الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّاسُ
وَالْغُسْلُ لَهَا وَاجِبٌ وَالتَّهْجِيرُ حَسَنٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَلْيَتَطَيَّبْ لَهَا وَيَلْبَسْ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ
وَأَحَبُّ إلَيْنَا
ــ
[الفواكه الدواني]
يَحْصُلُ مِنْهُ تَصْوِيتٌ كَوَرَقٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ فَتْحِ بَابٍ أَوْ سُبْحَةٍ أَوْ مُطَالَعَةٍ فِي كُرَّاسٍ، بَلْ يَقْتَضِي الْمَذْهَبُ مَنْعَ الْإِشَارَةِ لِمَنْ لَغَى.
قَالَ خَلِيلٌ: وَنَهْيُ لَاغٍ وَحَصْبُهُ أَوْ إشَارَةٌ لَهُ أَوْ لِرَدِّ سَلَامٍ وَإِنْ جَازَتْ فِي الصَّلَاةِ.
(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا مَرَّ مِنْ حُرْمَةِ التَّكَلُّمِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ بِشُرُوعِ الْخَطِيبِ فِيهَا عَدَمُ حُرْمَةِ مَا يَقُولُهُ الْمُرْقَى عِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْت» . وَقَوْلُهُ: " أَنْصِتْ رَحِمَكُمْ اللَّهُ "؛ لِأَنَّهُ يَقُولُهُ قَبْلَ شُرُوعِ الْخَطِيبِ، نَعَمْ فِعْلُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَعَلَّلَ الْكَرَاهَةَ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الشَّامِ، وَلِي فِي دَعْوَى الْكَرَاهَةِ بَحْثٌ مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ ارْتِكَابِ أَمْرٍ مُحَرَّمٍ حَالَ الْخُطْبَةِ فَلَعَلَّهُ مِنْ الْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ، وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ الْمُؤَذِّنُونَ عِنْدَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فَيَجُوزُ، كَمَا يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذِكْرِ أَسْبَابِهَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ إقْبَالٌ عَلَى ذِكْرٍ قَلَّ سِرًّا كَتَأْمِينٍ وَتَعَوُّذٍ عِنْدَ السَّبَبِ وَكَتَحْمِيدِ عَاطِسٍ سِرًّا.
(وَ) يَجِبُ أَنْ (يَسْتَقْبِلَهُ) أَيْ الْخَطِيبَ (النَّاسُ) بِوُجُوهِهِمْ (فِي الْخُطْبَةِ) وَالنَّاسُ يَتَنَاوَلُ أَهْلَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَسْمَعُهُ وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ يُحَوِّلُونَ وُجُوهَهُمْ إلَى جِهَةِ ذَاتِهِ بِحَيْثُ يَنْظُرُونَهَا، وَأَمَّا أَهْلُ غَيْرِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَيَسْتَقْبِلُونَ جِهَتَهُ وَذَاتَه، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «اُرْمُقُوهُ بِأَبْصَارِكُمْ وَاصْغُوا إلَيْهِ بِآذَانِكُمْ.؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِسْمَاعِ» وَمَا حَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوب الِاسْتِقْبَالِ عَلَى عُمُومِ النَّاسِ لَا خُصُوصِ غَيْرِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، خِلَافًا لِلْفَاكِهَانِيِّ، فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ سُنَّةٌ، وَلِخَلِيلٍ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الَّذِي يَسْتَقْبِلُهُ غَيْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَلَفْظُهُ: وَاسْتَقْبَلَهُ غَيْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ.
[آدَاب الْجُمُعَةِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي آدَابِهَا بِقَوْلِهِ: (وَالْغُسْلُ لَهَا) أَيْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ (وَاجِبٌ) وُجُوبَ السُّنَنِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَسُنَّ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ وَأَعَادَ إنْ تَغَدَّ أَوْ نَامَ اخْتِيَارًا لَا لِأَكْلٍ خَفَّ، فَيُخَاطَبُ بِهِ كُلُّ مَنْ يَحْضُرُهَا وَلَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّهُ لِلصَّلَاةِ لَا لِلنَّوْمِ، بِخِلَافِ غُسْلِ الْعِيدِ وَهُوَ تَعَبُّدٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى مُطْلَقِ نِيَّةٍ وَصِفَتُهُ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَيَصِحُّ انْدِرَاجُهُ فِيهِ عِنْدَ نِيَّتِهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغُسْلِ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالرَّوَاحِ، فَإِنْ اشْتَغَلَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بَعْدَهُ بِغَدَاءٍ أَوْ نَوْمٍ أَعَادَهُ حَيْثُ طَالَ زَمَانُهُمَا، وَأَمَّا الْأَكْلُ وَالنَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُبْطِلُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَثُرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ كَغَيْرِهِ وَلَوْ حَصَلَا فِيهِ مَعَ كَثْرَتِهِمَا لَا يُبْطِلَانِ ثَوَابَ الْغُسْلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَدَثَ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَوْ جَنَابَةٌ فَيُبْطِلَانِ ثَوَابَهُ وَلَوْ حَصَلَا فِي الْمَسْجِدِ، وَمَحِلُّ سُنِّيَّةِ الْغُسْلِ مَا لَمْ يَكُنْ لِمُرِيدِ حُضُورِهَا رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ تَمْنَعُ مِنْ حُضُورِهَا وَإِلَّا وَجَبَ، وَلَيْسَ لِلْجُمُعَةِ سُنَّةٌ إلَّا الْغُسْلَ، وَقَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: ثَلَاثُ سُنَنٍ قَلَّ الْعَمَلُ بِهَا: غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَوُضُوءُ الْجُنُبِ لِلنَّوْمِ وَفِعْلُ الْعَقِيقَةِ، وَزِيدَ عَلَيْهَا سُنَّةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ غُسْلُ الْعِيدَيْنِ وَإِطْلَاقُ السُّنَّةِ عَلَى وُضُوءِ الْجُنُبِ عَلَى طَرِيقَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ الَّذِينَ يُطْلِقُونَ لَفْظَ السُّنَّةِ عَلَى كُلِّ مَطْلُوبٍ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ آدَابِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ لِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ:(وَالتَّهْجِيرُ) وَهُوَ الذَّهَابُ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ مِنْ الْإِمَامِ وَمَأْمُومٍ (حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَالصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّوَاحَ فِي وَقْتِ الْهَاجِرَةِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَبًّا يَخْتَلِفُ ثَوَابُهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ:«مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» وَهَذِهِ السَّاعَاتُ الْخَمْسُ أَجْزَاءُ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ وَهِيَ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ الَّتِي قَبْلَ الزَّوَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: " فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ إلَخْ "؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُطْلَبُ خُرُوجُهُ فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ وَهُوَ عَقِبَ الزَّوَالِ وَعَقِبَ الْجُزْءِ الْخَامِسِ مِنْ السَّادِسَةِ الْمُقَسَّمَةِ لِلْخَمْسَةِ أَجْزَاءٍ، وَبِخُرُوجِهِ تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، فَالسَّاعَةُ الْكَائِنَةُ فِي الْحَدِيثِ اعْتِبَارِيَّةٌ لَا فَلَكِيَّةٌ، وَلَمَّا كَانَتْ الْمُبَادَرَةُ إلَى حُضُورِ الطَّاعَةِ مَطْلُوبَةً فِي الْجُمْلَةِ كَانَتْ مَظِنَّةَ تَوَهُّمِ نَدْبِهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَدَفَعَهُ بِقَوْلِهِ:(وَلَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ السَّعْيُ الْمَفْهُومُ مِنْ التَّهْجِيرِ (فِي أَوَّلِ النَّهَارِ) ؛ لِأَنَّ مَالِكًا رضي الله عنه كَرِهَ السَّعْيَ لَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِخَوْفِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا اسْمَ الْإِشَارَةِ بِالسَّعْيِ؛ لِأَنَّ الْهَاجِرَةَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَهِيَ لَا تَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عِنْدَ طُلُوعِ
أَنْ يَنْصَرِفَ بَعْدَ فَرَاغِهَا وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمَسْجِدِ وَلْيَتَنَفَّلْ إنْ شَاءَ قَبْلَهَا وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَلْيَرْقَ الْمِنْبَرَ كَمَا يَدْخُلُ.
ــ
[الفواكه الدواني]
الشَّمْسِ، فَإِنْ قِيلَ: كَرَاهَةُ التَّبْكِيرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، يُنَافِيه قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ لِيَسْمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ مَعْنَى بَكَّرَ أَدْرَكَ بَاكُورَةَ الْخُطْبَةِ، وَمَعْنَى ابْتَكَرَ قَدِمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، أَوْ أَنَّ مَعْنَى بَكَّرَ تَصَدَّقَ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ:«بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْبَلَاءَ لَا يَتَخَطَّاهَا» وَقَوْلُهُ: " ابْتَكَرَ " تَأْكِيدٌ لِسَابِقِهِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَمَعْنَى غَسَّلَ أَوْجَبَ الْغُسْلَ عَلَى غَيْرِهِ بِالْجِمَاعِ وَاغْتَسَلَ هُوَ مِنْهُ (وَالتَّطَيُّبُ لَهَا) حَسَنٌ أَيْضًا بِمَعْنَى: مَنْدُوبٌ، وَمَعْنَى التَّطَيُّبِ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ وَلَوْ لِمُؤَنَّثٍ، وَهُوَ مَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ وَرِيحُهُ، وَيَقْصِدُ بِذَلِكَ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ وَلَا يَقْصِدُ بِهِ فَخْرًا وَلَا رِيَاءً» .
وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " لَهَا " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُخَاطِبُ بِالتَّطَيُّبِ مَنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ، بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ يَوْمَهُ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَاتَهُ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنْ (يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) لِيَتَجَمَّلَ بِهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَالْمُرَادُ بِأَحْسَنِهَا الْأَبْيَضُ وَلَوْ عَتِيقًا لِحَدِيثِ:«أَحْسَنُ مَا زُرْتُمْ اللَّهَ بِهِ فِي قُبُورِكُمْ وَمَسَاجِدِكُمْ الْبَيَاضُ» .
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «الْبِسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» . حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّ الْحَسَنَ فِيهِ الثِّيَابُ الْجَدِيدَةُ وَلَوْ غَيْرَ بَيْضَاءَ.
(تَتِمَّتَانِ) الْأُولَى: بَقِيَ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ تَحْسِينُ الْهَيْئَةِ مِنْ قَصِّ شَارِبٍ وَظُفُرٍ وَنَتْفِ إبْطٍ وَحَلْقِ عَانَةٍ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنْدَبُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلَيْسَ مِنْ الْآدَابِ الْمُسْتَحَبَّةِ حَلْقُ الرَّأْسِ وَإِنَّمَا حَلْقُهُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَحْلِقْهُ إلَّا فِي الْحَجِّ، فَهُوَ مِنْ الْبِدَعِ الْمُبَاحَةِ أَوْ الْحَسَنَةِ لِمَنْ يَقْبُحُ مَنْظَرُهُ بِدُونِهِ، وَمِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ أَيْضًا الْمَشْيُ لَهَا فِي الْغُدُوِّ لِخَبَرِ:«مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» .
الثَّانِيَةُ: الْآدَابُ الْمَذْكُورَةُ مِنْهَا مَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالتَّهْجِيرِ وَالْمَشْيِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ كَتَحْسِينِ الْهَيْئَةِ وَالتَّطَيُّبِ وَالتَّجَمُّلِ بِالثِّيَابِ الْحَسَنَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ إنَّمَا هُوَ مَطْلُوبٌ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ بِخِلَافِهَا فِي الْعِيدِ فَإِنَّهَا لِلْيَوْمِ.
قَالَ خَلِيلٌ فِيهِ: وَتَطَيُّبٌ وَتَزَيُّنٌ وَإِنْ لِغَيْرِ مُصَلٍّ.
وَلَمَّا كَانَ الشَّأْنُ التَّنَفُّلَ قَبْلَ الظُّهْرِ كَبَعْدِهَا، وَقِيلَ: إنَّ الْجُمُعَةَ بَدَلٌ عَنْهَا كَانَ مَظِنَّةَ تَوَهُّمِ طَلَبِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا قَالَ: (وَأَحَبُّ إلَيْنَا) مَعَاشِرَ الْمَالِكِيَّةِ (أَنْ يَنْصَرِفَ) مُصَلِّي الْجُمُعَةِ (بَعْدَ فَرَاغِهَا) وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَحْمِيدٍ وَتَكْبِيرٍ وَقِرَاءَةِ نَحْوِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ مِمَّا يُطْلَبُ عَقِبَ الْفَرَائِضِ إلَى بَيْتِهِ وَيَتَنَفَّلُ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ النَّوَافِلِ (وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمَسْجِدِ) لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ إثْرَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ ذَلِكَ» ، وَتَسْتَمِرُّ الْكَرَاهَةُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَنْصَرِفَ الشَّخْصُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ حَتَّى يُحْدِثَ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ غَيْرَهُ، لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَشَدُّ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَكْثَرُ الْمُصَلِّينَ لَا كُلُّهُمْ، أَوْ بِمَعْنَى زَمَنِ انْصِرَافِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفُوا، وَالْكَرَاهَةُ قَيَّدَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَوْ يُخْشَى مِنْهُ اعْتِقَادُ وُجُوبِهَا، وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُهَا مَعَ الْعِلْمِ بِنَدْبِهَا فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا لَوْ فَعَلَهَا مُقَلِّدًا فِي فِعْلِهَا الْقَائِلَ بِطَلَبِهَا، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ يَقَعُ التَّنَفُّلُ مِنْ جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ. (وَلْيَتَنَفَّلْ) الْمَأْمُومُ فِي الْمَسْجِدِ (إنْ شَاءَ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَقَوْلُهُ إنْ شَاءَ يُوهِمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْدُوبٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ نَدْبُ النَّفْلِ قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ مِنْ الْخَلْوَةِ لِغَيْرِ الْجَالِسِ وَقْتَ الْأَذَانِ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: إنْ شَاءَ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ بِخِلَافِ الْجَالِسِ عِنْدَ الْأَذَانِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَكُرِهَ تَرْكُ طَهَارَةٍ فِيهَا وَالْعَمَلُ يَوْمَهَا وَبَيْعٌ كَعَبْدٍ بِسُوقٍ وَقْتَهَا وَتَنَفُّلُ إمَامٍ قَبْلَهَا أَوْ جَالِسٍ عِنْدَ الْأَذَانِ، وَأَمَّا التَّنَفُّلُ بَعْدَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ عَلَى الدَّاخِلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَنَفُّلَ الْمَأْمُومِ قَبْلَ الْأَذَانِ وَقَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ مَنْدُوبٌ وَعِنْدَ الْأَذَانِ مَكْرُوهٌ لِلْجَالِسِ، وَأَمَّا بَعْدُ خُرُوجِهِ فَحَرَامٌ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْحَرَامِ: وَابْتَدَأَ صَلَاةً بِخُرُوجِهِ وَإِنْ لِدَاخِلٍ، وَمِثْلُ خُرُوجِ الْخَطِيبِ دُخُولُهُ ذَاهِبًا لِلْمِنْبَرِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ خُرُوجِهِ أَوْ عِنْدَ دُخُولِهِ مُتَوَجِّهًا إلَى الْمِنْبَرِ، فَإِنْ كَانَ جَالِسًا قَبْلَ ذَلِكَ قَطَعَ صَلَاتَهُ وَلَوْ ابْتَدَأَهَا سَاهِيًا عَنْ خُرُوجِهِ أَوْ دُخُولِهِ، وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ حِينَ خُرُوجِهِ أَوْ دُخُولِهِ وَأَحْرَمَ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِخُرُوجِهِ أَوْ دُخُولِهِ وَبِالْحُكْمِ قَطَعَ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا خَفَّفَ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُحْرِمًا قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ أَوْ دُخُولِهِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ قَطْعِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ بَعْدَ قَوْلِهِ وَابْتَدَأَ صَلَاةً بِخُرُوجِهِ: وَلَا يَقْطَعُ إنْ دَخَلَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ وَلَوْ لِلدَّاخِلِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَمُقَابِلُهُ جَوَازُ إحْرَامِهِ وَلَوْ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ، وَعَلَيْهِ السُّيُورِيُّ مِنْ عُلَمَائِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا قَائِلًا: الرُّكُوعُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ لِمَا
فِي الصَّحِيحَيْنِ: