المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[والرباط في ثغور المسلمين] - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ١

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ: مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ]

- ‌[أَحْكَامِ النِّفَاسِ]

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَمَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْمَاءِ]

- ‌[حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُضَادَّةِ لِلطَّهَارَةِ]

- ‌[مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَسْنُونِهِ وَمَفْرُوضِهِ وَذِكْرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوُضُوءِ]

- ‌[صِفَةِ الطَّهَارَة الْحَدَثِيَّةِ]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءِ]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْإِتْيَانُ بِهِ]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌بَابٌ فِي الْغُسْلِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌بَابٌ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَصِفَةِ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَسْمَائِهَا

- ‌[بَاب الْأَذَان وَالْإِقَامَة]

- ‌[صفة الْأَذَان]

- ‌[صِفَةِ الْإِقَامَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ

- ‌[صفة الْجُلُوس فِي التَّشَهُّد]

- ‌[مَا يُسْتَحَبُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ]

- ‌وَأَقَلُّ الشَّفْعِ

- ‌[مَنْدُوبَات الصَّلَاة]

- ‌[مَكْرُوهَات الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب جَامِع فِي الصَّلَاة]

- ‌[السَّاهِي فِي صَلَاتِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ مِنْ سُجُودٍ وَعَدَمِهِ]

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ لِاعْتِقَادِهِ كَمَالَهَا]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا]

- ‌[تَرْتِيبِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِصَلَاةٍ حَاضِرَةٍ]

- ‌[مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[مَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاة]

- ‌[أَسْبَاب الْجَمْع وَصِفَته]

- ‌[الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[صِفَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الرُّعَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي سُجُود الْقُرْآن]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقْتَ صَلَاة الْجُمُعَةَ]

- ‌[شُرُوطِ وُجُوبِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[آدَاب الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌[صفة صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر]

- ‌[صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَالتَّكْبِير أَيَّام منى]

- ‌[زَمَن صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[خُطْبَةَ الْعِيدِ]

- ‌[صِفَةِ خُرُوجِ الْإِمَامِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[غُسْلَ الْعِيدِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخُسُوف]

- ‌[صفة صَلَاة الْكُسُوف وَالْخُسُوف]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[وَقْت صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[بَاب مَا يَفْعَل بِالْمُحْتَضَرِ وَفِي غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[الْبُكَاء عِنْدَ مَوْتِ الْمَيِّت]

- ‌[تَغْسِيلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ]

- ‌[التَّكْفِينِ وَمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ]

- ‌[غُسْلِ الشُّهَدَاءِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[صِفَةِ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ]

- ‌[بَاب فِي الصَّلَاة عَلَى الْجَنَائِز وَالدُّعَاء لِلْمَيِّتِ]

- ‌ دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

- ‌مَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغُسْلِهِ

- ‌بَابٌ فِي الصِّيَامِ

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ شَهْر رَمَضَان]

- ‌[شُرُوطِ الصَّوْمِ]

- ‌[أَسْبَابٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ]

- ‌[أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَالَ كَوْنِهِ نَاسِيًا]

- ‌[مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّائِم فِي رَمَضَان]

- ‌[حُكْمِ التَّرَاوِيحِ فِي رَمَضَانَ]

- ‌بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌[أَقَلّ مُدَّة الأعتكاف]

- ‌[مُبْطِلَات الِاعْتِكَاف]

- ‌[مَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ]

- ‌[مَالًا يُبْطِل الِاعْتِكَاف]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْعَيْن وَالْحَرْث وَالْمَاشِيَة وَمَا يَخْرَج مِنْ الْمَعْدِن]

- ‌ زَكَاةُ الْحَرْثِ

- ‌[زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[زَكَاة عُرُوض التِّجَارَة]

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[زَكَاة الْمَعَادِن]

- ‌[الْجِزْيَةَ وَشُرُوطهَا]

- ‌[قَدْرُ الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ]

- ‌[مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْمَاشِيَة]

- ‌[نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌[حُكْمِ مَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَهُوَ الْوَقْصُ]

- ‌[زَكَاةِ الْخُلْطَةِ فِي الْأَنْعَام]

- ‌[شُرُوطِ زَكَّاهُ الْخَلِيطِينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[مَا تَخْرُجُ مِنْهُ صَدَقَة الْفِطْرِ]

- ‌[زَمَنِ إخْرَاجِهَا زَكَّاهُ الْفِطْر]

- ‌[بَاب فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ]

- ‌[غَصَبَ مَالًا وَحَجَّ بِهِ]

- ‌[صِفَتِهِ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ]

- ‌[سُنَنٍ الْغُسْلُ الْمُتَّصِلُ بِالْإِحْرَامِ]

- ‌[الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ]

- ‌ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌[شُرُوطِ الرَّمْيِ]

- ‌ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ

- ‌[الْعُمْرَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَمَا لَا يَحْرُمُ]

- ‌[أَفْضَل أَنْوَاع الْحَجّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا وَالذَّبَائِحِ وَالْعَقِيقَةِ وَالصَّيْدِ وَالْخِتَانِ

- ‌[أَكْلُ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[بَاب فِي الْجِهَاد]

- ‌[وَالرِّبَاطُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[بَاب فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور]

الفصل: ‌[والرباط في ثغور المسلمين]

كَبِيرٌ وَذَلِكَ بِقَدْرِ كَثْرَةِ خَوْفِ أَهْلِ ذَلِكَ الثَّغْرِ، وَكَثْرَةِ تَحَرُّزِهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ.

وَلَا يُغْزَى بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ إلَّا أَنْ يَفْجَأَ الْعَدُوُّ

ــ

[الفواكه الدواني]

مِنْ الْحَرْبِيِّ مِمَّا يُعْتَادُ أَخْذُهُ فِي الْحَرْبِ كَفَرَسِهِ وَدِرْعِهِ وَسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَمِنْطَقَتِهِ، وَيَدْخُلُ فِي فَرَسِهِ الْمَمْسُوكِ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ غُلَامِهِ لِلْقِتَالِ، وَسُمِّيَ سَلَبًا لِسَلَبِهِ مِنْهُمْ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَيَسْتَحِقُّهُ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَوْ تَعَدَّدَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَخَبَرُ السَّلَبِ كَائِنٌ. (مِنْ النَّفَلِ) الَّذِي مَرَّ تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ مَالٌ مَوْكُولٌ عِلْمُ قَدْرِهِ لِلْإِمَامِ فَلَا يَكُونُ إلَّا مَحْسُوبًا مِنْ الْخُمُسِ، وَهَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ: وَلَا نَفَلَ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ، وَالسَّلَبُ مِنْ جُمْلَةِ النَّفَلِ.

[وَالرِّبَاطُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ]

وَلَمَّا كَانَ الرِّبَاطُ شَبِيهًا بِالْجِهَادِ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ بِقَوْلِهِ: (وَالرِّبَاطُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ لُغَةً: مُطْلَقُ الْإِقَامَةِ. وَشَرْعًا: الْإِقَامَةُ فِي ثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ لِحِرَاسَةِ مَنْ بِهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالثَّغْرُ بِالْمُثَلَّثَةِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُخَافُ فِيهِ مِنْ الْكُفَّارِ كَدِمْيَاطَ وَعَسْقَلَانَ، وَإِسْكَنْدَرِيَّة مِنْ الْبِلَادِ الْقَرِيبَةِ مِنْ بِلَادِ الْكَفَرَةِ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ الْمِلْحِ، وَخَبَرُ الرِّبَاطِ كَائِنٌ.

(فِيهِ فَضْلٌ) أَيْ ثَوَابٌ (كَثِيرٌ) بِالْمُثَلَّثَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَهُ هُنَا، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ جُمَلٍ يَنُصُّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ بِقَوْلِهِ: وَالرِّبَاطُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ وَحِيَاطَتُهَا وَاجِبٌ يَحْمِلُهُ مَنْ قَامَ بِهِ فَهُوَ كَالْجِهَادِ، وَوَرَدَ فِي فَضْلِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فَمِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «حُرِّمَتْ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . وَمِنْهَا: «رِبَاطُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ تَقُومُ لَيْلَهَا فَلَا تَفْتُرُ وَتَصُومُ نَهَارَهَا فَلَا تُفْطِرُ» . وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى كَثْرَةِ ثَوَابِهِ، وَظَاهِرُ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ ذَلِكَ الْفَضْلَ إنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ رَابَطَ لِمُجَرَّدِ سَدِّ الثَّغْرِ لَا مَنْ سَكَنَ بِأَهْلِهِ، وَأَقَامَ فِيهِ لِمُجَرَّدِ التِّجَارَةِ، لِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: مَنْ سَكَنَ الثَّغْرَ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ مُرَابِطًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ سُكْنَاهُ تَبَعًا لِلرِّبَاطِ، وَلَوْلَاهُ لَمَا سَكَنَهُ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَاجِيُّ وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ، وَجَرَى خِلَافٌ فِي تَفْضِيلِهِ عَلَى الْجِهَادِ، وَيَظْهَرُ لِي فَضْلُ الْجِهَادِ عَلَى الرِّبَاطِ لِمَزِيَّةِ مَنْ ذَهَبَ لِلْقِتَالِ عَلَى مَنْ مَكَثَ فِي مَحَلِّ الْخَوْفِ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَحْمَزُهَا أَيْ أَشَقُّهَا.

