الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْأَضْحَى وَيُسْتَحَبُّ فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ مِنْ أُخْرَى.
ــ
[الفواكه الدواني]
الْكِتَابَةِ فِي نَظِيرِ النَّفَقَةِ، وَيُخْرِجُ عَنْ كُلِّ شَخْصٍ مِمَّنْ ذُكِرَ مِنْ النَّوْعِ الَّذِي يَأْكُلُ مِنْهُ الْمُخْرَجُ عَنْهُ، وَاحْتَرَزَ بِتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ عَنْ الْقَرِيبِ الَّذِي لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ: كَالْأَبَوَيْنِ الْمُوسِرَيْنِ وَكَالْأَجْدَادِ وَلَوْ فُقَرَاءَ وَالْحَوَاشِي فَلَا يَلْزَمُ الشَّخْصَ الْإِخْرَاجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِعَدَمِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ، كَمَا لَا يَلْزَمُ الشَّخْصَ إخْرَاجُ فِطْرَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِالِالْتِزَامِ
[زَمَنِ إخْرَاجِهَا زَكَّاهُ الْفِطْر]
. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ زَمَنِ إخْرَاجِهَا: بِقَوْلِهِ: (وَيُسْتَحَبُّ) : لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ (إخْرَاجُهَا) : أَيْ دَفْعُهَا لِلْمَسَاكِينِ الَّذِينَ لَا يَمْلِكُونَ قُوتَ يَوْمِ الْفِطْرِ (إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ) : وَقَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَقَبْلَ الْغُدُوِّ، إلَى الْمُصَلَّى لِيَأْكُلَ مِنْهَا الْفَقِيرُ قَبْلَ ذَهَابِهِ إلَى الْمُصَلَّى لِمَا فِي مُسْلِمٍ:«مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الْمُصَلَّى» . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.
1 -
(تَتِمَّةٌ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَقْتَ وُجُوبِهَا وَبَيَّنَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَهَلْ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ بِفَجْرِهِ خِلَافٌ، أَيْ هَلْ يَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَهُوَ غُرُوبُ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَمْتَدُّ وَقْتُ الْوُجُوبِ أَوْ يَتَعَلَّقُ بِفَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ خِلَافٌ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَقْتَ الْغُرُوبِ وَصَارَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَقْتَ الْفَجْرِ كَالزَّوْجَةِ تَطْلُقُ وَالْعَبْدُ يُبَاعُ أَوْ يُعْتَقُ، وَعَكْسُهُ كَمَنْ تَزَوَّجَهَا أَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ أَيْ وَبَقِيَتْ لِلْفَجْرِ إذْ لَوْ طَلُقَتْ أَوْ بِيعَتْ قَبْلَهُ لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: فَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَقْتَ الْغُرُوبِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ وَقْتَ الْفَجْرِ عَلَى الثَّانِي سَقَطَتْ عَنْهُ وَلَوْ صَارَ مِنْ أَهْلِهَا بَعْدُ، فَمَنْ مَاتَ أَوْ بِيعَ أَوْ طَلُقَتْ بَائِنًا أَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ الْغُرُوبِ: سَقَطَتْ عَنْهُ وَعَنْ الْمُطَلِّقِ وَالْبَائِعِ وَالْمُعْتِقِ اتِّفَاقًا، وَبَعْدَ الْفَجْرِ وَجَبَتْ عَلَى مَنْ ذُكِرَ اتِّفَاقًا وَفِيمَا بَيْنَهُمَا الْقَوْلَانِ، فَتَجِبُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَعَلَى الْمُعْتِقِ وَعَلَى الْمُطَلِّقِ وَعَلَى الْمَالِكِ هُوَ الْبَائِعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي وَالْعَتِيقِ وَالْمُطَلَّقَةِ، وَتَسْقُطُ عَنْ الْمَيِّتِ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ وُلِدَ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَتْ اتِّفَاقًا، وَبَعْدَ الْفَجْرِ سَقَطَتْ اتِّفَاقًا، وَفِيمَا بَيْنَهُمَا الْقَوْلَانِ الْوُجُوبُ عَلَى الثَّانِي لَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ قَارَنَتْ وِلَادَتُهُ الْغُرُوبَ أَوْ طُلُوعَ الْفَجْرِ أَوْ مَاتَ أَوْ فُقِدَ فِيهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ وُلِدَ قَبْلَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ فُقِدَ قَبْلَهُمَا، اُنْظُرْ الْأُجْهُورِيَّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ
. (وَيُسْتَحَبُّ الْفِطْرُ فِيهِ) : أَيْ فِي عِيدِ الْفِطْرِ (قَبْلَ الْغُدُوِّ) : أَيْ الذَّهَابِ (إلَى الْمُصَلَّى) وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ عَلَى تَمَرَاتٍ.
قَالَ الْبَغَوِيّ: وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا. (وَلَيْسَ ذَلِكَ) : أَيْ اسْتِحْبَابُ الْفِطْرِ (فِي الْأَضْحَى) : بَلْ الْمُسْتَحَبُّ فِيهِ تَأْخِيرُ الْفِطْرِ لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يُفْطِرُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ لِيَأْكُلَ مِنْ كَبِدِ الْأُضْحِيَّةِ» وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْمُبَادَرَةُ بِالْفِطْرِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ لِيُفَرِّقَ بَيْنَ زَمَانِ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ. (وَيُسْتَحَبُّ فِي) : حَقِّ كُلِّ مُرِيدٍ لِصَلَاةِ (الْعِيدَيْنِ) : الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى (أَنْ يَمْضِيَ) : إلَى الْمُصَلَّى (مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ فِي) : طَرِيقٍ (أُخْرَى) أَيْ غَيْرِ الَّتِي مَضَى مِنْهَا إلَى الْمُصَلَّى وَتَقَدَّمَ هَذَا، فَكَانَ الْمُصَنِّفُ فِي غَنِيَّةٍ عَنْ إعَادَتِهِ.
1 -
(خَاتِمَةٌ) : تَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ لَهَا مَزِيدُ تَعَلُّقٍ بِالْبَابِ، مِنْهَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ مُسَافِرًا أَنْ يُعَجِّلَ الْإِخْرَاجَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ الْمُخَاطَبِ بِالْإِخْرَاجِ عَنْهُمْ: وَلَا يُؤَخِّرُ الْإِخْرَاجَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ وَنِيَّتُهُ عَنْهُمْ كَافِيَةٌ، لَكِنْ يُخْرِجُ مِمَّا يَقْتَاتُهُ أَهْلُ بَلَدِهِمْ، فَلَوْ أَخْرَجَ عَنْهُ أَهْلُهُ أَجْزَأَ بِشَرْطِ الْإِخْرَاجِ مِمَّا يَأْكُلُهُ، وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَوْصَاهُمْ أَوْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ الْإِخْرَاجَ عَنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِفَقْدِ النِّيَّةِ مِمَّنْ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمُخْرِجِ، بِخِلَافِ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمُخْرِجِ، فَنِيَّةُ الْمُخْرِجِ كَافِيَةٌ. وَمِنْهَا: أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ لَا تَسْقُطُ عَمَّا خُوطِبَ بِهَا بِمُضِيِّ زَمَنِهَا بِخِلَافِ الضَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا فَرْضٌ وَتِلْكَ سُنَّةٌ، وَالْفَرْضُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِفِعْلِهِ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ إلَّا لِمَنْ لَا يَمْلِكُ قُوتَ يَوْمِ الْفِطْرِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقِيلَ: تُدْفَعُ لِفَقِيرٍ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفِيهِ جَمِيعَ عَامِهِ لِحِكَايَةِ اللَّخْمِيِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لِمَالِكِ النِّصَابِ.
قَالَ خَلِيلٌ فِي بَيَانِ مَنْ تُصْرَفُ لَهُ: وَإِنَّمَا تُدْفَعُ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ، فَلَا تُدْفَعُ لِجَابٍ وَلَا مُفَرِّقٍ، وَلَا يُشْتَرَى مِنْهَا رَقِيقٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ سِوَى مَا تَقَدَّمَ
[بَاب فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]
. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْأَرْبَعَةِ شَرَعَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالرُّكْنِ الْخَامِسِ فَقَالَ:
بَابٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَحَجُّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ الَّذِي بِبَكَّةِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ
مَرَّةً فِي عُمُرِهِ
وَالسَّبِيلُ الطَّرِيقُ السَّابِلَةُ وَالزَّادُ الْمُبَلِّغُ إلَى مَكَّةَ وَالْقُوَّةُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ إمَّا رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا مَعَ
ــ
[الفواكه الدواني]
(بَابٌ فِي) : الْكَلَامِ عَلَى (الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) : أَمَّا الْحَجُّ فَهُوَ لُغَةً مُطْلَقُ الْقَصْدِ أَوْ بِقَيْدِ التَّكْرَارِ، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُمْكِنُ رَسْمُهُ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا وُقُوفٌ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ وَحَدُّهُ بِزِيَارَةٍ وَطَوَافِ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ بِالْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ سَبْعًا بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَالسَّعْيِ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَمِنْهَا إلَيْهِ سَبْعًا بَعْدَ طَوَافٍ لَا بِقَيْدِ وَقْتِهِ بِإِحْرَامٍ فِي الْجَمِيعِ، وَالْمُرَادُ بِالطُّهْرِ الْأَخَصُّ هُوَ مَا كَانَ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ، أَوْ مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ كَالصَّلَاةِ، وَمَعْنَى لَا بِقَيْدِ وَقْتِهِ أَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ السَّعْيِ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، بِخِلَافِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَهِيَ لُغَةً الزِّيَادَةُ، وَاصْطِلَاحًا عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا طَوَافٌ وَسَعْيٌ مَعَ إحْرَامٍ، وَحَدُّهَا عِبَادَةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَبَدَأَ بِبَيَانِ حُكْمِ الْحَجِّ بِقَوْلِهِ:(وَحَجُّ) : أَيْ قَصْدُ (بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامَ الَّذِي بِبَكَّةِ) : لِلْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي مَرَّ حَدُّهَا، وَبَكَّةُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ مَكَّةُ بِالْمِيمِ فَهُمَا لُغَتَانِ، وَقَوْلُهُ: الَّذِي بِبَكَّةِ وَصْفٌ كَاشِفٌ؛ لِأَنَّ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ إنَّمَا هُوَ فِي مَكَّةَ فَقَطْ وَإِضَافَتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّشْرِيفِ، وَخَبَرُ حَجٍّ الْوَاقِعُ مُبْتَدَأً. (فَرِيضَةٌ) : عَلَى الْفَوْرِ عَلَى تَشْهِيرِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَعَلَى التَّرَاخِي عَلَى تَشْهِيرِ الْمَغَارِبَةِ، إلَّا أَنْ يُخَافَ الْفَوَاتُ فَيُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ حَتَّى صَارَ وُجُوبُهُ كَالْمَعْلُومِ مِنْ الدَّيْنِ بِالضَّرُورَةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ زِيَادَةٌ: «فَمَنْ زَادَ فَتَطَوَّعَ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ، فَمَنْ جَحَدَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهِ وَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهِ فَاَللَّهُ حَسْبُهُ، وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بِنَاءً عَلَى تَرَاخِيهِ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ قَدْ لَا تَكُونُ مَوْجُودَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَمَّا كَانَ الْحَجُّ أَشَقَّ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ قَالَ:(عَلَى كُلِّ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَى ذَلِكَ) : الْبَيْتِ (سَبِيلًا) : مَعْمُولُ اسْتَطَاعَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ سُلُوكَ سَبِيلٍ أَيْ طَرِيقٍ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُسْتَطِيعِ. (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) : بِنَاءً عَلَى عَدَمِ خِطَابِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَالْمَشْهُورُ خِطَابُهُمْ بِفُرُوعِهَا، فَالْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ فَقَطْ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَفَائِدَةُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ مَعَ عَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْهُمْ عِقَابُهُمْ وَوَصَفَ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ:(الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ) : فَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّقِيقِ وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ وَإِنْ صَحَّ مِنْهُمَا.
قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَصِحَّتُهُمَا أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالْإِسْلَامِ، فَيُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الرَّضِيعِ وَالْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَإِنْ أَيِسَ مِنْ إفَاقَتِهِ، وَأَمَّا شَرْطُ الْوُجُوبِ فَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: وَشَرْطُ وُجُوبِهِ كَوُقُوعِهِ فَرْضًا حُرِّيَّةٌ وَتَكْلِيفٌ وَقْتَ إحْرَامِهِ بِلَا نِيَّةِ نَفْلٍ، وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ، وَأَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ الْإِسْلَامُ فَقَطْ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ فَقَطْ الِاسْتِطَاعَةُ وَإِذْنُ وَلِيِّ السَّفِيهِ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ مَعَ وُقُوعِهِ فَرْضًا الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَقْتَ الْإِحْرَامِ، وَشَرْطُ وُقُوعِهِ فَرْضًا فَقَطْ عَدَمُ نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ
ثُمَّ بَيَّنَ مَا تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ مِنْ فَرِيضَةِ الْحَجِّ بِقَوْلِهِ: (مَرَّةً) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمُبَيِّنِ لِلْعَدَدِ عَامِلُهُ فَرِيضَةٌ أَيْ وَحَجُّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامَ فَرِيضَةٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ مَرَّةً (فِي عُمُرِهِ) : وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ حَصَلَ الْقِيَامُ بِهِ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ كَانَ نَافِلَةً مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا