الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَجُوسِيُّ
، وَمَا كَانَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ذَكَاةٌ مِنْ طَعَامِهِمْ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ
وَالصَّيْدُ لِلَّهْوِ مَكْرُوهٌ وَالصَّيْدُ لِغَيْرِ اللَّهْوِ مُبَاحٌ.
وَكُلُّ مَا
ــ
[الفواكه الدواني]
فَيَكْفِي غَسْلُهَا قَبْلَ طَبْخِهَا، رَاجِعْ الْأُجْهُورِيَّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.
[أَكْلُ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ تَنَاوُلِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أَكْلُ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِطَعَامِهِمْ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَا بَأْسَ بِطَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَبَائِحهمْ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ عَطْفُ ذَبَائِحهمْ عَلَى طَعَامِهِمْ عَطْفَ تَفْسِيرٍ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الصَّغِيرُ مِنْهُمْ وَالْكَبِيرُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] الْآيَةَ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: حَمَلُوا طَعَامَهُمْ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ فَلَا بَأْسَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ، وَلَا بُدَّ لِلْجَوَازِ مِنْ شُرُوطٍ أَشَارَ إلَيْهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: إنْ ذَبَحَ لِنَفْسِهِ مُسْتَحِلَّةً، وَإِنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ إنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ بِأَنْ يَذْبَحَهُ بِحَضْرَةِ مُسْلِمٍ يَعْرِفُ صِفَةَ الذَّكَاةِ، وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ لَا يَذْبَحَهُ بِاسْمٍ نَحْوِ الصَّنَمِ فَإِنْ ذَبَحَهُ بِاسْمِ الصَّنَمِ فَقَطْ حَرُمَ عَلَيْنَا أَكْلُهُ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَكْلُ مَا ذَبَحَهُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ فِي شَرْعِنَا كَذَوَاتِ الظُّفُرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ مَا هُوَ حَلَالٌ لَهُ بِشَرْعِنَا، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ فِي شَرْعِهِ فَقَطْ كَالطَّرِيفَةِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَكْلُهُ بَلْ يُكْرَهُ فَقَطْ، فَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ ثَلَاثَةٌ: أَنْ يَذْبَحَ مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مَذْبُوحُهُ حَلَالًا لَهُ بِشَرْعِنَا، وَأَنْ لَا يَذْبَحَهُ بِاسْمِ الصَّنَمِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي إبَاحَةِ أَكْلِ مَا ذَكَّاهُ مَعَ الشُّرُوطِ نِيَّةٌ، وَلَا تَسْمِيَةٌ، وَأَمَّا لَوْ اسْتَنَابَهُ مُسْلِمٌ وَذَبَحَ لَهُ فَحَكَى فِيهِ خَلِيلٌ قَوْلَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي ذَبْحِ كِتَابِيٍّ لِمُسْلِمٍ قَوْلَانِ.
(وَكُرِهَ) لِلْمُسْلِمِ (أَكْلُ شُحُومِ) ذَبَائِحِ (الْيَهُودِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ بِشَرْعِنَا، كَشَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْخَالِصِ كَالثَّرْبِ بِالْمُثَلَّثَةِ الشَّحْمُ الرَّقِيقُ الَّذِي يَغْشَاهُ الْكِرْشُ وَالْأَمْعَاءُ، وَلَمَّا خَشِيَ مِنْ حَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ قَالَ:(مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ) فَإِنْ قِيلَ: الشَّحْمُ الْمَذْكُورُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْيَهُودِ بِشَرْعِنَا فَلِمَ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ جُزْءٌ مُذَكَّى حَلَالٌ لَهُ لَكِنْ لِحُرْمَتِهِ عَلَيْهِ كُرِهَ لَنَا أَكْلُهُ، وَأَيْضًا لَمَّا لَمْ يَقْصِدْ الشَّحْمَ بِالتَّذْكِيَةِ أَشْبَهَ الدَّمَ الَّذِي لَمْ يَقْصِدْهُ الْمُسْلِمُ.
(وَ) مَفْهُومُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ (لَا يُؤْكَلُ مَا ذَكَّاهُ الْمَجُوسِيُّ) وَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَوْ ذَكَّى مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَنَصَّرَ أَوْ يَتَهَوَّدَ أَوْ يَأْمُرَهُ الْمُسْلِمُ بِالذَّبْحِ وَيَقُولُ لَهُ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ وَيَقُولُهَا فَإِنَّ ذَكَاتَهُ تُؤْكَلُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَكْلُ مَا ذَكَّاهُ الْمَجُوسِيُّ سَوَاءٌ ذَكَّى مَا يَمْلِكُهُ أَوْ ذَبَحَ مِلْكَ مُسْلِمٍ نِيَابَةً عَنْهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَنَا أَكْلٌ مِمَّا ذَكَّاهُ لِنَفْسِهِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَفِي جَوَازِ أَكْلِ مَا ذَكَّاهُ لِمُسْلِمٍ نِيَابَةً عَنْهُ خِلَافٌ، وَلَعَلَّهُ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْمُسْلِمُ بِالتَّسْمِيَةِ وَيُسَمِّي اللَّهَ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ بِالْأَوْلَى مِنْ أَكْلِ مَا ذَكَّاهُ الْمَجُوسِيُّ مَعَ التَّسْمِيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَرُبَّمَا يَبْحَثُ فِي كَلَامِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ عُمَرَ بِمَفْهُومِ آيَةِ:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] فَإِنَّ الْمُرَادَ ذَبَائِحُهُمْ، وَبِصَرِيحِ الْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ، وَلَا يُؤْكَلُ مَا ذَكَّاهُ الْمَجُوسِيُّ وَبِاشْتِرَاطِهِمْ فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ كَوْنُ الْمُذَكِّي مِمَّنْ تُوطَأُ نِسَاؤُهُ، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ التَّسْمِيَةِ كَافٍ فِي جَوَازِ أَكْلِ مُذَكَّى الْمَجُوسِيِّ لَجَعَلَتْ الْفُقَهَاءُ الشَّرْطَ تَسْمِيَةَ الذَّابِحِ فَقَطْ، وَلَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ.
(تَنْبِيهٌ) مِثْلُ الْمَجُوسِيِّ فِي عَدَمِ أَكْلِ ذَبِيحَتِهِ مَنْ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ لِصَبًى أَوْ جُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ، وَمِثْلُهُمْ الْمُرْتَدُّ، وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا، وَالْكِتَابِيُّ إذَا ذَبَحَ شَيْئًا بِاسْمِ الصَّنَمِ كَمَا أَشَرْنَا لَهُ فِيمَا سَبَقَ.
(وَ) أَمَّا (مَا كَانَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ذَكَاةٌ مِنْ طَعَامِهِمْ) كَالْخُبْزِ وَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ (فَلَيْسَ بِحَرَامٍ) وَالضَّمِيرُ فِي طَعَامِهِمْ لِلْمَجُوسِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ بِالْأَوْلَى، فَيَجُوزُ لَنَا أَكْلُ خُبْزِ الْمَجُوسِيِّينَ وَزَيْتِهِمْ حَيْثُ تُيُقِّنَتْ طَهَارَتُهُ، لَا إنْ شُكَّ فِي طَهَارَتِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْنَا أَكْلُهُ حَيْثُ غَلَبَ مُخَالَطَتُهُ لِلنَّجَاسَةِ كَجُبْنِهِمْ؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ حَمَلَ الْكَرَاهَةَ الْوَاقِعَةَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، حَتَّى قَالَ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ حَتَّى قَالَ: لَا يَنْبَغِي الشِّرَاءُ مِنْ حَانُوتٍ فِيهِ جُبْنُهُمْ لِتَنْجِيسِهِ الْمِيزَانَ وَيَدَ بَائِعِهِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى ذَكَاةِ الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ، وَمِثْلُهُ الْوَحْشِيُّ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَحْشِيِّ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّيْدُ، وَحَقِيقَتُهُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَخْذُ مُبَاحٍ أَكْلُهُ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مِنْ وَحْشِ طَيْرٍ أَوْ بَرٍّ أَوْ حَيَوَانِ بَحْرٍ بِقَصْدٍ أَيْ نِيَّةِ الِاصْطِيَادِ، وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ وَحْشِ طَيْرٍ أَوْ بَرٍّ إلَخْ، وَحُكْمُهُ الْأَصْلِيُّ الْجَوَازُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ وَالْحُرْمَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَالنَّدْبُ فَأَحْكَامُهُ خَمْسَةٌ، فَالْمَكْرُوهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَالصَّيْدُ لِلَّهْوِ) بِقَصْدِ الذَّكَاةِ (مَكْرُوهٌ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ.
(وَ) أَمَّا حُكْمُ (الصَّيْدِ لِغَيْرِ اللَّهْوِ) ، وَلِغَيْرِ مَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَوْ النَّدْبَ أَوْ الْحُرْمَةَ فَهُوَ (مُبَاحٌ) وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَالْوُجُوبُ، وَأَمَّا لِقَصْدِ التَّصَدُّقِ بِذَاتِهِ
قَتَلَهُ كَلْبُك الْمُعَلَّمُ أَوْ بَازُك الْمُعَلَّمُ فَجَائِزٌ أَكْلُهُ إذَا أَرْسَلْته عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ مَا أَنْفَذَتْ الْجَوَارِحُ مَقَاتِلَهُ قَبْلَ قُدْرَتِك عَلَى ذَكَاتِهِ، وَمَا أَدْرَكْته قَبْلَ إنْفَاذِهَا لِمَقَاتِلِهِ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا بِذَكَاةٍ.
وَكُلُّ مَا صِدْته بِسَهْمِك أَوْ رُمْحِك فَكُلْهُ فَإِنْ أَدْرَكْت ذَكَاتَهُ
ــ
[الفواكه الدواني]
أَوْ ثَمَنِهِ أَوْ التَّوْسِيعِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ فَالنَّدْبُ، وَأَمَّا لِقَصْدِ حَبْسِهِ لِلْفُرْجَةِ عَلَيْهِ فَالْحُرْمَةُ دَلَّ عَلَى حُكْمِهِ الْأَصْلِيِّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، فَالْكِتَابُ:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96]{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك» ، وَإِنَّمَا قُلْت بِقَصْدِ الذَّكَاةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الِاصْطِيَادِ لَا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَحَرُمَ اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ لَا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ، وَلِلصَّيْدِ أَرْكَانٌ وَشُرُوطٌ، فَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: صَائِدٌ، وَمَصِيدٌ، وَمَصِيدٌ بِهِ، وَشَرْطُ الصَّائِدِ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ فَلَا يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ غَيْرُ الْمُسْلِمِ، وَلَوْ كِتَابِيًّا، وَلَا مَا صَادَهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ إلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ غَيْرَ مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ فَيُذَكِّيَهُ الْمُسْلِمُ، وَلَوْ كَانَ الصَّائِدُ لَهُ مَجُوسِيًّا، وَشَرْطُ الصَّيْدِ أَنْ يَكُونَ وَحْشِيًّا مَرْئِيًّا لِلصَّائِدِ، أَوْ يَكُونَ فِي مَكَان مَحْصُورٍ كَغَارٍ أَوْ غَيْضَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ جُمْلَةً أَوْ فِي الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ، كَكَوْنِهِ فِي شَاهِقِ جَبَلٍ أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِأَمْرٍ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَطَبِ، أَوْ كَانَ فِي جَزِيرَةٍ كَبِيرَةٍ فَلَا يُؤْكَلُ الْإِنْسِيُّ بِالْعُقْرِ، وَلَوْ فِي حَالِ الْعَجْزِ عَنْهُ كَفَحْلِ الْجَامُوسِ عِنْدَ كِبَرِهِ، وَلَا الْوَحْشِيِّ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَادِحَةٍ، وَشَرْطُ الْمَصِيدِ بِهِ أَنْ يَكُونَ سِلَاحًا مَحْدُودًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَدِيدٍ، أَوْ حَيَوَانًا مُعَلَّمًا، وَإِنْ كَانَ كَلْبًا، وَتَعْلِيمُهُ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ إذَا أُرْسِلَ أَطَاعَ، وَإِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ طَيْرًا فَيَكْفِي فِيهِ الْإِطَاعَةُ عِنْدَ إرَادَةِ إرْسَالِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ الِانْزِجَارِ بَعْدَ الْإِرْسَالِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ، فَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى تِلْكَ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَاطِفًا عَلَى الذَّكَاةِ بِمَعْنَى الذَّبْحِ أَوْ الْعُقْرِ بِقَوْلِهِ: وَجُرْحُ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ وَحْشِيًّا، وَإِنْ تَأَنَّسَ عَجَزَ عَنْهُ إلَّا بِعُسْرٍ لَا نَعَمْ شَرَدَ أَوْ تَرَدَّى بِكَهُوَّةٍ بِسِلَاحٍ مُحَدَّدٍ أَوْ حَيَوَانٍ عُلِّمَ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا يُفِيدُ شُرُوطَ الْمَصِيدِ بِهِ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ) أَيْ جَمِيعُ (مَا قَتَلَهُ كَلْبُك الْمُعَلَّمُ) قَدْ مَرَّ مَعْنَى التَّعْلِيمِ (أَوْ) قَتَلَهُ (بَازُك الْمُعَلَّمُ فَجَائِزٌ أَكْلُهُ) فَاعِلُ جَائِزٍ الْوَاقِعُ خَبَرُ كُلٍّ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَقَرَنَ الْخَبَرَ هُنَا بِالْفَاءِ لِشِبْهِ الْمُبْتَدَأِ هُنَا بِالشَّرْطِ فِي الْعُمُومِ، وَمَا يُقَالُ: الْخَبَرُ الَّذِي يُقْرَنُ بِالْفَاءِ يَكُونُ جُمْلَةً، وَمَا هُنَا مُفْرَدٌ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْمُفْرَدُ هُنَا شَبِيهٌ بِالْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ وُصِفَ مَعَ مَرْفُوعِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ جَمِيعَ مَا مَاتَ بِجُرْحِ الْحَيَوَانِ الْمُعَلَّمِ أَوْ السِّلَاحِ الْمُحَدَّدِ بَعْدَ النِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ وَوُجُودِ مَا يُشْتَرَطُ مِنْ الشُّرُوطِ يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَلَوْ تَعَدَّدَ حَيْثُ نَوَى الْجَمِيعَ، وَيُشْتَرَطُ فِي صَيْدِ الْحَيَوَانِ (إذَا أَرْسَلْته) أَيْ الْجَارِحَ (عَلَيْهِ) وَذَهَبَ إلَيْهِ بِإِرْسَالِك مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ تَرْكٍ.
قَالَ: خَلِيلٌ: بِإِرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ بِلَا ظُهُورِ تَرْكٍ، وَلَوْ تَعَدَّدَ مَصِيدُهُ، وَقَوْلُنَا حَيْثُ نَوَى الْجَمِيعَ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا نَوَى مُعَيَّنًا، فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ إذَا قَتَلَهُ أَوَّلًا وَعَلِمَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ أَوْ قَتَلَ غَيْرَهُ قَبْلَهُ فَلَا يُؤْكَلُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، وَأَمَّا لَوْ رَأَى جَمَاعَةً وَنَوَى وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا الْأَوَّلُ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: إذَا أَرْسَلْته أَنَّك لَوْ لَمْ تُرْسِلْهُ لَا يُؤْكَلُ مَا جَرَحَهُ أَوْ أَرْسَلَهُ، لَكِنْ لَمْ يَذْهَبْ بِإِرْسَالِهِ بِأَنْ أَظْهَرَ التَّرْكَ بِأَنْ وَجَدَ جِيفَةً فِي الطَّرِيقِ فَاشْتَغَلَ بِالْأَكْلِ مِنْهَا ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ.
قَالَ خَلِيلٌ: بِإِرْسَالِهِ مِنْ يَدِهِ بِلَا ظُهُورِ تَرْكٍ ثُمَّ قَالَ فِي مُحْتَرَزِهِ لَا إنْ أَغْرَى فِي الْوَسَطِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا يَجْرَحُهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ مَاتَ بِمُجَرَّدِ الْعَضِّ أَوْ الصَّدْمِ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ.
(وَ) كَمَا يَجُوزُ أَكْلُ مَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ أَوْ الْبَازُ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ (كَذَلِكَ) يَجُوزُ أَكْلُ (مَا أَنْفَذَتْ الْجَوَارِحُ) أَوْ الْكِلَابُ شَيْئًا مِنْ (مَقَاتِلِهِ قَبْلَ قُدْرَتِك عَلَى ذَكَاتِهِ) ، وَلَوْ أَدْرَكْته حَيًّا حَيْثُ لَمْ تَتَرَاخَ فِي اتِّبَاعِهِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ قَبْلَ إنْفَاذِهَا، وَلَوْ لَمْ يَتَرَاخَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْإِجْهَازُ عَلَى مَا أَدْرَكَهُ حَيًّا بَعْدَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْ مَقَاتِلِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَنْدُوبِ: وَفَرْيُ وَدَجَيْ صَيْدٍ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ، وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: أَنْفَذَتْ الْجَوَارِحُ بِقَوْلِهِ: (وَمَا أَدْرَكْته) أَوْ أَدْرَكَهُ غَيْرُك مِمَّنْ تَصِحَّ ذَكَاتُهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ ذَكَاتِهِ (قَبْلَ إنْفَاذِهَا) أَيْ الْجَوَارِحِ (لِمَقَاتِلِهِ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا بِذَكَاةٍ) حَيْثُ تَمَكَّنَ مِنْ تَخْلِيصِهِ مِنْ الْكَلْبِ أَوْ الْبَازِ قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ إنْفَاذِ مَقْتَلِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَخْلِيصِهِ صَارَ مِنْ الْمَقْدُورِ عَلَى ذَكَاتِهِ، فَلَوْ تَرَكَهُ حَتَّى قَتَلَهُ الْجَارِحُ لَمْ يُؤْكَلْ.
قَالَ خَلِيلٌ: أَوْ يَنْهَشُهُ مَا قَدَرَ عَلَى خَلَاصِهِ مِنْهُ، وَقَوْلُنَا: أَوْ أَدْرَكَهُ غَيْرُك إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ مَرَّ عَلَى صَيْدٍ قَبْلَ إنْفَاذِ الْجَارِحِ شَيْئًا مِنْ مَقَاتِلِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَذْكِيَتُهُ، فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ، قَالَ خَلِيلٌ: وَضَمِنَ مَارٌّ أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ وَتَرَكَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى رَبِّهِ، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا لِلصَّائِدِ لِحُرْمَةِ أَكْلِهِ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ مُرُورَ غَيْرِ رَبِّهِ بِمَنْزِلَةِ مُرُورِ رَبِّهِ، وَرَبُّهُ إذَا مَرَّ بِهِ قَبْلَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْ مَقَاتِلِهِ، وَتَرَكَهُ حَتَّى قَتَلَهُ الْجَارِحُ يَصِيرُ مَيْتَةً.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْمَصِيدِ بِهِ الْحَيَوَانَ شَرَعَ فِي السِّلَاحِ الْمُحَدَّدِ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ) أَيْ جَمِيعُ (مَا صِدْته بِسَهْمِك أَوْ رُمْحِك) أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ مُحَدَّدٍ، وَلَوْ غَيْرَ حَدِيدٍ وَقَتَلَهُ السَّهْمُ أَوْ الرُّمْحُ أَوْ جَرَحَهُ، وَمَاتَ قَبْلَ قُدْرَتِك عَلَى ذَكَاتِهِ
فَذَكِّهِ، وَإِنْ فَاتَ بِنَفْسِهِ فَكُلْهُ إذَا قَتَلَهُ سَهْمُك مَا لَمْ يَبِتْ عَنْك، وَقِيلَ إنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا بَاتَ عَنْك مِمَّا قَتَلَتْهُ الْجَوَارِحُ، وَأَمَّا السَّهْمُ يُوجَدُ فِي مَقَاتِلِهِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ.
وَلَا تُؤْكَلُ الْإِنْسِيَّةُ بِمَا يُؤْكَلُ بِهِ الصَّيْدُ.
وَالْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَيُعَقُّ عَنْ الْمَوْلُودِ
ــ
[الفواكه الدواني]
(فَكُلْهُ) حَيْثُ نَوَيْت وَسَمَّيْت عِنْدَ رَمْيِ السَّهْمِ أَوْ الرُّمْحِ (فَإِنْ أَدْرَكْت ذَكَاتَهُ) قَبْلَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْ مَقَاتِلِهِ (فَذَكِّهِ) وُجُوبًا، وَأَمَّا إنْ أَدْرَكْته حَيًّا بَعْدَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْ مَقَاتِلِهِ نُدِبَ لَك تَذْكِيَتُهُ كَمَا قَدَّمْنَا.
(وَ) مَفْهُومُ أَدْرَكْت ذَكَاتَهُ (إنْ مَاتَ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ أَدْرَكْته مَيِّتًا (فَكُلْهُ إذَا قَتَلَهُ سَهْمُك) أَوْ رُمْحُك (مَا لَمْ يَبِتْ عَنْك) ، وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْك أَكْلُهُ، وَلَوْ بَاتَ عَنْك بَعْضَ اللَّيْلِ، وَلَوْ وَجَدْت السَّهْمَ فِي مَقَاتِلِهِ مَعَ إنْفَاذِهَا، وَلَوْ مَعَ الْجَدِّ فِي اتِّبَاعِهِ، وَلَا مَفْهُومَ لِلسَّهْمِ فِي عَدَمِ جَوَازِ أَكْلِ مَا بَاتَ عَنْك.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا بَاتَ الصَّيْدُ عَنْ الصَّائِدِ وَوَجَدَهُ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَالْكَلْبُ وَالسَّهْمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ اللَّيْلَ تَكْثُرُ فِيهِ الْهَوَامُّ بِخِلَافِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ فِيهِ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:«أَنَّ رَجُلًا يَصِيدُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنِّي رَمَيْته مِنْ اللَّيْلِ فَأَعْيَانِي وَوَجَدْت سَهْمِي فِيهِ مِنْ الْغَدِ وَعَرَفْت سَهْمِي، فَقَالَ: اللَّيْلُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَظِيمٌ لَعَلَّهُ أَعَانَك عَلَيْهِ شَيْءٌ أَنْفَذَهَا عَنْك» .
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ وَالْإِصْمَاءُ مَا حَضَرْت مَوْتَهُ، وَالْإِنْمَاءُ مَا غَابَ عَنْك مَوْتُهُ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ رَمَاهُ نَهَارًا، وَغَابَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا وَوَجَدَهُ مَيِّتًا بِجُرْحِ السَّهْمِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَتَرَاخَ فِي اتِّبَاعِهِ، ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَخَلِيلٍ مِنْ حُرْمَةِ أَكْلِ مَا بَاتَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ فِيهِ إلَى الْوَهْمِ وَرَجَحَ الْقَوْلُ بِأَكْلِهِ حَيْثُ وُجِدَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَرَ الصَّائِدُ إنْفَاذَ السَّهْمِ أَوْ الْجَارِحُ إنْفَاذَ مَقْتَلِهِ قَبْلَ الْبَيَاتِ، وَإِلَّا أُكِلَ اتِّفَاقًا، وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ مُسَاوَاةِ الْجَارِحِ لِلسَّهْمِ فِي الْأَحْكَامِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَمُقَابِلُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ (إنَّمَا حُرْمَةُ ذَلِكَ) أَيْ أَكْلُ مَا مَاتَ (فِيمَ بَاتَ عَنْك مِمَّا قَتَلَهُ الْجَوَارِحُ وَأَمَّا) الصَّيْدُ الَّذِي يُضْرَبُ (بِالسَّهْمِ فَيُوجَدُ فِي مَقَاتِلِهِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) أَيْ يَجُوزُ أَكْلُهُ، وَوَجْهُ تَفْرِقَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ السَّهْمَ إذَا وُجِدَ فِي مَقَاتِلِهِ وَقَدْ أَنْفَذَهَا يَغْلِبُ مَعَهُ الظَّنُّ بِأَنَّ الْمَوْتَ لِلصَّيْدِ مِنْ السَّهْمِ، بِخِلَافِ الْجَارِحِ كَالْكَلْبِ أَوْ الصَّقْرِ يَجْرَحُ الصَّيْدَ وَيَبِيتُ عِنْدَ رَبِّهِ وَيُوجَدُ الصَّيْدُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْجَارِحِ. (تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: قَيَّدْنَا السَّهْمَ وَالرُّمْحَ بِالْمُحَدَّدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِ الْمُحَدَّدِ، كَالْبُنْدُقِ وَالشَّرَكِ وَالشَّبَكَةِ وَالْعَصًا الَّتِي لَا حَدَّ لَهَا، فَلَا يُؤْكَلُ مَا صِيدَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، وَلَوْ وُجِدَ حَيًّا بَعْدَ إنْفَاذِ مَقْتَلِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَدْرَكَ حَيًّا قَبْلَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْ مَقَاتِلِهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ بِالذَّكَاةِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الَّذِي يُدْرَكُ حَيًّا، وَلَوْ بَعْدَ إنْفَاذِ مَقْتَلِهِ بِالْبُنْدُقِ مَثَلًا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ لَيْسَ مَذْهَبًا لَنَا.
الثَّانِي: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ أَنْ يَجْرَحَهُ الْكَلْبُ أَوْ السَّهْمُ، وَلَا يَكْفِي مَوْتُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَضِّ، وَالْمُرَادُ بِالْجُرْحِ مَا يَشْمَلُ قَطْعَ الرِّجْلِ أَوْ الْأُذُنِ.
وَفِي كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: الْمُرَادُ بِالْجُرْحِ سَيَلَانُ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ الْجِلْدَ، وَحَكَى قَوْلَيْنِ فِي شَقِّ الْجِلْدِ مِنْ غَيْرِ سَيَلَانِ دَمٍ، وَأَقُولُ: مُقَابَلَتُهُمْ لِلْجُرْحِ بِالصَّدْمِ وَالْعَضِّ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ شَقَّ الْجِلْدِ يَكْفِي فِي جَوَازِ أَكْلِ الصَّيْدِ، وَإِنْ لَمْ يَسِلْ مَعَهُ دَمٌ وَحَرَّرَهُ، بَلْ شَقُّ الْجِلْدِ أَوْلَى مِنْ سَيَلَانِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ شَقٍّ.
الثَّالِثُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ أَكْلِ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ الصَّيْدِ عِنْدَ الِاصْطِيَادِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ مُحَصَّلُهُ: إنْ انْفَصَلَ شَيْءٌ وَحَصَلَ بِهِ إنْفَاذُ مَقْتَلٍ أُكِلَ سَوَاءٌ كَانَ نِصْفًا أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ إنْفَاذُ مَقْتَلٍ أُكِلَ إنْ كَانَ نِصْفًا لَا أَقَلَّ.
قَالَ خَلِيلٌ. وَدُونَ نِصْفٍ أُبِينَ مَيْتَةٌ إلَّا الرَّأْسَ.
وَلِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّيْدَ مُخْتَصٌّ بِالْوَحْشِيِّ شَرَعَ هُنَا فِي بَيَانِ مُحْتَرَزِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تُؤْكَلُ) الذَّاتُ (الْإِنْسِيَّةُ) أَصَالَةً، وَإِنْ تَوَحَّشَتْ (بِمَا يُؤْكَلُ بِهِ الصَّيْدُ) مِنْ الْجُرْحِ قَالَ خَلِيلٌ: لَا نَعَمَ شَرَدَ أَوْ تَرَدَّى بِكَهُوَّةٍ فَلَا يُؤْكَلُ الْفَحْلُ الْجَامُوسُ الَّذِي نَفَرَ، وَلَا الْجَمَلُ الشَّارِدُ، وَمِثْلُ النَّعَمِ الْحَيَوَانُ الْوَحْشِيُّ إذَا تَأَنَّسَ أَوْ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ كَالْغَزَالَةِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ يُصَادَانِ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ فَلَا يُؤْكَلُ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِالْعُقْرِ، وَإِنَّمَا يُؤْكَلَانِ بِمَا يُؤْكَلُ بِهِ الْحَيَوَانُ الْإِنْسِيُّ، وَهُوَ الذَّبْحُ.
