الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أَحْكَامِ النِّفَاسِ]
بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَمَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ
وَالْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَأَهَّبَ لِذَلِكَ بِالْوُضُوءِ أَوْ الطُّهْرِ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطُّهْرُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ
ــ
[الفواكه الدواني]
[بَاب طَهَارَة الْمَاء وَالثَّوْب وَالْبُقْعَة وَمَا يُجْزِئ مِنْ اللِّبَاس فِي الصَّلَاة]
بَابٌ فِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْمَاءِ
هَذَا مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ الْمَاءِ الطَّاهِرِ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ الطَّهُورِيَّةُ بَدَلَ طَهَارَةِ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُ بَيَانُ مَا يُرْفَعُ بِهِ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ وَهُوَ الطَّهُورُ وَيُرَادِفُهُ الْمُطْلَقُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الطَّاهِرُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الطَّهُورِ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِطَهَارَةِ لِأَجْلِ الْمَعَاطِيفِ، لِأَنَّ الثَّوْبَ وَالْمَكَانَ إنَّمَا يُوصَفَانِ بِالطَّهَارَةِ، لِأَنَّ الطَّهُورِيَّةَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَاءِ فَقَطْ، وَحَقِيقَةُ الْمُطْلَقِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ أَوْ تَقَوُّلٍ هُوَ الْبَاقِي عَلَى أَوْصَافِ خِلْقَتِهِ غَيْرُ مُسْتَخْرَجٍ مِنْ نَبَاتٍ وَلَا حَيَوَانٍ.
(وَ) فِي بَيَانِ طَهَارَةِ (الثَّوْبِ) وَهُوَ مَحْمُولُ الْمُصَلِّي (وَ) فِي بَيَانِ طَهَارَةِ (الْبُقْعَةِ) وَهِيَ مَحَلُّ قِيَامِ الْمُصَلِّي وَسُجُودِهِ أَوْ مَا تَمَاسُّهُ أَعْضَاؤُهُ.
(وَ) فِي بَيَانِ (مَا يُجْزِئُ) مُرِيدَ الصَّلَاةِ (مِنْ اللِّبَاسِ) وَقَوْلُهُ: (فِي الصَّلَاةِ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، وَجَمَعَ مَعَ طَهَارَةِ الْمَاءِ الثَّوْبَ وَالْبُقْعَةَ لِاحْتِيَاجِ الْمُصَلِّي إلَى الْجَمِيعِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ بَدَنَ الْمُصَلِّي وَلَعَلَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ لِفَهْمِهِ مِنْ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَالتَّرْجَمَةُ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَا تُنَافِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: وَقِلَّةُ الْمَاءِ مَعَ أَحْكَامِ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ زَائِدَةٌ عَلَى التَّرْجَمَةِ وَالطَّهَارَةُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ طَهُرَ بِضَمِّ الْهَاءِ أَوْ فَتْحِهَا لُغَةً النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ مِنْ الْأَدْنَاسِ، وَتُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي التَّنْزِيهِ مِنْ الْعُيُوبِ وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ، فَالْأُولَيَانِ مِنْ خَبَثٍ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ، وَمَعْنَى حُكْمِيَّةٌ أَنَّهَا يُحْكَمُ بِهَا وَيُقَدَّرُ قِيَامُهَا بِمَحَلِّهَا، وَلَيْسَتْ مَعْنًى وُجُودِيًّا قَائِمًا بِمَحَلِّهِ، لَا مَعْنَوِيًّا كَالْعِلْمِ وَلَا حِسِّيًّا كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ. وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِمَلَابِسِهِ فَيَشْمَلُ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالْمَاءَ وَكُلَّ مَا يَجُوزُ لِلْمُصَلِّي مُلَابَسَتُهُ، وَقَوْلُهُ فِيهِ يُرِيدُ بِهِ الْمَكَانَ، وَقَوْلُهُ لَهُ يُرِيدُ بِهِ الْمُصَلِّي وَهُوَ شَامِلٌ لِطَهَارَتِهِ مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ يَخُصُّهُ بِهِ، وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ وَفِيهِ وَلَهُ عَائِدٌ عَلَى الْمَوْصُوفِ مِنْ قَوْلِهِ لِمَوْصُوفِهَا. وَمَعْنَى تُوجِبُ تُصَحِّحُ وَتُسَبِّبُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ أَحَدَ الْأَحْكَامِ، وَمَعْنَى جَوَازِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ جَوَازُ طَلَبِ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ شَرْعًا، لِأَنَّ طَلَبَ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْمَانِعِ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ طَلَبُ دُخُولِ مَحَلٍّ بِغَيْرِ مِفْتَاحِهِ، فَإِذَا وَجَدَ مِفْتَاحَهُ جَازَ لَهُ طَلَبُ دُخُولِهِ، وَلَا يَرِدُ طَهَارَةُ الْمَيِّتِ وَطَهَارَةُ الذِّمِّيَّةِ مِنْ حَيْضِهَا لِيَجُوزَ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا، وَالطَّهَارَةُ لِنَحْوِ زِيَارَةِ وَلِيٍّ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَمْ تُوجِبْ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ الصَّلَاةِ لِأَنَّا نَقُولُ: هِيَ طَهَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ لَوْلَا مُقَارَنَةُ الْمَانِعِ لَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَهُوَ الْمَوْتُ وَالْكُفْرُ وَلِعَدَمِ نِيَّةٍ وَقَعَ الْحَدَثُ فِي الْأَخِيرَةِ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِمَنْ يَتَوَضَّأُ لِفِعْلِ أَمْرٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّهَارَةِ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ لِيُبَاحَ بِوُضُوئِهِ الصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا. وَأَمَّا الطُّهَارَةُ بِضَمِّ الطَّاءِ فَهِيَ فَضْلَةُ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ الْإِنْسَانُ
، وَأَمَّا الطَّهُورِيَّةُ وَهِيَ مِنْ خَوَاصِّ الْمَاءِ فَهِيَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا كَوْنَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُزَالُ بِهِ نَجَاسَتُهُ طَاهِرًا، وَأَمَّا الطَّاهِرِيَّةُ فَهِيَ مُقَابَلَةُ النَّجَسِيَّةِ وَهِيَ أَعَمُّ لِصِدْقِهَا بِالطَّهُورِيَّةِ وَعَدَمِهَا وَهُوَ الطَّاهِرُ فَقَطْ، وَأَمَّا التَّطْهِيرُ فَهُوَ إزَالَةُ النَّجَسِ أَوْ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ، وَالْمُتَطَهِّرُ الْمَوْصُوفُ بِالطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ، وَالطَّاهِرُ ضِدُّ النَّجِسِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى النَّجَاسَةِ.
وَافْتَتَحَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْبَابَ بِبَعْضِ حَدِيثٍ تَبَرُّكًا بِهِ فَقَالَ: (وَالْمُصَلِّي يُنَاجِي) أَيْ يُسَارِرُ (رَبَّهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَأَهَّبَ) أَيْ يَتَهَيَّأَ (لِذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْمُنَاجَاةِ وَالصَّلَاةِ (بِالْوُضُوءِ) إنْ كَانَ حَدَثُهُ أَصْغَرَ. (أَوْ الطُّهْرِ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطُّهْرُ) بِأَنْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: إنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيه وَلَا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ» .
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مُنَاجَاةُ الْمُصَلِّي رَبَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إحْضَارِ الْقَلْبِ وَالْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْمُنَاجَاةُ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ سبحانه وتعالى لِعَبْدِهِ فَهِيَ إقْبَالُهُ عَلَى عَبْدِهِ بِالرَّحْمَةِ
غَيْرِ مَشُوبٍ بِنَجَاسَةٍ وَلَا بِمَاءٍ قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ لِشَيْءٍ خَالَطَهُ مِنْ شَيْءٍ نَجِسٍ أَوْ طَاهِرٍ إلَّا مَا غَيَّرَتْ لَوْنَهُ الْأَرْضُ الَّتِي هُوَ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَالرِّضْوَانِ وَمَا يَفْتَحُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُلُومِ وَالْأَسْرَارِ، وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، فَاَلَّذِي نَقَلَهُ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَنْ اسْتَكْمَلَ صَلَاتَهُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَمْ يَخْشَعْ فِيهَا أَنَّ صَلَاتَهُ تَجْزِيه وَإِنَّمَا فَاتَهُ الْأَفْضَلُ، وَنَقَلَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ أَنَّ حُضُورَ الْقَلْبِ فِي جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الْمَشْهُورَ فِقْهًا صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِدُونِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا مِنْ أَرْكَانِهَا الْخُشُوعَ وَلَا بُدَّ مِنْ مُبْطِلَاتِهَا تَرْكُهُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا صِحَّةَ صَلَاةِ مَنْ تَفَكَّرَ بِدُنْيَوِيٍّ مَعَ كَرَاهَةِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ حُضُورُ الْقَلْبِ وَاجِبًا لَحُرِّمَ عَلَيْهِ التَّفَكُّرُ وَعَلَى الْوُجُوبِ فَهُوَ فَرْضٌ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ كَمَا قَالَ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَإِنَّمَا طَلَبَ مِنْ مُرِيدِ الصَّلَاةِ الْإِنْصَافَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ أَعْظَمُ الْحَالَاتِ لِأَنَّهُ مُتَمَثِّلٌ بَيْنَ يَدَيْ خَالِقِهِ وَمُتَلَبِّسٌ بِعِبَادَتِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى أَشْرَفِ الْأَوْصَافِ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: اقْتَصَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ الظَّاهِرَةِ وَسَكَتَ عَنْ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ النَّزَاهَةُ عَنْ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالْحِقْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآفَاتِ مَعَ أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ أَيْضًا، فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَطَهَّرَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَلَا يَكُونُ كَمَنْ بَنَى دَارًا وَحَسَّنَ ظَاهِرَهَا وَتَرَكَ بَاطِنَهَا مَمْلُوءًا بِالنَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَهْدَى جَارِيَةً مُزَيَّنَةً لِمَلِكٍ وَهِيَ مَيِّتَةٌ لَا يَقْبَلُهَا، فَالْمُتَطَهِّرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ كَذَلِكَ اهـ. وَأَقُولُ: لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى طَهَارَةِ الظَّاهِرِ لِأَنَّهَا الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمُصَلِّي دَرَجَةَ الْكَمَالِ إلَّا بِطَهَارَةِ جَسَدِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَاءِ الطَّهُورِ بِقَوْلِهِ. (وَيَكُونُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ الْوُضُوءِ أَوْ الطُّهْرِ (بِمَاءٍ طَاهِرٍ) أَيْ طَهُورٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (غَيْرِ مَشُوبٍ) أَيْ غَيْرِ مَخْلُوطٍ (بِنَجَاسَةٍ) فَلَا يَصِحُّ بِمَا شَابَتْهُ نَجَاسَةٌ غَيَّرَتْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثِ: اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرِّيحُ (وَلَا بِمَاءٍ) بِالْمَدِّ (قَدْ تَغَيَّرَ) تَحْقِيقًا أَوْ ظَنَّا وَإِنْ لَمْ يَقْوَ (لَوْنُهُ) أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ (بِشَيْءٍ خَالَطَهُ) أَوْ اتَّصَلَ بِهِ مِنْ أَعْلَاهُ وَإِنْ لَمْ يُمَازِجْهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ: كُلُّ تَغَيُّرٍ بِحَالٍ مُعْتَبَرٌ وَإِنْ لَمْ يُمَازِجْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُغَيِّرُ مِمَّا يُفَارِقُ الْمَاءَ غَالِبًا. (مِنْ شَيْءٍ نَجِسٍ) كَبَوْلٍ وَعُذْرَةٍ (أَوْ طَاهِرٍ) كَلَبَنٍ وَعَسَلٍ، فَالْمُتَغَيِّرُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَا يَصِحُّ بِهِ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: لَا بِمُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ وَحُكْمُهُ كَغَيْرِهِ، فَالْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِالنَّجِسِ يُقَالُ لَهُ مُتَنَجِّسٌ، وَاَلَّذِي غَيَّرَهُ طَاهِرٌ يَكُونُ طَاهِرًا غَيْرَ طَهُورٍ، وَالْأَوَّلُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ وَآدَمِيٍّ، وَغَيْرُ الطَّهُورِ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْعَادَاتِ مِنْ الطَّبْخِ وَالْعَجْنِ دُونَ الْعِبَادَاتِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَلَا بِمَاءٍ قَدْ تَغَيَّرَ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ عَطْفَ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ تَكْرَارَهُ مَعَ مَا قَبْلِهِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِاشْتِرَاطِ عَدَمِ التَّغَيُّرِ الْمَذْكُورِ إلَى بَيَانِ حَقِيقَةِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَيُرَادِفُهُ الطَّهُورُ، وَعَرَّفَهُ خَلِيلٌ بِأَنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ عُرْفًا إطْلَاقُ لَفْظِ الْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قَيْدٍ لَازِمٍ، وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ الْبَاقِي عَلَى أَوْصَافِ خِلْقَتِهِ غَيْرَ مُسْتَخْرَجٍ مِنْ نَبَاتٍ وَلَا حَيَوَانٍ، أَوْ تَقُولُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ عَسْكَرٍ: هُوَ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ أَوْصَافُهُ بِمَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَاءُ آبَارِ ثَمُودَ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ مِنْ الْمُطْلَقِ وَإِنْ نُهِيَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ، وَكَذَلِكَ مَاءُ سَائِرِ الْآبَارِ الْمَنْهِيِّ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا، فَإِنْ تَطَهَّرَ بِهَا وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ النَّهْيِ وَلَوْ عَلَى جِهَةِ الْحُرْمَةِ وَيَدْخُلُ فِيهِ النَّابِعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَكْثِيرُ مَوْجُودٍ لَا عَلَى أَنَّهُ إيجَادُ مَعْدُومٍ، عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُسْتَخْرَجٍ مِنْ نَبَاتٍ وَلَا حَيَوَانٍ.
الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ خَالَطَهُ بِمَعْنَى لَاصَقَهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّغَيُّرَ بِالْمُفَارِقِ الْمُجَاوِرِ لِلْمَاءِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَوْ تَغَيَّرَ.
الثَّالِثُ: يُسْتَثْنَى مِنْ الْمُفَارِقِ الْقَطْرَانُ فَإِنَّهُ يَكُونُ دِبَاغًا لِلْقِرْبَةِ فَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ مَائِهَا وَلَوْ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرَ دِبَاغٍ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ رِيحِ الْمَاءِ بِخِلَافِ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مُسَافِرٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ الْقَطْرَانِ فِي أَسْفَلِ الْمَاءِ وَأَعْلَاهُ.
الرَّابِعُ: كُلُّ مَوْضِعٍ اُعْتُبِرَ فِيهِ التَّغْيِيرُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُهُ بَيَّنَّا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ تُغَيِّرْ مَاءِ الْبِئْرِ بِآلَةِ اسْتِقَائِهَا فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ بَيَّنَّا بِحَيْثُ يَظْهَرُ وَلَوْ لِغَيْرِ الْمُتَأَمِّلِ، وَيَكْفِي ظَنُّ التَّغَيُّرِ مِنْ تَحَقُّقِ كَوْنِ الْمُغَيِّرِ مُفَارِقًا، لَا إنْ تَحَقَّقْنَا التَّغَيُّرَ وَشَكَكْنَا فِي الْمُغَيِّرِ هَلْ هُوَ مِنْ الْمُفَارِقِ أَوْ لَا، فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: أَوْ شُكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ أَوْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرِهِ مِنْ غَيْرِ مُلَاصَقَةٍ أَوْ بِمَا جُمِعَ مِنْ عَلَيْهِ كَالنَّدَا الْمَجْمُوعِ مِنْ فَوْقِ الزَّرْعِ فَالْجَمِيعُ مُطْلَقٌ.
وَلَمَّا كَانَ التَّغَيُّرُ السَّالِبُ لِلطَّهُورِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِالْمُفَارِقِ غَالِبًا اسْتَثْنَى عَلَى جِهَةِ الِانْقِطَاعِ مَا لَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَهُوَ الْمُلَازِمُ لِلْمَاءِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا كَحَيَوَانِ الْبَحْرِ فَقَالَ: (إلَّا مَا غَيَّرَتْ لَوْنَهُ) أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ أَوْ الثَّلَاثَ وَلَوْ تَحْقِيقًا (الْأَرْضُ الَّتِي هُوَ بِهَا) فَإِنَّهُ