الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخرج بـ (نقصها عنها) مَيْتَةُ النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يحل للمضطر أكلها؛ لأن حرمته أعظم في نظر الشرع من مهجة المضطر، والزنا والقتلُ (1)، فإنهما لا يباحان بالإكراه؛ لأن مفسدتهما تقابل حفظ مهجة المكره أو تزيد عليها.
- الثانية: ما أُبيح للضرورة يقدر بقدرها، كالمضطرِ لا يأكل من الميتة إلا بقدر سد الرمق، ومن أمكنه الصد عن نحو خاطبٍ بالتعريض بعيبه لا يجوز له التصريح به (2)، وأخذ نبات الحرم: يباح أخذه للعلف لا لبيعه ممن يعلف به.
ويجب على امرأةٍ فصدت ألَّا تكشف من ذراعها إلا ما لا بدَّ منه مما يتوقف الفصد عليه.
ويباح تعدُّد الجمعة لعسر الاجتماع بمحلٍّ واحدٍ، فإذا اندفع بجمعتين. . لم تجز ثالثةٌ كما صرَّح به الإمام، وجزم به السبكي والإسنوي.
ويباح اقتناء الكلب للصيد، لكن لا يجوز اقتناء زيادة على القدر الذي يصاد به.
وخرج عن هذا الأصل نحو العرايا، فإنها أبيحت للفقراء، ثم جازت للأغنياء، والخلع رخص فيه مع الزوجة، ثم جاز مع الأجنبي.
فائدة [في بيان مراتب الضرورات]
المراتب خمسة: ضرورةٌ: وهي بلوغه حدًا إن لم يتناول الممنوع. . حصل له ضررٌ يبيح التيمم، وهي تبيح تناول الحرام، وحاجة: وهي ما فيه مجرد جهدٍ ومشقةٍ، ولا تبيح الحرام، ومنفعةٌ: كشهوة خبز البُرِّ، وزينةٌ: كشهوة الحلوى، وفضولٌ: وهو التوسع بأكل الحرام والشُّبه.
- الثالثة: الضرر لا يزال بالضرر، قال ابن السبكي: وهي مقيدةٌ لقاعدة: الضرر يزال؛ أي: يزال ولكن لا بضرر، وإلا. . لما صدق: الضرر يزال.
(1) معطوفان على قوله: (مَيْتة النبي. . .).
(2)
أي: بصد المخطوب عن الخاطب، بأن يقول له: لا تعطه ابنتك مثلًا، ومثل ذلك يقال فيما لو صد الخاطب عن المخطوب؛ بأن قال له: لا تأخذ منه ولا تقاربه. اهـ هامش (ج)
ومن فروعها: عدم لزوم الشريك بالعمارة على الجديد، وعدم إجبار الجار على وضع الجذوع، وعدم إجبار السيد على إنكاح قِنِّه، ولا يأكل مضطرٌّ طعام مضطرٍّ آخر.
ولو مال حائط لشارعٍ أو ملك غيره. . لم يلزمه إصلاحه، ولو سقطت جرةٌ ولم تندفع عنه إلا بكسرها. . ضمنها (1)، ولو وقع دينارٌ بمحبرةٍ ولم يخرج إلا بكسرها. . كسرت وعلى صاحبه الأرش ما لم يقع بفعل صاحبها.
ولو أدخلت بهيمةٌ رأسها في قِدْرٍ ولم تخرج إلا بكسرها. . فيكسر لغير المأكولة، وعلى صاحب البهيمة إن كان معها الأرشُ؛ لتفريطه ما لم يكن بتفريط صاحب القِدر، وفي ذبح المأكولة وجهان.
ولو سقط على جريحٍ إن استمر قتله، وإن انتقل قتل غيره. . فقيل: يستمر؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر، وقيل: يتخير، وقال الإمام: لا حكم (2).
ولو تعذَّر الوطء إلا بالإفضاء. . امتنع.
ويستثنى من ذلك ما لو كان أحدهما أعظم ضررًا، ولهذا شرعت الحدود، ودفع الصائل، والفسخ بالعيب، والإجبار على قضاء الدَّين، وأخذ المضطر طعامَ غير المضطر، وقتاله عليه، وقطع شجرة غيرٍ تدلت في هواء داره (3)، وشق بطن ميتٍ بلع مالًا، أو كان ببطنها ولدٌ ترجى حياته، ورمي كفار تترَّسوا بأسرى مسلمين، والانتقال من نارٍ مهلكةٍ إلى ماءٍ مغرقٍ رآه أهون من الصبر على لفحاتها.
- الرابعة: إذا تعارض مفسدتان. . رُوعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفِّهما.
(1) نعم، إن كانت موضوعةً بمحل أو حال تضمن به كأن وضعت بروشن أو على معتدل لكنها مائلة. . هدرت. اهـ "شرح منهج"(4/ 239) اهـ هامش (ج)
(2)
لأن الإذن له في الاستمرار والانتقال أو أحدهما يؤدي إلى القتل المحرم، والمنع منهما لا قدرة على امتثالهما، قال:(ومع استمرار عصيانه) ببقاء ما تسبب فيه من الضرر بسقوطه إن كان باختياره، وإلا. . فلا عصيان. "جوامع"(1/ 169) اهـ هامش (غ)
(3)
في بعص النسخ: (وقطع شجرة غيره حصلت في هواء داره).
- الخامسة: وهي نظيرة التي قبلها: درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح، ومر الكلام عليها مبسوطًا في شرح (التاسع)(1).
- السادسة: الحاجة العامة أو الخاصة تنزل منزلة الضرورة، فمن الأُولى: جواز نحو الإجارةِ مع أن المنافع معدومة، والجعالةِ مع ما فيها من الجهالة، والحوالةِ مع ما فيها من بيع الدين بالدين، وضمانِ الدرك مع عدم دين يضمن.
والثاني: كالتضبيب بضبة فضةٍ كبيرةٍ لحاجةٍ كإصلاحِ محلِّ كسرٍ، وشدٍّ وتوثقٍ، ولا يعتبر العجز عن غير الفضة؛ لأنه يبيح أصل النقدين، وكالأكل من الغنيمة بدار الحرب؛ يجوز للحاجة وإن كان معه طعام لنفسه.
* * *
(1) انظر ما تقدم (ص 274).