الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومحبة ما يبغضه اللَّه تعالى وعكسه ونحو ذلك؛ أي: وعليه حمل ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما (1): {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} أي: كعامة السلف من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، كما قاله القاضي عياض.
وبقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} الآيةَ على تفسير الإلحاد بالمعصية.
قال: ثم إن التوبة واجبةٌ فورًا، ومن ضرورتها العزم على عدم العود، فمتى عزم عليه قبل أن يتوب منها. . فذلك مضادٌّ للتوبة فيؤاخذ به بلا إشكال، وهو الذي قاله ابن رزين.
ثم قال في آخر جوابه: والعزم على الكبيرة وإن كان سيئة فهو دون الكبيرة المعزوم عليها، ولا ينافي ما تقرر ما روي عن الحسن في الحسد، وسفيان في سوء الظن بالمسلم أنه إذا لم يصحبه قولٌ أو فعلٌ. . فهو معفوٌ (2)؛ لأن ذلك محمولٌ على ما يجده الشخص من نفسه بالجِبلة مع كراهته له ودفعه عن نفسه ما أمكنه.
وأغفل السبكي قولًا ثالثًا، وهو أنه يؤاخذ بالهم بالمعصية في حرم مكة دون غيرها، وروي عن ابن مسعود من قوله موقوفًا مرةً ومرفوعًا أخرى، قيل: والموقوف أصح، ونقله بعض أصحاب أحمد عنه.
تنبيه [في بيان قوله تعالى: {وَهَمَّ بِهَا}]
لم يقع من يوسف صلى اللَّه على نبينا وعليه وسلم همٌّ بمعصيةٍ على ما قاله ابن أبي حاتم ومن وافقه، ومعنى الآية عندهم:{وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} أي: لولا رؤية البرهان. . لهَمَّ، لكنه لم يَهُمَّ؛ لأنه رآه، وعلى المشهور في الآية: فالهمُّ الواقع منه بمعنى حديث النفس المغفور.
(1) أي: على العزم والتصميم. اهـ هامش (ج)
(2)
في بعض النسخ: (فهو مغفورٌ).
(رواه البخاري ومسلم [في "صحيحيهما"] بهذه الحروف)(1) وفي رواية لمسلم بعد (واحدة): "ومحاها اللَّه، ولا يهلك على اللَّه إلا هالك"(2) أي: لا يهلك بعد هذا الفضل العظيم بتلك المضاعفة وبذلك التجاوز إلا من ألقى بيده إلى التهلكة، وتجرَّأ على السيئات، وأعرض عن الحسنات؛ ولهذا قال ابن مسعود:(ويلٌ لمن غلبت وَحَداته عشراته) وجاء مرفوعًا: "هلك من غلب واحده عشرًا"(3).
وأخرج أحمد: "لا يدع أحدكم أن يعمل للَّه ألف حسنة حين يصبح، يقول: سبحان اللَّه وبحمده مئة مرة؛ فإنها ألف حسنة، فإنه لن يعمل إن شاء اللَّه مثل ذلك في يومه من الذنوب ويكون ما عمل من خيرٍ سوى ذلك وافرًا"(4).
ثم هذا الحديث حديثٌ شريفٌ عظيمٌ، جامعٌ لأصناف الخير ومقادير الحسنات والسيئات، بيَّن فيه صلى الله عليه وسلم عن ربه ما تفضَّل اللَّه تعالى به على عبيده بما سبق تقريره، وفيه تصحيحٌ للقول بأن الحفظة تكتب ما يَهُمُّ العبد به من حسنةٍ أو سيئة، وأنهم يعلمون منه ذلك، وردٌّ على من زعم أنهم إنما يكتبون ما ظهر من عملٍ أو قولٍ، واستدلوا له بشيءٍ رُوي عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها.
والصواب: ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنهم يكتبون الهم، واطلاعهم عليه إما بإلهامٍ أو بكشفٍ عن القلب وما يحدث فيه، كما يقع لبعض الأولياء، أو بريحٍ يظهر لهم من القلب (5).
(فانظر) من النظر بمعنى إعمال الفكر، ومزيد التدبر والتأمل.
(يا أخي) نداءُ تعطُّفٍ وشفقة؛ ليكون أدعى إلى الامتثال والقبول؛ قال اللَّه تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .
(1) ما بين معكوفين سقط من نسخ الشرح، وهو مثبت من نسخ المتن.
(2)
صحيح مسلم (131/ 208) عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
انظر "جامع العلوم والحكم"(2/ 328).
(4)
مسند الإمام أحمد (5/ 199) عن سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه.
(5)
قوله: (أو بريح يظهر لهم من القلب) فريح الحسنة طيبةٌ، وريح السيئة خبيثةٌ تمتاز بها، ويظهر أن الريح مختلف الأنواع، وأن لكل معصية ريحًا خبيثة تمتاز بها وكذلك الحسنات. اهـ "مدابغي"
(وفقنا اللَّه) أي: أقدرنا اللَّه تعالى على الطاعة بخلق قدرتها فينا (وإياك) بدأ بنفسه عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسك"(1) ثم أدرج معه من هو كنفسه من أحبابه وأصدقائه، فالنون للجمع، أو للعظمة مشيرة إلى تعظيم ما أنعم اللَّه تعالى به عليه، لا لعظمة نفسه من حيث هي.
(إلى عظيم لطف) أي: رفق (اللَّه تعالى) بعبيده حيث أعظم التفضل عليهم بأن جعل الهم بالحسنة وإن لم تعمل حسنةً كاملة، وبالسيئة إذا تركت كذلك، وإلَّا. . فواحدة، والحسنة إذا عملت عشرًا إلى ما لا قدرة لمخلوقٍ على حصره؛ كما مر.
(وتأمل هذه الألفاظ) النبوية الصادرة من ينبوع الحكمة، ومادة الحياة الأبدية.
(و) من جملة ما ينبغي تأمله: (قوله) في الحسنة: كتبها اللَّه (عنده) فإنه (إشارة إلى) مزيد (الاعتناء بها) لما مر أنها عندية شرفٍ ومكانةٍ.
(و) من جملة ذلك أيضًا: (قوله) في الأول: حسنة (كاملة) فإنه (للتأكيد) ردًا لما يتوهم مما مر (وشدة الاعتناء بها، وقال في السيئة التي همَّ بها ثم تركها: كتبها اللَّه حسنة كاملة، فأكدها بكاملة) ردًا لنظير ما مر.
(و) قال: (إن عملها. . كتبها اللَّه سيئةً واحدةً، فأكَّد تقليلها بواحدة، ولم يؤكدها بكاملة) إشارة إلى مزيد العناية بعبيده، والإنعام عليهم بغايات التفضُّل ونهايات الرفق والمسامحة، وإلى أن مقام الفضل أوسع من مقام العدل؛ كما دلَّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"إن اللَّه تعالى كتب كتابًا فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي"(2)، "ولا يهلك على اللَّه إلا هالكٌ" أي: أن من سمع بهذا الفضل العظيم منه تعالى لعباده، ثم جبن عن متاجرته أو شحَّ عن الإنفاق في سبيله. . فإنه هالكٌ غير معذور، أو المراد: لا يعاقب مع هذه المسامحة العظيمة إلا مفرطٌ غاية التفريط.
(فلله) دون غيره (الحمد) على هذا الفضل العظيم (والمنَّة) أي: النعمة
(1) أخرجه مسلم (997) عن سيدنا جابر رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (3194)، ومسلم (2751) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه.
الثقيلة بما منحه لعبيده من آثار ذلك الفضل العظيم، وحباهم به من عدم معاملتهم بظاهر العدل.
(سبحانه) أي: أُنزهه -بمعنى أعتقد تنزيهه- عن كل وصفٍ لا يليق بعلياء كماله الأعظم (لا نحصي) معشر الخلق (ثناءً عليه) في مقابلة نعمةٍ واحدةٍ من نعمه؛ لما يقترن بها من النعم التي لا تُحصى (1)، والألطاف التي لا تستقصى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} وإذا عجزنا عن إحصاء نعمه. . فنحن عن الثناء عليها أعجز.
(وباللَّه) تعالى لا بغيره (التوفيق) إلى مرضاته، وفهم حكمه وأسراره، وإدامة الثناء عليه بما هو أهله، ومن ثم ورد في:"يا ربنا؛ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك" ما معناه: أن اللَّه تعالى يقول للملائكة: دعوا لي كتابة هذا؛ فإنكم تعجزون عن إحصاء ما يقابلها (2).
* * *
(1) في (غ): (لما تقرر من النعم التي. . .)، وسقطت كلمة:(بها) من أكثر النسخ.
(2)
أخرجه ابن ماجه (3801) عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما.