الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع عشر [حرمة المسلم ومتى تُهدر]
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بإِحْدَى ثَلَاثٍ: الْثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالْتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (1).
(عِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا يحل) أي: لا يجوز، فلا ينافي وجوب القتل بإحدى الثلاث الآتية؛ لأن الجائز يصدق بالواجب (دم) أصله دميٌ؛ أي: إراقة دمِ (امرئٍ) يقال فيه أيضًا: مَرْءٌ، وهو للذكر، وخص بالذِّكر هنا وفي نظائره؛ لشرفه وأصالته، وغلبة دوران الأحكام عليه، وإلَّا. . فالأنثى كذلك من حيث الحكم.
(مسلم) وفي رواية: "يشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه" وهو صفةٌ كاشفةٌ، وخرج به الكافر الحربي، فيحل دمه مطلقًا، لكن إن كان بالغًا عاقلًا؛ لأنه لا شيء يخرجه عما اقتضاه هذا المفهوم، بخلاف الذِّمِّي.
(إلا بإحدى) خصالٍ (ثلاث) فيجب على الإمام القتل بها؛ لِمَا فيه من المصلحة العامة؛ وهي حفظ النفوس والأنساب والأديان.
(الثيب) أي: خصلته المفهومة من السياق، وهي زِناهُ؛ لتعذُّر إبداله مما قبله بدون هذا التقدير، وكذا يُقدَّر فيما بعده، وهو المحصن (2).
(1) صحيح البخاري (6878)، وصحيح مسلم (1676).
(2)
قوله: (الثيب) بالجر بدل مما قبله، ولا بد فيه وفيما بعده من مضافٍ محذوفٍ تقديره: (خصلة الثيبِ، =
والمراد به في هذا الباب: الحر، البالغ، العاقل، الواطئ أو الموطوءة في القُبل، في نكاحٍ صحيحٍ وإن حرم لنحو عدةِ شُبهةٍ، فلا يحصل بوطء أمته، ولا بوطءٍ في نكاحٍ فاسدٍ، ولا يشترط لإحصانه الإسلام، وذِكْره في هذا الحديث لا ينافي ذلك كما هو ظاهرٌ للمتأمل، فيرجم ذميٌّ ومرتدٌّ أُحصِنا وإن لم يرضَ الذميُّ بحكمنا. نعم؛ إن أسلم قبل رجمه. . سقط (1).
(الزاني) وهو: من أَوْلج أو أُولج فيه حشفة آدميٍّ أو قدرها في قُبل حرامٍ لعينه (2)، مشتهًى طبعًا، خالٍ عن شبهة الفاعل، والمحل، والطريق، وتفصيل ذلك مذكورٌ في الفروع (3).
ووطء الدبر كالقبل بل أغلظ، لكن حد المفعول به غير حليلة الفاعل الجلدُ والتغريب ولو محصنًا؛ لأنه لا يتصور الإحصان المشترط في الرجم في الدبر المفعول فيه.
والمراد بحل دم المحصن الزاني: أنه يجب رجمه بالحجارة حتى يموت، ولا يجوز قتله بغير ذلك إجماعًا (4).
(والنفس) يجوز تذكيرها وتأنيثها (بالنفس) بشروطه المقررة في محلها.
منها: أن يكون القتل عمدًا، محضًا، عدوانًا لذاته؛ بأن قصد آدميًا معينًا ولو بالعموم، بأن رمى إلى جماعةٍ قاصدًا أيَّ واحدٍ منهم -بخلاف قصد واحدٍ منهم مُبْهم؛
= وقصاص النفس بالنفس، وترك التارك لدينه) وبدون هذا التقدير يتعذَّر الإبدال؛ لأن الثيب وما بعده ليسوا نفس الخصال بل أصحاب الخصال، ويجوز منه على الخبر؛ أي: وهي، أو المبتدأ؛ أي: ومنها، والثاني أَولى، ويجوز نصبه على أنه مفعول لفعل محذوف كـ (أعني) اهـ "مدابغي".
(1)
اعتمده الشارح رحمه اللَّه تعالى في "التحفة"(9/ 114). قال العلامة الشرواني رحمه اللَّه تعالى في "حاشيته عليها"(9/ 114): (وفاقًا لـ "المغني"، وخلافًا لـ "النهاية" وعبارته: لم يسقط حده، وما ذكره المصنف في "الروضة" عن النص من سقوطه مفرعٌ على سقوط الحد بالتوبة، والأصح: خلافه. اهـ، وعبارة "سم": المعتمد عند شيخنا الشهاب الرملي: عدم السقوط).
(2)
خرج بقوله: (لعينه) الحرامُ لعارضٍ نحو حيضٍ ونفاسٍ، فلا يُحدُّ بوطء حليلته حالتئذٍ.
(3)
قوله: (خال عن شبهة الفاعل) كأن وطئ أجنبيةً يظنها زوجته أو أمته، و (المحل) كوطءِ الأمة المشتركة أو أمة ابنه (والطريق): بأن يكون حلالًا عند قومٍ حرامًا عند آخرين؛ كنكاح المتعة، والنكاح بلا ولي، فهي مسقطةٌ للحد. اهـ "مدابغي".
(4)
لأن القصد به: التنكيل بالرجم.
إذ لا عموم فيه- بما يَقتُلُ غالبًا جارحٍ أو مثقلٍ؛ للحديث الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم (رضَّ رأس يهوديةٍ رضَّتْ رأس جاريةٍ بين حجرين)(1) لإقرارها بذلك، لا لنقض عهدها، وإلَّا. . لم يرضَّ رأسها، بل كان يتعيَّن السيف.
ومنها: أن يكون القتيل معصومًا بإسلامٍ أو بأمان بذمةٍ أو غيرها، أو بضرب رِقٍّ على كافر.
ومنها: أن يكون القاتل مكلفًا، ملتزمًا لأحكام الإسلام.
ومنها: مكافأة المجني عليه للجاني من أول أجزاء الجناية رميًا أو جرحًا إلى الموت، فلا يقتل فاضلٌ بمفضول، بخلاف عكسه.
والمؤثر من الفضائل: الإسلام، والحرية، والأصالة، والسيادة، فلا يقتل مسلمٌ بأي كافرٍ عندنا كأكثر العلماء؛ لخبر البخاري:"لا يقتل مسلم بكافر"(2)، وخبرُ: أنه صلى الله عليه وسلم (قتل يوم خيبر مسلمًا بكافر). . منقطعٌ (3)، وغيره ضعيفٌ، ولا يصح في هذا غير خبر البخاري، فوجب الأخذ بعمومه؛ لأنه لم يعارضه شيء، ومن ثَمَّ قال كثيرون من أصحابنا: ينقض حكم حاكمٍ بقتله به.
ولا حرٌّ بمن فيه رِقٌّ بأي نوعٍ كان عندنا كأكثر العلماء أيضًا (4)؛ لأنه مالٌ متقومٌ فألحق بسائر الأموال، وخبر:"من قتل عبده قتلناه"(5). . منقطع؛ فإن الحسن راويَهُ لم يسمع من سَمُرة إلا حديث العقيقة.
ويقاد قِنٌّ بِقِنٍّ مطلقًا إلا ما ملكه؛ كمكاتبٍ بعبده ولو أباه، ويقاد فرعٌ بأصله، ومَحرَمٌ بمحرمه، لا أصلٌ بفرعه ولا له (6)؛ كقتل زوجة فرعه؛ لإرثه بعض القود
(1) أخرجه البخاري (2413)، إلا أن الذي فعل ذلك يهوديٌّ لا يهودية، والحديث عند مسلم (1672) عن سيدنا أنس رضي الله عنه بنحوه، وقد ذكره الشارح رحمه اللَّه تعالى في شرح الحديث السابع عشر، وفيه: أنه يهودي. انظر ما سيأتي (ص 344).
(2)
صحيح البخاري (111) عن سيدنا علي رضي الله عنه.
(3)
أخرجه أبو داوود في "المراسيل"(251).
(4)
قوله: (ولا حرٌّ) معطوف على قوله قبل أسطر: (فلا يقتل مسلم).
(5)
أخرجه أبو داوود (4515)، والترمذي (1414)، والنسائي (8/ 20) عن سيدنا سمرة رضي الله عنه.
(6)
أي: لا يقتل الأصل بقتل فرعه، أو ما كان للفرع كالزوجة، فالضمير في (له) عائد على قوله:(بفرعِهِ). قال الشافعي رضي الله عنه: لأنه كان سببًا في إيجاده، فلا يكون الولد سببًا في إعدامه. اهـ هامش (غ).
الذي على أبيه، فيسقط، وتفصيل هذه الجمل مذكورٌ في الفروع.
(والتارك لدينه) وهو الإسلام؛ لأن الكلام في المسلم، على أنَّ في رواية لمسلم:"التارك للإسلام"(1) بأن يقطعه عمدًا أو استهزاءً بالدين، ويحصل باطنًا باعتقاده ما يوجب الكفر وإن لم يظهره، وظاهرًا إما بفعلٍ كالسجود لمخلوقٍ، أو ذبحٍ على اسمه تقربًا إليه، وطرح نحو قرآنٍ، أو حديثٍ، أو علمٍ شرعي على مستقذرٍ ولو طاهرًا كبزاق، أو طرح المستقذر عليه، وطرح فتوى علمٍ على أرضٍ مع قوله:(أي شيءٍ هذا الشرع؟!).
وإما بقولٍ مع اعتقادٍ أو عنادٍ أو استهزاءٍ، وتفصيل ذلك في كتب الفروع، وقد استوفيتُه على المذاهب الأربعة في كتابي "الإعلام بما يقطع الإسلام" فانظره إن أردت أن تقف من هذا الباب على غرائب الفروع، وبدائع التحقيق والاستنباط.
وإذا حكمنا بردَّته بواحدٍ من هذه المذكورات ونحوها. . حكمنا بها باطنًا وإن كان مُصدِّقًا بقلبه؛ لأن ملحظ الإكفار بها دلالتها: إما على عدم الانقياد الباطن، وإما على تكذيب الشرع، وكلاهما كفرٌ وإن وجد في القلب تصديق كما مر ذلك مستوفًى في بحث الإيمان (2).
ولا يدخل في التارك لدينه انتقال الكافر من ملَّةٍ إلى أخرى؛ لأن الكلام في المسلم كما مر، ومن ثَمَّ كان الأصح عندنا: أنه لا يقتل، بل يبلغ مأمنه، ثم يصير كحربيٍّ، إن ظفرنا به. . قتلناه إن لم يسلم، أو يبذل جزية.
وأفهم الحديث وجوب قتل المرتدة كالمرتد، وهو مذهب الشافعي رضي اللَّه تعالى عنه وكثيرين، ويصرح به خبر:"من بدَّل دينه. . فاقتلوه"(3)، ودعوى تخصيصه بغيرها لا دليل عليها، ول انظر لكونها لا منعة فيها فلا يخشى منها إعانة الحربيين؛ لأنه منقوضٌ بنحو أعمى أو هَرِمٍ.
(1) صحيح مسلم (1676/ 26) عن سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه.
(2)
انظر ما تقدم (ص 153).
(3)
أخرجه البخاري (3017)، وأبو داوود (4351)، والترمذي (1458) عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما.
(المفارق) بقلبه واعتقاده، أو ببدنه ولسانه (للجماعة) المعهودين، وهم جماعة المسلمين؛ إما بنحو بدعةٍ كالخوارج المتعرضين لنا، أو الممتنعين من إقامة الحق عليهم المقاتلين عليه، وإما بنحو بغيٍ، أو حرابةٍ، أو صيالٍ، أو عدم ظهور شعار الجماعة في الفرائض، فكل هؤلاء تحلُّ دماؤهم بمقاتلتهم من أجل أنهم تركوا دينهم كالمرتد، لكنهم يفارقونه: بأنه بدَّل كل الدين، وهؤلاء بدَّلوا بعضه وإن كان كلٌّ منه ومنهم مفارقًا للجماعة.
فعُلم أن بين ترك الدين من أصله ومفارقة الجماعة عمومًا وخصوصًا مطلقًا؛ لأنه يلزم من الأول الثاني ولا عكس، وبين تركه لا من أصله ومفارقة الجماعة التساوي؛ لأنه يلزم من أحدهما الآخر، وأن هذا القسم الثالث؛ أعني التارك لدينه، المفارق للجماعة باعتبار ما قررناه فيه. . شاملٌ لِمَا عدا القسمين الأولين من كل من جاز قتله كتارك الصلاة، أو قتاله شرعًا بشروطه المقررة عند الفقهاء، وأن الحصر في الحديث حقيقيٌّ؛ إذ لا يشذُّ عنه شيءٌ بملاحظة ما قررناه، فاستفده ورُدَّ به على مَنْ زعم أن الحصر هنا غير حقيقيٍّ (1).
فإن قلت: يَرِدُ عليه خبر: "اقتلوا الفاعل -أي: اللائط- والمفعول به"(2) وأخذ به كثيرٌ كمالك وأحمد، فقالوا: إن اللواط يوجب القتل بكل حالٍ على المحصن وغيره.
قلت: لا يَرِدان؛ لدخولهما في الزاني؛ إذ حد الزنا شرعًا عندنا يشملهما كما يشمل الرجل والمرأة، وحينئذٍ فيستفاد من الحديث اشتراط الإحصان فيهما، ونحن نقول به في اللائط، وأما الملوط به. . فلا يقتل عندنا مطلقًا؛ إذ لا يتصور الإحصان منه بالفرج الملوط به؛ لاستحالة إباحته بنكاحٍ صحيحٍ.
وذهابُ جمعٍ إلى قتل مَنْ تزوج زوجة أبيه ولو غير محصن، وقتل الساحر، ومن
(1) في هامش (أ): (بلغ مقابلة على نسخة مؤلفه بمكة المشرفة).
(2)
أخرجه أبو داوود (4462)، والترمذي (1456)، وابن ماجه (2561) عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما.
وطئ بهيمةً، وشارب الخمر في المرة الرابعة، وغير ذلك. . لا يرد علينا (1)؛ لأنهم استندوا في ذلك إلى ما لا تقوم به الحجة من حديثٍ ضعيفٍ، أو منسوخٍ، أو محمولٍ على المُستحِلِّ، بدلائل أخر مقررة في محلها.
و (لام)"لدينه" وما بعده مزيدة للتأكيد والتقوية؛ لِتعدي (تَرَكَ) و (فَارَقَ) ونحو اسم فاعلهما إلى المفعول بلا واسطة، واستثناء الأولين من المسلم ظاهرٌ؛ لأنهما حيث لم يستحلا. . لا ينافيان الإسلام، واستثناء الثالث المزيل للإسلام منه إنما هو باعتبار أنه كان مسلمًا قبلُ، ففيه الجمع بين حقيقته ومجازه، وهو جائز، وقُبلت توبته -خلافًا لجمع- دونهما؛ لأن قتلهما بجريمةٍ مضت، فلا يمكن تلافيها بخلافه؛ فإنه لوصفٍ قائمٍ به حالًا، وهو تركه لدينه، فَبِعَوْدِه إليه انتفى ذلك الوصف.
(رواه البخاري ومسلم) وهو من القواعد الخطيرة؛ لتعلُّقه بأخطر الأشياء، وهو الدماء، وبيان ما يحلُّ منها وما لا يحل، وأن الأصل فيها: العصمة، وهو كذلك عقلًا؛ لأنه مجبولٌ على محبة بقاء الصور الإنسانية المخلوقة في أحسن تقويم، وشرعًا وهو ظاهرٌ ولو لم يكن من وعيد القاتل إلا قوله صلى الله عليه وسلم:"من أعان على قتل مسلمٍ بشطر كلمةٍ. . لقي اللَّه تعالى مكتوبًا بين عينيه: آيسٌ من رحمة اللَّه"(2).
وقد أجمع المسلمون على القتل بكل واحدةٍ من هذه الخصال الثلاثة، ومر في خبر:"أُمرت أن أقاتل الناس. . . " أن هذا الحديث ميينٌ لحق الإسلام المذكور فيه (3)؛ لأن العصمة الثابتة لمن نطق بالشهادتين إنما تُراعى ما دامت لم تُهتك، وهتكها إنما يتحقَّق بأحد هذه الثلاثة المذكورة في هذا الحديث، ومر في شرح ذلك الحديث بيانُ دلالته على قتل تارك الصلاة كسلًا، ومر قريبًا أن القسم الثالث هنا يشمله وإن لم نقل بكفره، وهو ما عليه أكثر العلماء، فاندفع زعم أن هذا الحديث يفيد عدم قتله، وقال أقلهم بكفره، وأطال إسحاق في الانتصار له وإيرادِ الأدلة عليه بما يرده: أنها جميعها محمولةٌ على المستحِل؛ جمعًا بين الأحاديث.
(1) قوله: (لا يرد) خبر قوله: (وذهاب جمع).
(2)
أخرجه ابن ماجه (2620)، والبيهقي (8/ 22)، وأبو يعلى في "مسنده"(5900) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
انظر ما تقدم (ص 259) وهو الحديث الثامن من أحاديث المتن.
ويؤيده: أنه صح في السُّنة إطلاق الكفر على معاصٍ كثيرةٍ؛ كإنكار النسب، وقتال المسلم (1)، واتفق الكل على تأويلها؛ لما ذكرناه، فكذا ما ورد في تارك الصلاة.
وزَعْمُ امتيازها بخصوصياتٍ لا يمنع ما قلناه؛ لأن موجب التأويل الجمع بين الأدلة المتعارضة في الصلاة وغيرها، فلم يكن حينئذٍ لافتراقها عن غيرها معنًى يوجبه.
وفي قتله إشكالٌ لإمام الحرمين ذكره بعض الشُّراح، وساق فيه ما لم يتحرر منه جواب، والإشكال: أنه لا يقتل إلا بعد خروج وقت الجمع، بأن يؤخِّر الظهر لما بعد الغروب، والمغرب لما بعد الفجر، وحينئذٍ يصير قضاء، وهو لا قتل به وإن تضيق (2).
وجوابه: أن قولهم: (لا قتل بالقضاء) محلُّه في قضاءٍ لم يؤمر بأدائه في الوقت، فهذا لا يقتل وإن امتنع من القضاء المضيق؛ لأنه لم يتحقق منه مراغمةٌ تامّةٌ للشرع؛ لأن خروجها عن وقتها شبهة ما في التأخير، بخلاف ما إذا أُمر بها في الوقت فامتنع؛ فإنه لاشبهة له في التاخير بوجهٍ، فتحققت منه مراغمة الشرع بالكلية، فقتل بعد خروج الوقت ما لم يبادر ويصلي.
وأجاب بعضهم بما لا يُجدي بل لا يصح؛ وهو أن العصمة في خبر: "أمرت. . . " السابق مشروطةٌ بثلاثة؛ منها إقامة الصلاة، ووجه عدم إجدائه: واضحٌ، وعدمِ صحته: أن الموقوفَ على الثلاثةِ المقاتلةُ، ولا يلزم من جوازها جواز القتل، ألا ترى أن مانعي الزكاة يقاتلون؟! بخلاف مَنْ تركها مِن غير قتال؛ فإنه لا يقتل.
* * *
(1) كحديث الترمذي (2634)، والنسائي (7/ 121) عن سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه:"قتال المسلم أخاه كفر، وسبابه فسوق".
(2)
أي: القضاء.