الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس والعشرون [التنافس في الخير، وفضل الذِّكر]
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَيْضًا: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالوا لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ ذَهبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالأُجُورِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ:"أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟! إِنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟! قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟! فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ. . كَانَ لَهُ أَجْرٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).
(عن أبي ذر رضي اللَّه) تعالى (عنه أيضًا: أن ناسًا من أصحاب)(2) هو كصحابة -بفتح أوله وقد يكسر- وصُحْبان، وصِحَاب، جمع صاحبٍ بمعنى الصحابي؛ وهو: من اجتمع بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم بعد النبوة وقبل وفاته مؤمنًا به، ومات على ذلك وإن لم يره؛ ليدخل الأعمى نحو ابن أم مكتوم، كان لم يروِ عنه وإن لم يجتمع به إلا لحظة، سواء كان من الإنس أو من غيرهم، وتُعرف الصُّحبة بنحو استفاضةٍ، وقولِ صحابيٍّ آخر، وكذا بقوله نفسه إذا كان عدلًا (3).
(1) صحيح مسلم (1006).
(2)
سقطت كلمة: (أيضًا) من النسخ كلها إلا من (ح) وهي موجودةٌ في نسخ المتن.
(3)
كمحمود بن الربيع رضي الله عنه؛ فإنه مجَّ في وجهه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم -وهو ابن خمس سنين- مجةً من ماءٍ من دلوٍ يمازحه بها، فكان محمود يذكر ذلك، فعُدَّ به من الصحابة. (محمد طاهر) اهـ هامش (غ)
والتابعي: هو الذي رأى صحابيًا وجالسه، والفرق: أن اجتماع لحظةٍ معه صلى اللَّه عليه وسام تُفيد مَنْ حصلت له مِن انشراح الصدر، وحقائق القرب، وغرائب العلم والحكمة؛ كما هو مشاهدٌ في الصحابة ما لا يفيد عُشْرَ معشارها صحبةُ غيره -وإن جلَّ قدره واتسع علمه- سنين.
واعلم: أن الذي عليه معظم أهل الحق والسُّنة أن الصحابة كلَّهم عدولٌ، لأن اللَّه تعالى زكَّاهم وشهد لهم بالصدق والنجاة في آيٍ كثيرةٍ من كتابه العزيز، وقد بسطتُ ذلك بأدلته الواضحة الجلية في كتابي "الصواعق المحرقة لإخوان الشياطين والابتداع والضلال والزندقة" فانظره؛ فإنه مهمٌّ، وما أظن أنه صُنِّف مثله في بابه من إثبات حقيَّه خلافة الصديق رضي اللَّه تعالى عنه وفروعها من خلافة عمر، ثم عثمان، وإمارة علي (1)، ثم الحسن رضي اللَّه تعالى عنهم، وإثبات فضائلهم على هذا الترتيب، واستقصاء ما ورد منها، ثم فضائل أهل البيت، وما اختصوا به، وما امتُحِنوا به، مستقصاةً أتم استقصاءٍ، ثم فضائل الصحابة، وحكم ما جرى بينهم، واختلاف الناس في يزيد، وما يتعلَّق بأطراف ذلك مما ينشرح له الصدر، وتقرُّ به العين، أسأل اللَّه تعالى قبوله، آمين.
(رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي) بالهمز من (النبأ) وهو الخبر؛ لأن النبي مخبرٌ عن اللَّه تعالى (2)، وبتركه من (النبا) مسهَّلًا (3)، أو من (النَّبْوَة)، وهي الرفعة؛ لأن النبي مرفوع الرتبة على غيره، والنبوة أعم من الرسالة، والرسالة أفضل منها، كما مرَّ تحقيق ذلك أول الكتاب (4).
صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللَّه؛ ذهب أهل الدثور) بضم الدال وبالمثلثة،
(1) في (غ): (وخلافة علي) وقال العلامة المدابغي رحمه اللَّه تعالى: قوله: (وإمارة علي) الظاهر: أن التعبير بالإمارة بعد الخلافة تفنن، فليتأمل.
(2)
قوله: (مخبِر) بكسر الباء: اسم فاعل، أو مخبَر بفتحها اسم مفعول؛ لأنه أخبره جبريل. اهـ هامش (ج)
(3)
قال الشيخ الشبرخيتي رحمه اللَّه تعالى في "الفتوحات الوهبية"(ص 219): (ونهيه صلى الله عليه وسلم عن المهموز بقوله: "لا تقولوا: يا نبيء اللَّه -بالهمز- بل قولوا: يا نبي اللَّه" أي: بلا همز؛ لأنه قد يرى بمعنى الطريق، فخشي صلى الله عليه وسلم في الابتداء سبق هذا المعنى إلى بعض الأذهان، فنهاهم عنه، فلما قوي إسلامهم، وتواترت به القراءات. . نُسخ النهي عنه؛ لزوال سببه).
(4)
انظر ما تقدم (ص 84).
جمع (دَثْر) بفتح فسكون؛ وهو: المال الكثير، يقال: مال دَثْر، ومالان دَثْر، وأموال دَثْر.
(بالأجور) الكثيرة لكثرة أعمالهم؛ فإنهم (يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم) أي: بأموالهم الفاضلة عن كفايتهم، وقيَّدوا بذلك؛ بيانًا لفضل الصدقة؛ فينها بغير الفاضل عن الكفاية إما مكروهةٌ، أو محرمةٌ، على التفصيل المقرر فيها في الفقه (1)، وقولهم ما ذُكر ليس حسدًا، بل غبطةً وطلبًا للمنافسة فيما يتنافس فيه المتنافسون من طلب مزيد الخير ومنتهاه؛ لشدة حرصهم على الأعمال الصالحة، وقوة رغبتهم في الخير؛ قال اللَّه تعالى:{تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} .
ولمَّا فهم منهم صلى الله عليه وسلم ذلك. . (قال) لهم جوابًا وتطمينًا لخاطرهم وتقريرًا؛ لأنهم ربما ساووا الأغنياء: (أَوَليس) أي: أتقولون ذلك؟! أي: لا تقولوه؛ فإنه (قد جعل اللَّه) سبحانه وتعالى (لكم ما تصَّدَّقون) بتشديد الصاد، كما هو الروابة؛ أي: تتصدقون به، أُدغمت إحدى التاءين بعد قلبها صادًا في الصاد، وقد تحذف إحداهما فتخفف الصاد.
(إن) لكم (2)(بكل تسبيحةٍ) أي: قول: سبحان اللَّه؛ أي: بسببها؛ كقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ولا ينافيه خبر: "لن يدخل أحدكم -وفي رواية: أحدٌ منكم- الجنة بعمله. . . " الحديث (3):
(1) وهو أنها مكروهةٌ في حق من صبر، ومحرمةٌ في حق من لم يصبر. اهـ "مدابغى"
(2)
قوله: (إن لكم) قال الشيخ المناوي: هكذا قدَّره الشارح الهيتمي، وظاهره: أن الفضل المرتب على الأذكار الآتية يخصُّ لفقراء دون غيرهم من الأغنياء، واغتر في ذلك ببعض المتكلمين عليه "البخاري"، وما درى أنه قد تكفَّل بعض المحققين بردِّه، وقال: إنه غفلةٌ عن قوله في نفس حديث البخاري: (إلا من صنع مثل ما صنعتم) فجعل الفضل لقائله كائنًا من كان، فالأولى: تقدير ما يناسب العموم. انتهى بحروفه، وإنما كان ظاهره ما ذكر؛ لأن الفرض أن (لكم) خبر (إن) مقدمًا، و (صدقة) اسمها مؤخرًا، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الاختصاص والحصر، والمعنى: لكم لا لغيركم، تأمل. ثم قرأت عبارة المناوي على شيخنا فقال: الخبر هنا حقه التقديم لدفع توهم الصفة فلا يفيد الحصر، فليراجع. اهـ "مدابغي"
(3)
أخرجه البخاري (5673)، ومسلم (2816) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
إما لأن الآية فرب نيل الدرجات، فهي بسبب الأعمال وتفاوتها، والحديث في أصل دخول الجنة، فهم بمحض الفضل؛ إذ لا يكافئه عملٌ.
وإما لأن الإسلام هو المتكفِّل بدخول الجنة، وهو محمل الآية، وبقية الأعمال سببٌ في نيل درجاتها لا في دخولها، وهو محمل الحديث.
