الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذَا كَانَ عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْهِ ثَوْبًا طَاهِرًا كَثِيفًا وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ
وَصَلَاةُ الْمَرِيضِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ صَلَّى جَالِسًا إنْ قَدَرَ عَلَى التَّرَبُّعِ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ طَاقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ فَلْيُومِئْ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْمَشَقَّةِ فِي الْغُسْلِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى غَسْلِ جَمِيعِ الْجَسَدِ.
الثَّانِي: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ تَطَاوَلَ فِعْلُ ذَلِكَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ إلَخْ: لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمُ الْفِعْلِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ حُكْمَهُ السُّنِّيَّةُ وَتَبِعْنَا فِي ذَلِكَ النَّاصِرَ اللَّقَانِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْحَطُّ رُتْبَتُهَا بِتَرْكِهَا إلَّا إنْ نَابَ عَنْهَا غَيْرُهَا.
الثَّالِثُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْ تَرَكَ فَضِيلَةً كَشَفْعِ غَسْلِهِ وَتَثْلِيثِهِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ إعَادَتُهَا لَا حَالًا وَلَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ تَنْكِيسِ السُّنَنِ فِي أَنْفُسِهَا أَوْ مَعَ الْفَرَائِضِ، فَلَا يُعَادُ الْمُنَكَّسُ مِنْهَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ، إلَّا مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَنْدُبُ لَهُ الِاسْتِنْجَاءُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الصَّلَاةِ.
(وَمَنْ صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْ حَصِيرٍ) أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَسْدُلُهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ كَحِرَامِهِ الَّذِي طَرَحَهُ فِي الْأَرْضِ (وَ) الْحَالُ أَنَّ (بِمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ نَجَاسَةً) وَلَكِنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَلَوْ لَمَسَتْهَا ثِيَابُهُ سَوَاءٌ تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إنَّمَا يُطْلَبُ مِنْهُ طَهَارَةُ مَا تَمَسُّهُ أَعْضَاؤُهُ، وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْفَرْوَةِ الَّتِي بِبَاطِنِهَا نَجَاسَةٌ وَلَوْ جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ شَاةٍ مَاتَتْ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ حَيْثُ كَانَ الشَّعْرُ سَاتِرًا لِلْجِلْدِ وَلَا نَجَاسَةَ بِهِ، وَلَا يُقَالُ: الشَّعْرُ يَتَّصِلُ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ مُتَنَجِّسٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُتَنَجِّسُ الْمَنْبَتُ فِي الْجِلْدِ الْخَارِجُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْحَصِيرِ الَّذِي بِبَاطِنِهِ نَجَاسَةٌ وَلَوْ مُتَّصِلَةً بِهِ، فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ لِعَدَمِ حَمْلِهِ لَهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ بِطَرَفِ عِمَامَتِهِ أَوْ ثَوْبِهِ الْمَحْمُولِ لَهُ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ حَيْثُ كَانَ عَالِمًا وَقَادِرًا عَلَى إزَالَتِهَا، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ نَحْوِ الْعِمَامَةِ وَالْحَصِيرِ أَنَّ نَحْوَ الْحَصِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ، فَالشَّرْطُ طَهَارَةُ مَا تَمَاسُّهُ أَعْضَاءُ الْمُصَلِّي، بِخِلَافِ نَحْوِ الْعِمَامَةِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُضِرَّ إنَّمَا هُوَ الْجُلُوسُ عَلَى الْمَحَلِّ أَوْ حَمْلُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلِذَلِكَ لَوْ وَقَفَ عَلَى طَرَفِ حَبْلٍ مُتَنَجِّسٍ أَوْ مَرْبُوطٍ بِهِ نَجَاسَةٌ، وَالطَّرَفُ الْآخَرُ طَاهِرٌ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ وَقَفَ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ، وَأَمَّا إنْ وَقَفَ عَلَى الطَّرَفِ الطَّاهِرِ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَامِلٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفِ عَلَى الْحَصِيرِ الَّذِي بِبَاطِنِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تَتَّصِلْ بِأَعْلَاهُ.
(وَالْمَرِيضُ إذَا كَانَ) جَالِسًا (عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ) وَأَوْلَى مُتَنَجِّسٍ (فَلَا بَأْسَ) إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ (أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْهِ ثَوْبًا طَاهِرًا كَثِيفًا) غَيْرَ حَرِيرٍ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهُ (وَيُصَلِّي عَلَيْهِ) وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِمَرِيضٍ سَتْرُ نَجِسٍ بِطَاهِرٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ كَالصَّحِيحِ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَرِيضِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ غَالِبًا، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الصَّحِيحَ كَذَلِكَ، فَقَوْلُهُ: لَا بَأْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْجَوَازُ الْمُسْتَوِي أَوْ الْمَرْجُوحُ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَإِلَّا وَجَبَ، فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ النَّجَاسَةَ إلَّا الْحَرِيرَ فَلَهُ سَتْرُهَا بِهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إنَّمَا تَحْرُمُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَعَصَى وَصَحَّتْ إنْ لَبِسَ حَرِيرًا كَمَا يُعْصَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ اخْتِيَارًا، وَلَوْ فَرَشَ عَلَيْهِ ثَوْبًا غَيْرَ حَرِيرٍ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرِيرِ أَشَدُّ مِنْ حُرْمَةِ النَّجَاسَةِ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ فِي تَجْوِيزِ الْجُلُوسِ عَلَيْهِ بَعْدَ سَتْرِهِ بِغَيْرِهِ، فَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْك بِمَحَلٍّ مَفْرُوشٍ بِحَرِيرٍ فَيَجِبُ عَلَيْك رَفْعُ الْفُرُشِ وَتُصَلِّي عَلَى مَا تَحْتَهُ، إلَّا أَنْ لَا تَسْتَطِيعَ فَلَا بَأْسَ بِفَرْشِ شَيْءٍ عَلَيْهِ، وَتُصَلِّي بَعْدَ تَقْلِيدِ الْقَائِلِ بِزَوَالِ الْحُرْمَةِ بِفَرْشِ شَيْءٍ عَلَيْهِ.
(تَنْبِيهٌ) : يُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُفْرَشُ عَلَى النَّجَاسَةِ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمُصَلِّي، وَأَمَّا لَوْ فَرَشَ كُمَّ ثَوْبِهِ الْمُلَابِسِ لَهُ عَلَى نَجَاسَةٍ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ أَوْ طَرَفِ حِرَامِهِ الْمُلْتَحِفِ بِهِ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَلَوْ الْجَافَّةَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ: وَسُقُوطُ طَرَفِ ثَوْبِهِ عَلَى جَافِّ نَجَاسَةٍ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ اهـ مَوَّاقٌ، فَإِنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: بِغَيْرِ مَحَلِّهِ أَنَّ طَرَفَ ثَوْبِهِ السَّاقِطِ عَلَى النَّجَاسَةِ لَوْ كَانَ مَفْرُوشًا عَلَى نَجَاسَةٍ تَحْتَ جَبْهَتِهِ أَوْ قَدَمِهِ أَوْ رُكْبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَغْوًا فَلَا يَصِحُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَفْرِشَ كُمَّهُ عَلَى نَجَاسَةٍ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ.
[صِفَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى صِفَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ بِقَوْلِهِ: (وَصَلَاةُ الْمَرِيضِ) الْفَرِيضَةُ (إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ) فِيهَا مُسْتَقِلًّا بِأَنْ عَجَزَ عَنْهُ جُمْلَةً أَوْ تَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ (صَلَّى جَالِسًا) مُسْتَقِلًّا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَرَبَّعَ (إنْ قَدَرَ عَلَى التَّرَبُّعِ) اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَتَرَبَّعُ فِي صَلَاتِهِ جَالِسًا» كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ؛ وَلِأَنَّهُ الْأَلْيَقُ بِالْأَدَبِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَتَرَبَّعَ كَالْمُتَنَفِّلِ، وَغَيَّرَ جِلْسَتُهُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ، قَالَ شُرَّاحُهُ: وَكَذَا فِي سُجُودِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يُصَلِّي الْفَرْضَ جَالِسًا هُوَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ جُمْلَةً أَوْ يَخَافُ بِالْقِيَامِ الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ كَالتَّيَمُّمِ، وَأَمَّا مَنْ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْمَشَفَّةُ الْفَادِحَةُ دُونَ الْمَرَضِ فَالرَّاجِحُ التَّفْصِيلُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ صَحِيحًا فَلَا يَصِحُّ لَهُ الْجُلُوسُ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا يَصِحُّ جُلُوسُهُ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، خِلَافًا لِتِلْمِيذِهِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاتِهِ جَالِسًا، وَالْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ مَعَ الِاسْتِقْلَالِ يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ عَجَزَ مَعَهُ عَنْ الطُّمَأْنِينَةِ وَالِاعْتِدَالِ، وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ مَعَ الِاسْتِنَادِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنَادُ لِغَيْرِ جُنُبٍ
وَيَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ إيمَاءً، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى ظَهْرِهِ فَعَلَ ذَلِكَ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَحَائِضٍ وَلَهُمَا أَعَادَ بِوَقْتٍ حَيْثُ اسْتَنَدَ لَهُمَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِمَا، وَقَيَّدْنَا الصَّلَاةَ بِالْفَرِيضَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلسُّنَّةِ فَيَدْخُلُ فِيهَا النَّفَلُ الْمَنْذُورُ فِيهِ الْقِيَامُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِفَرْضِيَّتِهَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الْقِيَامُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِمُتَنَفِّلٍ جُلُوسٌ وَلَوْ فِي أَثْنَائِهَا إنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْإِتْمَامِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْجُلُوسُ.
قَالَ خَلِيلٌ: يَجِبُ بِفَرْضٍ قِيَامٌ إلَّا لِمَشَقَّةٍ أَوْ لِخَوْفِهِ بِهِ فِيهَا أَوْ قَبْلَ ضَرَرٍ كَالتَّيَمُّمِ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ كَخَلِيلٍ لَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِهِ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْقِيَامُ فِي حَالِ فِعْلِ الْفَرْضِ كَالرُّكُوعِ وَالْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى غَيْرِ الْمَأْمُومِ أَوْ زَمَنِ قِرَاءَتِهَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ، وَأَمَّا السُّورَةُ فَلَا يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهَا إلَّا عَلَى مَأْمُومٍ لِئَلَّا تَحْصُلَ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَأَمَّا اسْتِنَادُ غَيْرِ الْمَأْمُومِ فِي حَالِ قِرَاءَتِهَا فَلَمْ يَكُنْ مُبْطِلًا لِصَلَاتِهِ بِخِلَافِ اسْتِنَادِهِ فِي نَحْوِ الرُّكُوعِ أَوْ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُبْطِلًا حَيْثُ كَانَ اسْتِنَادُهُ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ لَا إنْ كَانَ سَهْوًا، فَإِنَّمَا تَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ قَوْلُ خَلِيلٍ: وَلَوْ سَقَطَ قَادِرٌ بِزَوَالِ عِمَادٍ بَطَلَتْ عَلَى الْمُسْتَنَدِ عَمْدًا فِي حَالِ فِعْلِ الْفَرْضِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ لَا يَسْقُطُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فَقَطْ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ.
الثَّانِي: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّرَبُّعِ لِلْمُصَلِّي جَالِسًا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ تَغَيُّرَ جِلْسَتِهِ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ أَوْ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ، وَحُكْمُ التَّغْيِيرِ السُّنِّيَّةُ حَالَ السُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ، وَالنَّدْبُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ الْمَرِيضُ عَلَى الْجُلُوسِ بِحَالَتَيْهِ مُتَرَبِّعًا بِأَنْ عَجَزَ عَنْهُ جُمْلَةً أَوْ يَلْحَقُهُ بِالتَّرَبُّعِ الْمَشَقَّةُ الْفَادِحَةُ (صَلَّى) جَالِسًا (بِقَدْرِ طَاقَتِهِ) وَلَوْ غَيْرَ مُتَرَبِّعٍ، وَاسْتَنَدَ لِغَيْرِ جَنْبٍ وَحَائِضٍ، وَلَهُمَا أَعَادَ بِوَقْتٍ إنْ كَانَ الِاسْتِنَادُ لَهُمَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ: الْقِيَامُ مَعَ الِاسْتِقْلَالِ، الْقِيَامُ مَعَ الِاسْتِنَادِ، الْجُلُوسُ اسْتِقْلَالًا، الْجُلُوسُ مَعَ الِاسْتِنَادِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ الْقَادِرِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِنْ جُلُوسِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُمَا مِنْ جُلُوسٍ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) أَيْ الْعَاجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِحَالَتَيْهِ (عَلَى السُّجُودِ) وَالرُّكُوعِ مِنْ جُلُوسٍ بَلْ عَجَزَ عَنْهُمَا جُمْلَةً أَوْ تَلْحَقُهُ بِهِمَا الْمَشَقَّةُ الْفَادِحَةُ (فَلْيُومِئْ) أَيْ يُشِيرْ بِرَأْسِهِ وَظَهْرِهِ (بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) أَيْ إلَيْهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِيمَاءِ بِهِمَا أَوْمَأَ إلَيْهِمَا بِرَأْسِهِ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِرَأْسِهِ فِيمَا يَسْتَطِيعُ أَوْمَأَ وَلَوْ بِيَدِهِ أَوْ طَرَفِهِ.
(وَ) يَجِبُ أَنْ (يَكُونُ) إيمَاؤُهُ لِ (سُجُودُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ) أَيْ مِنْ إيمَائِهِ لِرُكُوعِهِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ وَلَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ وَالرُّكُوعَ بِأَنَّهُ يُومِئُ لَهُمَا مِنْ جُلُوسٍ، وَتَرْكُ حُكْمٍ عَكْسُ كَلَامِهِ وَهُوَ مَنْ لَا يَقْدِرْ إلَّا عَلَى الْقِيَامِ فَقَطْ، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَأَوْمَأَ عَاجِزٌ إلَّا عَنْ الْقِيَامِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِصَلَاتِهِ كُلِّهَا مِنْ قِيَامٍ بِأَنْ يُومِئَ إلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِرَأْسِهِ وَظَهْرِهِ أَوْ بِمَا قَدَرَ مِنْ أَعْضَائِهِ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِيمَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى النِّيَّةِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَصْدُ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْأَقْوَالِ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا نَوَى الْجَمِيعَ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ قَصْدُ شَيْءٍ فِي مَحَلِّهِ زِيَادَةً عَلَى نِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُومِئُ لَهُمَا مِنْ قِيَامٍ إنْ عَجَزَ عَنْ الْجُلُوسِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْجُلُوسِ أَوْمَأَ إلَى الرُّكُوعِ مِنْ قِيَامٍ وَإِلَى السُّجُودِ مِنْ جُلُوسٍ.
الثَّانِي: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَيْفَ يَفْعَلُ بِيَدَيْهِ حَالَ الْإِيمَاءِ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ الْمُومِئَ لِلرُّكُوعِ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ إنْ أَوْمَأَ إلَيْهِ مِنْ قِيَامٍ أَنْ يَمُدَّ يَدَيْهِ مُشِيرًا بِهِمَا إلَى رُكْبَتَيْهِ، وَأَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ إنْ أَوْمَأَ إلَيْهِ مِنْ جُلُوسٍ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ الْمَدِّ فِي الْأَوَّلِ وَالْوَضْعِ فِي الثَّانِي الْوُجُوبُ، وَأَمَّا الْمُومِئُ لِلسُّجُودِ فَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَهَلْ يُومِئُ بِيَدَيْهِ أَوْ يَضَعُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ؟ أَيْ هَلْ يُومِئُ بِهِمَا إلَى الْأَرْضِ إنْ أَوْمَأَ إلَى السُّجُودِ مِنْ قِيَامٍ، وَيَضَعُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ إنْ أَوْمَأَ إلَيْهِ مِنْ جُلُوسٍ وَالْمُقَابِلُ مَطْوِيٌّ؟ أَيْ أَوْ لَا يَفْعَلُ بِهِمَا شَيْئًا تَأْوِيلَانِ.
الثَّالِثُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حَدَّ الْإِيمَاءِ، وَحَكَى فِيهِ خَلِيلٌ تَأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ: وَهَلْ يَجِبُ فِيهِ الْوُسْعُ أَيْ بَذْلُ الْجُهْدِ بِحَيْثُ لَوْ قَصَّرَ عَنْ وُسْعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ يَكْتَفِي بِمَا يُعَدُّ إيمَاءً؟ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِيمَاءِ لِلرُّكُوعِ مِنْ السُّجُودِ.
الرَّابِعُ: قَوْلُنَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إيمَاؤُهُ لِلسُّجُودِ أَخْفَضَ إلَخْ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُدَوَّنَةِ، وَفِي التَّحْقِيقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ.
وَلَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى الْحَالَاتِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ: حَالَةُ الْقِيَامِ مُسْتَقِلًّا وَمُسْتَنِدًا، وَالْجُلُوسُ كَذَلِكَ شُرِعَ فِي حَالَاتِ الِاسْتِلْقَاءِ بِقَوْلِهِ:(وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) الْمَرِيضُ عَلَى الصَّلَاةِ مِنْ جُلُوسٍ وَلَوْ مَعَ الِاسْتِنَادِ (صَلَّى) مُضْطَجِعًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ (عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ
وَلَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إذَا كَانَ فِي عَقْلِهِ وَلْيُصَلِّهَا بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ
وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِهِ؛ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَجُدْ مَنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
إيمَاءً) بِرَأْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْحَالُ أَنَّ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ كَمَا يُفْعَلُ بِهِ فِي لَحْدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا مُضْطَجِعًا (عَلَى ظَهْرِهِ فَعَلَ ذَلِكَ) بِأَنْ يَجْعَلَ وَجْهَهُ إلَى السَّمَاءِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الظَّهْرِ صَلَّى مُضْطَجِعًا عَلَى بَطْنِهِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَرِجْلَاهُ إلَى دُبُرِهَا، وَحُكْمُ الِاسْتِقْبَالِ فِي تِلْكَ الْحَالَاتِ الْوُجُوبُ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَلَوْ صَلَّى لِغَيْرِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ بَطَلَتْ، وَالْقُدْرَةُ تَكُونُ بِوُجُودِ مَنْ يُحَوِّلُهُ وَإِلَّا سَقَطَ، ثُمَّ وَجَدَ مَنْ يُحَوِّلُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ حَالَاتِ الِاسْتِلْقَاءِ الثَّلَاثِ وَهِيَ: الْأَيْمَنُ وَالْأَيْسَرُ وَالظَّهْرُ مُسْتَحَبٌّ، بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْبَطْنِ فَهُوَ وَاجِبٌ، كَالتَّرْتِيبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُلُوسِ بِحَالَتَيْهِ وَالْقِيَامِ بِحَالَتَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْقِيَامِ مُسْتَقِلًّا وَالْقِيَامِ مُسْتَنِدًا وَالْجُلُوسِ بِحَالَتَيْهِ فَرْضٌ، وَكَذَلِكَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْقِيَامِ مُسْتَنِدًا وَالْجُلُوسِ بِحَالَتَيْهِ عَلَى كَلَامِ خَلِيلٍ وَعَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ: أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْقِيَامِ مُسْتَنِدًا وَالْجُلُوسِ مُسْتَقِلًّا مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ فَقَطْ، وَكَذَا التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْجُلُوسِ بِحَالَتَيْهِ وَالِاضْطِجَاعِ فَرْضٌ، كَمَا بَيْنَ حَالَاتِ الِاسْتِلْقَاءِ الثَّلَاثِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْبَطْنِ كَمَا قَدَّمْنَا خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
الثَّانِي: الْمُصَلِّي مِنْ اضْطِجَاعٍ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ، وَلَكِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ يُومِئُ بِكُلِّ أَعْضَائِهِ أَوْ بِبَعْضِهَا، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ أَوْمَأَ بِعَيْنَيْهِ وَقَلْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِأُصْبُعِهِ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَرْتِيبَ الْإِيمَاءِ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَاجِبٌ،
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ يُسْرِ الدِّينِ سُقُوطُ الصَّلَاةِ عَمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْإِتْيَانَ بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهَا سِوَى النِّيَّةِ قَالَ: (وَلَا يُؤَخِّرُ) الْمُكَلَّفُ (الصَّلَاةَ إذَا كَانَ فِي عَقْلِهِ) الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِوَجْهٍ (وَلْيُصَلِّهَا بِقَدْرِ طَاقَتِهِ)، وَلَوْ بِنِيَّةِ أَفْعَالِهَا: قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنْ عَقْلِهِ، وَصِفَةُ الْإِتْيَانِ بِهَا أَنْ يَقْصِدَ أَرْكَانَهَا بِقَلْبِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ الْإِحْرَامَ وَالْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ وَالرَّفْعَ وَالسُّجُودَ، وَهَكَذَا إلَى السَّلَامِ إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى الْإِيمَاءِ بِطَرَفِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا أَوْمَأَ بِمَا قَدَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ بِهِ، وَلَوْ بِحَاجِبٍ كَمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمَرِيضُ أَنْ يُومِئَ إلَّا بِطَرَفِهِ وَحَاجِبِهِ فَلْيُومِئْ بِهِمَا، وَيَكُونُ مُصَلِّيًا بِهَذَا مَعَ النِّيَّةِ وَهَذَا مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ.
1 -
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الطَّهَارَةِ لِلْعِلْمِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَلَوْ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ وَلَوْ بِالنِّيَّةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا بِكُلِّ وَجْهٍ سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَدَاءً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْهَا بِقِسْمَيْهَا الْمَائِيَّةِ وَالتُّرَابِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ الْمَاءِ وَالصَّعِيدِ، وَقَالَ خَلِيلٌ: وَتَسْقُطُ صَلَاةٌ وَقَضَاؤُهَا بِعَدَمِ مَاءٍ وَصَعِيدٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ عَدَمُ سُقُوطِهَا بِالْإِكْرَاهِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الطَّهَارَةِ، بَلْ إنْ أَخَّرَهَا فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ عَلَى عَدَمِ الصَّلَاةِ بِالْقَصْدِ.
1 -
الثَّانِي: الْأَصْلُ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] أَيْ مَا فِي طَاقَتِهَا، وَآيَةُ. {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَجَالِسًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِكَ» زَادَ ابْنُ صَخْرٍ: «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا» .
الثَّالِثُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَطَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُغَيِّرُ حَالَتَهُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا أَوْ جَالِسًا وَطَرَأَ لَهُ الصِّحَّةُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَتْ لَهُ الْقُدْرَةُ زِيَادَةً عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الِانْتِقَالُ إلَى الْأَعْلَى زِيَادَةً.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ خَفَّ مَعْذُورٌ وَانْتَقَلَ إلَى الْأَعْلَى وُجُوبًا إنْ كَانَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ وَاجِبًا، وَنَدْبًا إنْ كَانَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا مَنْدُوبًا، وَمَفْهُومُ خَفَّ أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ بِحَيْثُ صَارَ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَالَةَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا صَلَاةً عَجَزَ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ جُلُوسٍ مَعَ الِاسْتِقْلَالِ أَوْ الِاسْتِنَادِ أَوْ الِاضْطِجَاعِ.
1 -
الرَّابِعُ: لَوْ كَانَ الْمَرِيضُ يَسْتَطِيعُ الْإِتْيَانَ بِالصَّلَاةِ عَلَى حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ، لَكِنْ نَسِيَ بَعْضَ أَقْوَالِهَا وَأَفْعَالِهَا وَلَكِنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا بِالتَّلْقِينِ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّخَاذُ مَنْ يُلَقِّنُهُ أَمْ لَا؟ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْمُنِيرِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّخَاذُ مَنْ يُلَقِّنُهُ نَحْوَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، وَلَوْ زَادَتْ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ فَيَقُولُ لَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لِلصَّلَاةِ قُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَهَكَذَا إلَى
يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ تَيَمَّمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ تُرَابًا تَيَمَّمَ بِالْحَائِطِ إلَى جَانِبِهِ إنْ كَانَ طِينًا أَوْ عَلَيْهِ طِينٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ جِصٌّ أَوْ جِيرٌ فَلَا يَتَيَمَّمُ بِهِ
وَالْمُسَافِرُ يَأْخُذُهُ الْوَقْتُ فِي طِينٍ خِضْخَاضٍ لَا يَجِدُ أَيْنَ يُصَلِّي فَلْيَنْزِلْ عَنْ دَابَّتِهِ، وَيُصَلِّي فِيهِ قَائِمًا يُومِئُ بِالسُّجُودِ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ صَلَّى عَلَى دَابَّتِهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَفَرِهِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ إنْ كَانَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةِ، وَلْيُوتِرْ عَلَى دَابَّتِهِ إنْ شَاءَ وَلَا يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ وَإِنْ كَانَ
ــ
[الفواكه الدواني]
السَّلَامِ، وَيَقُولُ لَهُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ: افْعَلْ هَكَذَا إشَارَةً إلَى الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ عِنْدَ نِسْيَانِهِمَا.
ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً وَعَدَ بِهَا فِي التَّيَمُّمِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) مَرِيدُ الصَّلَاةِ (عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِهِ؛ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ) مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَسِّهِ (تَيَمَّمَ) أَيْ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَادِمِ لِلْمَاءِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمَرِيضُ (مَنْ يُنَاوِلُهُ تُرَابًا) يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ (تَيَمَّمَ بِالْحَائِطِ) الْقَرِيبِ (إلَى جَانِبِهِ إنْ كَانَ طِينًا أَوْ عَلَيْهِ طِينٌ) قَالَ خَلِيلٌ: وَلِمَرِيضٍ حَائِطُ لَبِنٍ أَوْ حَجَرٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَرِيضِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الصَّحِيحِ، إذْ الصَّحِيحُ يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ بِالْحَائِطِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمَرِيضِ بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ (فَإِنْ كَانَ فِي جَصٍّ أَوْ جِيرٍ) أَوْ تِبْنٍ (فَلَا) يَصِحُّ أَنْ (يَتَيَمَّمَ عَلَيْهِ) صَحِيحٌ أَوْ مَرِيضٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَخْلُوطًا بِشَيْءٍ نَجِسٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَا الصَّعِيدِ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِنِيَابَةٍ تَسْقُطُ الصَّلَاةُ وَقَضَاؤُهَا، كَمَا تَسْقُطُ عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ لَا مَاءً وَلَا صَعِيدًا فَرَاجِعْهُ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَسْأَلَةٍ مُنَاسِبَةٍ لِمَا قَبْلَهَا فِي الْعَجْزِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُسَافِرُ) الْمُرَادُ الرَّاكِبُ مُطْلَقًا (يَأْخُذُهُ الْوَقْتُ) أَيْ يَضِيقُ عَلَيْهِ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ وَهُوَ سَائِرٌ (فِي طِينٍ خَضْخَاضٍ) وَهُوَ الطِّينُ الرَّقِيقُ وَمِثْلُهُ الْمَاءُ الْخَالِصُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ (لَا يَجِدُ أَيْنَ يُصَلِّي فِيهِ) خَوْفًا مِنْ الْغَرَقِ أَوْ مِنْ تَلْطِيخِ ثِيَابِهِ (فَلْيَنْزِلْ عَنْ دَابَّتِهِ وَيُصَلِّي فِيهِ) حَالَ كَوْنِهِ (قَائِمًا يُومِئُ بِالسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ) وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، خَلَا أَشْهَبَ فِي إيجَابِهِ: الْجُلُوسَ وَالسُّجُودَ مَعَ التَّخْفِيفِ وَإِنْ تَلَطَّخَتْ ثِيَابُهُ النَّفِيسَةُ، وَإِذَا أَوْمَأَ إلَى الرُّكُوعِ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ يَرْفَعُهُمَا، وَإِذَا أَوْمَأَ إلَى السُّجُودِ يُومِئُ بِيَدَيْهِ إلَى الْأَرْضِ وَيَنْوِي الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَائِمًا، وَكَذَلِكَ جُلُوسُ التَّشَهُّدِ إنَّمَا يَكُونُ قَائِمًا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَاحْتُرِزَ بِالْخَضْخَاضِ مِنْ الْيَابِسِ الَّذِي يُمْكِنُ السُّجُودُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ النُّزُولُ وَيُصَلِّي فِيهِ بِالسُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ: الْمُسَافِرُ لَا مَفْهُومَ لَهُ كَمَا أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِلرَّاكِبِ، الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ: فَلْيَنْزِلْ بَلْ أَوْلَى مِنْ الْمَاشِي فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي الْخَضْخَاضِ بِالْإِيمَاءِ.
(فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) الْخَائِفُ خُرُوجَ الْوَقْتِ وَهُوَ مِنْ طِينٍ أَوْ مَاءٍ (أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ) خَوْفًا مِنْ الْغَرَقِ (صَلَّى عَلَى دَابَّتِهِ إلَى الْقِبْلَةِ) بِأَنْ يُوقِفَهَا وَيُصَلِّيَ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَقَوْلُنَا: خَوْفًا مِنْ الْغَرَقِ احْتِرَازٌ مِنْ خَوْفِ تَلْطِيخِ الثِّيَابِ فَقَطْ، فَلَا يُبِيحُ الصَّلَاةَ عَلَى الدَّابَّةِ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: خَشْيَةَ تَلْطِيخِ الثِّيَابِ لَا تُوجِبُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَإِنَّمَا تُبِيحُ الصَّلَاةَ إيمَاءً بِالْأَرْضِ، وَهَلْ يُقَيَّدُ بِكَوْنِ الْغَسْلِ يُفْسِدُهَا أَوْ مُطْلَقًا خِلَافٌ، وَسَيَأْتِي فِي الرُّعَافِ مَا يَقْتَضِي التَّقْيِيدَ بِكَوْنِ الْغَسْلِ يُفْسِدُهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ عَلَى الدَّابَّةِ إنَّمَا تَكُونُ بِالْإِيمَاءِ إلَى الْأَرْضِ لَا إلَى رَحْلِ الدَّابَّةِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا، فَإِنْ أَوْمَأَ إلَيْهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ، وَأَمَّا لِلرُّكُوعِ فَيَكُونُ حَيْثُ الْقُدْرَةُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ.
وَفِي التَّتَّائِيِّ عَنْ سَيِّدٍ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، سَحْنُونٌ: لَا يُجْزِئُهُ لِدُخُولِهِ عَلَى الضَّرَرِ، وَلَا يُقَالُ يُعَارِضُهُ قَوْلُ خَلِيلٍ: وَبَطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا لِحَمْلِهِ عَلَى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهَا قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا، أَوْ كَلَامُ سَنَدٍ فِي الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ، وَلَكِنَّ كَلَامَ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلصَّحِيحِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ فِي غَيْرِ الِالْتِحَامِ وَالْخَوْفِ مِنْ كَسَبُعٍ، أَوْ فِي خَضْخَاضٍ لَا يُطِيقُ النُّزُولَ بِهِ، أَوْ لِمَرَضٍ وَيُؤَدِّيهَا عَلَيْهَا كَالْأَرْضِ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ، فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.
(تَنْبِيهٌ) : مِثْلُ مَنْ يَأْخُذَهُ الْوَقْتُ فِي الْمَاءِ أَوْ الطِّينِ فِي جَوَازِ صَلَاتِهِ الْفَرْضَ عَلَى الدَّابَّةِ بِالْإِيمَاءِ الْخَائِفِ مِنْ لُصُوصٍ أَوْ سِبَاعٍ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ إلَى جِهَةِ الْأَرْضِ وَيَرْفَعُ الْعِمَامَةَ عَنْ جَبْهَتِهِ عِنْدَ الْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَبَطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا أَيْ الْكَعْبَةِ كَالرَّاكِبِ إلَّا لِالْتِحَامٍ أَوْ لِخَوْفٍ مِنْ كَسَبُعٍ وَإِنْ لِغَيْرِهَا، وَإِلَّا لِخَضْخَاضٍ لَا يُطِقْ النُّزُولَ بِهِ أَوْ لِمَرَضٍ وَيُؤَدِّيهَا عَلَيْهَا كَالْأَرْضِ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ فَقَالَ:(وَ) يَجُوزُ (لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ) وَالْمُرَادُ بِهَا مَا عَدَا السَّفِينَةَ، فَيَشْمَلُ الْفَرَسَ وَالْحِمَارَ وَالْآدَمِيَّ لِمُقَابَلَتِهَا بِالسَّفِينَةِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ فِي شُقْدُفٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَوَقَعَ التَّوَقُّفُ فِي رَاكِبٍ نَحْوِ السَّبُعِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ (فِي) مُدَّةِ (سَفَرِهِ) وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ بَلْ (حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ) وَلَوْ سَهُلَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّافِلَةِ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ لَكِنْ بِشَرْطٍ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(إنْ كَانَ) سَفَرُهُ (سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ) بِأَنْ كَانَ مُبَاحًا وَأَرْبَعَةُ بُرْدٍ، فَلَا يَتَنَفَّلُ الْعَاصِي وَلَا مُسَافِرٌ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرْدٍ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفْلِ مَا قَبْلَ الْفَرْضِ وَلِذَلِكَ قَالَ:(وَلْيُوتِرْ) الْمُسَافِرُ (عَلَى دَابَّتِهِ إنْ شَاءَ) وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ النُّزُولِ
مَرِيضًا إلَّا بِالْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْ نَزَلَ صَلَّى جَالِسًا إيمَاءً لِمَرَضِهِ فَلْيُصَلِّ عَلَى الدَّابَّةِ بَعْدَ أَنْ تُوقَفَ لَهُ وَيَسْتَقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ
وَمَنْ رَعَفَ مَعَ الْإِمَامِ خَرَجَ فَغَسَلَ الدَّمَ، ثُمَّ بَنَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَمْشِ عَلَى نَجَاسَةٍ
وَلَا يَبْنِي عَلَى رَكْعَةٍ لَمْ تَتِمَّ
ــ
[الفواكه الدواني]
بِالْأَرْضِ، وَالتَّخْيِيرُ إنَّمَا هُوَ فِي مُطْلَقِ الْجَوَازِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّنَفُّلَ بِالْأَرْضِ أَفْضَلُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَصَوْبَ سَفَرِ قَصْرٍ لِرَاكِبٍ دَابَّةً فَقَطْ، وَإِنْ بِمَحَلِّ بَدَلٍ فِي نَفْلٍ وَإِنْ وِتْرًا وَإِنْ سَهُلَ لِابْتِدَاءٍ لَهَا لَا السَّفِينَةُ فَيَدُورُ مَعَهَا إنْ أَمْكَنَ، وَهَلْ إنْ أَوْمَأَ أَوْ مُطْلَقًا تَأْوِيلَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ النَّفْلِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم، فَفِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:«رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ» وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: «وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ» وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ فَجِئْت وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ السُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى الْأَرْضِ، وَلَا يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ، وَيَكُونُ فِي سُجُودِهِ مُتَرَبِّعًا عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَيَرْفَعُ عِمَامَتَهُ عِنْدَ إيمَائِهِ لِلسُّجُودِ، وَلَهُ ضَرْبُ الدَّابَّةِ وَرَكْضِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَهُ ضَرْبُ غَيْرِهَا، إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَلْتَفِتُ، وَوَقَعَ التَّوَقُّفُ فِي طَهَارَةِ السَّرْجِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ رَاكِبٌ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ اشْتِرَاطُ طَهَارَتِهِ فِي النَّافِلَةِ دُونَ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ تَرْكَ الْفَرْضِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَكَيْفَ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي النَّافِلَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ يُفِيدُ صِحَّةَ الْإِيمَاءِ إلَيْهِ، فَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: وَيُومِئُ إلَى الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِيمَاءِ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْفَرِيضَةُ عَلَى ظَهْرِهَا لَا يَكُونُ إلَّا لِلْأَرْضِ، فَلَا يَصِحُّ فِي سَرْجِهَا أَوْ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُسَافِرِ عَلَى الْحَاضِرِ فَلَا يَصِحُّ تَنَفُّلُهُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَلَا الْفَرِيضَةِ إلَّا فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَا يَصِحُّ تَنَفُّلُهُ فِي السَّفِينَةِ أَيْضًا حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ، بَلْ لَا يُصَلِّي فِيهَا إلَّا لِلْقِبْلَةِ وَيَدُورُ مَعَهَا إنْ أَمْكَنَ، وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: مَحَلُّ مَنْعِ بَعْضِ النَّفْلِ فِي السَّفِينَةِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ إذَا كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ لِعُذْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا مَنْعَ يُصَلِّي حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ، وَلَوْ تَرَكَ الدَّوَرَانَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ.
1 -
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ قِبْلَةَ الْمُسَافِرِ فِي النَّفْلِ جِهَةَ سَفَرِهِ، فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا انْحَرَفَ الْمُسَافِرُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ إلَى جِهَةِ سَفَرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا سَهْوٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِبْلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ تِلْكَ طَرِيقُهُ أَوْ غَلَبَتْهُ الدَّابَّةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لِغَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.
الثَّانِي: عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ إلَى جِهَةِ دُبُرِ الدَّابَّةِ، وَلَوْ كَانَ إلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ تَحَوَّلَ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ.
1 -
الثَّالِثُ: إذَا وَصَلَ مَنْزِلًا وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِصَلَاةِ النَّافِلَةِ، فَإِنْ كَانَ مَنْزِلَ إقَامَةٍ نَزَلَ وَكَمَّلَهَا بِالْأَرْضِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْزِلَ إقَامَةٍ خَفَّفَ وَأَتَمَّهَا عَلَى الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ عَزْمَهُ السَّفَرُ، وَهَكَذَا كُلُّهُ حَيْثُ بَقِيَ مِنْهَا مَا لَهُ بَالٌ، وَأَمَّا نَحْوُ التَّشَهُّدِ فَيَفْعَلُهُ عَلَى ظَهْرِهَا مُطْلَقًا،
وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ يَتَنَفَّلُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَصِحُّ لِلْمُسَافِرِ وَأَوْلَى غَيْرُهُ أَنْ (يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ) وَلَوْ بِالنَّذْرِ لِقِيَامِهَا (وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا إلَّا بِالْأَرْضِ) فَلَوْ صَلَّاهَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَعَادَهَا أَبَدًا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّيهَا عَلَيْهَا قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا مِنْ غَيْرِ نَقْصِ شَيْءٍ عِنْدَ سَحْنُونٍ لِدُخُولِهِ عَلَى الضَّرَرِ، وَقَالَ سَنَدٌ: تَجْزِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَسَيَأْتِي مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ.
(إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْ نَزَلَ) عَنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ (صَلَّى جَالِسًا إيمَاءً لِمَرَضِهِ فَلْيُصَلِّ) الْفَرْضَ (عَلَى الدَّابَّةِ) حِينَئِذٍ إنْ كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَى ظَهْرِهَا كَفِعْلِهِ لَهَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فَيُومِئُ إلَى الْأَرْضِ بَعْدَ رَفْعِ الْعِمَامَةِ عَنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ، وَذَلِكَ الْفِعْلُ (بَعْدَ أَنْ تُوقَفَ لَهُ وَيَسْتَقْبِلُ بِهَا الْقِبْلَةَ) وَأَشَارَ إلَيْهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى مَا تَصِحُّ فِيهِ الْفَرِيضَةُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ: وَهِيَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ قَدَّمْنَاهَا سِوَى هَذِهِ، وَإِلَّا لِمَرَضٍ وَيُؤَدِّيهَا عَلَيْهَا كَالْأَرْضِ فَعَلَهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يُؤَدِّيهَا عَلَى الْأَرْضِ أَتَمَّ مِنْ صَلَاتِهَا عَلَى ظَهْرِهَا لَوَجَبَ عَلَيْهِ صَلَاتُهَا بِالْأَرْضِ اتِّفَاقًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ إنْ نَزَلَ عَلَى الْأَرْضِ بِقَدْرٍ يَسْجُدُ، وَإِنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِهَا يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْأَتَمِّيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ فِعْلِهَا بِالْأَرْضِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ عَلَى ظَهْرِهَا وَبِالْأَرْضِ لَكِنْ يَزِيدُ إنْ نَزَلَ عَلَى الْأَرْضِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّرَبُّعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِفَرْضٍ فَلَا يَقْتَضِي وُجُوبَ فِعْلِهَا بِالْأَرْضِ بَلْ النَّدْبُ فَقَطْ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ، وَبِتَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ بِالْمَرِيضِ الَّذِي فَرْضُهُ الْإِيمَاءُ عُلِمَ الرَّدُّ عَلَى تَعَقُّبِ ابْنِ الْفَخَارِ لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ، إذْ لَمْ يَخْتَلِفْ مَذْهَبُهُ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي يُصَلِّي جَالِسًا، وَيَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي إلَّا بِالْأَرْضِ وَغَفَلَ عَنْ تَقْيِيدٍ بِحَالِ الْإِيمَاءِ.
قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَمَا ذَكَرَهُ