(تَنْبِيهٌ) الْأَنْسَبُ التَّعْبِيرُ بِعَظِيمٍ بَدَلَ كَثِيرٍ، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ مِنْ عَوَارِضِ الْكَمِّيَّاتِ، وَأَمَّا الْعَظَمَةُ وَالْحَقَارَةُ فَمِنْ عَوَارِضِ الْكَيْفِيَّاتِ، فَيُقَالُ: اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالثَّوَابِ الْعَظِيمِ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله لَمْ يَقْصِدْ فِي هَذَا الْكِتَابِ إلَّا الْعِبَارَةَ الْمَأْلُوفَةَ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ فَضْلَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَقِلَّتِهِ بِقَوْلِهِ:(وَذَلِكَ) الْفَضْلُ بِمَعْنَى الثَّوَابِ مُتَفَاوِتٌ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ. (بِقَدْرِ) أَيْ بِحَسَبِ (كَثْرَةِ خَوْفِ أَهْلِ ذَلِكَ الثَّغْرِ) الْوَاقِعِ فِيهِ الرِّبَاطُ (وَ) بِقَدْرِ (كَثْرَةِ تَحَرُّزِهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ) ، وَإِذَا كَانَ الْخَوْفُ بِمَحَلٍّ ثُمَّ زَالَ فَلَا يُنْدَبُ الرِّبَاطُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّحَصُّنُ وَالتَّحَفُّظُ مِنْ سَطْوَةِ الْعَدُوِّ، وَإِذَا حَصَلَ الْأَمْنُ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ لِلرِّبَاطِ.

وَلَمَّا كَانَتْ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ مِنْ الْفُرُوضِ الْعَيْنِيَّةِ قَالَ: (وَلَا يُغْزَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ يَحْرُمُ عَلَى الْوَلَدِ الْغَزْوُ (بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ) أَيْ الْقَرِيبَيْنِ لَا الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ؛ لِأَنَّ الْغَزْوَ الْأَصْلُ فِيهِ الْوُجُوبُ كِفَايَةً، وَإِطَاعَتُهُمَا عَيْنِيَّةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ لَيْسَ لِلْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ مَنْعُ وَلَدِهِمَا مِنْ الْجِهَادِ، وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ رحمه الله: وَالْكَافِرُ كَغَيْرِهِ فِي غَيْرِهِ، لَكِنْ قَيَّدَهُ الْمَوَّاقُ بِمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ مَنْعَهُمَا مِنْهُ إنَّمَا هُوَ لِكَرَاهَتِهِمَا إعَانَةَ الْإِسْلَامِ وَنُصْرَتَهُ وَإِلَّا كَانَا كَالْمُسْلِمِينَ، وَلَا مَفْهُومَ لِلْغَزْوِ، بَلْ سَائِرُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ لَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ الْخُرُوجُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ.

قَالَ خَلِيلٌ فِي مُسْقِطَاتِ الْجِهَادِ: وَسَقَطَ بِمَرَضٍ وَصِبًى وَجُنُونٍ وَعَمًى وَعَرَجٍ وَأُنُوثَةٍ وَعَجْزٍ عَنْ مُحْتَاجٍ لَهُ وَرِقٍّ وَدَيْنٍ حَلَّ كَوَالِدَيْنِ فِي فَرْضِ كِفَايَةٍ، وَكَتَجْرٍ بِبَحْرٍ أَوْ خَطَرٍ عَلَى مَا صَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ، فَشَمِلَ الْخُرُوجَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَيْنِيِّ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَإِنَّمَا يَمْنَعُ الْوَالِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ مِنْ الْخُرُوجِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ إذَا كَانَ عِلْمًا إذَا كَانَا فِي مَحَلِّهِمَا مَنْ يَقُومُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ. وَأَمَّا إذَا خَلَا عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَمْنَعَانِهِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ يُخَاطَبُ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ فَيُشْبِهُ الْفَرْضَ الْعَيْنِيَّ، وَهُمَا لَا يَمْنَعَانِ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ: لَوْ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ مِنْ الْخُرُوجِ لِلْفِقْهِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَعْرِفَةِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ، وَمَرَاتِبِهِ، وَمَرَاتِبِ الْقِيَاسِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي بَلَدِهِ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَإِلَّا خَرَجَ، وَلَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي مَنْعِهِ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ دَرَجَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقَيَّدْنَا بِالزَّائِدِ عَلَى الْعَيْنِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ الْوَلَدَ مِنْ الْخُرُوجِ لِمَعْرِفَتِهِ كَمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَعَقَائِدِ الْإِيمَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوضِ الْعَيْنِيَّةِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: وَإِذَا خَرَجَ بِإِذْنِهِمَا فَالْمُعْتَبَرُ مِنْهُ الْإِذْنُ بِاللِّسَانِ وَالْبَاطِنِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ بِمُجَرَّدِ إذْنِهِمَا بِاللِّسَانِ حَتَّى يَكُونَ الْقَلْبُ كَذَلِكَ، فَلَا يَخْرُجُ إذَا أَذِنَا بِلِسَانِهِمَا، وَهُمَا يَبْكِيَانِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَيْهِ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْأَبَوَيْنِ.

الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَا مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّ مِثْلَ الْغَزْوِ كُلُّ سَفَرٍ مَخُوفٍ؛ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: يُغْزَى، وَمِثْلُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحْرَى مِنْهُمَا السَّيِّدُ مَعَ عَبْدِهِ إذْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ، وَكَذَا صَاحِبُ الدَّيْنِ لَهُ مَنْعُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ

ص: 406