المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْإِسْرَارُ إنْ جَهَرَ فِي النَّهَارِ فِي تَنَفُّلِهِ فَذَلِكَ وَاسِعٌ   ‌ ‌وَأَقَلُّ الشَّفْعِ - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ١

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ: مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ]

- ‌[أَحْكَامِ النِّفَاسِ]

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَمَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْمَاءِ]

- ‌[حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُضَادَّةِ لِلطَّهَارَةِ]

- ‌[مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَسْنُونِهِ وَمَفْرُوضِهِ وَذِكْرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوُضُوءِ]

- ‌[صِفَةِ الطَّهَارَة الْحَدَثِيَّةِ]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءِ]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْإِتْيَانُ بِهِ]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌بَابٌ فِي الْغُسْلِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌بَابٌ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَصِفَةِ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَسْمَائِهَا

- ‌[بَاب الْأَذَان وَالْإِقَامَة]

- ‌[صفة الْأَذَان]

- ‌[صِفَةِ الْإِقَامَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ

- ‌[صفة الْجُلُوس فِي التَّشَهُّد]

- ‌[مَا يُسْتَحَبُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ]

- ‌وَأَقَلُّ الشَّفْعِ

- ‌[مَنْدُوبَات الصَّلَاة]

- ‌[مَكْرُوهَات الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب جَامِع فِي الصَّلَاة]

- ‌[السَّاهِي فِي صَلَاتِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ مِنْ سُجُودٍ وَعَدَمِهِ]

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ لِاعْتِقَادِهِ كَمَالَهَا]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا]

- ‌[تَرْتِيبِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِصَلَاةٍ حَاضِرَةٍ]

- ‌[مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[مَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاة]

- ‌[أَسْبَاب الْجَمْع وَصِفَته]

- ‌[الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[صِفَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الرُّعَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي سُجُود الْقُرْآن]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقْتَ صَلَاة الْجُمُعَةَ]

- ‌[شُرُوطِ وُجُوبِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[آدَاب الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌[صفة صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر]

- ‌[صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَالتَّكْبِير أَيَّام منى]

- ‌[زَمَن صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[خُطْبَةَ الْعِيدِ]

- ‌[صِفَةِ خُرُوجِ الْإِمَامِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[غُسْلَ الْعِيدِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخُسُوف]

- ‌[صفة صَلَاة الْكُسُوف وَالْخُسُوف]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[وَقْت صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[بَاب مَا يَفْعَل بِالْمُحْتَضَرِ وَفِي غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[الْبُكَاء عِنْدَ مَوْتِ الْمَيِّت]

- ‌[تَغْسِيلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ]

- ‌[التَّكْفِينِ وَمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ]

- ‌[غُسْلِ الشُّهَدَاءِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[صِفَةِ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ]

- ‌[بَاب فِي الصَّلَاة عَلَى الْجَنَائِز وَالدُّعَاء لِلْمَيِّتِ]

- ‌ دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

- ‌مَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغُسْلِهِ

- ‌بَابٌ فِي الصِّيَامِ

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ شَهْر رَمَضَان]

- ‌[شُرُوطِ الصَّوْمِ]

- ‌[أَسْبَابٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ]

- ‌[أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَالَ كَوْنِهِ نَاسِيًا]

- ‌[مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّائِم فِي رَمَضَان]

- ‌[حُكْمِ التَّرَاوِيحِ فِي رَمَضَانَ]

- ‌بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌[أَقَلّ مُدَّة الأعتكاف]

- ‌[مُبْطِلَات الِاعْتِكَاف]

- ‌[مَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ]

- ‌[مَالًا يُبْطِل الِاعْتِكَاف]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْعَيْن وَالْحَرْث وَالْمَاشِيَة وَمَا يَخْرَج مِنْ الْمَعْدِن]

- ‌ زَكَاةُ الْحَرْثِ

- ‌[زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[زَكَاة عُرُوض التِّجَارَة]

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[زَكَاة الْمَعَادِن]

- ‌[الْجِزْيَةَ وَشُرُوطهَا]

- ‌[قَدْرُ الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ]

- ‌[مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْمَاشِيَة]

- ‌[نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌[حُكْمِ مَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَهُوَ الْوَقْصُ]

- ‌[زَكَاةِ الْخُلْطَةِ فِي الْأَنْعَام]

- ‌[شُرُوطِ زَكَّاهُ الْخَلِيطِينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[مَا تَخْرُجُ مِنْهُ صَدَقَة الْفِطْرِ]

- ‌[زَمَنِ إخْرَاجِهَا زَكَّاهُ الْفِطْر]

- ‌[بَاب فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ]

- ‌[غَصَبَ مَالًا وَحَجَّ بِهِ]

- ‌[صِفَتِهِ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ]

- ‌[سُنَنٍ الْغُسْلُ الْمُتَّصِلُ بِالْإِحْرَامِ]

- ‌[الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ]

- ‌ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌[شُرُوطِ الرَّمْيِ]

- ‌ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ

- ‌[الْعُمْرَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَمَا لَا يَحْرُمُ]

- ‌[أَفْضَل أَنْوَاع الْحَجّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا وَالذَّبَائِحِ وَالْعَقِيقَةِ وَالصَّيْدِ وَالْخِتَانِ

- ‌[أَكْلُ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[بَاب فِي الْجِهَاد]

- ‌[وَالرِّبَاطُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[بَاب فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور]

الفصل: الْإِسْرَارُ إنْ جَهَرَ فِي النَّهَارِ فِي تَنَفُّلِهِ فَذَلِكَ وَاسِعٌ   ‌ ‌وَأَقَلُّ الشَّفْعِ

الْإِسْرَارُ إنْ جَهَرَ فِي النَّهَارِ فِي تَنَفُّلِهِ فَذَلِكَ وَاسِعٌ

‌وَأَقَلُّ الشَّفْعِ

رَكْعَتَانِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يُصَلِّي الْوِتْرَ رَكْعَةً يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَإِنْ زَادَ مِنْ الْإِشْفَاعِ جَعَلَ آخِرَ ذَلِكَ الْوِتْرَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ

ــ

[الفواكه الدواني]

مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ، وَإِذَا دَخَلَ مَعَ الْوَاصِلِ فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الشَّفْعَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَيْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِسَلَامٍ وَلَا جُلُوسٍ بَيْنَهُمَا، وَيَقْرَأُ فِيهِمَا بِمَا يَقْرَأُ بِهِ فِيهِمَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا، وَيُلْغَزُ بِهَا وَيُقَالُ شَخْصٌ صَلَّى الشَّفْعَ بَعْدَ الْوَتْرِ، وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسَلِّمُ بِسَلَامِهِ بَلْ يَقُومُ لِلثَّالِثَةِ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ تَبَعًا لِوَصْلِ إمَامِهِ، نَعَمْ تَرَدَّدَ الْأُجْهُورِيُّ فِيمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ هَلْ يَنْوِي بِهِ رَكْعَةَ الْقَضَاءِ أَوْ يَنْوِي بِهِ الْوِتْرَ مُحَاذَاةً لِلْإِمَامِ؟ هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ.

1 -

(تَنْبِيهَاتٌ) . الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ وَقْتِهِ عَنْ خَلِيلٍ أَنَّ مَنْ قَدَّمَ الْعِشَاءَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ لِضَرُورَةٍ كَالْجَمْعِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ لَا يُصَلِّي الْوَتْرَ إلَّا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ وَقْتُهُ الْمُخْتَارُ لَهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَضَرُورِيُّهُ مِنْهُ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ عَقْدِ رَكْعَةٍ مِنْهَا، وَأَمَّا قَبْلَ عَقْدِهَا فَيَنْدُبُ قَطْعُهَا لَهُ لِلْفَذِّ.

وَفِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَقْطَعُ الصُّبْحَ لِلْوَتْرِ وَفِعْلُهُ فِي الضَّرُورِيِّ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَكْرُوهٌ

1 -

الثَّانِي: مَنْ أَعَادَ الْعِشَاءَ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ يُعِيدُ الْوَتْرَ، وَمِثْلُهُ مَنْ صَلَّاهَا بِنَجَاسَةٍ وَأَعَادَهَا لِأَجْلِ صَلَاتِهَا بِنَجَاسَةٍ نَاسِيًا وَأَحْرَى مَنْ أَعَادَهَا لِظُهُورِ بُطْلَانِهَا يُعِيدُ الْوَتْرَ، بِخِلَافِ مُعِيدِ الْعِشَاءِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ جَهْلًا أَوْ عَمْدًا لَا يُعِيدُهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ تَخُصُّهُ كَالْفَجْرِ؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَاتِ وَالرَّغَائِبَ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ نِيَّةٍ تَخُصُّهَا، بِخِلَافِ مُطْلَقِ التَّطَوُّعَاتِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ فَيَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ الْفِعْلِ.

الثَّالِثُ: عُلِمَ مِنْ أَنَّ وَقْتَهُمَا بَعْدَ الْعِشَاءِ الصَّحِيحَةِ وَالشَّفَقِ الْأَحْمَرِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ (جَهْرًا) لَكِنْ يَتَأَكَّدُ نَدْبُهُ فِي الْوِتْرِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَتَأَكَّدَ بِوِتْرٍ.

(وَكَذَلِكَ) أَيْ كَمَا يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (يُسْتَحَبُّ فِي) بَاقِي (نَوَافِلِ اللَّيْلِ الْإِجْهَارُ) لَكِنَّ التَّشْبِيهَ غَيْرُ تَامٍّ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَأَكُّدِهِ فِي الْوِتْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ نَوَافِلِ اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا تُؤَكَّدُ فِيهَا لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَالصِّفَةُ تَشْرُفُ بِشَرَفِ مَوْصُوفِهَا.

(وَ) أَمَّا الْقِرَاءَةُ (فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ) فَالْمُسْتَحَبُّ فِيهَا (الْإِسْرَارُ) اتِّبَاعًا لَهُ صلى الله عليه وسلم وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ وَلَيْسَ بِحَدِيثٍ.

(وَإِنْ) خَالَفَ الْمُسْتَحَبَّ بِأَنْ (جَهَرَ فِي النَّهَارِ فِي تَنَفُّلِهِ) أَوْ أَسَرَّ فِي اللَّيْلِ فِي تَنَفُّلِهِ (فَذَلِكَ وَاسِعٌ) أَيْ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَالْحِكْمَةُ فِي طَلَبِ الْجَهْرِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْإِسْرَارِ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ تَقَعُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُظْلِمَةِ فَيُنَبِّهُ الْقَارِئُ بِجَهْرِهِ الْمَارَّةَ، وَلِلْأَمْنِ مِنْ لَغْوِ الْكَافِرِ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ لِاشْتِغَالِهِ غَالِبًا فِي اللَّيْلِ بِالنَّوْمِ أَوْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ النَّهَارِ، وَإِنَّمَا طَلَبَ الْجَهْرَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِحُضُورِ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْقُرَى فَأَمَرَ الْقَارِئَ بِالْجَهْرِ لِيَسْمَعُوهُ فَيَحْصُلُ لَهُمْ الِاتِّعَاظُ بِسَمَاعِهِ.

[وَأَقَلُّ الشَّفْعِ]

(وَأَقَلُّ الشَّفْعِ رَكْعَتَانِ) وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) مِنْهُ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَ) يَقْرَأُ (فِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ) سُورَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَإِذَا فَرَغَ مِنْ سُجُودِهَا يَجْلِسُ (وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ) ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فَصْلُهُ عَنْ الْوِتْرِ، وَيُكْرَهُ وَصْلُهُ كَمَا قَدَّمْنَا.

(ثُمَّ يُصَلِّي الْوِتْرَ رَكْعَةً) وَاحِدَةً وَيُسْتَحَبُّ أَنْ (يَقْرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحُهَا خَطَأٌ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ: «أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها سُئِلَتْ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ: بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ.

وَفِي الثَّالِثَةِ: بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ» . وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِحْبَابُ الْقِرَاءَةِ بِهَذِهِ السُّوَرِ كَانَ لَهُ حِزْبٌ أَمْ لَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَخَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَالَ: إلَّا لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ فَمِنْهُ، وَبَحَثَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ غَازِيٍّ قَائِلًا: تَبِعَ خَلِيلٌ فِي تَقْيِيدِهِ بَحْثَ الْمَازِرِيِّ وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ الْعُدُولُ عَنْ نَقْلِ الْأَئِمَّةِ مِنْ اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَلَوْ لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ، وَأَيْضًا هُوَ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ فَإِنَّهُ عَامٌّ فِيمَنْ لَهُ حِزْبٌ وَغَيْرُهُ، فَلِلَّهِ دُرُّ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ تَرَكَ التَّقْيِيدَ.

(فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) أَحَدُهَا: إنْ لَمْ يَدْرِ أَهُوَ فِي الْوَتْرِ أَوْ فِي ثَانِيَةِ الشَّفْعِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا ثَانِيَةَ الشَّفْعِ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَنْ شَكَّ أَصَلَّى وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ وَيَأْتِي بِمَا شَكَّ فِيهِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ. ثَانِيهَا: إنْ شَكَّ أَهُوَ فِي ثَانِيَةِ الشَّفْعِ أَوْ أُولَاهُ أَوْ فِي الْوَتْرِ؟ جَعَلَهَا أُولَى الشَّفْعِ وَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ ثُمَّ يُصَلِّي الْوَتْرَ بَعْدَ ذَلِكَ. ثَالِثُهَا: مَنْ زَادَ رَكْعَةً فِي الْوِتْرِ سَهْوًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. رَابِعُهَا: مَنْ ذَكَرَ فِي تَشَهُّدِ وِتْرِهِ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ شَفْعِهِ فَإِنَّهُ يُشَفِّعُ وِتْرَهُ بِنِيَّةِ الشَّفْعِ، وَلَا يَضُرُّ إحْدَاثُ هَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ يَسْجُدُ لِزِيَادَةِ الْجُلُوسِ الَّذِي كَانَ يُسَلِّمُ بَعْدَهُ ثُمَّ يُوتِرُ. خَامِسُهَا: إذَا شَكَّ هَلْ شَفَّعَ وِتْرَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قِيلَ يُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُجْزَ بِهِ، وَقِيلَ يَسْجُدُ

ص: 200

اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَقِيلَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ

وَأَفْضَلُ اللَّيْلِ آخِرُهُ فِي الْقِيَامِ فَمَنْ أَخَّرَ تَنَفُّلَهُ وَوِتْرَهُ إلَى آخِرِهِ فَذَلِكَ أَفْضَلُ إلَّا مَنْ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَنَبَّهَ فَلْيُقَدِّمْ وِتْرَهُ مَعَ مَا يُرِيدُ مِنْ النَّوَافِلِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ إذَا اسْتَيْقَظَ فِي آخِرِهِ تَنَفَّلَ مَا شَاءَ مِنْهَا مَثْنَى مَثْنَى

وَلَا يُعِيدُ الْوِتْرَ

وَمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ عَنْ حِزْبِهِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ، ثُمَّ يُوتِرُ وَيُصَلِّي الصُّبْحَ

وَلَا يَقْضِي الْوِتْرَ مَنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الصُّبْحَ

وَمَنْ دَخَلَ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَيَأْتِي بِوَتْرٍ آخَرَ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ.

(وَإِنْ زَادَ) مُصَلِّي الشَّفْعِ (مِنْ الْإِشْفَاعِ) عَلَى أَقَلِّهِ وَهُوَ رَكْعَتَانِ (جَعَلَ) نَدْبًا (آخَرَ ذَلِكَ) الَّذِي صَلَّاهُ (الْوَتْرَ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» .

(وَ) لِمَا رُوِيَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ» أَيْ فِيهِ «اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» ، وَقِيلَ كَمَا رُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي «عَشْرَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ وَسَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا «أَنَّهُ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَ الْوُضُوءِ» فَتَارَةً اعْتَبَرْتهمَا مِنْ الْوَرْدِ فَجَعَلْته اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَتَارَةً لَمْ تَعْتَبِرْهُمَا لِأَنَّهُمَا لِلْوُضُوءِ، وَلَحِلّ عُقْدَةِ الشَّيْطَانِ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي عَشْرَ رَكَعَاتٍ، وَقِيلَ: كَانَ قِيَامُهُ مِنْ اللَّيْلِ خَمْسَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَقِيلَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ وُرُودُهُ فِي الصَّحِيحِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَحَلِّ الْوِتْرِ الْأَفْضَلِ بِقَوْلِهِ: (وَأَفْضَلُ اللَّيْلِ آخِرُهُ فِي الْقِيَامِ) وَالْمُرَادُ بِآخِرِهِ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حَيْثُ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» وَمَعْنَى يَنْزِلُ رَبُّنَا أَيْ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ.

قَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: اُخْتُلِفَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ لِمَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ لَكِنَّ الِاسْتِحْبَابَ فِي حَقِّنَا، وَأَمَّا فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ وَاجِبٌ لِمَا فِي الْبَيْهَقِيّ:«ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ: التَّهَجُّدُ وَهُوَ قِيَامُ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ وَالضُّحَى» وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ أَقَلُّهُ وَهُوَ رَكْعَتَانِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَقُرْبَةٌ إلَى رَبِّكُمْ» . ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ أَفْضَلُ اللَّيْلِ آخِرُهُ قَوْلَهُ: (فَمَنْ أَخَّرَ تَنَفُّلَهُ وَوِتْرَهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ اللَّيْلِ (فَذَلِكَ أَفْضَلُ لَهُ) مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ (إلَّا مَنْ الْغَالِبِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْتَبِهَ آخِرَهُ) بِأَنْ كَانَ غَالِبُ أَحْوَالِهِ النَّوْمَ إلَى الصُّبْحِ (فَلْيُقَدِّمْ وِتْرَهُ مَعَ مَا يُرِيدُ) صَلَاتَهُ (مِنْ النَّوَافِلِ أَوَّلَ اللَّيْلِ) احْتِيَاطًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَأْخِيرَ الْوِتْرِ مَنْدُوبٌ فِي صُورَتَيْنِ وَهُمَا أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ الِانْتِبَاهَ آخِرَ اللَّيْلِ وَتَسْتَوِي حَالَتَاهُ وَتَقْدِيمُهُ مُسْتَحَبٌّ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ أَغْلَبُ أَحْوَالِهِ النَّوْمَ إلَى الصُّبْحِ. (ثُمَّ إنْ شَاءَ) مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ الِانْتِبَاهِ وَقَدَّمَ وِتْرَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ (إذَا اسْتَيْقَظَ فِي آخِرِهِ) عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ (تَنَفَّلَ) اسْتِحْبَابًا (مَا شَاءَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ النَّوَافِلِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَلَا يَكُونُ تَقْدِيمُهُ لِلْوِتْرِ مَانِعًا لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَحَلُّ نَدْبِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْوِتْرِ إذَا حَدَثَتْ لَهُ نِيَّةُ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْوِتْرِ، وَأَمَّا مَنْ نَوَى أَنْ يَجْعَلَ الْوِتْرَ أَثْنَاءَ نَفْلٍ فَمُخَالِفٌ لِلسَّنَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَوْتَرَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَهُ أَنْ يَتَرَبَّصَ قَلِيلًا، وَيُكْرَهُ أَنْ يُوقِعَ النَّفَلَ عَقِبَ الْوِتْرِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَيَكْفِي الْفَصْلُ وَلَوْ بِالْمَجِيءِ إلَى الْبَيْتِ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْوِتْرِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَكُونُ تَنَفُّلُهُ (مَثْنَى مَثْنَى) أَيْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِسَلَامٍ،

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَإِذَا نَوَى شَخْصٌ النَّفَلَ أَرْبَعًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ، وَدَخَلَ مَعَهُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَهَلْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا؟ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْقُولُ بَلْ يُفِيدُ النَّقْلَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ.

قَالَ اللَّخْمِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عَدَدِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ أَنَّهُ مَثْنَى مَثْنَى بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا أَتَمَّ أَرْبَعًا لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ عَلَى أَصْلِهِ نَوَاهُ أَرْبَعًا ابْتِدَاءً أَمْ لَا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالسَّلَامِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ دَخَلَ عَلَى نِيَّةِ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يُتِمَّ أَرْبَعًا، وَمَنْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُسَافِرٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُقِيمٌ فَإِنَّهُ يُتِمُّ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ أَرْبَعًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ، وَإِذَا تَنَفَّلَ بَعْدَ وِتْرِهِ الَّذِي قَدَّمَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ (لَا يُعِيدُ الْوِتْرَ) حَيْثُ وَقَعَ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ، بَلْ يَحْرُمُ لِخَبَرِ:«لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وِتْرًا» ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ تَقَدَّمَ عَلَى الْأَمْرِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يُعِدْهُ مُقَدَّمٌ ثُمَّ صَلَّى وَجَازَ أَيْ جَوَازًا رَاجِحًا؛ لِأَنَّ النَّفَلَ مَنْدُوبٌ لَا مَا يُوهِمُهُ لَفْظٌ جَازَ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنْ شَاءَ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَلَا مَكْرُوهٍ فَلَا يُنَافِي النَّدْبَ

(وَمَنْ) أَخَّرَ وِرْدَهُ لِعَدَمِ انْتِبَاهِهِ آخِرَ اللَّيْلِ وَلَكِنْ (غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ عَنْ حِزْبِهِ) بِأَنْ اسْتَغْرَقَهُ النَّوْمُ حَتَّى ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ وِرْدِهِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّيهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ بِأَنْ انْتَبَهَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ قَبْلَهُ بِحَيْثُ لَا يَسْعَهُ (فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ مَا بَيْنَهُ) أَيْ مَا بَيْنَ وَقْتِ انْتِبَاهِهِ (وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ) الْأَعْلَى الَّذِي يُمَيِّزُ فِيهِ الشَّخْصُ جَلِيسَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الصُّبْحَ لَا ضَرُورِيَّ لَهَا.

وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الِانْتِبَاهَ آخِرَ اللَّيْلِ وَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْ انْتَبَهَ قَبْلَهُ بِيَسِيرِ صَلَاةِ وِرْدِهِ وَوِتْرِهِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ وَيُصَلِّي الصُّبْحَ، وَلَوْ

ص: 201

الْمَسْجِدَ عَلَى وُضُوءٍ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ إنْ كَانَ وَقْتٌ يَجُوزُ فِيهِ الرُّكُوعُ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَرْكَعْ

ــ

[الفواكه الدواني]

بَعْدَ الْإِسْفَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا ضَرُورِيَّ لَهَا، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ لَهَا ضَرُورِيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاتِهَا مَعَ مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا مِنْ فَجْرٍ وَوِتْرٍ قَبْلَ الْإِسْفَارِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا بَيْنَ انْتِبَاهِهِ وَالْإِسْفَارِ ظَرْفٌ لِفِعْلِ الْوَرْدِ وَالْوِتْرِ أَوْ الصُّبْحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهَا ضَرُورِيًّا هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ التَّحْدِيدُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ لَا بِالْإِسْفَارِ وَنَصُّهَا: وَمَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ تَرَكَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بَيْنَ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ تَخَالُفًا؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ تَقْتَضِي أَنَّ الْحِزْبَ لَا يُصَلَّى بَعْدَ الْإِسْفَارِ، فَالْمُدَوَّنَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُ يُصَلَّى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: فَلْيُصَلِّهِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَوَفَّقَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ شَارِحُ الْمُدَوَّنَةِ بَيْنَهُمَا بِمَا مُحَصِّلُهُ: إنَّ الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مَنْ انْتَبَهَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ بِزَمَنٍ يَسَعُ الْوِرْدَ وَالشَّفْعَ وَالْوِتْرَ وَالْفَجْرَ وَالصُّبْحَ قَبْلَ الْإِسْفَارِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَنْ انْتَبَهَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ بِحَيْثُ يُصَلِّي الْحِزْبَ وَالْفَجْرَ وَالصُّبْحَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الصُّبْحَ لَا ضَرُورِيَّ لَهَا، أَوْ قَبْلَ الْإِسْفَارِ عَلَى أَنَّ لَهَا ضَرُورِيًّا، وَاَلَّذِي تَحْفَظُهُ عَنْ شُيُوخِنَا أَنَّ الرَّاجِحَ كَلَامُ الرِّسَالَةِ وَأَنَّ الْحِزْبَ لَا يُفْعَلُ بَعْدَ الْإِسْفَارِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ عَلَى صَلَاتِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ مُخَالَفَةٌ لِحَدِيثِ: «لَا صَلَاةَ نَافِلَةَ بَعْدِ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ» فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَادَهُ صَاحِبُهُ صَارَ فِي حَقِّهِ كَالْمَنْذُورِ، وَأَيْضًا عَمَلُ الصَّحَابَةِ الْمُسْتَمِرُّ فَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه نَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْحَدِيثِ.

(تَنْبِيهٌ) : فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ تَأْخِيرَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّيهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مَعَ الْفَجْرِ وَالصُّبْحِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ خِلَافًا لِلْجَلَّابِ فَإِنَّهُ أَلْحَقَ الْعَامِدَ بِمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، وَلَعَلَّهُ تَبِعَ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ تَرَكَهُ وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ إذَا لَمْ يَقُلْهُ مَالِكٌ إلَّا فِيمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، وَاعْتَرَضُوا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْبَرَادِعِيِّ فِي زِيَادَةِ أَوْ تَرَكَهُ نَعَمْ يَلْحَقُ بِمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ مَنْ حَصَلَ لَهُ إغْمَاءٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ حَيْضٌ وَزَالَ عَنْهُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، نَعَمْ شَرْطُ فِعْلِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَنْ يُخْشَى فَوَاتُ الْجَمَاعَةِ، فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ شَرْطَ فِعْلِهِ بَعْدَ الصُّبْحِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يَخْشَى إسْفَارًا وَلَا فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَأَنْ يَكُونَ نَامَ عَنْهُ، فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ تَرَكَهُ وَصَلَّى الصُّبْحَ بَعْدَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ؛ لِأَنَّهُمَا يُفْعَلَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.

(ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حِزْبِهِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ (يُوتِرُ) وَيُصَلِّي الْفَجْرَ (وَيُصَلِّي الصُّبْحَ) إذَا تَبَيَّنَّ اتِّسَاعُ الْوَقْتِ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَبْقَ إلَّا قَدْرَ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ صَلَّى الْوِتْرَ وَالصُّبْحَ وَأَخَّرَ الْفَجْرَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ أَيْ الضَّرُورِيُّ إلَّا لِرَكْعَتَيْنِ تَرَكَهُ أَيْ الْوِتْرَ لَا لِثَلَاثٍ وَلِخَمْسٍ صَلَّى الشَّفْعَ وَلَوْ قَدَّمَ وَلِسَبْعٍ زَادَ الْفَجْرَ،

وَلَمَّا كَانَ ضَرُورِيُّ الْوِتْرِ يَنْقَضِي بِصَلَاةِ الصُّبْحِ أَشَارَ إلَى حُكْمِ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ نَاسِيًا لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَقْضِي الْوِتْرَ مَنْ ذَكَرَهُ) فَاعِلُ يَقْضِي، وَذَكَرَ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى الْوِتْرِ مَنْ ذَكَرَهُ نَظَرًا إلَى لَفْظِ الْوِتْرِ (بَعْدَ أَنْ صَلَّى الصُّبْحَ) لِانْقِضَاءِ ضَرُورِيِّهَا؛ لِأَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يُوتِرُونَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يُصَلُّوا الصُّبْحَ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَهُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَالْحُكْمُ إنْ كَانَ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً مِنْهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقَطْعُ إنْ كَانَ فَذًّا، ثُمَّ يُصَلِّي الْوِتْرَ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا فَلَا يُنْدَبُ لَهُ الْقَطْعُ بَلْ يَتَمَادَى، وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَفِي نَدْبِ قَطْعِهِ رِوَايَتَانِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ قَطْعُهَا لَهُ لِفَذٍّ لَا مُؤْتَمٍّ، وَفِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ، وَعَلَى قَطْعِهِ فَهَلْ يَسْتَخْلِفُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، اقْتَصَرَ الْأُجْهُورِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ.

وَفِي الشَّيْخِ سَالِمٍ مَا يُخَالِفُهُ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ عَقْدِ رَكْعَةٍ يَتَمَادَى وَلَوْ فَذًّا، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ لِلْوِتْرِ وَالصُّبْحِ، وَأَمَّا ضِيقُهُ فَيَجِبُ التَّمَادِي، وَلَوْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً.

(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِنْ تَمَادِي الْمَأْمُومِ أَنَّهُ مِنْ مَسَاجِينِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَسَاجِينَ الْإِمَامِ أَرْبَعَةٌ، عَدُّوا مِنْهَا مَنْ ذَكَرَ الْوِتْرَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهِيَ مَسْأَلَتُنَا هُنَا، وَمِنْهَا مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّرْكِ، وَمِنْهَا مَنْ لَمْ يُكَبِّرْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا كَبَّرَ قَاصِدًا بِتَكْبِيرِهِ الرُّكُوعَ، وَمِنْهَا مَنْ نَفَخَ فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا خَلْفَ الْإِمَامِ، ذَكَرَ الْجَمِيعَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ، وَنَصَّ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ عَلَى أَنَّ مِنْ تَمَادِي الْمَأْمُومِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ وَلَعَلَّ فِيهِ مُصَادَمَةً لِعَدِّهِ مِنْ مَسَاجِينِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَسْجُونَ الْإِمَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَتَأَمَّلْهُ.

1 -

(فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ: لَوْ صَلَّى شَخْصٌ الْفَجْرَ نَاسِيًا الْوِتْرَ ثُمَّ ذَكَرَهُ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَّى الْوِتْرَ ثُمَّ أَعَادَ الْفَجْرَ.

1 -

الثَّانِي: إذَا صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ ذَكَرَ صَلَاةَ فَرْضٍ تَقَدَّمَ عَلَى الصُّبْحِ لِكَوْنِهَا يَسِيرَةً فَإِنَّهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَائِتَةِ يُعِيدُ الْفَجْرَ.

الثَّالِثُ: لَوْ ذَكَرَ الْوِتْرَ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَهَلْ يَقْطَعُهَا؟ لَهُ قَوْلَانِ لِابْنِ نَاجِي وَشَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ

(وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ) حَالَةَ كَوْنِهِ (عَلَى وُضُوءٍ) فَإِنْ كَانَ مَسْجِدٌ غَيْرَ مَكَّةَ (فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ) نَدْبًا (رَكْعَتَيْنِ) يَنْوِي بِهِمَا تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَالتَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ تَحِيَّةُ رَبِّ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ بَيْتَ مَلِكٍ إنَّمَا يُحَيَّى الْمَلِكَ.

(إذَا كَانَ وَقْتُ) الدُّخُولِ (يَجُوزُ فِيهِ الرُّكُوعُ) لِلنَّافِلَةِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَهَا ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَنْ يَدْخُلَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ وَقْتَ جَوَازٍ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا

ص: 202

الْفَجْرَ أَجْزَأَهُ لِذَلِكَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَإِنْ رَكَعَ الْفَجْرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ يَرْكَعُ وَقِيلَ لَا يَرْكَعُ

وَلَا صَلَاةَ نَافِلَةً بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.

ــ

[الفواكه الدواني]

يَجْلِسُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ» وَالنَّهْيُ عَلَى الْأُولَى لِلْكَرَاهَةِ، وَالْأَمْرُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، وَوَرَدَ:«أَعْطُوا الْمَسَاجِدَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْجُلُوسِ» وَكَوْنُهُمَا قَبْلَ الْجُلُوسِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، فَلَوْ جَلَسَ لَا يَفُوتَانِ وَلَوْ طَالَ زَمَانُ الْجُلُوسِ، فَأَلْ فِي الْمَسْجِدِ لِلِاسْتِغْرَاقِ يَتَنَاوَلُ مَسْجِدَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرَهَا، وَهَلْ يَتَنَاوَلُ مَسَاجِدَ الْبُيُوتِ أَوْ قَاصِرٌ عَلَى الْمَسَاجِدِ الْمُبَاحَةِ؟ وَأَقُولُ: الْمُتَبَادَرُ مِنْ الرِّوَايَاتِ الْعُمُومُ لِتَسْمِيَةِ الْجَمِيعِ مَسَاجِدَ، وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ وَقَيَّدْنَا بِغَيْرِ مَسْجِدِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ تَحِيَّةَ مَسْجِدِ مَكَّةَ الطَّوَافُ لِلْقَادِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ إفَاضَةٍ أَوْ الْمُقِيمِ الَّذِي يُرِيدُ الطَّوَافَ، وَأَمَّا مَنْ دَخَلَهُ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِلْمُشَاهَدَةِ فَتَحِيَّتُهُ رَكْعَتَانِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَغَيْرِهِ.

قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَعِيَاضٌ وَمَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ، وَمَسْجِدُ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم كَغَيْرِهِ يَبْدَأُ بِالتَّحِيَّةِ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ حَقُّ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمُصْطَفَى حَقُّ عَبْدِهِ، وَحَقُّ اللَّهِ أَوْكَدُ.

(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَارَّ أَوْ الدَّاخِلَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ فِي وَقْتِ نَهْيٍ لَا تُسْتَحَبُّ التَّحِيَّةُ فِي حَقِّهِ صَلَاةً، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.

قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَهَا فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ، قَالَ الْحَطَّابُ: وَهُوَ حَسَنٌ لِمَكَانِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ بِمَعْنَى الصَّلَاةِ وَإِنْ سَقَطَتْ لَا يَسْقُطُ بَدَلُهَا (وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَرْكَعْ الْفَجْرَ) فِي بَيْتِهِ (أَجْزَأَهُ لِذَلِكَ) أَيْ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ (رَكْعَتَا الْفَجْرِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ إيقَاعُهَا أَيْ الْفَجْرِ بِمَسْجِدِهِ وَنَابَتْ عَنْ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ شَغْلُ الْبُقْعَةِ وَقَدْ حَصَلَ كَمَا أَنَّهَا تَحْصُلُ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَأَدَّتْ بِفَرْضٍ، وَمَعْنَى الْإِجْزَاءِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَتَأْدِيَتِهَا بِالْفَرْضِ عَلَى كَلَامِ خَلِيلٍ سُقُوطُ طَلَبِهَا، وَأَمَّا حُصُولُ ثَوَابِهَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مُلَاحَظَتِهَا وَنِيَّتِهَا عِنْدَ فِعْلِ غَيْرِهَا مِمَّا تَتَأَدَّى بِهِ، وَنَازَعَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي إجْزَاءِ الْفَرْضِ وَغَيْرِهِ عَنْ التَّحِيَّةِ بِأَنَّهُ كَيْفَ تَقُومُ الْعِبَادَةُ الْوَاحِدَةُ مَقَامَ اثْنَيْنِ؟ وَأَجَابَ الشُّيُوخُ: بِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ إذْ قَصْدُ الشَّارِعِ افْتِتَاحَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةٍ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ عَنْ دُخُولِ الْبَيْتِ.

(تَنْبِيهٌ) : اسْتَشْكَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَجْزَأَهُ لِذَلِكَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، كَمَا اسْتَشْكَلَ قَوْلُ خَلِيلٍ: وَنَابَتْ عَنْ التَّحِيَّةِ، بِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ لَا يُطْلَبُ فِيهِ تَحِيَّةٌ، وَالْإِجْزَاءُ عَنْ الشَّيْءِ أَوْ تَأْدِيَتُهُ فَرْعُ الطَّلَبِ بِهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِطَلَبِ التَّحِيَّةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَأَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ: وَمَنْ رَكَعَ الْفَجْرَ فِي بَيْتِهِ، إلَى قَوْلِهِ: فَاخْتُلِفَ فِيهِ، أَوْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَصَلَّى الْفَجْرَ بَعْدَ الشَّمْسِ قَضَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَمَنْ رَكَعَ) أَيْ صَلَّى (الْفَجْرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ) لِصَلَاةِ الصُّبْحِ مَعَ الْإِمَامِ (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ هَلْ يُطْلَبُ مِنْهُ تَحِيَّةٌ (فَقِيلَ يَرْكَعُ) رَكْعَتَيْنِ لِخَبَرِ:«إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ هَلْ يَنْوِي بِهِمَا التَّحِيَّةَ أَوْ إعَادَةِ الْفَجْرِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ.

(وَقِيلَ لَا يَرْكَعُ) بَلْ يَجْلِسُ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ لِخَبَرِ: «لَا صَلَاةَ بَعْدِ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ فَعَلَهَا أَيْ الْفَجْرَ بِنِيَّتِهِ لَمْ يَرْكَعْ أَيْ لَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ: وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَرْكَعْ الْفَجْرَ أَجْزَأَهُ لِذَلِكَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ أَنَّ التَّحِيَّةَ تُطْلَبُ بَعْدَ الْفَجْرِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ:

(وَلَا صَلَاةَ نَافِلَةً) جَائِزَةٌ (بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ) وَالْوِرْدُ لِنَائِمٍ عَنْهُ، وَالشَّفْعُ وَالْوَتْرُ مُطْلَقًا، وَكَالْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ فَإِنَّ هَذِهِ تُفْعَلُ، وَالنَّهْيُ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَيَنْتَهِي (إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) فَإِنْ أَخَذَتْ فِي الطُّلُوعِ حُرِّمَتْ النَّافِلَةُ حَتَّى يَتَكَامَلَ طُلُوعُهَا فَتَعُودُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى تَرْتَفِعَ قَيْدَ رُمْحٍ مِنْ أَرْمَاحِ الْعَرَبِ الَّذِي قَدْرُهُ اثْنَا عَشَرَ شِبْرًا بِالشِّبْرِ الْمُتَوَسِّطِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمُنِعَ نَفْلٌ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَخُطْبَةُ جُمُعَةٍ وَكُرِهَ بَعْدَ فَجْرٍ، وَفَرْضُ عَصْرٍ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ قَيْدَ رُمْحٍ وَتُصَلِّي الْمَغْرِبَ إلَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَالْوِرْدُ قَبْلَ الْفَرْضِ لِنَائِمٍ عَنْهُ وَجِنَازَةٌ وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ قَبْلَ الْإِسْفَارِ وَالِاصْفِرَارِ فَيَحْرُمُ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ مَا عَدَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ.

الْجِنَازَةُ الَّتِي لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُهَا، وَالنَّفَلُ الْمَنْذُورُ وَالْمُفْسِدُ رَعْيًا لِأَصِلْهُ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ الْخَمْسُ وَمِثْلُهَا الْجِنَازَةُ الَّتِي يُخْشَى عَلَيْهَا تَغَيُّرُهَا فَلَا يَحْرُمُ شَيْءٌ مِنْهَا وَقْتَ الطُّلُوعِ وَلَا وَقْتَ الْغُرُوبِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى لَا كَرَاهَةَ فِي فِعْلِ شَيْءٍ مِنْهَا قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا.

(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: وَلَا صَلَاةَ نَافِلَةً إلَخْ، لَا نَافِيَةٌ لِلْجِنْسِ نَصْبًا بِقَرِينَةِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ، وَنَافِلَةً نَعْتٌ مُفْرَدٌ تَابِعٌ لِمُفْرَدٍ فَيَجُوزُ فِيهِ الْفَتْحُ لِتَرَكُّبِهِ مَعَ اسْمِهَا، وَالنَّصْبُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ رَسْمِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِمَحَلِّ صَلَاةٍ، وَالرَّفْعُ تَبَعًا لِمَحَلِّ لَا مَعَ اسْمِهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

ص: 203