الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهَا مِنْ سَبِخَةٍ أَوْ حَمْأَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا،
[بَابٌ فِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْمَاءِ]
وَمَاءُ السَّمَاءِ
وَمَاءُ الْعُيُونِ
وَمَاءُ الْآبَارِ
وَمَاءُ الْبَحْرِ طَيِّبٌ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ لِلنَّجَاسَاتِ
، وَمَاءٌ غُيِّرَ لَوْنُهُ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ حَلَّ فِيهِ فَذَلِكَ الْمَاءُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ فِي وُضُوءٍ أَوْ طُهْرٍ أَوْ زَوَالِ نَجَاسَةٍ وَمَا غَيَّرَتْهُ النَّجَاسَةُ فَلَيْسَ بِطَاهِرٍ وَلَا مُطَهِّرٍ،
وَقَلِيلُ الْمَاءِ يُنَجِّسُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ
وَقِلَّةُ الْمَاءِ مَعَ إحْكَامِ الْغُسْلِ سُنَّةٌ وَالسَّرَفُ مِنْهُ
ــ
[الفواكه الدواني]
يَصِحُّ التَّطَهُّرُ بِهِ (مِنْ سَبِخَةٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ الْأَرْضِ ذَاتِ سِبَاخٍ.
قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ فَيَكُونُ بِفَتْحِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ مِلْحٍ وَرَشْحٍ مُلَازِمٍ، وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ جَعْلِ سَبِخَةٍ صِفَةً لِلْأَرْضِ فَتُكْسَرُ الْبَاءُ كَمَا قَرَّرَنَا وَبَيْنَ إرَادَةِ وَاحِدَةِ السِّبَاخِ فَتُفْتَحُ. (أَوْ) مِنْ (حَمْأَةٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَهْمُوزٌ وَهُوَ طِينٌ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ (أَوْ نَحْوُهُمَا) مِنْ كُلِّ مَا لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمَاءِ، وَلَوْ أُخْرِجَتْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ الْمَاءِ وَأُلْقِيَتْ فِيهِ قَصْدًا كَمَغْرَةٍ وَشَبٍ وَمِلْحٍ وَزِرْنِيخٍ مِمَّا هُوَ مِنْ قَرَارِهِ أَوْ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ كَالطُّحْلُبِ وَهِيَ الْخُضْرَةُ الَّتِي تَعْلُو الْمَاءَ وَتُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ بِالرِّيمِ وَكَالسَّمَكِ الْحَيِّ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَيَصِيرُ الْمَاءُ طَاهِرًا غَيْرَ طَهُورٍ.
وَأَمَّا تَغَيُّرُ الْمَاءِ بُرُوئِهِ فَيَضُرُّ وَلَوْ حَيًّا عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَقَالَ الْحَطَّابُ: وَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِالسَّمَكِ وَلَا رَوْثِهِ احْتَاجَ إلَى ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ أَمْ لِأَنَّهُ إمَّا مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا، وَيَظْهَرُ لِي مُوَافَقَةُ كَلَامِ الْحَطَّابِ لِإِطْلَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ عِنْدَ قَوْل الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ أَوْ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْهُ مَا لَمْ يُطْبَخْ فِيهِ: وَأَمَّا لَوْ طُبِخَ نَحْوُ الطُّحْلُبِ وَغَيَّرَ الْمَاءَ فَإِنَّهُ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ وَلَوْ مِلْحًا أَوْ كِبْرِيتًا عَلَى كَلَامِ الْحَطَّابِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ، وَلَوْ أُخْرِجَ مِنْ مَاءٍ وَأُلْقِيَ فِي آخَرَ وَلَوْ تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا بَيِّنًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ إنَاءً مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَوَضَعَ فِيهِ الْمَاءَ وَغَيَّرَهُ لَا يَضُرُّ، وَلَوْ أُحْرِقَتْ الْأَوَانَيْ بِالنَّارِ كَالْجِرَارِ الْحُمْرِ وَلَوْ حُرِقَتْ بِزِبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ رَمَادَ النَّجَسِ وَدُخَانَهُ طَاهِرَانِ، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِالْجِبْسِ وَلَا بِالْجِيرِ لِأَنَّهُ كَالْفَخَّارِ وَلَا بِالْمِلْحِ وَلَوْ طُرِحَ فِيهِ قَصْدًا وَلَوْ مَصْنُوعًا إلَّا مَا كَانَ مَصْنُوعًا مِنْ حَشِيشٍ فَإِنَّهُ إذَا أُلْقِيَ فِي الْمَاءِ وَغَيَّرَهُ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ اتِّفَاقًا
وَلَمَّا قَدَّمَ مَا هُوَ كَالْحَدِّ لِلْمُطْلَقِ نَصَّ عَلَى أَنْوَاعِهِ بِالْعَدِّ فَقَالَ: (وَمَاءُ السَّمَاءِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ طَيِّبٌ طَاهِرٌ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْمَطَرَ وَالنَّدَا وَالثَّلْجَ وَالْبَرَدَ وَالْجَلِيدَ ذَابَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ، وَإِذَا وُجِدَ دَاخِلَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ فَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ، وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ حِيضَانِ الْأَخْلِيَةِ مِنْ الْعُذْرَةِ فَإِنْ غَيَّرَتْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْمَاءِ سَلَبَتْ طَهُورِيَّتَهُ وَإِلَّا فَلَا، فَالْخَبَرُ:«خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» هَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رضي الله عنه.
(وَمَاءُ الْعُيُونِ) النَّابِعَةِ مِنْ الْأَرْضِ كَزَمْزَمَ طَيِّبٌ طَاهِرٌ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ طَعَامٌ يَحْرُمُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ وَتَغَسُّلُ الْمَيِّتِ بِهِ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ دُخُولِهِ فِي الْمُطْلَقِ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَإِزَالَةِ عَيْنِ أَوْ حُكْمِ الْخَبَثِ، وَأَمَّا تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ بِهِ فَيُكْرَه عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ مَيِّتِهِ وَيَجُوزُ عَلَى طَهَارَتِهِ.
(وَمَاءُ الْآبَارِ) وَلَوْ آبَارَ ثَمُودَ وَإِنْ نُهِيَ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا طَيِّبٌ طَاهِرٌ، وَتَقَدَّمَ صِحَّةُ صَلَاةِ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَائِهَا أَوْ تَيَمَّمَ عَلَى أَرْضِهَا لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَإِنْ أَمَرَهُمْ بِطَرْحِ مَا عُجِنَ مِنْ مَائِهَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِغَسْلِ أَوَانِيهمْ، فَالْوُضُوءُ بِمَائِهَا كَالْوُضُوءِ بِمَاءِ الْمَغْصُوبِ.
(وَمَاءُ الْبَحْرِ) وَلَوْ الْمِلْحَ وَلَوْ كَانَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرِّيحِ (طَيِّبٌ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ لِلنَّجَاسَاتِ) وَرَافِعٌ لِلْأَحْدَاثِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» أَيْ مَاؤُهُ طَهُورٌ وَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ.
(تَنْبِيهٌ) : إفْرَادُ الْخَبَرِ وَهُوَ طَيِّبٌ طَاهِرٌ، لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ بِالْإِضَافَةِ أَوْ حُذِفَ لَفْظُ طَيِّبٍ طَاهِرٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ لِدَلَالَةِ الرَّابِعِ عَلَيْهَا، وَالطَّاهِرُ مُرَادِفٌ لِلطَّيِّبِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِالْمُفَارِقِ لَا يَصِحُّ بِهِ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ بَيَّنَ هُنَا مَا يُفْعَلُ بِهِ فَقَالَ: (وَمَاءٌ غَيَّرَ لَوْنَهُ) أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ (شَيْءٌ طَاهِرُ حَلَّ فِيهِ) مِمَّا يُفَارِقُ الْمَاءَ غَالِبًا كَلَبَنٍ أَوْ عَسَلٍ وَلَوْ لَمْ يُمَازِجْ عَلَى الْمَشْهُورِ. (فَذَلِكَ الْمَاءُ طَاهِرٌ) فِي نَفْسِهِ غَيْرُ (مُطَهِّرٍ لِغَيْرِهِ) فَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ (فِي وُضُوءٍ أَوْ طُهْرٍ) أَيْ غُسْلٍ. (أَوْ) فِي زَوَالِ حُكْمِ (نَجَاسَةٍ) لِزَوَالِ اسْمِ الْمُطْلَقِ عَنْهُ، فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْعَادَاتِ كَالطَّبْخِ وَالْعَجْنِ وَإِزَالَةِ أَوْسَاخٍ طَاهِرَةٍ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ خَالَطَهُ طَاهِرٌ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ كَرَاهَةٍ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ طَاهِرٍ بِقَوْلِهِ:(وَمَا غَيَّرَتْهُ النَّجَاسَةُ) لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا تَحْقِيقًا أَوْ ظَنَّا (فَلَيْسَ بِطَاهِرٍ) وَلَوْ كَثِيرًا فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي طَبْخٍ وَلَا عَجْنٍ (وَلَا مُطَهِّرٍ) لِغَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَآدَمِيٍّ، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى جَمْعِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ أَيْ فَالْمُتَغَيِّرُ بِالطَّاهِرِ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، وَالْمُتَغَيِّرُ بِالنَّجَاسَةِ مُتَنَجِّسٌ، وَأَمَّا لَوْ أَخْبَرَك شَخْصٌ أَوْ اثْنَانِ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ وَلَمْ تُشَاهِدْ فِيهِ تَغَيُّرًا لِفَقْدِ
غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ وَقَدْ «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمُدٍّ» وَهُوَ وَزْنُ رِطْلٍ وَثُلُثٍ وَتَطَهَّرَ بِصَاعٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّهِ عليه الصلاة والسلام.
ــ
[الفواكه الدواني]
بَصَرٍ أَوْ ظُلْمَةٍ، فَإِنْ كَانَ عَدْلَ رِوَايَةٍ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ وَمُوَافِقًا لَك فِي الْمَذْهَبِ أَوْ مُخَالِفًا وَبَيَّنَ لَك وَجْهَ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْك قَبُولُ خَبَرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُخَالِفُ وَجْهَ النَّجَاسَةِ فَالْأَحْسَنُ تَرْكُ الْمَاءِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَقُبِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ إنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا وَاتَّفَقَا مَذْهَبًا وَإِلَّا فَقَالَ يُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ، وَمَا لَوْ أَخْبَرَك شَخْصٌ بِطَهَارَةِ مَاءٍ شَكَكْت فِي نَجَاسَتِهِ لَوَجَبَ عَلَيْك الرُّجُوعُ إلَى خَبَرِهِ وَلَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَاءُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي الْمَاءِ مَا يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ أَوْ يَسْلُبَ طَهُورِيَّتَهُ، وَإِلَّا عَمِلَ بِالتَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَوْ زَالَ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ مِنْ غَيْرِ صَبِّ مُطْلَقٍ عَلَيْهِ كَبَعْضِ الْبِرَكِ الَّتِي تُلْقَى فِيهَا النَّجَاسَةُ وَكَمَاءِ الْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ بِالْحَرَارَةِ هَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى تَنْجِيسِهِ أَوْ يَنْقَلِبُ طَهُورًا؟ قَوْلَانِ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى تَنْجِيسِهِ، وَأَمَّا لَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِصَبِّ مُطْلَقٍ عَلَيْهِ وَلَوْ يَسِيرًا أَوْ تُرَابٍ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ التُّرَابِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ طَهُورًا، وَأَمَّا لَوْ ظَهَرَ أَثَرُ التُّرَابِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَسْتَصْحِبُ تَنْجِيسَهُ، وَأَمَّا لَوْ زَالَ تَغَيُّرُ الطَّاهِرِ الْمُفَارِقِ بِنَفْسِهِ وَأَوْلَى بِوَاسِطَةِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ طَهُورًا قَطَعَا.
الثَّانِي: لَوْ تَحَقَّقْنَا تَغَيُّرَ الْمَاءِ وَشَكَكْنَا فِي الْمُغَيِّرِ لَهُ هَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يَضُرُّ أَمْ لَا؟ فَهُوَ طَهُورٌ حَيْثُ اسْتَوَى طَرَفَا الشَّكِّ وَإِلَّا عُمِلَ عَلَى الظَّنِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَحَقَّقْنَا التَّغَيُّرَ وَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُغَيِّرَ مِمَّا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَشَكَكْنَا فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَلَا يَكُونُ طَهُورًا بَلْ هُوَ طَاهِرٌ فَقَطْ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَسْأَلَةٍ وَقَعَ فِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ بِقَوْلِهِ: (وَقَلِيلُ الْمَاءِ) وَهُوَ قَدْرُ آنِيَةِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ وَلَوْ لِلْمُتَوَضِّئِ (يُنَجِّسُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ) الْحَالَّةِ فِيهِ (وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ) هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنَّهُ لَا يَنْجَسُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا أَيْ يَدْفَعُ النَّجَسَ وَلَا يَقْبَلُهُ.
قَالَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ أَيْ يَتَنَجَّسُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ وَلَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغْيِيرِ وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ قُلَّتَيْنِ مُسْتَدِلًّا بِخَبَرِ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا خِرَقُ الْحَيْضِ وَلُحُومُ الْكِلَابِ، إذْ سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» وَلَا يُعَارِضُ هَذَا حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِتَضْعِيفِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ لَهُ، وَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ إنَّمَا يَدُلُّ بِالْمَفْهُومِ، وَدَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ تُقَدَّمُ عَلَى دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ: لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا مَعْنَاهُ يَضْعُفُ عَنْ حَمْلِ النَّجَاسَةِ فَتَظْهَرُ فِيهِ فَتَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، فَيَكُونُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّنَجُّسَ بِسَبَبِ التَّغَيُّرِ وَالشَّيْءُ يَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ سَبَبِهِ، وَحُكْمُ هَذَا الْقَلِيلِ عَلَى الْمَشْهُورِ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ وَالْكَرَاهَةُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِ الْمِيَاهِ الْمَكْرُوهَةِ: وَكُرِهَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ وَفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ وَيَسِيرٌ كَآنِيَةِ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ بِنَجِسٍ لَمْ يُغَيَّرْ أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ وَرَاكِدٌ يُغْتَسَلُ فِيهِ إلَخْ، وَإِذَا تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ الْمَذْكُورِ وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَصْلًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا عَلَى الضَّعِيفِ الَّذِي هُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: لَوْ صَلَّى بِهِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ أَبَدًا مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ قَلِيلٍ أَنَّ الْكَثِيرَ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى آنِيَةِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَا يَنْجَسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ بِالْفِعْلِ اتِّفَاقًا، وَمَفْهُومُ النَّجَاسَةِ أَنَّ الْقَلِيلَ إذَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ مُفَارِقٌ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ غَيْرِ نَزَعٍ.
الثَّانِي: تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَاءَ الْمَخْلُوطَ بِالْمُفَارِقِ عَلَى أَقْسَامٍ: قِسْمٌ طَاهِرٍ طَهُورٌ وَهُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، وَقِسْمٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَهُوَ الَّذِي تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، وَلَا فَرْق مَعَ التَّغَيُّرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ، وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ وَهُوَ الْقَلِيلُ الَّذِي حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ مُتَنَجِّسٌ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ مَكْرُوهُ الِاسْتِعْمَالِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ.
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهِ مِنْ الْمَاءِ وَمَا لَا يَصِحُّ، شَرَعَ فِي مَسْأَلَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَا تُرْجِمَ لَهُ فَقَالَ:(وَقِلَّةُ الْمَاءِ) أَيْ وَتَقْلِيلُ الْمَاءِ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ (مَعَ إحْكَامٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إتْقَانِ (الْغُسْلِ) أَوْ الْوُضُوءِ (سُنَّةٌ) بِمَعْنَى مُسْتَحَبَّةٌ، وَعَبَّرَ بِالسُّنَّةِ جَرَيَا عَلَى طَرِيقِ الْبَغْدَادِيِّينَ لِأَنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ عَنْ الْمُسْتَحَبِّ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّ الْكُلَّ فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مُرَادُهُ بِالسُّنَّةِ مُقَابِلُ الْبِدْعَةِ. (وَالسَّرَفُ) أَيْ الْإِكْثَارُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَاءِ زِيَادَةٌ عَلَى الْحَدِّ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا فِي الْأَعْضَاءِ أَوْ الْغَسَلَاتِ (غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ) وَمَعْنَى الْغُلُوِّ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا يُطْلَبُ شَرْعًا، وَالْبِدْعَةُ كُلُّ مَا خَرَجَ عَنْ الشَّرْعِ وَهِيَ هُنَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ لِقَوْلِهِ فِي النَّوَادِرِ: وَالْقَصْدُ فِي الْمَاءِ مُسْتَحَبٌّ وَالسَّرَفُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ مَخَافَةَ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَى صَبِّ الْمَاءِ وَيَتْرُكَ التَّدَلُّكَ، وَلَا وَجْهَ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِتَغْيِيرِهِ بِلَفْظِ الْبِدْعَةِ لِإِيهَامِهِ الْحُرْمَةَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ مَكْرُوهَةً، وَلَا فَرْقَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ أَوْ الْمَنْدُوبَيْنِ، وَأَمَّا السَّرَفُ فِي غَيْرِ الْوُضُوءِ كَغَسْلِ الثَّوْبِ أَوْ الْإِنَاءِ لِزِيَادَةِ التَّنْظِيفِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، كَزِيَادَةِ الْغَسَلَاتِ فِي الْوُضُوءِ
وَطَهَارَةُ الْبُقْعَةِ لِلصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ وَكَذَلِكَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ فَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ فِيهِمَا وَاجِبٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ وَقِيلَ وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَيُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَمَحَجَّةِ الطَّرِيقِ وَظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَالْحَمَّامِ حَيْثُ
ــ
[الفواكه الدواني]
لِنَحْوِ تَبَرُّدٍ أَوْ تَدَفٍّ، وَأَمَّا طَرْحُ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ لِسَبَبٍ كَأَنْ يَكُونَ شَرِبَ مِنْهُ مَا عَادَتُهُ اسْتِعْمَالُ النَّجَاسَاتِ فَلَا إشْكَالَ فِي الْجَوَازِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَبَثًا فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْقُوفًا أَوْ مَمْلُوكًا وَهُوَ فِي مَحَلٍّ لِلْمَاءِ فِيهِ ثَمَنٌ عَظِيمٌ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ هَكَذَا يَنْبَغِي.
ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَقْلِيلِ الْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمُدٍّ» وَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةٍ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُضُوءِ كَمَا قَرَّرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ إلَّا عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ الْعَامَّةُ مِنْ دُخُولِهِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَعَلَّ هَذَا مُلْحَظٌ مِنْ قَدْرِ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. (وَهُوَ وَزْنُ رِطْلٍ وَثُلُثٍ) وَالرِّطْلُ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى الْأَجْوَدِ اثْنَا عَشَرَ أُوقِيَّةً، وَالْأُوقِيَّةُ عَشَرَةُ دَرَاهِمِ وَقِيلَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ وَخُمُسَا حَبَّةً مِنْ مُتَوَسِّطِ الشَّعِيرِ الْمَقْطُوعِ الطَّرَفَيْنِ. (وَتَطَهَّرَ) أَيْ غَسَلَ جَمِيعَ جَسَدِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ غَسْلِ مَا هُنَاكَ مِنْ الْأَذَى (بِصَاعٍ وَهُوَ) أَيْ الصَّاعُ بِمَعْنَى وَزْنِهِ (أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّهِ عليه الصلاة والسلام) وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُدَّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ، فَيَكُونُ الصَّاعُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مِصْدَاقُ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ» فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اسْتِحْبَابِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْقَدْرِ الْكَافِي لَا لِلتَّحْدِيدِ خِلَافًا لِبَعْضِ الشُّيُوخِ، وَسَيَنُصُّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُ التَّحْدِيدُ بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ فِي أَحْكَامِ ذَلِكَ سَوَاءٌ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْحَدِيثِ «تَوَضَّأَ عليه الصلاة والسلام بِمُدٍّ» ، أَنَّ الْمُرَادَ تَوَضَّأَ مِنْ وَزْنِ مُدٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ كَيْلِ مُدٍّ لَا بِوَزْنِ مُدٍّ.
قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ: بِمِقْدَارِ مَا يَبْلُغُهُ وَزْنُ مُدٍّ مِنْ الطَّعَامِ لَا بِمِقْدَارِ وَزْنِ مُدٍّ مِنْ الْمَاءِ، إذْ مَا يَبْلُغُهُ وَزْنُ مُدٍّ مِنْ الطَّعَامِ، فَإِذَا وُزِنَ مُدٌّ مِنْ الطَّعَامِ وَوُضِعَ فِي آنِيَةٍ فَإِنَّهُ يَشْغَلُ مِنْهَا أَكْثَرَ مَا يَشْغَلُهُ وَزْنُ الْمُدِّ مِنْ الْمَاءِ إذَا وُضِعَ فِي الْآنِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَدْرُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي يَبْلُغُ مِنْ الْآنِيَةِ مَبْلَغَ الْمُدِّ مِنْ الطَّعَامِ، وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي الصَّاعِ.
الثَّانِي: وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي بَعْضِ الشُّيُوخِ فِي صُورَةِ وُضُوئِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِّ هَلْ هُوَ الْوُضُوءُ الَّذِي اقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى مَرَّةٍ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ؟ قَالَ الْجُزُولِيُّ: لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصَّا، وَهَذَا لَا يُنَافِيَ طَلَبَ الِاقْتِصَارِ فِي الْمَاءِ سَوَاءٌ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ مِنْ شَفْعِ غُسْلِهِ وَتَثْلِيثِهِ أَوْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَرَّةٍ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّطْهِيرُ وَمِنْ أَنْوَاعِ الْمِيَاهِ، وَمَا لَا يَصِحُّ بِهِ وَهُوَ الْمُتَغَيِّرُ بِالْمُفَارِقِ غَالِبًا، وَمِنْ بَيَانِ الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ مِنْهُ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُضَادَّةِ لِلطَّهَارَةِ وَهِيَ النَّجَاسَةُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهَا وَهِيَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا مَنْعَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ بِقَوْلِهِ:(وَطَهَارَةُ الْبُقْعَةِ) وَهِيَ مَكَانُ الْمُصَلِّي (لِلصَّلَاةِ) وَلَوْ نَافِلَةً (وَاجِبَةٌ) وَفَسَّرْنَا الْبُقْعَةَ بِمَكَانِ الْمُصَلِّي الَّذِي تَمَسُّهُ أَعْضَاؤُهُ لِأَنَّ الْمُومِئَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ طَهَارَةُ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ لَا طَهَارَةُ مَا يُومِئُ إلَيْهِ وَإِنْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ حَسْرَ عِمَامَتِهِ حَالَ الْإِيمَاءِ، لِأَنَّ الْحَائِلَ مَانِعٌ مِنْ فَرْضٍ مُجْمَعٍ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ، بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ أَمْرَهَا خَفِيفٌ، وَأَيْضًا أَسْقَطُوا عَنْ الْمُومِئِ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَكَيْفَ يَشْتَرِطُونَ عَلَيْهِ طَهَارَةً أَزْيَدَ مِنْ مَحَلِّ قَدَمَيْهِ؟ (وَكَذَلِكَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ) أَيْ مَحْمُولُ الْمُصَلِّي وَلَوْ طَرَفَ عِمَامَتِهِ الْمُلْقَى بِالْأَرْضِ، سَوَاءٌ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ الْمُصَنِّفُ كَثِيرًا مَا يُطْلِقُ الْوَاجِبَ عَلَى الطَّلَبِ الْمُتَأَكَّدِ قَالَ:(فَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْوُجُوبُ (فِيهِمَا) أَيْ الْبُقْعَةِ وَالثَّوْبِ (وَاجِبٌ) مِثْلُ (وُجُوبِ الْفَرَائِضِ) عَلَى الْمُكَلَّفِ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ وَيُطْلَبُ مِنْ الصَّبِيِّ، لِأَنَّ الطَّلَبَ بِالشُّرُوطِ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ يَسْتَوِي فِي الطَّلَبِ بِهِ الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ، لَكِنْ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالذِّكْرِ لَا مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ، وَعَلَيْهِ فَإِنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ فِي بُقْعَةٍ مُتَنَجِّسَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَيُعِيدُهَا أَبَدًا مَعَ الْعَمْدِ وَلَوْ جَاهِلًا وَفِي الْوَقْتِ مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ، وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَصَدَّرَ بِهِ خَلِيلٌ وَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ السَّلَامِ وَهُوَ كَرِشُ الْبَعِيرِ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَقْطَعْ الصَّلَاةَ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَوْ عَلِمَ بِهِ وَكَانَ مِنْ مُزَكًّى أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الْإِشْكَالَ.
(وَقِيلَ) الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ فِيهِمَا (وُجُوبُ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ) أَيْ الطَّلَبُ الْمُتَأَكِّدُ لَا أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَيَكُونُ عَبَّرَ بِالْوُجُوبِ مَجَازًا لِاشْتِرَاكِ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ فِي مُطْلَقِ الطَّلَبِ، وَهَذَا الْقَوْلُ شَهَّرَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَلَفْظُهُ: رَفْعُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
النَّجَاسَاتِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْأَبَدَانِ سُنَّةٌ لَا فَرِيضَةٌ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَعَلَيْهِ فَمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ عَمْدًا الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ وَالْعِشَاءَيْنِ لِلْفَجْرِ وَالصُّبْحَ لِلطُّلُوعِ وَالْجُمُعَةَ كَالظُّهْرَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَالْخِلَافُ حَقِيقِيٌّ لِقَوْلِ الْقُرْطُبِيِّ: لَمْ يَذْكُرْ عَنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بِالْإِعَادَةِ أَبَدًا عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ يُمْكِنُ حَمْلُ الْأَبَدِيَّةِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ لَفْظِيٌّ، وَهَذَا مُحَصِّلُ قَوْلِ خَلِيلٍ: هَلْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ ثَوْبِ مُصَلٍّ وَلَوْ طَرَفَ عِمَامَتِهِ وَبَدَنِهِ وَمَكَانِهِ لَا طَرَفَ حَصِيرِهِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ؟ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ وَإِلَّا أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ. خِلَافٌ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرَنَا أَنَّ الْوُجُوبَ مُقَيَّدٌ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ دُونَ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْحَطُّ عَنْ مَرْتَبَةِ السُّنِّيَّةِ مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ، لِأَنَّ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى تَرْكِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ وَلَوْ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا وَمِنْ بَابِ أَوْلَى مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ.
الثَّانِي: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ مُحَصَّلُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ وَمِنْهُ دَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبُقْعَةِ، وَالثَّوْبُ لِلصَّلَاةِ وَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ خَلِيلٍ، وَأَمَّا الْبَاطِنُ فَمَا دَخَلَ فِي الْمَعِدَةِ طَاهِرًا فَلَا حُكْمَ لَهُ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَخُرُوجِهِ مِنْهَا، وَأَمَّا مَا دَخَلَ فِيهَا غَيْرَ طَاهِرٍ فَالرَّاجِحُ وُجُوبُ تقايئه مَعَ الْقُدْرَةِ وَالذِّكْرِ، وَإِلَّا أَعَادَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَبَدًا وُجُوبًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَنَدْبًا فِي الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ النِّسْيَانِ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ وَتُعَادُ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ شَامِلٌ لِمَنْ اسْتَعْمَلَ النَّجَاسَةَ مُخْتَارًا أَوْ مُضْطَرًّا، وَسَوَاءٌ تَابَ أَمْ لَا عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ.
الثَّالِثُ: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ طَهَارَةِ الْبَدَنِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ خِلَافٌ، الْمَشْهُورُ مِنْهُ الِاسْتِحْبَابُ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَعْرَقُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ مَكْرُوهٌ، وَقَالَ سَيِّدِي زَرُّوقٌ وَسَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عِمْرَانَ: أَنَّهُ حَرَامٌ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ وَأَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ التَّضَمُّخُ بِهِ اتِّفَاقًا وَفِي غَيْرِ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الطَّهَارَةِ بِقِسْمَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا نِزَاعَ فِي إزَالَةِ الْمَانِعِ مِنْهَا حَيْثُ إنَّهُ حَائِلٌ.
الرَّابِعُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّوْبِ مَحْمُولُ الْمُصَلِّي وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ مَنْ صَلَّى بِجَنْبِ مَنْ بِثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ، وَمُحَصَّلُهُ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ عَلَيْهِ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِغَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَسْجُدَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ غَيْرُ طَاهِرِ الثِّيَابِ يَتَّصِلُ بِأَبِيهِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، أَوْ حَمَلَ لَابِسَ الثِّيَابِ الْمُتَنَجِّسَةِ مِثْلُ أَنْ يَرْكَبَ الصَّغِيرُ أَبَاهُ أَوْ يَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَيَقُومُ بِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ لِحَمْلِهِ النَّجَاسَةَ، لِأَنَّ حَمْلَ ذِي الثِّيَابِ الْمُتَنَجِّسَةِ أَشَدُّ مِنْ سُقُوطِ ثِيَابِهِ دُونَ حَمْلِهِ.
1 -
وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَهَارَةِ الْبُقْعَةِ لِلصَّلَاةِ نَاسَبَ ذِكْرَ الْأَمَاكِنِ السَّبْعَةِ الَّتِي يُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا بِقَوْلِهِ: (وَيُنْهَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ عَائِدٌ عَلَى مُرِيدِ الصَّلَاةِ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ. (عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ) وَالْمَعَاطِنُ جَمْعُ مَعْطِنٍ وَهُوَ مَوْضِعُ بُرُوكِهَا عِنْدَ الْمَاءِ لِشُرْبِهَا عِلَلًا وَهُوَ الشُّرْبُ الثَّانِي بَعْدَ نَهَلٍ وَهُوَ الشُّرْبُ الْأَوَّلُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ ذَلِكَ مِنْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّعَبُّدِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَبِمَعْطِنِ إبِلٍ وَلَوْ أَمِنَ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَوْ فَرَشَ شَيْئًا طَاهِرًا فِيهِ، وَعَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّعَبُّدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَوْضِعُ مَبِيتِهَا لَا عَلَى مُقَابِلِهِ مِنْ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِكَثْرَةِ إنْزَالِهَا فِيهِ فَنَكْرَهُ فِي مَبِيتِهَا بِالْأَوْلَى، وَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ وَصَلَّى فَفِي كَيْفِيَّةِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا، وَثَانِيهِمَا يُعِيدُ النَّاسِي فِي الْوَقْتِ، وَالْجَاهِلُ وَالْعَامِدُ يُعِيدَانِ أَبَدًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ تَكُونُ فِيمَا يُعَادُ اسْتِحْبَابًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَبِمَعْطِنِ الْإِبِلِ وَلَوْ أَمِنَ، وَفِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ، وَمَفْهُومُ الْإِبِلِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَرَابِضِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ جَائِزَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَجَازَتْ بِمَرْبِضِ بَقَرٍ وَغَنَمٍ.
(وَ) ثَانِيهَا الصَّلَاةُ فِي (مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ) وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ لِأَنَّ الْمَحَجَّةُ هِيَ الطَّرِيقُ وَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ حَيْثُ شُكَّ فِي إصَابَتِهَا بِأَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا وَيُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا لَوْ تُيُقِّنَتْ طَهَارَتُهَا فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا إعَادَةَ، وَإِنْ تَحَقَّقْت نَجَاسَتُهَا فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَتُعَادُ الصَّلَاةُ أَبَدًا مَعَ الْعَمْدِ أَوْ الْجَهْلِ وَمَعَ النِّسْيَانِ أَوْ الْعَجْزِ فِي الْوَقْتِ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ صَلَّى فِيهَا اخْتِيَارًا، وَأَمَّا اضْطِرَارًا لِضَيِّقِ الْمَسْجِدِ مَثَلًا فَلَا كَرَاهَةَ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ نَاجِي: كُلّ مَوْضِعٍ كُرِهَتْ فِيهِ الصَّلَاةُ لِغَلَبَةِ النَّجَاسَةِ حُكِمَ لَهُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
(وَ) ثَالِثُهَا: الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَى (ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ) أَيْ الْكَعْبَةِ لَكِنَّ النَّهْيَ هُنَا لِلتَّحْرِيمِ وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: وَبَطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا وَتُعَادُ أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ قِطْعَةٌ مِنْ حِيطَانِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِاسْتِقْبَالِهِ جُمْلَةُ الْبِنَاءِ لَا بَعْضُهُ وَلَا الْهَوَاءِ، وَلَا تَرِدُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى أَبُو قُبَيْسٍ مَعَ كَوْنِ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلًا