الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[روايات حديث: "من حفظ على أمتى أربعين حديثًا
"]
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهم مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَاتٍ بِرِوَايَاتٍ مُتنَوِّعَاتٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ حَفِظَ عَلَى أُمَّتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثًا مِنْ أَمرِ دِينِهَا. . بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي زُمْرَةِ الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ"، وَفِي رِوَايَةٍ:"بَعَثَهُ اللَّه تَعَالَى فَقِيهًا عَالِمًا"، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ:"وَكُنْتُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَافِعًا وَشَهِيدًا"، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ:"قِيلَ لَهُ: ادْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتَ"، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ:"كُتِبَ فِي زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ، وَحُشِرَ فِي زُمرَةِ الشُّهَدَاءِ"، وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَثُرَتْ طُرُقُهُ.
(أما بعد) كلمةٌ يؤتى بها للانتقال من أسلوبٍ إلى آخر، وأَتى بها تأسيًا به صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان يأتي بها في خُطَبه ونحوها كما صح عنه، بل رواه عنه اثنان وثلاثون صحابيًا (1).
والمبتدئ بها داوود عليه الصلاة والسلام، فهي فصل الخطاب الذي أُوتيه (2)؛ لأنها تفصل بين المقدمات والمقاصد والخُطب والمواعظ، أو قسٌّ، أو كعب بن
(1) وقد تتبع الحافظ عبد القادر الرهاوي رحمه اللَّه تعالى في خطبة "الأربعين" طرقَ الأحاديث التي وقع فها لفظ: (أما بعد) كما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى في "الفتح"(2/ 406). وانظر "تهذيب الأسماء واللغات"(3/ ق 1/ 29)
(2)
أخرج الطبراني في "الأوائل"(40) عن سيدنا أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول من قال: (أما بعد) داوود النبي عليه الصلاة والسلام، وهو فصل الخطاب".
لؤي، أو يعرب بن قحطان، أو سحبان بن وائل (1)، وعليها ففصل الخطاب الذي أوتيه داوود:"البينة على المدعي، واليمين على من أنكر"(2).
وفي (دالها) لغات، ليس هذا محل بسطها (3)، ولكون (أما) نائبةٌ عن اسم شرطٍ هو (مهما). . أجيبت بـ (الفاء) إذ التقدير: مهما يكن من شيءٍ بعد ما تقدَّم من الحمد والتشهد، والصلاة والسلام. . (فقد رَوَينا) النون لإظهار نعمة التلبُّس بالعلم المتأكد تعظيم أهله (4)؛ امتثالًا لقوله تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} مع الأمن من الإعجاب ونحوه، وإلا. . كان مذمومًا، وأيضًا: فالعرب -كما في "البخاري"- تؤكد فعل الواحد فتجعله بلفظ الجمع؛ ليكون أثبت وأوكد (5).
و (رَوَينا) بفتح أوَّليه مع تخفيف الواو عند الأكثر، من (روى): إذا نقل عن غيره، وقال جمعٌ: الأجود: ضم الراء وكسر الواو مشددةً؛ أي: روت لنا مشايخنا (6)؛ أي: نقلوا لنا فسمعنا.
(عن علي بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري) بالمهملة، ويروي، أيضًا -كما قاله المنذري وغيره- عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وأبي أمامة، وجابر بن سمرة، ونويرة، وسلمان الفارسي رضي الله عنهم من طرق كثيراتٍ برواياتٍ متنوعاتٍ: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: من حفظ) أي: نقل، وإن لم يحفظ اللفظ ولا عرف المعنى؛ إذ به يحصل انتفاع المسلمين، بخلاف
(1) قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(2/ 404): (والأول أشبه -أي: أنه داوود- ويجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة إلى الأولية المحضة، والبقية بالنسبة إلى العرب خاصةً، ثم يجمع بينها بالنسبة إلى القبائل).
(2)
عزاه الحافظ السيوطي رحمه الله تعالي في "الدر المنثور"(7/ 154) إلى الإمام ابن جرير والإمام البيهقي عن قتادة رحمهم الله، وأخرج نحوه عبد الرزاق في "المصف"(15190) عن شريح رحمه الله تعالي.
(3)
انظر "تهذيب الأسماء واللغات"(3/ ق أ/ 28 - 29).
(4)
قوله: (النون لإظهار) أي: الإتيان بالنون، وفيه مسامحة؛ فإن الضمير هو (نا) لا النون وحدها، فكان الأولى: أتى بضمير المعظم نفسه، أو بضمير العظمة. . . إلخ، فتأمل. اهـ "مدابغي"
(5)
ذكر ذلك الأمام البخاري رحمه اللَّه تعالى في"صحيحه"في (كتاب التفسير)، باب تفسير {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} .
(6)
في بعض النسخ: (رووا لنا مشايخنا) وهي على لغة: (أكلوني البراغيث) وفي أخرى: (روَّانا مشايخنا) وما أُثبت هو اللغة الجادة كما في عدة نسخ، واللَّه أعلم.
حِفظ ما لم يُنقل إليهم، قاله المصنف رحمه اللَّه تعالى (1).
(على أمتي أربعين حديثًا من) تبعيضية (أمر) شأن (دينها. . بعثه اللَّه تعالى يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء) واعترض تفسيره الحفظَ بما ذكر بأن البعث في زمرة الفقهاء والعلماء يستدعي حفظ المعاني؛ إذ لا يُسمَّى فقيهًا عالمًا إلا به.
وقد يُجاب بأن بَعْث الحافظ في زمرتهم لا يستدعي أنه مساوٍ لهم، بل يكفي أنه منسوبٌ إليهم نسبةً ما، ألا ترى أن المرء يحشر مع من أحب وإن لم يعمل بعملهم (2)، ولا شك أن الناقل المذكور منسوبٌ إليهم كذلك فحشر معهم.
ولا يعترض عليه أيضًا بتفسير البخاري (أحصاها) في حديث: "إن للَّه تسعةً وتسعين اسمًا، من أحصاها. . دخل الجنة" بمن حفظها مستظهرًا (3)؛ لأن المدار ثَمَّ على التبرُّك بذكرها، والتعبُّد بلفظها، ولا يتمُّ ذلك إلا بحفظها عن ظهر قلب، والمدار هنا على نفع المسلمين، وهو لا يحصل إلا بالنقل، بخلاف مجرد الحفظ من غير نقلٍ؛ فإنه لا نفع لهم به، فلم يشمله الحديث؛ إذ المقرر: أنه يجوز أن يستنبط من النص معنًى يخصصه، على أن أصل الحفظ: ضبط الشيء ومنعه من الضياع.
فمن حفظ الأربعين في كتابه، ثم نقلها إليهم. . دخل في ذلك الوعد وإن لم يحفظها عن ظهر قلب، ومن حفظها بقلبه ولم ينقلها. . لم يشمله الوعد، قيل: وإن كتبها في عشرين كتابًا، وفيه نظر؛ لأن كتابتها نقلٌ لها.
ثم نقلها إن كان بطريق استخراجها وتدوينها كما فعل البخاري ومسلم ومن شابههما. . كان مقتضيًا لدخول فاعله في ذلك الوعد السابق بلا توقف، وإن كان بأخذها من
(1) ذكره المصنف رحمه اللَّه تعالى في آخر "الأربعين" في (باب الإشارات إلى ضبط الألفاظ المشكلات) انظر (ص 647) آخر هذا الكتاب.
(2)
أخرج مسلم في "صحيحه"(2639/ 163) عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه؛ متى الساعة؟ قال: "وما أعددت للساعة؟ " قال: حب اللَّه ورسوله، قال:"فإنك مع من أحببت" قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحًا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإنك مع من أحببت"، قال. أنس: فأنا أحب اللَّه ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم.
(3)
أخرجه البخاري (7392)، ومسلم (6/ 2677) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، وفسر الإمام البخاري رحمه اللَّه تعالى عقبه قوله تعالى:{أَحْصَيْنَاهُ} بـ (حفظناه)، وللمزيد انظر "شرح صحيح مسلم"(17/ 5).