المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما يفعله من سلم قبل إكمال صلاته لاعتقاده كمالها] - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ١

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ: مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ]

- ‌[أَحْكَامِ النِّفَاسِ]

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَمَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْمَاءِ]

- ‌[حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُضَادَّةِ لِلطَّهَارَةِ]

- ‌[مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَسْنُونِهِ وَمَفْرُوضِهِ وَذِكْرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوُضُوءِ]

- ‌[صِفَةِ الطَّهَارَة الْحَدَثِيَّةِ]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءِ]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْإِتْيَانُ بِهِ]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌بَابٌ فِي الْغُسْلِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌بَابٌ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَصِفَةِ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَسْمَائِهَا

- ‌[بَاب الْأَذَان وَالْإِقَامَة]

- ‌[صفة الْأَذَان]

- ‌[صِفَةِ الْإِقَامَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ

- ‌[صفة الْجُلُوس فِي التَّشَهُّد]

- ‌[مَا يُسْتَحَبُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ]

- ‌وَأَقَلُّ الشَّفْعِ

- ‌[مَنْدُوبَات الصَّلَاة]

- ‌[مَكْرُوهَات الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب جَامِع فِي الصَّلَاة]

- ‌[السَّاهِي فِي صَلَاتِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ مِنْ سُجُودٍ وَعَدَمِهِ]

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ لِاعْتِقَادِهِ كَمَالَهَا]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا]

- ‌[تَرْتِيبِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِصَلَاةٍ حَاضِرَةٍ]

- ‌[مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[مَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاة]

- ‌[أَسْبَاب الْجَمْع وَصِفَته]

- ‌[الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[صِفَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الرُّعَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي سُجُود الْقُرْآن]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقْتَ صَلَاة الْجُمُعَةَ]

- ‌[شُرُوطِ وُجُوبِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[آدَاب الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌[صفة صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر]

- ‌[صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَالتَّكْبِير أَيَّام منى]

- ‌[زَمَن صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[خُطْبَةَ الْعِيدِ]

- ‌[صِفَةِ خُرُوجِ الْإِمَامِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[غُسْلَ الْعِيدِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخُسُوف]

- ‌[صفة صَلَاة الْكُسُوف وَالْخُسُوف]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[وَقْت صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[بَاب مَا يَفْعَل بِالْمُحْتَضَرِ وَفِي غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[الْبُكَاء عِنْدَ مَوْتِ الْمَيِّت]

- ‌[تَغْسِيلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ]

- ‌[التَّكْفِينِ وَمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ]

- ‌[غُسْلِ الشُّهَدَاءِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[صِفَةِ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ]

- ‌[بَاب فِي الصَّلَاة عَلَى الْجَنَائِز وَالدُّعَاء لِلْمَيِّتِ]

- ‌ دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

- ‌مَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغُسْلِهِ

- ‌بَابٌ فِي الصِّيَامِ

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ شَهْر رَمَضَان]

- ‌[شُرُوطِ الصَّوْمِ]

- ‌[أَسْبَابٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ]

- ‌[أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَالَ كَوْنِهِ نَاسِيًا]

- ‌[مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّائِم فِي رَمَضَان]

- ‌[حُكْمِ التَّرَاوِيحِ فِي رَمَضَانَ]

- ‌بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌[أَقَلّ مُدَّة الأعتكاف]

- ‌[مُبْطِلَات الِاعْتِكَاف]

- ‌[مَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ]

- ‌[مَالًا يُبْطِل الِاعْتِكَاف]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْعَيْن وَالْحَرْث وَالْمَاشِيَة وَمَا يَخْرَج مِنْ الْمَعْدِن]

- ‌ زَكَاةُ الْحَرْثِ

- ‌[زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[زَكَاة عُرُوض التِّجَارَة]

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[زَكَاة الْمَعَادِن]

- ‌[الْجِزْيَةَ وَشُرُوطهَا]

- ‌[قَدْرُ الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ]

- ‌[مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْمَاشِيَة]

- ‌[نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌[حُكْمِ مَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَهُوَ الْوَقْصُ]

- ‌[زَكَاةِ الْخُلْطَةِ فِي الْأَنْعَام]

- ‌[شُرُوطِ زَكَّاهُ الْخَلِيطِينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[مَا تَخْرُجُ مِنْهُ صَدَقَة الْفِطْرِ]

- ‌[زَمَنِ إخْرَاجِهَا زَكَّاهُ الْفِطْر]

- ‌[بَاب فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ]

- ‌[غَصَبَ مَالًا وَحَجَّ بِهِ]

- ‌[صِفَتِهِ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ]

- ‌[سُنَنٍ الْغُسْلُ الْمُتَّصِلُ بِالْإِحْرَامِ]

- ‌[الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ]

- ‌ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌[شُرُوطِ الرَّمْيِ]

- ‌ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ

- ‌[الْعُمْرَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَمَا لَا يَحْرُمُ]

- ‌[أَفْضَل أَنْوَاع الْحَجّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا وَالذَّبَائِحِ وَالْعَقِيقَةِ وَالصَّيْدِ وَالْخِتَانِ

- ‌[أَكْلُ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[بَاب فِي الْجِهَاد]

- ‌[وَالرِّبَاطُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[بَاب فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور]

الفصل: ‌[ما يفعله من سلم قبل إكمال صلاته لاعتقاده كمالها]

انْصَرَفَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَرْجِعْ إنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ فَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يُحْرِمُ بِهَا، ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ

وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ السَّلَامَ

وَمَنْ لَمْ يَدْرِ مَا صَلَّى أَثْلَاثَ رَكَعَاتٍ أَمْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَصَلَّى مَا شَكَّ فِيهِ، وَأَتَى بِرَابِعَةٍ وَسَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ

وَمَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ

ــ

[الفواكه الدواني]

الصَّلَاةُ بِعَدَمِ السُّجُودِ، وَمِثْلُ التَّكْبِيرَتَيْنِ لَفْظُ التَّشَهُّدِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِهِ عَلَى مَا شَهَرَهُ غَيْرُ خَلِيلٍ وَادَّعَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَقَوْلُنَا غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ لَهُ.

[مَا يَفْعَلُهُ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ لِاعْتِقَادِهِ كَمَالَهَا]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَفْعَلُهُ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ لِاعْتِقَادِهِ كَمَالَهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ انْصَرَفَ) أَيْ خَرَجَ (مِنْ الصَّلَاةِ) بِسَلَامٍ مُعْتَقِدًا كَمَالَهَا (ثُمَّ) بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا بِالسَّلَامِ (ذَكَرَ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا) كَرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ (فَلْيَرْجِعْ) وُجُوبًا بِإِحْرَامٍ إلَى تَمَامِ صَلَاتِهِ (إنْ كَانَ) تَذَكَّرَهُ (بِقُرْبِ ذَلِكَ) الِانْصِرَافِ (فَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يُحْرِمُ بِهَا) أَيْ يَنْوِي بِهَا إتْمَامَ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَيَنْدُبُ لَهُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي ذَلِكَ الْإِحْرَامِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبَنَى إنْ قَرُبَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ بِإِحْرَامٍ، وَلَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهِ، وَجَلَسَ لَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ إنْ كَانَ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ فَارَقَ الصَّلَاةَ بَعْدَ ثَلَاثٍ لَمْ يَجْلِسْ.

قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَإِذَا قُلْنَا يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي فَارَقَ الصَّلَاةَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ رَجَعَ إلَى الْجُلُوسِ، وَإِنْ كَانَ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ فَذَكَرَ وَهُوَ قَائِمٌ رَجَعَ إلَى حَالَةِ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السُّجُودِ، وَأَحْرَمَ مِنْهُ وَلَا يَجْلِسُ، وَحُكْمُ هَذَا الْجُلُوسِ إذَا كَانَ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ الْوُجُوبُ، وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ، كَمَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِمَعْنَى التَّكْبِيرِ، وَإِذَا جَلَسَ وَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَقُومُ بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي يَفْعَلُهُ مَنْ فَارَقَ الصَّلَاةَ مِنْ اثْنَتَيْنِ.

(ثُمَّ) بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ مَعَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَا (يُصْلِحُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُصَلِّي (مَا بَقِيَ عَلَيْهِ) مِنْ الصَّلَاةِ وَيَسْجُدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنْكَحًا فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي.

قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي فَذًّا أَوْ إمَامًا وَافَقَهُ الْمَأْمُومُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفُوهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ نَقَصَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً مَثَلًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمَا إنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ خِلَافَ مَا أَخْبَرَاهُ بِهِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ خِلَافَ مَا أَخْبَرَاهُ بِهِ فَلَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمَا، وَإِنْ كَثُرَ الْمُخْبِرُونَ لَهُ جِدًّا رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ، وَلَوْ تَيَقَّنَ خِلَافَ مَا أَخْبَرُوهُ بِهِ، وَلَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَرَجَعَ إمَامٌ فَقَطْ لِعَدْلَيْنِ إنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ إلَّا لِكَثْرَتِهِمْ جِدًّا.

(وَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ بِالْقُرْبِ (إنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ) التَّذَكُّرُ، وَهُوَ مَحْدُودٌ بِالْعُرْفِ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ (أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) عِنْدَ أَشْهَبَ (ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ) جَوَابُ إنْ تَبَاعَدَ، وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ لِلطُّولِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَشْهَبَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ تَبَاعُدٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا وَصَلَّى بِقُرْبِ بَابِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَهُوَ التَّحْدِيدُ لِلْقُرْبِ وَالْبُعْدِ بِالْعُرْفِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ عَلَى كَلَامِ أَشْهَبَ الْمَحَلُّ الْمَحْصُورُ، فَإِنْ صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ فَالْبَعْدُ عِنْدَهُ أَنْ يَصِلَ الْمُصَلِّي بَعْدَ انْصِرَافِهِ إلَى مَحَلٍّ لَا يُمْكِنُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ فِيهِ مِمَّنْ يَكُونُ فِي مَحَلِّ الْمُصَلِّي النَّاسِي. (تَنْبِيهٌ) : مَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَنْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ عَامِدًا لِاعْتِقَادِهِ إتْمَامَ صَلَاتِهِ، وَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ عَالِمًا عَدَمَ إتْمَامِهَا أَوْ شَاكًّا فِي إتْمَامِهَا، وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ.

قَالَ خَلِيلٌ مُشَبِّهًا فِي الْبُطْلَانِ: كَمُسْلِمٍ شَكَّ فِي الْإِتْمَامِ، ثُمَّ ظَهَرَ الْكَمَالُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَأَوْلَى لَوْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْكَمَالِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ وَأَمَّا الْمُسْتَنْكِحُ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَقَوْلُنَا عَامِدًا إلَخْ لَا يُنَافِي أَنَّهُ سَاهٍ عَنْ الْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ الْإِتْمَامَ سَاهٍ عَنْ النُّقْصَانِ فَافْهَمْ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْإِمَامِ وَالْفَذِّ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ يُسَلِّمُ قَبْلَ إمَامِهِ لِظَنِّهِ سَلَامَ إمَامِهِ، فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ سَلَامَ إمَامِهِ وَيُسَلِّمُ مَعَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَا يُبْطِلُ صَلَاتَهُ وَإِلَّا ابْتَدَأَهَا،

ثُمَّ شَبَّهَ فِي الْبِنَاءِ مَعَ الْقُرْبِ وَابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ مَعَ الْبُعْدِ مَنْ كَمَّلَ صَلَاتَهُ وَنَسِيَ السَّلَامَ عَقِبَ التَّشَهُّدِ مِنْهَا فَقَالَ: (وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ السَّلَامَ) وَلَمْ يَذْكُرْهُ حَتَّى طَالَ طُولًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ أَوْ فَارَقَ مَوْضِعَهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ بَعْدَ رُجُوعِهِ بِإِحْرَامٍ مِنْ جُلُوسٍ لِيَقَعَ سَلَامُهُ مِنْ جُلُوسٍ عَقِبَ تَشَهُّدٍ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَأَعَادَ تَارِكُ السَّلَامِ التَّشَهُّدَ وَسَجَدَ إنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَأَمَّا إنْ تَبَاعَدَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، هَذَا هُوَ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَ فِيمَا تَقَدَّمَ الْبِنَاءَ مَعَ الْبُعْدِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ نَاسِيَ السَّلَامِ يُتَصَوَّرُ فِيهِ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ: يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ وَتَشَهُّدٍ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ فِي صُورَتَيْنِ وَهُمَا الطُّولُ الْمُتَوَسِّطُ أَوْ مُفَارَقَةُ الْمَوْضِعِ.

الثَّالِثُ: الطُّولُ جِدًّا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ.

الرَّابِعُ: الْقُرْبُ جِدًّا وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ فَيَعْتَدِلُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ وَلَا تَشَهُّدٍ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَنْحَرِفَ فَيُسَلِّمَ فَقَطْ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُجُودِ مَنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ مُقَيَّدٌ بِمَنْ لَمْ يَكُنْ انْحِرَافُهُ مُبْطِلًا كَمَنْ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ جَامِعِ عَمْرٍو.

(وَمَنْ لَمْ يَدْرِ) أَيْ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ (مَا صَلَّى أَثْلَاثَ رَكَعَاتٍ أَمْ أَرْبَعًا) وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكَحًا (بَنَى) وُجُوبًا (عَلَى الْيَقِينِ) أَيْ عَلَى الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ (وَصَلَّى مَا شَكَّ فِيهِ) أَيْ فِي تَرْكِهِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ

ص: 222

وَمَنْ لَمْ يَدْرِ أَسَلَّمَ أَمْ لَمْ يُسَلِّمْ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ

وَمَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ فِي السَّهْوِ فَلْيَلْهَ عَنْهُ، وَلَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ عَلَيْهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَطَرْحِهِ الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَهُوَ الرَّابِعَةُ فَيَأْتِي بِهَا، فَقَوْلُهُ:(وَأَتَى بِرَابِعَةٍ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَا شَكَّ فِيهِ (وَسَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ) وَقَيَّدْنَا بِغَيْرِ الْمُسْتَنْكَحِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ يَبْنِي عَلَى الْأَكْثَرِ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ نَدْبًا، وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا قَابَلَ الْيَقِينَ فَيَشْمَلُ الْوَهْمَ، فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا وَتَوَهَّمَ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِرَابِعَةٍ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ عَامِرَةٌ يَقِينًا فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِأَمْرٍ مُتَيَقَّنٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الشَّاكَّ فِيمَا صَلَّى يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ.

قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: وَبِهِ أَقُولُ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «السَّلَامُ إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وَإِنَّمَا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْمَشْكُوكَ فِيهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ فَتَصِيرُ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً فَتَنْقُصُ السُّورَةُ وَالْجُلُوسُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الشَّكَّ إنَّمَا وَقَعَ فِي التَّوَالِي هَلْ هُوَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ؟ تُحَقَّقُ سَلَامَةُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ النَّقْصِ بِأَنْ تُحَقَّقَ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِيهِمَا وَالْجُلُوسُ بَعْدَهُمَا، وَإِلَّا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ لِانْقِلَابِ الرَّكَعَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي تَرْكِ سَجْدَةٍ أَوْ رُكُوعٍ مِنْ الْأُولَيَيْنِ، أَوْ حَصَلَ شَكٌّ مُرَكَّبٌ بِأَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ مَا صَلَّاهُ أَرْبَعٌ أَوْ ثَلَاثٌ هَلْ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ يُرَاعَى وَلَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ.

(تَنْبِيهٌ) : إذَا عَلِمْت أَنَّ قَوْلَهُ: وَأَتَى بِرَابِعَةٍ تَفْسِيرٌ لِمَا شَكَّ فِيهِ، عَلِمْت أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ الَّذِي هُوَ الثَّالِثَةُ وَصَلَّى مَا شَكَّ فِيهِ الَّتِي هِيَ الرَّابِعَةُ ثُمَّ قَالَ: وَأَتَى بِرَابِعَةٍ فَهِيَ رَابِعَةٌ فِي اللَّفْظِ خَامِسَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَأَجَابَ بَعْضٌ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَأَتَى بِرَابِعَةٍ مِنْ زِيَادَةِ النَّاسِخِ، وَبَعْضٌ بِأَنَّهُ مَحْضُ تَكْرَارٍ، وَأَجَابَ بَعْضٌ؛ لِأَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَهُوَ أَحْسَنُ، وَعُلِمَ مِنْ تَفْسِيرِنَا الشَّكَّ بِمَا قَابَلَ الْيَقِينَ دَفَعَ الْإِشْكَالَ فِي كَلَامِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: بَنَى عَلَى الْيَقِينِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى الظَّنِّ، ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَصَلَّى مَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي مَا ظَنَّ فِعْلَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا تَدَافُعٌ، وَقَدْ عَلِمْت انْدِفَاعَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشَّكِّ التَّرَدُّدَ عَلَى السَّوَاءِ بَلْ مَا قَابَلَ الْيَقِينَ فَيَدْخُلُ فِيهِ الظَّنُّ.

(وَمَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا) عَنْ كَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ (سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ) إنْ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَحْمِلُهُ عَنْهُ الْإِمَامُ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ سَاهِيًا عَنْ الْمُعْتَمَدِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِكَلَامِهِ، وَلَوْ قَلَّ أَوْ وَجَبَ كَالْكَلَامِ لَإِنْقَاذِ أَعْمَى، أَوْ لِإِجَابَةِ الْمُصْطَفَى عليه السلام عَلَى فَرْضِ وُقُوعِهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ، إلَّا مَا كَانَ لِإِصْلَاحِهَا فَلَا تَبْطُلُ بِهِ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ مَا يَعُدُّهُ الْعُرْفُ كَثِيرًا وَلَوْ تَوَقَّفَ الْإِصْلَاحُ عَلَيْهِ، وَمِثَالُ الْكَلَامِ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ مُعْتَقِدًا كَمَالَ صَلَاتِهِ، ثُمَّ يَشُكُّ هَلْ كَمُلَتْ أَمْ لَا؟ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّسْبِيحُ فَسَأَلَ مَنْ خَلْفَهُ هَلْ كَمَّلَ الصَّلَاةَ أَمْ لَا؟ وَلَا سُجُودَ فِي هَذَا الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَإِنْ سَجَدَ لِزِيَادَةِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ سَهْوًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَهُوَ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَنَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ قَصُرَتْ الصَّلَاةُ» بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ؟ «فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ، فَالْتَفَتَ فَقَالَ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَامَ وَكَمَّلَ صَلَاتَهُ» .

قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَكَلَّمَ ثُمَّ قَالَ. لَا يُقَالُ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ، لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِمَكَّةَ وَقِصَّةُ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَتْ بِمَكَّةَ أَيْضًا قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَتَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ ادَّعَى النَّسْخَ أَيْضًا بِأَنَّ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ إسْلَامًا، وَقَوْلُنَا يُسَلِّمُ مُعْتَقِدًا لِلْإِتْمَامِ، وَشَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلَ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ شَكَّ قَبْلَ سَلَامِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ السُّؤَالُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ السَّلَامُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى يَقِينِهِ، فَلَوْ سَلَّمَ أَوْ سَأَلَ فِي حَالِ شَكِّهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَكٌّ فِي إتْمَامِ صَلَاتِهِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ عُرِضَ لَهُ الشَّكُّ بَعْدَ سَلَامِهِ مَعَ اعْتِقَادِ كَمَالِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّتُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ السُّؤَالُ بِالْكَلَامِ وَلَا السَّلَامِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إلَّا الْإِمَامَ يُسَلِّمُ عَلَى يَقِينٍ، ثُمَّ يَحْصُلُ لَهُ الشَّكُّ مِنْ كَلَامِ الْمَأْمُومِينَ فَيَجُوزُ لَهُ السُّؤَالُ بِالْكَلَامِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى الْعِلْمِ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ بِإِشَارَةٍ وَلَا تَسْبِيحٍ.

1 -

فَرْعٌ: مَنْ قَالَ بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ السَّلَامُ فَقَطْ سَهْوًا، ثُمَّ ذَكَرَ وَكَمَّلَ صَلَاتَهُ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، الْبُرْزُلِيُّ: وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يُفْتِي بِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ أَيْ وَيَسْجُدُ، وَسَمِعْت فِي الْمُذَكِّرَاتِ أَنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَلَا إحْرَامَ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى

(وَمَنْ لَمْ يَدْرِ) بَعْدَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ (سَلَّمَ أَمْ لَمْ يُسَلِّمْ) وَتَفَكَّرَ قَلِيلًا (سَلَّمَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ) وَمِثْلُهُ لَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا عَنْ شَيْءٍ أَوْ لَمْ يَسْهُ، وَتَفَكَّرَ قَلِيلًا ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُ سَهْوِهِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ السُّجُودِ حَيْثُ كَانَ قَرِيبًا، وَلَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُفَارِقْ مَكَانَهُ، فَإِنْ انْحَرَفَ عَنْهَا سَجَدَ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ تَفَكُّرِهِ بِأَنْ تَوَسَّطَ، وَمِثْلُهُ لَوْ فَارَقَ مَكَانَهُ بَنَى بِإِحْرَامٍ وَتَشَهُّدٍ وَسَلَّمَ

ص: 223

أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَهُوَ الَّذِي يَكْثُرُ ذَلِكَ مِنْهُ يَشُكُّ كَثِيرًا أَنْ يَكُونَ سَهَا زَادَ أَوْ نَقَصَ، وَلَا يُوقِنُ فَلْيَسْجُدْ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَطْ

وَإِذَا أَيْقَنَ بِالسَّهْوِ سَجَدَ بَعْدَ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَهُوَ يَعْتَرِيهِ كَثِيرًا أَصْلَحَ صَلَاتَهُ، وَلَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، فَإِنْ طَالَ جِدًّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْجُدْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ سَلَامَهُ إمَّا وَاقِعٌ فِي مَحَلِّهِ أَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَكِلَاهُمَا لَا يَسْجُدُ لَهُ،

وَلَمَّا كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْمُسْتَنْكَحِ كَمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مُحْتَرَزُهُ هُنَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ اسْتَنْكَحَهُ) أَيْ كَثُرَ (الشَّكُّ فِي السَّهْوِ) فِي الصَّلَاةِ (فَلْيَلْهَ عَنْهُ) أَيْ يُعْرِضْ عَنْهُ وُجُوبًا (وَلَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَدَاؤُهُ كَالنَّفَسِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ، وَمُخَالَفَتُهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُسْتَنْكَحِ يُصْلِحُ وَيَسْجُدُ، فَلَوْ بَنَى الْمُسْتَنْكَحُ عَلَى الْأَقَلِّ وَلَمْ يَلْهَ عَنْهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ عَامِدًا كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَصْلَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْ الْمُسْتَنْكَحِ تَخْفِيفًا عَنْهُ فَإِذَا أَصْلَحَ فَعَلَ الْأَصْلَ، وَلَا يُقَالُ: الشَّكُّ فِي النُّقْصَانِ كَتَحَقُّقِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: أَخْرِجُوا مِنْ عُمُومِهِ الْمُسْتَنْكَحَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَلَا يَبْنِي عَلَى أَوَّلِ خَاطِرَيْهِ، خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ: أَنَّ الْمُوَسْوِسَ يَبْنِي عَلَى أَوَّلِ خَاطِرَيْهِ، فَإِنْ سَبَقَ لَهُ خَاطِرٌ بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَمَّتْ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ إنَّهَا لَمْ تَتِمَّ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَنَّهَا تَمَّتْ، وَعَكْسُهُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَالْمُدَوَّنَةُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَنْكَحَ لَمْ يَنْضَبِطْ لَهُ خَاطِرٌ أَوَّلٌ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ الْوِجْدَانُ، إذَا الشَّاكُّ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ إصْلَاحِ الْمُسْتَنْكَحِ عَدَمُ سُجُودِهِ قَالَ:(وَلَكِنْ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْتَنْكَحِ (أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ) اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّهُ إلَى الزِّيَادَةِ أَقْرَبُ هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّمَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: فَلْيَلْهَ الْهَاءُ مِنْهُ مَفْتُوحَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُضَارِعُ لَهَى كَعَلِمَ وَخَشِيَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْجَازِمُ حُذِفَتْ أَلِفُهُ وَبَقِيَتْ الْفَتْحَةُ دَلِيلًا عَلَيْهَا، كَمَا فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ الْمُعْتَلَّةِ تَبْقَى حَرَكَةُ مَا قَبْلَ حَرْفِ الْعِلَّةِ بَعْدَ حَذْفِهِ، وَمَعْنَى الْإِلْهَاءِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ بِحَيْثُ يَأْتِي بِمَا شَكَّ فِي عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهِ، ثُمَّ فَسَّرَ حَقِيقَةَ الْمُسْتَنْكَحِ بِقَوْلِهِ:(وَهُوَ) أَيْ الْمُسْتَنْكَحُ (الَّذِي يَكْثُرُ ذَلِكَ) أَيْ الشَّكُّ (مِنْهُ) أَيْ الْمُسْتَنْكَحِ، وَذَلِكَ بِأَنْ (يَشُكَّ كَثِيرًا) أَيْ زَمَنًا كَثِيرًا (أَنْ يَكُونَ سَهَا زَادَ أَوْ نَقَصَ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا يُوقِنُ) بِشَيْءٍ يَبْنِي عَلَيْهِ هَذَا هُوَ مَعْنَى الِاسْتِنْكَاحِ، وَفَسَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْكَثْرَةَ بِأَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ وَفِي كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَحٍ، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: فَظَهَرَ لِي أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ مَا جَرَى فِي مَسْأَلَةِ السَّلَسِ، فَإِذَا زَادَ مِنْ إتْيَانِهِ عَلَى زَمَنِ عَدَمِ إتْيَانِهِ أَوْ تَسَاوَيَا فَهُوَ مُسْتَنْكَحٌ، وَإِنْ قَلَّ زَمَنُ إتْيَانِهِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَحٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِزَمَنِ إتْيَانِهِ الْوَقْتَ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ، بَلْ الْمُرَادُ الْأَيَّامُ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا وَلَوْ مَرَّةً فَقَطْ، فَإِذَا أَتَاهُ يَوْمًا وَانْقَطَعَ يَوْمًا وَهَكَذَا أَوْ أَتَاهُ يَوْمَيْنِ وَيَنْقَطِعُ الثَّالِثَ وَهَكَذَا كَانَ مُسْتَنْكَحًا، وَأَمَّا لَوْ أَتَاهُ يَوْمًا وَانْقَطَعَ عَنْهُ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَحٍ، بَلْ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْحَنَفِيَّةُ السَّمْحَةُ أَيْ الشَّرِيعَةُ السَّهْلَةُ أَنَّ الِاسْتِنْكَاحَ مَا يَشُقُّ مَعَهُ الْوُضُوءُ فِي الشَّكِّ فِي الْوُضُوءِ، وَفِي الصَّلَاةِ مَا تَشُقُّ مَعَهُ الصَّلَاةُ،؛ لِأَنَّهُ لَا يُلَفَّقُ شَكُّ الْوُضُوءِ إلَى الشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ:(فَلْيَسْجُدْ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَطْ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يُوقِنُ تَكْرَارٌ فِي الْمَعْنَى مَعَ قَوْلِهِ يَشُكُّ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَشُكُّ لَا يُوقِنُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمُ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصَوُّرِ وَالْوَاجِبُ عَكْسُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْمُسْتَنْكَحِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْهَى عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَصَوَّرَ، وَأَحْسَنُ مَا يُجَابُ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصَوُّرِ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَقْدِيمُ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصْوِيرِ لِلْغَيْرِ لَا عَلَى التَّصَوُّرِ، وَالْوَاجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى التَّصْدِيقِ هُوَ التَّصَوُّرُ لَا التَّصْوِيرُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَانَ مُتَصَوِّرًا لِلْمُسْتَنْكَحِ قَبْلَ حُكْمِهِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَلْهَى عَنْهُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الشَّاكِّ بِقِسْمَيْهِ غَيْرِ الْمُسْتَنْكَحِ وَالْمُسْتَنْكَحِ شَرَعَ فِي السَّاهِي بِقِسْمَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا أَيْقَنَ) الْمُصَلِّي (بِالسَّهْوِ) بِأَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ مِنْهُ (سَجَدَ بَعْدَ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ) بِالْإِتْيَانِ بِالْمَنْسِيِّ بِأَنْ تَذَكَّرَ فِي تَشَهُّدِهِ أَنَّهُ نَسِيَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا مِنْ أُولَاهُ أَوْ ثَانِيَتِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّاهُ سَابِقًا، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، لِأَنَّ مَعَهُ مَحْضُ زِيَادَةٍ إنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً أَوْ سُجُودًا قَبْلَ السَّلَامِ إنَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِ وَقَبْلَ سَلَامِهِ أَنَّ نَقْصَ السُّورَةِ أَوْ تَكْبِيرَتَيْنِ أَوْ لَفْظَ تَشَهُّدٍ مَعَ جُلُوسِهِ أَوْ بِدُونِهِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: سَجَدَ بَعْدَ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ إحَالَةٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ مَحْضَ الزِّيَادَةِ يَسْجُدُ لَهَا بَعْدَ السَّلَامِ، وَغَيْرَهَا يَسْجُدُ لَهَا قَبْلَهُ. (فَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ) السَّهْوُ (مِنْهُ فَهُوَ يَعْتَرِيهِ كَثِيرًا) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ كَثُرَ (أَصْلَحَ صَلَاتَهُ) بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا تَيَقَّنَ نِسْيَانُهُ وَعَدَمُ الْإِتْيَانِ بِهِ (وَلَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّهْوُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، وَمَحَلُّ الْإِصْلَاحِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ، وَذَلِكَ فِيهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ السُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ، فَالْمَنْسِيُّ إنْ كَانَ سُورَةً أَتَى بِهَا مَا لَمْ يَنْحَنِ وَيَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى

ص: 224

وَمَنْ قَامَ مِنْ اثْنَيْنِ رَجَعَ مَا لَمْ يُفَارِقْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ فَإِذَا فَارَقَهَا تَمَادَى، وَلَمْ يَرْجِعْ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ

وَمَنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

رُكْبَتَيْهِ، وَمِثْلُهَا السِّرُّ وَالْجَهْرُ وَتَكْبِيرُ الْعِيدِ، وَإِلَّا فَاتَتْ وَلَا سُجُودَ عَلَى الْمُسْتَنْكَحِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ السَّهْوِ عَنْ الْجُلُوسِ الْوَسَطُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ مَا لَمْ يُفَارِقْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا لَوْ كَانَ السَّهْوُ عَنْهُ فَرْضًا كَرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فَيَكْفِيهِ إصْلَاحُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَحْدَهُ إنْ لَمْ يَعْقِدْ رُكُوعَ الرَّكْعَةِ الْوَالِيَةِ لِلْمَنْسِيِّ مِنْهَا لِبُطْلَانِهَا وَلَا سُجُودَ عَلَى الْمُسْتَنْكَحِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: شَاكٌّ غَيْرُ مُسْتَنْكَحٍ وَأَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَدْرِ إلَخْ، وَشَاكٌّ مُسْتَنْكَحٌ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ إلَخْ، فَالْأَوَّلُ يُصْلِحُ وَيَسْجُدُ، وَالثَّانِي يَسْجُدُ وَلَا يُصْلِحُ، وَسَاهٍ غَيْرُ مُسْتَنْكَحٍ وَهَذَا كَالشَّاكِّ غَيْرِ الْمُسْتَنْكَحِ يُصْلِحُ وَيَسْجُدُ، وَالرَّابِعُ السَّاهِي الْمُسْتَنْكَحُ وَهُوَ عَكْسُ الشَّاكِّ الْمُسْتَنْكَحِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُصْلِحُ فَقَطْ، وَالثَّانِي يَسْجُدُ فَقَطْ، وَغَيْرُ الْمُسْتَنْكَحِ يُصْلِحُ وَيَسْجُدُ مُطْلَقًا، وَالتَّفْرِقَةُ فِي الْمُسْتَنْكَحِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّاهِي وَالشَّاكِّ أَنَّ السَّاهِيَ يَضْبِطُ مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنْ نَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَنْكَحًا أَمْ لَا، وَالشَّاكُّ بِقِسْمَيْهِ لَا يَضْبِطُ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ.

الثَّانِي: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ مَا لَوْ خَالَفَ الْمُسْتَنْكَحُ لِلسَّهْوِ وَسَجَدَ، وَنَظَرَ فِيهِ الْأُجْهُورِيُّ رحمه الله بِقَوْلِهِ: وَلَوْ سَجَدَ لِسَهْوِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَكَانَ سُجُودُهُ قَبْلَ السَّلَامِ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِهِ إنْ فَعَلَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَمْ لَا؟ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَهَذَا وَاضِحٌ إذَا أَصْلَحَ مَا سَهَا عَنْهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُصْلِحْ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ التَّارِكِ لَهُ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَسْتَنْكِحْهُ السَّهْوُ فَيَجْرِي فِيهِ حُكْمُهُ، فَإِنْ كَانَ فَرْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ أَوْ بِرَكْعَةٍ إنْ فَاتَ تَدَارُكُهُ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ السَّهْوُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَدَارَكَ مَا نَسِيَهُ مِنْ السُّنَنِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَوْ خَالَفَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ الْمُسْتَنْكَحِ وَلَمْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ تَعَمَّدَ السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ بِالْأُولَى مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ إذَا خَالَفَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَأَصْلَحَ بِأَنْ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ وَزَادَ رَكْعَةً مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي خِفَّةِ زِيَادَةِ السُّجُودِ عَنْ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ وَحَرَّرَهُ.

الثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ أَنَّ السَّهْوَ الذُّهُولُ عَنْ الشَّيْءِ تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ أَمْ لَا، وَالنِّسْيَانُ الذُّهُولُ عَنْ الشَّيْءِ بَعْدَ ذِكْرِهِ فَهُوَ أَخَصُّ.

قَالَ صَاحِبُ شَرْحِ الْمَوَاقِفِ: السَّهْوُ زَوَالُ الْمَعْلُومِ مِنْ الْقُوَّةِ الْمُدْرَكَةِ مَعَ بَقَائِهِ فِي الْحَافِظَةِ، وَالنِّسْيَانُ زَوَالُهُ مِنْهَا وَمِنْ الْحَافِظَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّاكِّ وَالسَّاهِي بَعْدَ ضَبْطِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَتَذَكَّرُ مَا سَهَا عَنْهُ.

(وَمَنْ قَامَ) أَيْ تَزَحْزَحَ وَهَمَّ لِلْقِيَامِ (مِنْ اثْنَتَيْنِ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ ثُلَاثِيَّةٍ نَاسٍ لِلْجُلُوسِ (سَهْوًا رَجَعَ) لِلْجُلُوسِ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ سَرِيعًا (مَا لَمْ يُفَارِقْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ) جَمِيعًا فَإِذَا رَجَعَ تَشَهَّدَ كَمَّلَ صَلَاتَهُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِيَسَارَةِ مَا حَصَلَ مِنْهُ، فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَارِكِ السُّنَّةِ عَمْدًا، فَحُكْمُ الرُّجُوعِ الْوُجُوبُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالسُّنِّيَّةُ عَلَى الثَّانِي، وَأَمَّا لَوْ تَمَادَى عَلَى الْقِيَامِ وَلَمْ يَرْجِعْ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ، فَإِنْ تَرَكَ السُّجُودَ وَطَالَ زَمَنُ التَّرْكِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَرْكِ الْقَبْلِيِّ الْمُتَرَتِّبِ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ: الْجُلُوسِ وَمُطْلَقِ التَّشَهُّدِ وَخُصُوصِ اللَّفْظِ بِنَاءً عَلَى سُنِّيَّتِهِ، وَحَمَلْنَا الْكَلَامَ عَلَى مَنْ قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ تَارِكًا لِلْجُلُوسِ، وَمَنْ لَازَمَهُ تَرْكُ التَّشَهُّدِ تَبَعًا لِخَلِيلٍ حَيْثُ قَالَ: وَرَجَعَ تَارِكُ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يُفَارِقْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَلَا سُجُودَ وَإِلَّا فَلَا، لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ جَلَسَ وَقَامَ نَاسِيًا التَّشَهُّدَ فَلَا يَرْجِعُ لَهُ كَمَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ وَلَفْظُهُ: لَوْ جَلَسَ الْجِلْسَةَ الْوُسْطَى وَنَسِيَ التَّشَهُّدَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ حَتَّى نَهَضَ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى وَلَا سُجُودَ فِي تَرْكِهِ كَالتَّسْبِيحِ، فَإِنْ رَجَعَ لِلتَّشَهُّدِ بَعْدَ نُهُوضِهِ لِلْقِيَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، كَمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إذَا رَجَعَ لِلْجُلُوسِ، قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ.

(فَإِذَا فَارَقَهَا) أَيْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ (تَمَادَى) عَلَى الْقِيَامِ وُجُوبًا لَتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ (وَلَمْ يَرْجِعْ) لِلْجُلُوسِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ وَكَمَّلَ صَلَاتَهُ (وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ) فَلَوْ خَالَفَ وَرَجَعَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا تَبْطُلُ إنْ رَجَعَ، وَلَوْ اسْتَقَلَّ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِالرُّجُوعِ، وَإِذَا رَجَعَ فَلَا يَنْهَضُ حَتَّى يَتَشَهَّدَ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مُعْتَدٍّ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَنْقَلِبُ سُجُودُهُ الْقَبْلِيُّ بَعْدِيًّا، فَلَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ عَمْدًا بَعْدَ رُجُوعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا عَلَى كَلَامِ أَشْهَبَ؟ وَإِذَا كَانَ إمَامًا تَبِعَهُ مَأْمُومُهُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، فَلَوْ لَمْ يَتْبَعْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: حَمَلْنَا الْقِيَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ: مِنْ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ ثُلَاثِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُمَا اللَّتَانِ يُتَشَهَّدُ فِي وَسَطِهِمَا، وَلِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ النَّافِلَةَ إذَا قَامَ مِنْهَا بَعْدَ اثْنَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ يَرْجِعُ، وَلَوْ اسْتَقَلَّ قَائِمًا إلَّا أَنْ يَعْقِدَ الثَّالِثَةَ بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ رُكُوعِهِمَا، وَإِلَّا كَمَّلَهَا أَرْبَعًا وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَقِيلَ بَعْدَهُ.

الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَخَلِيلٍ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ

ص: 225