).

وهذا وإن لم يلزم منه أرجحية المصنَّف، إلا أنها الأصل، وبعض المغاربة يعكس، ونقل عن ابن حزم، وعن أبي علي النيسابوري شيخ الحاكم، وعلَّله بعضهم بأنه ليس فيه بعد الخطبة غير الحديث السرد، وهو غير مجدٍ؛ إذ لا ارتباط لذلك بالأصحِّيَّة التي الكلام فيها على أن قول أبي علي:(ما تحت أديم السماء كتابٌ أصح من "كتاب مسلم")(5) ليس صريحًا في أصحيته على "البخاري"؛ لصدقه

(1) أقول: المراد بشرطهما: الرجالُ الذين اتفقا في الرواية عنهم، وشرط البخاري من انفرد بالرواية عنهم البخاري، وأما ما اشتهر من أن المراد بشرط البخاري ما هو معروفٌ عنه من اللُّقي والمعاصرة، وشرط مسلمٍ المعاصرة دون اللُّقي. . فلا تصح إرادته هنا؛ لأن شرطهما حينئذٍ متباينان، فيفوت قولهم في بعض الأحاديث: إنه على شرط الشيخين، وبعضها على شرط مسلم. اهـ هامش (غ)

(2)

أخرجه الخطيب في "الجامع"(1618)، وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 77).

(3)

التعاليق -جمع تعليق-: وهو حذف أول السند ولو إلى آخره مع صيغة الجزم. اهـ "مدابغي"

والتراجم: ما يذكر بعد لفظ (باب) أو (كتاب) بأن يقال: باب كذا، أو كتاب كذا، كما قال البخاري:(باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي) وساق بعده قصة الثلاثة الذين أَوَوا إلى كهفٍ فانحطت صخرةٌ وسدَّتْ بابه، فدعا كلٌّ بخالص عمله، فخرَّج عنهم بإسنادها مثلًا. فحرر غفر اللَّه لنا ولأساتيذنا؛ فإنه مما تنبهت عليه بقول العالم الكبير قربان علي الخرشي. (محمد طاهر) اهـ هامش (غ)

(4)

أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"(13/ 103).

(5)

أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"(13/ 102)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(14/ 274).

ص: 136

بالمساواة، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم:"ما أقلَّتِ الغبراء، ولا أظلَّتِ الخضراء أصدق لهجةً من أبي ذرٍّ"(1) فإنه ليس صريحًا في أنه أصدق العالم أجمع؛ لأن نفي أصدقية أحدٍ عليه لا يستلزم نفي مساواة غيره له في الصدق، وقيل: هما سواء.

وأقول: البخاري أرجح من حيث انفراده بدقة الاستنباط، والغوص على المعاني الغريبة، ومسلم أرجح من حيث جمع الطرق واستيفاؤها بحسب الإمكان، والإشارة إلى ما بينها مما تعظم فوائده عند أهل فن الحديث، وأما من حيث الصحة. . فلا شك أن البخاري فيها أرجح؛ لأن شرطه -وهو أنه لا بد من تحقُّقِ اللقي- آكد وأحوط من شرط مسلم، وهو الاكتفاء بإمكانه، وإن أطال في خطبة "صحيحه" في الرد عليه في اشتراطه ذلك.

ثم رأيت المصنف أشار للأول بقوله: ("كتاب البخاري" أكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة)(2)، والحافظَ أبا بكر الإسماعيلي صرَّح به فقال ما حاصله: إن مسلمًا رام ما رام البخاري؛ لكنه لم يضايق نفسه مضايقته، بل لم يبلغ أحدٌ مبلغه في التشديد، واستنباط المعاني، واستخراج لطائف فقه الحديث، وتراجم الأبواب الدالة على ما له وصلة بالحديث.

وغيرهما صرَّح بالثاني فقال: الإسناد الصحيح مداره على الاتصال وعدالة الراوي، و"كتاب البخاري" أعدل رواةً، وأشد اتصالًا.

وبيانه: أن الذي انفرد بالإخراج لهم دون مسلم أربع مئة وخمسةٌ وثلاثون رجلًا، المُتكلَّم فيه بالضعف منهم نحو الثمانين، والذين انفرد مسلم بهم ستُّ مئة وعشرون، المُتكلَّم فيه منهم مئةٌ وستون على الضِّعف، ولا شك أن من سلم من التكلم فيه رأسًا أقوى ممَّن تُكُلِّم فيه وإن لم يُعَوَّل على ما تكلَّم به فيه، على أن المتكلَّم فيهم في البخاري لم يكثر من تخريج أحاديثهم، بخلاف مسلم، وأيضًا أكثرهم شيوخه الذين هو أعرف بهم من غيره؛ لكونه لقيهم وخَبَرهُم وخَبَرَ حديثهم، وأما المتكلَّم فيهم في

(1) أخرجه ابن حبان (7132)، والحاكم (3/ 342)، والترمذي (3802) عن سيدنا أبي ذر رضي الله عنه.

(2)

شرح صحيح مسلم (1/ 14).

ص: 137

مسلم. . فأكثرهم من المتقدمين الذين لم يَخبُرهم.

وأيضًا فالبخاري غالبًا إنما يخرج للمتكلَّم فيهم في الاستشهاد ونحوه، بخلاف مسلم.

وأما ما يتعلق بالاتصال. . فمسلمٌ كان مذهبه -بل نقل فيه الإجماع في أول "صحيحه"- أن الإسناد المعَنْعَن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعِن والمعنعَن عنه وإن لم يثبت اجتماعهما (1)، والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرةً واحدةً (2).

ومن ثَمَّ قال النووي رحمه اللَّه تعالى: (وهذا المذهب يرجح "كتاب البخاري" وإن كنا لا نحكم على مسلم بعمله في "صحيحه" بهذا المذهب؛ لكونه يجمع طرقًا كثيرةً يتعذَّر معها وجود هذا الحكم الذي جوَّزه) اهـ (3)

وجمعه لتلك الطرق إنما هو غالبًا؛ ففيما لم يجمع فيه طرقًا جلالته قاضيةٌ بأنه إنما جرى على الأحوط من ثبوت الاتصال.

واقتفى المصنف رحمه اللَّه تعالى أثر إمامه الشافعي في قوله: (بعد كتاب اللَّه تعالى) فقال: (المصنفة) ليحترز بذلك عنه أيضًا (4).

* * *

(1) انظر مقدمة "صحيح مسلم"(1/ 29) وما بعدها.

(2)

انظر "مقدمة فتح الباري"(ص 11 - 12).

(3)

شرح صحيح مسلم (1/ 14).

(4)

مرَّ قريبًا قول الإمام الشافعي رحمه اللَّه تعالى في حق "موطأ الإمام مالك" رحمه اللَّه تعالى. وقوله: (فقال: "المصنفة") سقطت من بعض النسخ علمًا أنها من المتن، واللَّه أعلم.

ص: 138