المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[صفة صلاة الكسوف والخسوف] - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ١

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ: مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ]

- ‌[أَحْكَامِ النِّفَاسِ]

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَمَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْمَاءِ]

- ‌[حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُضَادَّةِ لِلطَّهَارَةِ]

- ‌[مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَسْنُونِهِ وَمَفْرُوضِهِ وَذِكْرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوُضُوءِ]

- ‌[صِفَةِ الطَّهَارَة الْحَدَثِيَّةِ]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءِ]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْإِتْيَانُ بِهِ]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌بَابٌ فِي الْغُسْلِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌بَابٌ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَصِفَةِ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَسْمَائِهَا

- ‌[بَاب الْأَذَان وَالْإِقَامَة]

- ‌[صفة الْأَذَان]

- ‌[صِفَةِ الْإِقَامَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ

- ‌[صفة الْجُلُوس فِي التَّشَهُّد]

- ‌[مَا يُسْتَحَبُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ]

- ‌وَأَقَلُّ الشَّفْعِ

- ‌[مَنْدُوبَات الصَّلَاة]

- ‌[مَكْرُوهَات الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب جَامِع فِي الصَّلَاة]

- ‌[السَّاهِي فِي صَلَاتِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ مِنْ سُجُودٍ وَعَدَمِهِ]

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ لِاعْتِقَادِهِ كَمَالَهَا]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا]

- ‌[تَرْتِيبِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِصَلَاةٍ حَاضِرَةٍ]

- ‌[مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[مَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاة]

- ‌[أَسْبَاب الْجَمْع وَصِفَته]

- ‌[الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[صِفَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الرُّعَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي سُجُود الْقُرْآن]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقْتَ صَلَاة الْجُمُعَةَ]

- ‌[شُرُوطِ وُجُوبِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[آدَاب الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌[صفة صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر]

- ‌[صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَالتَّكْبِير أَيَّام منى]

- ‌[زَمَن صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[خُطْبَةَ الْعِيدِ]

- ‌[صِفَةِ خُرُوجِ الْإِمَامِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[غُسْلَ الْعِيدِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخُسُوف]

- ‌[صفة صَلَاة الْكُسُوف وَالْخُسُوف]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[وَقْت صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[بَاب مَا يَفْعَل بِالْمُحْتَضَرِ وَفِي غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[الْبُكَاء عِنْدَ مَوْتِ الْمَيِّت]

- ‌[تَغْسِيلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ]

- ‌[التَّكْفِينِ وَمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ]

- ‌[غُسْلِ الشُّهَدَاءِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[صِفَةِ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ]

- ‌[بَاب فِي الصَّلَاة عَلَى الْجَنَائِز وَالدُّعَاء لِلْمَيِّتِ]

- ‌ دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

- ‌مَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغُسْلِهِ

- ‌بَابٌ فِي الصِّيَامِ

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ شَهْر رَمَضَان]

- ‌[شُرُوطِ الصَّوْمِ]

- ‌[أَسْبَابٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ]

- ‌[أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَالَ كَوْنِهِ نَاسِيًا]

- ‌[مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّائِم فِي رَمَضَان]

- ‌[حُكْمِ التَّرَاوِيحِ فِي رَمَضَانَ]

- ‌بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌[أَقَلّ مُدَّة الأعتكاف]

- ‌[مُبْطِلَات الِاعْتِكَاف]

- ‌[مَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ]

- ‌[مَالًا يُبْطِل الِاعْتِكَاف]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْعَيْن وَالْحَرْث وَالْمَاشِيَة وَمَا يَخْرَج مِنْ الْمَعْدِن]

- ‌ زَكَاةُ الْحَرْثِ

- ‌[زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[زَكَاة عُرُوض التِّجَارَة]

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[زَكَاة الْمَعَادِن]

- ‌[الْجِزْيَةَ وَشُرُوطهَا]

- ‌[قَدْرُ الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ]

- ‌[مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْمَاشِيَة]

- ‌[نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌[حُكْمِ مَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَهُوَ الْوَقْصُ]

- ‌[زَكَاةِ الْخُلْطَةِ فِي الْأَنْعَام]

- ‌[شُرُوطِ زَكَّاهُ الْخَلِيطِينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[مَا تَخْرُجُ مِنْهُ صَدَقَة الْفِطْرِ]

- ‌[زَمَنِ إخْرَاجِهَا زَكَّاهُ الْفِطْر]

- ‌[بَاب فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ]

- ‌[غَصَبَ مَالًا وَحَجَّ بِهِ]

- ‌[صِفَتِهِ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ]

- ‌[سُنَنٍ الْغُسْلُ الْمُتَّصِلُ بِالْإِحْرَامِ]

- ‌[الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ]

- ‌ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌[شُرُوطِ الرَّمْيِ]

- ‌ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ

- ‌[الْعُمْرَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَمَا لَا يَحْرُمُ]

- ‌[أَفْضَل أَنْوَاع الْحَجّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا وَالذَّبَائِحِ وَالْعَقِيقَةِ وَالصَّيْدِ وَالْخِتَانِ

- ‌[أَكْلُ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[بَاب فِي الْجِهَاد]

- ‌[وَالرِّبَاطُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[بَاب فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور]

الفصل: ‌[صفة صلاة الكسوف والخسوف]

بَابٌ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ وَصَلَاةُ الْخُسُوفِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ

إذَا خَسَفَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ الْإِمَامُ إلَى الْمَسْجِدِ فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالنَّاسِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ ثُمَّ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً سِرًّا بِنَحْوِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يَرْكَعُ رُكُوعًا طَوِيلًا نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

(بَابٌ فِي) صِفَةِ وَحُكْمِ (صَلَاةِ الْخُسُوفِ) لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَهُمَا فِي بَابٍ وَاحِدٍ، وَيُقَالُ الْكُسُوفُ بَدَلُ الْخُسُوفِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هُمَا مُتَرَادِفَانِ أَوْ مُتَبَايِنَانِ، فَعَلَى التَّرَادُفِ مَعْنَاهُمَا ذَهَابُ الضَّوْءِ مِنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَعَلَى التَّبَايُنِ قِيلَ وَهُوَ الْأَجْوَدُ الْكُسُوفُ التَّغَيُّرُ وَالْخُسُوفُ الذَّهَابُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ الْأَوَّلُ وَهُوَ ذَهَابُ ضَوْئِهِمَا كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ إلَّا أَنْ يَقِلَّ الذَّاهِبُ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا الْحَاذِقُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَلَا يَصِلُ لَهُ لَتَنَزُّلِهِ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ.

وَسَبَبُ خُسُوفِ الشَّمْسِ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ: مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَرَادَ أَنْ يُخَوِّفَ عِبَادَهُ وَيُظْهِرَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ عَظَمَتِهِ وَسُلْطَانِهِ فَتَقَعُ الشَّمْسُ فِي الْبَحْرِ الْمَكْفُوفِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَقَطَتْ كُلُّهَا غَابَتْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا غَابَ ذَلِكَ الْبَعْضُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَائِبَ مِنْ الضَّوْءِ بِقَدْرِ السَّاقِطِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْخُسُوفُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ وَلِذَلِكَ أَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَ ذَلِكَ رَجَاءً لِظُهُورِ الضَّوْءِ، وَبَدَأَ بِبَيَانِ حُكْمِ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ بِقَوْلِهِ:(وَصَلَاةُ الْخُسُوفِ) لِلشَّمْسِ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ يُخَاطَبُ بِهَا كُلُّ مَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ وَلَوْ نَدْبًا، فَتُخَاطَبُ بِهَا النِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ وَالْمُسَافِرُ وَالْحَاضِرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَتُصَلِّيهَا الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ شَرْطٍ فِيهَا بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ لِلرِّجَالِ فِي الْمَسَاجِدِ.

قَالَ خَلِيلٌ: سُنَّ وَإِنْ لِعَمُودِيٍّ وَمُسَافِرٍ لَمْ يَجِدَّ سَيْرَهُ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَانِ سِرًّا بِزِيَادَةِ قِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ، دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، فَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى:{لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا صَلَاةَ خُسُوفِ الشَّمْسِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا عِبَادَةَ اللَّهِ دُونَ عِبَادَتِهِمَا، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي الْحَدِيثِ:«إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ قَالَ الْقَرَافِيُّ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا دُونَ صِفَتِهَا، وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: مَنْ جَحَدَهَا فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ اهـ، وَأَقُولُ: لِي فِي قَوْلِهِ مَنْ جَحَدَهَا يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ بَحْثٌ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ جَاحِدَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا عَرَفَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ.

قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ:

وَمَنْ لِمَعْلُومٍ ضَرُورَةٍ جَحَدْ

مِنْ دِينِنَا يُقْتَلْ كُفْرًا لَيْسَ حَدْ

وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ إذْ لَمْ يَعْرِفْهَا إلَّا الْعَالِمُ، فَلَعَلَّ كَلَامَ الْأَقْفَهْسِيِّ مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ،

[صفة صَلَاة الْكُسُوف وَالْخُسُوف]

ثُمَّ بَيَّنَ صِفَتَهَا بِقَوْلِهِ: (إذَا خَسَفَتْ الشَّمْسُ) بِمَعْنَى ذَهَبَ ضَوْءُهَا وَلَوْ الْبَعْضُ إلَّا مَا قَلَّ جِدًّا كَمَا قَدَّمْنَا (خَرَجَ الْإِمَامُ) نَدْبًا (إلَى الْمَسْجِدِ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرْوَ أَنَّهُ خَرَجَ لِصَلَاتِهَا فِي الْمُصَلَّى بِمَعْنَى الصَّحْرَاءِ، بِخِلَافِ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَالْمُسْتَحَبُّ فِعْلُهُمَا فِي الصَّحْرَاءِ لِكَثْرَةِ الْحَاضِرِينَ لِفِعْلِهَا، بِخِلَافِ صَلَاةِ الْخُسُوفِ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ إلَى الزَّوَالِ، فَلَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ مَكْسُوفَةً انْتَظَرَ بِفِعْلِهَا حِلَّ النَّافِلَةِ، وَلَوْ كَسَفَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يُصَلِّ لَهَا، كَمَا لَا يُصَلِّي الْعِيدَ وَالِاسْتِسْقَاءَ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْفَرَائِضِ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ لِلزَّوَالِ فَهُوَ لِلسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ. (فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالنَّاسِ) ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيَنْوِي الْإِمَامُ وَالنَّاسُ سُنَّةَ الْكُسُوفِ، وَلَا حَدَّ فِي جَمَاعَةِ الْكُسُوفِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَيَفْتَتِحُهَا الْإِمَامُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ فِي وَقْتِ حِلِّ النَّافِلَةِ (بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ الْفَرَائِضِ، لَكِنْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام -

ص: 276

حَمِدَهُ ثُمَّ يَقْرَأُ دُونَ قِرَاءَتِهِ الْأُولَى ثُمَّ يَرْكَعُ نَحْوَ قِرَاءَتِهِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ دُونَ قِرَاءَتِهِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ ثُمَّ يَرْكَعُ نَحْوَ قِرَاءَتِهِ ثُمَّ يَرْفَعُ كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يَقْرَأُ دُونَ قِرَاءَتِهِ هَذِهِ ثُمَّ يَرْكَعُ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ يَرْفَعُ كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يَسْجُدُ كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَلِمَنْ شَاءَ " أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ

وَلَيْسَ فِي صَلَاتِهِ خُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ وَلِيُصَلِّ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ أَفْذَاذًا وَالْقِرَاءَةُ فِيهَا جَهْرًا كَسَائِرِ رُكُوعِ

ــ

[الفواكه الدواني]

نَادَى فِيهَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَيُكَبِّرُ فِي افْتِتَاحِهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. (ثُمَّ) بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ (قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً سِرًّا) عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ؛ لِأَنَّهَا نِهَايَةٌ، هَكَذَا فَعَلَهَا صلى الله عليه وسلم وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهَذَا مَا لَمْ تَتَضَرَّرْ النَّاسُ بِتَطْوِيلِهَا، وَإِلَّا تَرَكَهُ الْإِمَامُ وَصَلَّاهَا بِزِيَادَةِ قِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ لَكِنْ غَيْرَ تَطْوِيلٍ، وَفَسَّرَ الْقِرَاءَةَ الطَّوِيلَةَ بِقَوْلِهِ (بِنَحْوِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى زِيَادَةِ قِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ، وَإِنَّمَا قَالَ بِنَحْوِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ النَّدْبَ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ السُّورَةِ، بَلْ الْمُرَادُ هِيَ أَوْ قَدْرُهَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا يَقُومُ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. (ثُمَّ) بَعْدَ تَمَامِ الْقِرَاءَةِ (يَرْكَعُ رُكُوعًا طَوِيلًا نَحْوَ ذَلِكَ) أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ فِي الطُّولِ لَا أَنَّهُ يُسَاوِيه وَيُسَبِّحُ فِي رُكُوعِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ رُكُوعِهِ (يَرْفَعُ رَأْسَهُ) حَالَةَ كَوْنِهِ (يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) وَتَقُولُ النَّاسُ خَلْفَهُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. (ثُمَّ) بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ يَسْتَمِرُّ قَائِمًا الْقِيَامَ الثَّانِي (يَقْرَأُ) فِيهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قِرَاءَةً طَوِيلَةً لَكِنَّهَا (دُونَ قِرَاءَتِهِ الْأُولَى) فِي الطُّولِ بِأَنْ يَقْرَأَ آلَ عِمْرَانَ أَوْ نَحْوَهَا. (ثُمَّ) بَعْدَ قِرَاءَةِ نَحْوِ آلِ عِمْرَانَ (يَرْكَعُ) الرُّكُوعَ الثَّانِي (نَحْوَ) أَيْ يُقَارِبُ (قِرَاءَتِهِ الثَّانِيَةِ) فِي الْقِيَامِ الثَّانِي (ثُمَّ) بَعْدَ الرُّكُوعِ الثَّانِي (يَرْفَعُ رَأْسَهُ) حَالَةَ كَوْنِهِ (يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) وَالْمَأْمُومُ خَلْفَهُ يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَلَا تَطْوِيلَ فِي حَالَةِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ.

(ثُمَّ) بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي (يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ) يُطَوِّلُ فِيهِمَا تَطْوِيلًا قَرِيبًا مِنْ الرُّكُوعِ الْكَائِنِ قَبْلَهُمَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَرَكَعَ كَالْقِرَاءَةِ وَسَجَدَ كَالرُّكُوعِ، أَيْ يَفْعَلُ كُلَّ رُكُوعٍ كَالْقِرَاءَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ فِي الطُّولِ وَلَا يُسَاوِيه، وَيَسْجُدُ كُلَّ سُجُودٍ قَرِيبًا مِنْ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّطْوِيلَ فِي السَّجْدَتَيْنِ مُسْتَوٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ أَقْصَرُ مِنْ الْأُولَى، كَمَا أَنَّ الرُّكُوعَ قَرِيبٌ مِنْ زَمَنِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي قَبْلَهُ.

(ثُمَّ) بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ (يَقُومُ) لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (فَيَقْرَأُ) بَعْدَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ قِرَاءَةً (دُونَ) أَيْ أَقْصَرُ زَمَنًا مِنْ زَمَنِ (قِرَاءَتِهِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ) أَيْ زَمَنَ قِرَاءَتِهِ الْكَائِنِ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ بِنَحْوِ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ قَوْلَهُمْ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سُورَةَ النِّسَاءِ مَعَ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ الْقِيَامَ الْأَوَّلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَقْصَرُ مِنْ الْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقِرَاءَةُ النِّسَاءِ تُنَافِي ذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَقْرُوءِ طُولُ زَمَنِ قِرَاءَتِهِ لِإِمْكَانِ الْإِسْرَاعِ مَعَ التَّرْتِيبِ حَتَّى يَصِيرَ زَمَنُ قِرَاءَةِ النِّسَاءِ أَقْصَرَ مِنْ زَمَنِ قِرَاءَةِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. (ثُمَّ) بَعْدَ تَمَامِ الْقِيَامِ الثَّالِثِ (يَرْكَعُ نَحْوَ) أَيْ قَرِيبًا مِنْ (قِرَاءَتِهِ) فِي الْقِيَامِ الَّذِي قَبْلَهُ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَرْفَعُ رَأْسَهُ كَمَا ذَكَرْنَا) فِي رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعِ مَا قَبْلَ هَذِهِ الرَّكْعَةِ مِنْ قَوْلِهِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَقَوْلُ الْمَأْمُومِ خَلْفَهُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ.

(ثُمَّ يَقْرَأُ) بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ ذَلِكَ الرُّكُوعِ (دُونَ) أَيْ أَقْصَرَ مِنْ (قِرَاءَتِهِ هَذِهِ) الَّتِي فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ بِأَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ. (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقِيَامِ الرَّابِعِ (يَرْكَعُ نَحْوَ) أَيْ قَرِيبًا مِنْ (ذَلِكَ) أَيْ مِنْ زَمَنِ الْقِيَامِ الرَّابِعِ (ثُمَّ يَرْفَعُ) رَأْسَهُ (كَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ قَائِلًا: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ إنْ كَانَ إمَامًا، وَالْمَأْمُومُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. (ثُمَّ) بَعْدَ تَمَامِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ (يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ كَوْنِهِمَا تَامَّتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ كُلُّ سَجْدَةٍ قَرِيبَةٌ مِمَّا قَبْلَهَا فِي الطُّولِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَرَكَعَ كَالْقِرَاءَةِ وَسَجَدَ كَالرُّكُوعِ أَيْ الثَّانِي، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ فِي الطُّولِ. (ثُمَّ) بَعْدَ تَمَامِ السَّجْدَتَيْنِ (يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ) وَحَصَلَتْ السُّنَّةُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتُدْرَكُ الرَّكْعَةُ بِالرُّكُوعِ وَلَا تُكَرَّرُ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ، وَقِيلَ الْمَنْعُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْعِ الْكَرَاهَةُ فَلَا مُخَالَفَةَ إلَّا إذَا انْجَلَتْ ثُمَّ كَسَفَتْ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ صَلَاتِهَا وَقَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهَا تُكَرَّرُ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ، وَأَمَّا لَوْ كَسَفَتْ فِي أَيَّامٍ لَطُلِبَتْ صَلَاتُهَا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَوَقْتُهَا كَالْعِيدِ وَلَا تُكَرَّرُ.

قَالَ شُرَّاحُهُ: مَعْنَاهُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ عِنْدَ اتِّحَادِ السَّبَبِ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ يَخْرُجُ لَهَا الْإِمَامُ وَالنَّاسُ شَرْطِيَّةُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا رَفَعَ هَذَا الْإِيهَامَ بِقَوْلِهِ:(وَلِمَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ) صَلَاةَ الْكُسُوفِ (فِي بَيْتِهِ مِثْلَ ذَلِكَ) الْوَصْفُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ زِيَادَةِ قِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ مَعَ الطُّولِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (فَلْيَفْعَلْ) وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلسُّنَّةِ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا بَلْ مَنْدُوبَةً فَيُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ فِعْلُهَا وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْجَمَاعَةِ، وَإِنَّمَا يُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ ثَوَابَ فِعْلِهَا فِي الْجَمَاعَةِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْعِيدِ شَرْطُ وُقُوعِهَا سُنَّةً فِعْلُهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ، فَمَنْ فَاتَتْهُ مَعَ جَمَاعَتِهَا فِي الْبَلَدِ

ص: 277

النَّوَافِلِ

وَلَيْسَ فِي أَثَرِ صَلَاةِ خُسُوفِ الشَّمْسِ خُطْبَةٌ مُرَتَّبَةٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعِظَ النَّاسَ وَيُذَكِّرَهُمْ. .

ــ

[الفواكه الدواني]

نُدِبَتْ لَهُ فَقَطْ، وَإِنْ فَعَلَهَا مَعَ جَمَاعَةٍ لَمْ تَقَعْ لَهُ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِالْجَمَاعَةِ الْأُولَى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَا تَتَعَدَّدُ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ إلَّا إذَا كَانَتْ مِصْرًا.

1 -

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ، وَلَا حُكْمُ تَطْوِيلِ الْقِيَامِ وَلَا السُّجُودِ وَلَا حُكْمُ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، وَلَا تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ مِنْ الرُّكُوعَيْنِ، وَمُلَخَّصُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ فِي تَطْوِيلِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَوْلَيْنِ الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا النَّدْبُ وَمُقَابِلُهُ السُّنِّيَّةُ، وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا سُجُودَ فِي تَرْكِهِ سَهْوًا وَلَا بُطْلَانَ فِي تَرْكِهِ عَمْدًا وَلَوْ مِنْ الثَّلَاثِ، بِأَنْ قَرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بِسَبِّحْ، وَفِي الثَّانِي بِهَلْ أَتَاك، وَفِي الثَّالِثِ بِأَلَمْ نَشْرَحْ.

وَفِي الرَّابِعِ بِإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ، وَرَكَعَ كَالْقِرَاءَةِ وَسَجَدَ كَالرُّكُوعِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ السُّجُودُ فِي السَّهْوِ وَالْبُطْلَانُ فِي الْعَمْدِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ فَحُكْمُهُ السُّنِّيَّةُ، وَكَذَا الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ الزَّائِدَيْنِ، فَمَنْ صَلَّاهَا بِقِيَامٍ وَاحِدٍ وَرُكُوعٍ وَاحِدٍ كَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، فَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا أَجْرَى الْخِلَافَ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَهَلْ يَتَعَمَّدُ تَرْكَ سُنَّةٍ أَوْ لَا؟ وَلَا سُجُودَ خِلَافٌ، وَتُدْرَكُ رَكْعَتُهَا بِالرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الرُّكُوعَيْنِ، فَمَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَقْضِي الثَّانِيَةَ بِقِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ.

1 -

الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفَاتِحَةَ تُكَرَّرُ فِي كُلِّ قِيَامٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ.

الثَّالِثُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ ثُمَّ انْجَلَتْ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيَّنَهُ شُرَّاحُ خَلِيلٍ وَمُحَصِّلُهُ: إنْ انْجَلَتْ بَعْدَ تَمَامِ شَطْرِهَا فَقِيلَ يُتِمُّهَا بِقِيَامَيْنِ وَرُكُوعٍ عَلَى سُنِّيَّتِهَا لَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ، وَقِيلَ يُتِمُّهَا كَالنَّافِلَةِ بِقِيَامٍ وَاحِدٍ وَرُكُوعٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ انْجَلَتْ قَبْلَ تَمَامِ شَطْرِهَا فَقِيلَ يَقْطَعُهَا وَقِيلَ يُتِمُّهَا كَالنَّوَافِلِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ

1 -

الرَّابِعُ: لَمْ يُبَيِّنْ كَخَلِيلٍ حُكْمَ مَا لَوْ زَالَتْ فِي أَثْنَائِهَا وَتَرَدَّدَ فِيهِ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْأُجْهُورِيُّ وَأَقُولُ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُتِمُّهَا كَالنَّافِلَةِ وَلَا يَقْطَعُهَا؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا اُفْتُتِحَتْ بِوَجْهٍ جَائِزٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ خُرُوجُ وَقْتِهَا أَوْ تَبَيَّنَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْهَا يُخَفَّفُ فِي فِعْلِهَا وَتُمِّمَتْ نَافِلَةً وَلَا تُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ نَهْيٍ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ إنَّمَا يَحْرُمُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ إذَا كَانَ مَدْخُولًا عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الزَّوَالِ قَبْلَ تَمَامِ شَطْرِهَا أَوْ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ الزَّوَالُ كَالتَّجَلِّي لِوُجُودِ السَّبَبِ هُنَا فِي الْجُمْلَةِ وَحَرِّرْ ذَلِكَ.

1 -

الْخَامِسُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ صَلَاتِهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا تُفْعَلُ عَلَى مَا يُمْكِنُ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ هَيْئَتِهَا؛ لِأَنَّ السُّنَنَ قَدْ تُتْرَكُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ كَالسُّورَةِ مَثَلًا لِمَنْ خَافَ بِقِرَاءَتِهَا خُرُوجَ الْوَقْتِ وَعَدَمَ إدْرَاكِهِ،

وَأَشَارَ إلَى صِفَةِ صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ وَلْيُصَلِّ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ أَفْذَاذًا) ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَفِعْلُهَا فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ. (وَالْقِرَاءَةُ فِيهَا جَهْرًا) ؛ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ لَيْلِيَّةٌ فِيهَا الْجَهْرُ (كَسَائِرِ رُكُوعِ النَّوَافِلِ) اللَّيْلِيَّةِ وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: وَرَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ لِخُسُوفِ قَمَرٍ كَالنَّوَافِلِ جَهْرًا بِلَا جَمْعٍ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِيهَا الِانْفِرَادُ وَتُكْرَهُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ وَيَجُوزُ تَكْرَارُهَا، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَالنَّوَافِلِ أَنَّهَا تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ، وَأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ سُنَّةً، وَمُقَابِلُ الْمُعْتَمَدِ قَوْلُ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ: أَنَّهَا سُنَّةٌ وَقْتُهَا اللَّيْلُ كُلُّهُ فَإِنْ طَلَعَ مَكْسُوفًا صَلُّوا الْمَغْرِبَ قَبْلَهَا، وَيَفُوتُ فِعْلُهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا تُفْعَلُ بَعْدَهُ وَلَوْ تَعَمَّدُوا تَأْخِيرَهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي عَدَمِ صَلَاتِهَا لَوْ لَمْ يَخْسِفْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ لَوْ خَسَفَ لَيْلًا وَأَخَّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى غَابَ فَعِنْدَنَا لَا تُصَلَّى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُصَلَّى، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِالنَّاسِ إلَّا فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّهُ جَمَعَ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ، وَلَكِنْ يُصَلُّونَ أَفْذَاذًا رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ.

(وَلَيْسَ فِي إثْرِ) أَيْ عَقِبِ (صَلَاةِ خُسُوفِ الشَّمْسِ خُطْبَةٌ مُرَتَّبَةٌ) بِحَيْثُ يَجْلِسُ فِي أَوَّلِهَا وَفِي وَسَطِهَا؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ نَقَلُوا صِفَةَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام خَطَبَ فِيهَا، وَمَا صَدَرَ مِنْ تَسْمِيَةِ عَائِشَةَ لِمَا صَدَرَ مِنْهُ خُطْبَةً فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَتَى بِكَلَامٍ يُشْبِهُ الْخُطْبَةَ.

(وَ) لَكِنْ (لَا بَأْسَ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَعِظَ) الْإِمَامُ (النَّاسَ) بَعْدَهَا (وَيُذَكِّرَهُمْ) تَفْسِيرٌ لِلْوَعْظِ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ: وَوَعَظَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْوَعْظَ إذَا وَرَدَ بَعْدَ الْآيَاتِ يُرْجَى تَأْثِيرُهُ، وَكَمَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَعْظُ النَّاسِ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَحْرِيضُهُمْ وَحَثُّهُمْ عَلَى بَذْلِ الصَّدَقَاتِ وَالْعِتْقِ وَالصِّيَامِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْحَدِيثِ:«إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ» . وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ نَقْرِ النُّحَاسِ عِنْدَ الْخُسُوفِ فَهُوَ بِدْعَةٌ مِنْ عَمَلِ فِرْعَوْنَ

1 -

(خَاتِمَةٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الصَّلَاةِ أَوْ السُّجُودِ عِنْدَ شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ غَيْرَ

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

الْخُسُوفِ مِنْ نَحْوِ الزَّلْزَلَةِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدِ وَنَحْوِهِمَا، وَالنَّصُّ عَنْ مَالِكٍ:" لَا يُصَلِّي عِنْدَ الزَّلْزَلَةِ وَلَا عِنْدَ شِدَّةِ الرِّيحِ وَلَا شِدَّةِ الظُّلْمَةِ " وَالْمُرَادُ الْكَرَاهَةُ، وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا:" وَلَا يَسْجُدُ عِنْدَ الْبُشْرَى " وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَسْجُدُ وَقَدْ سَجَدَ شُكْرًا حِينَ بَلَغَهُ مَوْتُ الْحَجَّاجِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ قَالَ خَلِيلٌ: شُكْرًا أَوْ زَلْزَلَةً نَعَمْ قَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْضًا: " وَلَكِنْ أَرَى أَنْ يَفْزَعَ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الْأَمْرِ يَحْدُثُ مِمَّا يَخَافُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً كَالزَّلَازِلِ وَالظُّلُمَاتِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ " وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ، فَتَخَلَّصَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ عِنْدَ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ خُصُوصُ السُّجُودِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَتُطْلَبُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا وَرَدَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ قَوْلِهِ لِبِلَالٍ عِنْدَ حُصُولِ الْأَمْرِ الْمُهِمِّ:«أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ»

ص: 279