وإما لأن واحدًا منهما ليس سببًا لدخولٍ ولا نيلٍ لذاته، وهو محمل الخبر، بل لتفضل اللَّه تعالى علينا بجعله سببًا، وهو محمل الآية.
(صدقة) اسمها (1) و (بكل) متعلق الخبر المحذوف، وليس بخبر؛ لعدم الفائدة.
(وكل تكبيرة)(2) أي: قول: اللَّه أكبر (صدقة) برفعه كالذي بعده استئنافًا، وبنصبه عطفًا على (صدقة).
(وكلِّ) بكسر اللام (تحميدة) أي: قول: الحمد للَّه (صدقة، وكل تهليلة) أي: قول: لا إله إلا اللَّه (صدقة، وأمرٌ) سوغ الابتداء به عمله في الظرف، وكذا (نهيٌ) ونُكِّرا إيذانًا بأن كل فردٍ من أفرادهما صدقة، ولو عُرِّفا. . لاحتمل أن المراد جنسهما، أو معهودٌ منهما، فلا يفيد النص على ذلك.
(بالمعروف) عرَّفه إشارةً إلى تقرُّره وثبوته، وأنه مالوفٌ معهودٌ (صدقة، ونهيٌ عن منكرٍ) نكَّره إشارة إلى أنه في حيز المعدوم أو المجهول الذي لا إلف للنفس به (صدقة) بشروطه المقررة في الفقه؛ ومنها: أن يكون مجمعًا على وجوبه أو تحريمه، أو أن يَعلم مِن الفاعل اعتقادَ ذلك حال ارتكابه بخلافه (3)، وأن يقدر على إزالته إما بيده أو إبلسانه، بأن لم يخش ترتب مفسدةٍ عليه، أو لحوق ضررٍ له في نحو نفسه أو ماله.
(1) أي: اسم (إن).
(2)
في النسخ كلها إلا في (ح): (وبكل تكبيرة) والمثبت منها ومن نسخ المتن.
(3)
قوله: (بخلافه) أي: بخلاف نفس الآمر أو الناهي؛ يعني: أن العبرة حيث اختلف اعتقادهما باعقاد المأمور أو المنهي، فيجب الإنكار على معتقد التحريم وان اعتقد المنكِر إباحته؛ لأنه يعتقد حرمته بالنسبة لفاعله باعتبار عقيدته. اهـ "مدابغي"
وتسميته ما ذكر وما يأتي صدقة من مجاز المشابهة (1)؛ أي: أن لهذه الأشياء أجرًا كأجر الصدقة في الجنس؛ لأن الجميع صادرٌ عن رضا اللَّه تعالى مكافأةً على طاعته، إما في القَدْر أو الصفة (2)، فيتفاوت بتفاوت مقادير الأعمال وصفاتها وغاياتها وثمراتها، وقيل: معناه: أنها صدقةٌ على نفسه.
وفيه فضل هذه الأذكار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتأخيرهما عنها من باب الترقي (3)؛ لوجوبهما عينًا أو كفايةً، بخلافها، ولا شك أن الواجب بقسميه أفضل من النفل (4)؛ لحديث البخاري:"ما تقرَّب إليَّ المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم"(5) بل نقل إمام الحرمين أن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل بسبعين درجة، واستأنسوا له بحديث، وقد بينتُ ذلك وما فيه في "شرح الإرشاد"(6) وحقيقة الصدقة موجودةٌ فيهما؛ لنفعهما باقي الناس بإسقاط الحرج عنهم، ومن ثم قال جماعةٌ من أئمتنا: إن فرض الكفاية أفضل من فرض العين؛ لأن نفعه يخص الفاعل، ونفع فرض الكفاية يعم الأمة؛ لسقوط حرجه عنهم.
وفيه إيماءٌ إلى أن الصدقة للقادر عليها أفضل من هذه الأذكار، ويؤيده: أن العمل المتعدي أفضل من القاصر غالبًا، وإلى أن تلك الأذكارَ إذا حسنت النية فيها. . ربما يساوي أجرها أجر الصدقة، سيما في حق من لا يقدر على الصدقة.
(1) أي: من التشبيه البليغ المحذوف منه أداة التشبيه.
(2)
قوله: (لأن الجميع) أي: أجر كل واحدٍ من هذه الأشياء وأجر الصدقة صادرٌ من اللَّه تعالى عن رضاه؛ مكافأة على طاعة العبد إياه، فقوله:(إن بكل تسبيحة صدقة) تقديره: إن بكل تسبيحة أجرًا كاجر الصدقة، حذف كاف التشبيه للمبالغة، ثم حذف (أجرًا) فبقي:(أجر صدقة) ثم حذف المضاف، وأُقيم المضاف إليه مقامه، وأُعرب بإعرابه، ذكره الأكمل. انتهى "مناوي"، ثم التشبيه بالنسبة للجنس لا القدر والصفة كما قاله الشارح وغيره. اهـ "مدابغي"
(3)
قوله: (وتأخيرهما عنها. . . إلخ) استئناف بياني في جواب سؤال مقدر. اهـ هامش (ج)
(4)
الفرض أفضل من النفل، وما درى أنها قاعدة أغلبية؛ فقد استثنوا منها مسائل؛ منها: إبراء المعسر؛ فإنه أفضل من إنظاره وإنظاره واجب، وإبراؤه مندوب، ومنها: ابتداء السلام؛ فإنه سُنةٌ والرد واجب، والابتداء أفضل كما أفتى به القاضي حسين، ومنها: الوضوء قبل الوقت سنة وهو أفضل منه في الوقت،"شرح الشمائل" لعبد الرؤوف المناوي. اهـ هامش (غ)
(5)
صحيح البخاري (6502) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
في بعض النسخ: (شرح الإرشاد الصغير).
(وفي بُضع) بضم فسكون؛ أي: فرج أو جماع (أحدكم)(1) لحليلته (صدقة) أي: إذا قارنته نيةٌ صالحةٌ؛ كإعفاف نفسه أو زوجته عن نحو نظرٍ أو فكرٍ أو همٍّ محرم، أو قضاء حقها من معاشرتها بالمعروف المأمور به، أو طلب ولدٍ يوحِّد اللَّه تعالى، أو يتكثَّر به المسلمون، أو يكون له فرطًا إذا مات؛ لصبره على مصيبته.
فعلم أن المباح يصير طاعةً بالنية الصالحة، وأن منها ما يُصَيِّر المباضعة صدقةً على المسلمين باعتبار ما ينشأ عنها من وجود ولدٍ صالحٍ يحمي بيضة الإسلام، أو يقوم ببيان العلوم والأحكام، وأنه لا حجة فيه للكعبي من المعتزلة على أن المباح مأمورٌ به؛ لأنه إما محمولٌ على ما قررناه وهو الأظهر، أو يقال: إنما الذي دلَّ عليه أن جماع الحليلة قربةٌ وإن لم ينو، فلا دلالة فيه على أن مطلق المباح مأمورٌ به بوجهٍ.
ووجه إعراض الأئمة عن ظاهره المذكور: ما تقرر عندهم أن النكاح من حيث ذاته إنما هو من باب المباحات؛ لِمَا للنفس فيه من الشهوة النفسانية، لا من باب العبادات إلا بالنية.
و (ق) هنا بمعنى (باء) السببية، ونظيره خبر:"في النفس المؤمنة مئةٌ من الإبل"(2) أو باقيةٌ على ظرفيتها، لكن بتجوُّزٍ؛ كأنَّ البضع لمَّا ترتب عليه ذلك الثواب بشرطه. . صار كالظرف له، وعلى كلٍّ يستفاد منه أن جميع أنواع فعل المعروف والإحسان صدقةٌ، ويوافقه خبر مسلم:"كل معروف صدقةٌ"(3).
وقوله صلى الله عليه وسلم في القصر: "صدقة تصدَّق اللَّه بها عليكم، فاقبلوا صدقته"(4).
وفي حديث: "من نام عن ورده. . كتب اللَّه له أجر صلاته، وكان نومه صدقةً من اللَّه تصدَّق بها عليه" أخرجه النسائي وغيره (5).
(1) وإنما أضاف البضع إلى الأحد؛ إشارة إلى أن البضع لا بد أن يكون منفعةً مملوكةً لأحدهم، وإلا. . كان زنًا محرَّمًا. اهـ هامش (ج)
(2)
أخرجه الطبراني في "الأحاديث الطوال"(56) عن سيدنا عمرو بن حزم رضي الله عنه.
(3)
صحيح مسلم (1005) عن سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما.
(4)
أخرجه مسلم (686)، وأبو داوود (1199)، والترمذي (3034) عن سيدنا يعلى بن أمية رضي الله عنهما.
(5)
سنن النسائي (3/ 257) عن أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي الله عنها.
وأخرج ابن ماجه والبزار: "ما من يومٍ ولا ليلةٍ ولا ساعةٍ إلا للَّه فيها صدقة يمنُّ بها على من يشاء من عباده، وما مَنَّ اللَّه على عبده مثلَ أن يلهمه ذكره"(1).
(قالوا: يا رسول اللَّه؛ أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟!) استبعدوا حصوله بفعلٍ مستلَذٍّ نظرًا إلى أنه إنما يحصل غالبًا في عبادةٍ شاقةٍ على النفس مخالِفةٍ لهواها.
(قال: أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه وزر؟!) أي: إثم (فكذلك إذا وضعها في الحلال؛ كان له أجرٌ) بالرفع، وروي بنصبه، وهما ظاهران.
وظاهر إطلاقه: أن الإنسان يؤجر في جماع حليلته مطلقًا، وبه قال بعضهم، لكن حديث أحمد الآتي قريبًا ظاهرٌ في تقييد ذلك بنية طلب ولدٍ يُربِّيه ويؤدِّبه ويحتسبه عند موته، وكنيَّتِهِ نيةُ إعفاف فرجه، ويؤيد هذا: أنه جاء في رواياتٍ كثيرةٍ: أن نفقة الرجل على أهله -زوجته وعياله- صدقة (2)، لكنه قيَّد في رواية مسلم بقوله صلى الله عليه وسلم:"وهو يحتسبها" فدل على أن شرط ثواب الصدقة احتسابها، وإذا كان هذا في الإنفاق الواجب. . فأَولى الجماع المباح.
وفي روايةٍ في "الصحيحين": "إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه اللَّه إلا أُجرت عليها، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك"(3) فيه دليلٌ لجواز القياس، سيما قياس العكس المذكور فيه؛ وهو: إثبات ضد الحكم لضد الأصل، كإثبات الوزر المضاد للصدقة للزنا المضاد للوطء المباح (4)؛ أي: كما يأثم في ارتكاب الحرام يؤجر في فعل الحلال، ومنه قول ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من مات لا يشرك باللَّه شيئًا. . دخل الجنة" وأنا أقول: من مات يشرك باللَّه شيئًا. . دخل النار (5).
(1) مسند البزار (3890) عن سيدنا عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه البخاري (5351)، ومسلم (1002) عن سيدنا أبي مسعود البدري رضي الله عنه.
(3)
صحيح البخاري (56)، وصحيح مسلم (1628) عن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(4)
قوله: (كإثبات الوزر. . . إلخ) الظاهر: أن هذا مثالٌ لإثبات ضد الحكم لضد الأصل، والحاصل: أن المثبت أولًا حكم لشيءٍ؛ وهو الوزر للزنا، والمفرَّع عليه إئبات ضد هذا الحكم؛ وهو الأجر لضد هذا الأصل؛ وهو الوطء المباح، تأمل. اهـ "مدابغي"
(5)
أخرجه البخاري (1238)، ومسلم (92) عن سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه، واللفظ الذي ذكره الشارح =
ويقابله قياس الطرد؛ وهو: إثبات مثل حكم الأصل للفرع إما بالأولى، أو المساواة، أو الأدْوَنية، ومخالفةُ بعض الأصوليين في قياس العكس ضعيفٌ، وأهلِ الظاهر في القياس من أصله، أو في غير الجلي منه. . مخالفٌ لما أطبق عليه العلماء كافةً من جوازه مطلقًا بشروطه المقررة في الأصول، فلا يعتد بخلافهم على عادتهم، وما نقل عن التابعين من ذمه محمولٌ على قياسٍ معارضٍ للنص، أو فُقِد فيه بعض تلك الشروط.
وفيه أيضًا: أنه ينبغي قرن النية الصالحة بالمباح، لِتقْلبَهُ طاعةً، وأنه لا بأس بذكر المفتي بعضَ الأدل لا الخفية، لكن يراعى الاختصار ما أمكن، وأنه لا بأس بسؤاله عن الدليل الخفي إذا علم منه أنه لا يكره ذلك ولم يكن فيه سوء أدب.
(رواه مسلم) وهو حديثٌ عظيمٌ؛ لاشتماله على قواعد نفيسةٍ من قواعد الدين كما يعلم ممَّا ذكرناه وسنذكره.
وظاهر سياقه: أن الغني الشاكر -وهو من لا يبقي ممَّا يدخل عليه من ماله إلا ما يحتاج إليه حالًا أو ما يُرصده لأحوج أو نحوه- أفضلُ من الفقير الصابر، وهو الأصح كما بينته في أدلته وما فيه من الخلاف الطويل في "شرح العباب" وفي الكتاب السابق ذكره في (شرح الخامس عشر)(1).
ووَجْه أن ذلك ظاهره: أن الفقراء ذكروا له صلى الله عليه وسلم ما يقتضي فضل الأغنياء عليهم بالتصدُّق، فأقرَّهم ولم يجبهم بأنهم أفضلُ منهم، أو مساوون لهم، وإنما علَّمهم ما يشاركهم الأغنياء فيه مع امتيازهم بما لا يشاركهم الفقراء فيه، وهو التصدُّق بفضول أموالهم.
ومن ثم لمَّا أشار الفقراء إلى هذا التمييز عليهم. . قال لهم صلى الله عليه وسلم: "ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء" وحملُه على أنه أراد به إنكم فضلتم الأغنياء، أو
= رحمه اللَّه تعالى بعكس لفظ "الصحيحين" فهو فيهما: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من مات يشرك. . . دخل النار" وقال ابن مسعود رضي الله عنه: وقلت أنا: من مات لا يشرك باللَّه شيئًا. . دخل الجنة، فليتنبه. وفي هامش (أ):(بلغ مقابلة على نسخة المؤلف بمكة المشرفة، ثم بلغ كذلك).
(1)
وهو كتاب: "حقائق الإنافة في الصدقة والضيافة"؛ انظر منه (ص 149).
ساويتموهم وإن لم تكن لكم قُرَبٌ ماليةٌ وذلك فضل اللَّه عليكم. . خلافُ ظاهر الحديث فلا يعوَّل عليه.
ولفظه في "الصحيحين": إن فقراء المهاجرين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم، فقال:"وما ذاك؟ " قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال صلى الله عليه وسلم:"أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضلَ منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟! " قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال:"تسبحون، وتكبرون، وتحمدون دبر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين مرة" قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهلُ الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء"(1).
فعلم أن الذي دل عليه ظاهره إنما هو أفضلية غنى شارك الفقير في عبادته وزاد عليه بقُرَبٍ ماليةٍ، وهذا لا شك فيه كما قاله شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، وإنما الذي يتردَّد النظر فيه إذا تساويا في أداء الواجب فقط، وزاد الفقيرُ بنوافل الأذكار، والغنيُّ بنوافل الصدقات.
وقاعدة أن العمل المتعدي أفضل من القاصر غالبًا. . تشهد لأفضلية الغني هنا أيضًا (2)، لكن وردت ظواهر تخالف ذلك، وتقتضي تفضيل الذِّكر على الصدقة بالمال؛ كحديث أحمد والترمذي:"ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟! " قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال:" ذكر اللَّه عز وجل"(3).
(1) صحيح البخاري (843)، وصحيح مسلم (595) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عه.
(2)
قيد بالغلبة؛ إذ قد يكون القاصر أفضل كالإيمان؛ فإنه أفضل من نحو الجهاد، صرح به الشارح رحمه اللَّه تعالى في "تحفة المحتاج"(2/ 233). (عيمكي) اهـ هامش (غ)
(3)
مسند الإمام أحمد (5/ 195)، وسنن الترمذي (3377) عن سيدنا أبي الدرداء رضي اللَّه عه.
وخبر "الصحيحين": "من قال: لا إله إلا اللَّه، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي، ويميت، وهو على كل شيءٍ قدير في يومٍ مئة مرة. . كانت له عدل عشر رقاب، وكُتب له مئة حسنة، ومُحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومَه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك"(1).
وكحديث أحمد والترمذي: أيُّ العباد أفضل عند اللَّه يوم القيامة؟ قال: "الذَّاكرون اللَّه كثيرًا" قلتُ: يا رسول اللَّه؛ ومِنَ الغازي في سبيل اللَّه؟ قال: "لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دمًا. . لكان الذاكرون اللَّه أفضل منه درجة"(2).
وحديث الطبراني: "لو أن رجلًا في حجره دراهم يقسمها، وآخر يذكر اللَّه. . كان الذاكر للَّه أفضل"(3) لكن قال بعضهم: الصحيح: أن هذا موقوفٌ (4).
وحديثه أيضًا: "من كبَّر مئةً، وسبَّح مئةً، وهلَّل مئةً. . كانت له خيرًا من عشر رقابٍ يعتقها، وكان سبع بدناتٍ ينحرها"(5).
وأخذ بقضية هذه الأحاديث جماعة من الصحابة والتابعين فقالوا: إن الذكر أفضل من الصدقة بعدده من المال، ويدل له أيضا حديث أحمد والنسائي: أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم هانئٍ: "سبِّحي اللَّه تعالى مئة تسبيحةٍ؛ فإنها تعدل مئة رقبةٍ من وُلْدِ إسماعيل، واحمدي اللَّه تعالى مئة تحميدةٍ؛ فإنها تعدل مئة فرسٍ ملجمةٍ مسرجةٍ تحملين عليها في سبيل اللَّه، وكبِّري اللَّه مئة تكبيرةٍ؛ فإنها تعدل لك مئة بدنةٍ مقلَّدةٍ متقبَّلةٍ، وهلِّلي اللَّه مئة تهليلة -ولا أحسبه إلا قال-: تملأ ما بين السماء والأرض، ولا يرفع يومئذٍ لأحدٍ مثل عملك إلا أن يأتي بمثل ما أتيتِ به"(6).
(1) صحيح البخاري (3293)، وصحيح مسلم (2691) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
مسند الإمام أحمد (3/ 75)، وسنن الترمذي (3376) عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
المعجم الأوسط (5966) عن سيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(4)
انظر "جامع العلوم والحكم" للحافظ ابن رجب رحمه اللَّه تعالى (2/ 68).
(5)
ذكره الحافظ ابن رجب رحمه اللَّه تعالى في "جامع العلوم والحكم"(2/ 68 - 69) وعزاه لجعفر الفريابي.
(6)
مسند الإمام أحمد (6/ 344)، وسنن النسائي الكبرى (10613).
ولا يعكر على ما من أفضلية الغني ما امتاز به الفقير من تطهر أخلاقه، وحسن رياضته بصبره على فقره؛ لأن المفضول قد يمتاز على الفاضل بفضيلةٍ -بل فضائل- يخلو عنها الفاضل، على أن لك أن تمنع هذا التميز بأن الغني عنده أيضًا رياضةٌ أيُّ رياضةٍ بالشكر، وتطهير أيُّ تطهر لأخلاقه من الشح، والإمساك، والتفاخر بالدنيا وجمعها، وغير ذلك من آفاتها العجيبة، التي لو طرقت واحدةٌ منها الفقيرَ. . لربما أذهبت طهارة أخلاقه وحلاوة إملاقه.
فاندفع بهذا الذي قررته -وإن لم أَرَ من سبَقني إليه- توجيهُ ما ذهب إليه جمهور الصوفية من تفضيل الفقير الصابر بأن مدار الطريق على تهذيب النفس ورياضتها، وذلك مع الفقر أكثر منه مع الغِنى.
ووجه اندفاعه: ما ذكرته من منع الأكثرية، بل التهذيب والرياضة في الغني أتم منهما في الفقير، لما علمت، ويؤيده: أن الفقر مع الصبر هو أوائل أحواله صلى الله عليه وسلم، والغِنى مع الشكرِ هو آخرها، وعادةُ اللَّه تعالى الجاريةُ مع أنبيائه ورسله: أنه لا يختم لهم إلا بأفضل الأحوال والمقامات، فختمه لأفضل خلقه بالغِنى مع الشكر دليلٌ أيُّ دليل على أنه أفضل من الفقر مع الصبر (1).
فإن قلت: فقره صلى الله عليه وسلم إنما كان مع الرضا، وهو أفضل من ذينك.
قلت: الرضا موجودٌ معه صلى الله عليه وسلم في حالتي الفقر والغنى، فيسقط النظر إليه، ويبقى فيما بينهما تضادٌّ، وهما الفقر مع الصبر، والغنى مع الشكر، وهذا هو الذي ختم اللَّه سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم به، فكان أفضل من غيره.
وتحسُّر الفقراء على فوات ما ينفقونه لا يلحقهم بمن أنفق بالفعل؛ لأن ما بالقوة دون ما بالفعل، وخبر:"نية المؤمن أبلغ من عمله"(2) إنما هو في نيةٍ قابلت عملًا
(1) تتمة: مذهب الجمهور -واختاره العسقلاني والسيوطي-: أن الغني الشاكر وهو من لا يبقي ممَّا يدخل عليه من المال الحلال إلا ما يحتاج إليه وما يرصده لأحوج أو نحوه. . أفضل من الفقير الصابر، ومحل الخلاف: فيمن إذا افتقر. . قام بجميع وظائف الفقر؛ كالرضا والصبر والقناعة، كان استغنى. . قام بجميع وظائف الغنى من الفضل والإحسان والمواساة وأداء حقوقٍ وشكر الملك الديان. "هداية المريد" اهـ هامش (غ)
(2)
تقدم تخريجه (ص 127) في شرح الحديث الأول.
خلا عن نيةٍ، وليس كلامنا فيه؛ إذ الشكر يستلزم وجود أكمل النيات وأفضلها؛ فقد حصل للغني الشاكر عملٌ ونيةٌ، وللفقير الصابر نيةٌ فقط، ولا شك أن الأول أفضل؛ لأن تلك النية قد تعمل عملها عند القدرة، وقد لا، فلسنا على يقينٍ من وجود عملٍ معها، بخلافها مكان الشاكر؛ فإنَّا على يقينٍ من وجوده معها، وقوله صلى الله عليه وسلم:" اللهم؛ اجعل رزق آل محمدٍ قوتًا"(1) لا شاهد فيه لترجيح الفقر مع الصبر؛ لأنه لا ينافي الغنى مع الشكر؛ لأن شكر الغنيِّ يستلزم أن رزقه كفافٌ وقوت، كما علم مما مر في تفسيره، فاندفع بهذا الذي قررته -مع أني لم أر من سبقني إليه أيضًا- ما للقرطبي وغيره هنا. فتأمل ذلك كله؛ فإنه نفيسٌ.
وقد تفضُل الصدقة المتعدية بغير المال الصدقةَ به؛ كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم العلم النافع، وإزالة الأذى عن الطريق، والدعاء للمسلمين، وفي حديثٍ ضعيفٍ:"أفضلُ الصدقةِ اللسانُ" قيل: يا رسول اللَّه؛ وما صدقة اللسان؟ قال: "الشفاعة تفك بها الأسير، وتحقن بها الدم، وتجرُّ بها المعروف والإحسان إلى أخيك، وتدفع عنه الكريهة"(2).
وأخرج ابن حبان في "صحيحه": "ليس من نفسِ ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يومٍ طلعت فيه الشمس" قيل: يا رسول اللَّه؛ ومن أين لنا صدقة نتصدق بها؟! قال: "إن أبواب الجنة لكثيرةٌ: التسبيح، والتكبير، والتحميد، والتهليل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتُسمع الأصم، وتهدي الأعمى، وتدل المستدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كله صدقة"(3).
وأخرجه أحمد بنحوه وزاد: "ولك في جِماعك زوجتك أجرٌ" قلتُ: كيف يكون لي أجرٌ في شهوتي؟! فقال صلى الله عليه وسلم: "أرأيت لو كان لك ولدٌ فأدرك ورجوت خيره فمات، أكنت تحتسب به؟! " قلت: نعم، قال:"فأنت خلقته؟ "
(1) أخرجه البخاري (6460)، ومسلم (1055) عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب"(1279) عن سيدنا سمرة بن جندب رضي الله عنه.
(3)
صحيح ابن حبان (3377) عن سيدنا أبي ذر رضي الله عنه.
قلت: بل اللَّه خلقه، قال:"فأنت هديته؟ " قلت: بل اللَّه هداه، قال:"فأنت كنت ترزقه؟ " قلت: بل اللَّه كان يرزقه، قال:"كذلك فضعه في حلاله، وجنبه حرامه؛ فإن شاء اللَّه. . أحياه، وإن شاء. . أماته ولك أجر"(1).
* * *
(1) مسند الإمام أحمد (5/ 168) عن سيدنا أبي ذر رضي الله عنه.