(تَنْبِيهٌ) لَيْسَ مِنْ الْإِنْسِيِّ الَّذِي يُذْبَحُ نَحْوَ الْجَرَادِ بَلْ ذَكَاتُهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مَا يُعَجِّلُ مَوْتَهُ، بَلْ سَائِرُ حَشَرَاتِ الْأَرْضِ ذَكَاتُهَا مَا يُعَجِّلُ مَوْتَهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَافْتَقَرَ نَحْوُ الْجَرَادِ لَهَا بِمَا يَمُوتُ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ كَقَطْعِ جُنَاحٍ أَوْ إلْقَاءٍ فِي نَارٍ، فَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْإِنْسِيِّ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ، وَمَا شَابَهَهَا مِنْ نَحْوِ الدَّجَاجِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الذَّكَاةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: ذَبْحٍ وَنَحْرٍ وَعُقْرٍ، وَمَا يُعَجِّلُ الْمَوْتَ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِيمَا سَبَقَ أَتَمَّ بَيَانٍ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَقِيَّةِ مَا تَرْجَمَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَالْعَقِيقَةُ) فِي اللُّغَةِ الْقَطْعُ فَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الذَّبِيحَةُ الَّتِي تُفْعَلُ فِي سَابِعِ وِلَادَةِ الْمَوْلُودِ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: مَا تُقَرِّبَ بِذَكَاتِهِ مِنْ جَذَعِ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيِّ سَائِرِ النَّعَمِ سَلِيمَيْنِ مِنْ بَيْنِ عَيْبٍ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ فِي نَهَارِ سَابِعِ وِلَادَةِ آدَمِيٍّ حَيٍّ عُقَّ عَنْهُ فَلَيْسَتْ قَاصِرَةً عَلَى الْغَنَمِ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ، وَبَيَّنَ حُكْمَهَا بِقَوْلِهِ:(سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ) مُرَادُهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ خَفِيفَةٌ غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ أَوْ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةَ فَلَا يُنَافِي الْوَصْفَ بِمُسْتَحَبَّةٍ، فَإِنْ قِيلَ: الْمُسْتَحَبُّ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَنَّ الْمَسْنُونَ فَعَلَهُ أَيْضًا فَمَا
يَوْمَ سَابِعِهِ بِشَاةٍ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سَنِّ الْأُضْحِيَّةِ وَصِفَتِهَا وَلَا يُحْسَبُ فِي السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ.
وَتُذْبَحُ ضَحْوَةً.
وَلَا يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا.
وَيُؤْكَلُ مِنْهَا وَيَتَصَدَّقُ وَتُكْسَرُ عِظَامُهَا.
وَإِنْ حُلِقَ شَعْرُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ وَتُصُدِّقَ بِوَزْنِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ حَسَنٌ
وَإِنْ خُلِّقَ رَأْسُهُ بِخَلُوقٍ بَدَلًا مِنْ الدَّمِ الَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فَلَا
ــ
[الفواكه الدواني]
وَجْهُ التَّفْرِقَةِ؟ فَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّفْرِقَةَ اصْطِلَاحٌ فِقْهِيٌّ لِمُعْظَمِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ وَأَظْهَرَهُ فِي جَمَاعَةٍ يُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِالسُّنَّةِ، وَمَا سِوَاهُ مِمَّا لَمْ يُظْهِرْهُ فِي جَمَاعَةٍ إنْ حَضَّ عَلَى فِعْلِهِ يُسَمَّى رَغِيبَةً، وَمَا لَمْ يَحُضَّ عَلَى فِعْلِهِ يُسَمَّى مُسْتَحَبًّا، وَمُقَابَلُ الْمُعْظَمِ مِنْ الْفُقَهَاءِ يُسَمُّونَ غَيْرَ الْوَاجِبِ بِالسُّنَّةِ، وَهُمْ الْبَغْدَادِيُّونَ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ فَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام.
وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ خَلِيلٌ أَنَّ الْعَقِيقَةَ مَنْدُوبَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ: وَنُدِبَ ذَبْحُ وَاحِدَةٍ تُجْزِئُ ضَحِيَّةً فِي سَابِعِ الْوِلَادَةِ نَهَارًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ:«كُلُّ غُلَامٍ مَرْهُونٌ بِعَقِيقَتِهِ» وَبَيَّنَ زَمَنَهَا بِقَوْلِهِ: (وَيُعَقُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (عَنْ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ) فَلَا يُعَقُّ عَنْهُ قَبْلَ السَّابِعِ اتِّفَاقًا، وَلَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ زَمَنِهَا كَالضَّحِيَّةِ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِخِلَافِهِمَا، وَإِطْلَاقُ الْمَوْلُودِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ، لَكِنَّ ابْنَ الْعَبْدِ يَعُقُّ عَنْهُ أَبُوهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَالْحَدِيثِ أَنَّ الْعَقِيقَةَ لَا تَتَعَدَّدُ، بَلْ الْوَاحِدَةُ كَافِيَةٌ فِي كُلِّ مَوْلُودٍ الذَّكَرِ كَالْأُنْثَى، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ حَنْبَلٍ حَيْثُ قَالَ: يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ، لَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ:«أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ بِكَبْشٍ، وَكَذَا عَنْ الْحُسَيْنِ» وَمَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فَهُوَ حَسَنٌ لِمَنْ فَعَلَهُ.
حَتَّى قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ عَمِلَ بِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مَا أَخْطَأَ، وَلَقَدْ أَصَابَ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ:«أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ مُتَكَافِئَتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ» ، وَلَمْ نَطَّلِعْ لِمَشْهُورِ مَذْهَبِنَا عَلَى جَوَابٍ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ أَمْرَهُ صلى الله عليه وسلم بِالْعَقِّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ فِي الْقُرْبَةِ لَا لِتَوَقُّفِ حُصُولِ النَّدْبِ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ اقْتِصَارِهِ عَلَى شَاةٍ حِينَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ.
(تَنْبِيهٌ) بَنَى يُعَقُّ لِلْمَجْهُولِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْفَاعِلَ لِلْعَقِيقَةِ وَبَيَّنَهُ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ: وَالْمُخَاطَبُ بِهَا الْأَبُ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَوْلُودِ مَالٌ، وَأَمَّا الْيَتِيمُ فَعَقِيقَتُهُ مِنْ مَالِهِ، وَلَا يُخَاطَبُ بِهَا الْأَخُ، وَلَا الْعَمُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَبَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَا يُسَلَّفُهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَوْكَدَ مِنْ الضَّحِيَّةِ، ثُمَّ بَيَّنَ مَا يُجْزِئُ فِيهَا بِقَوْلِهِ:(بِشَاةٍ) أَوْ ثَنِيِّ بَقَرٍ أَوْ إبِلٍ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الشَّاةُ أَوْ الثَّنِيُّ مِنْ سَائِرِ النَّعَمِ. (مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ وَصِفَتِهَا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَالنُّسُكَ وَالْعَقِيقَةَ وَالْجَزَاءَ فِي السَّلَامَةِ مِنْ بَيْنِ الْعَيْبِ وَالسِّنِّ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ بُلُوغِ الشَّاةِ سَنَةً وَدُخُولِهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَدُخُولِ ثَنِيِّ الْبَقَرِ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ وَالْإِبِلِ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، وَلَمَّا كَانَ يُشْتَرَطُ كَمَالُ السَّبْعَةِ أَيَّامٍ قَالَ:(وَلَا يُحْسَبُ فِي السَّبْعَةِ أَيَّامِ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ) حَيْثُ سُبِقَ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَأَلْغَى يَوْمَهَا إنْ سُبِقَ بِالْفَجْرِ، وَأَمَّا لَوْ وُلِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حُسِبَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَيُشْتَرَطُ حَيَاةُ الْوَلَدِ فِي السَّابِعِ لَا إنْ مَاتَ يَوْمَ السَّابِعِ قَبْلَ فِعْلِهَا، وَيَدْخُلُ زَمَنُ ذَكَاتِهَا بِطُلُوعِ فَجْرِ السَّابِعِ.
(وَ) لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ (تُذْبَحَ ضَحْوَةً) ، وَهَذَا عَلَى أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ إلْحَاقًا لَهَا بِالْهَدَايَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَابِعَةً لِصَلَاةٍ حَتَّى تُلْحَقَ بِالضَّحَايَا، فَإِنْ فُعِلَتْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَجْزَأَتْ مَعَ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَحَبِّ.
(وَلَا يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا) لِكَرَاهَةِ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَكْرُوهِ: وَلَطْخُهُ بِدَمِهِ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ إمَاطَةَ الْأَذَى بِتَرْكِ التَّلْطِيخِ الْمَذْكُورِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأُنْثَى تُسَاوِي الذَّكَرَ فِي كَرَاهَةِ مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ يُكْرَهُ التَّلَطُّخُ بِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يُؤْكَلَ) أَيْ يُطْعَمَ (مِنْهَا) أَهْلُ الْبَيْتِ وَالْجِيرَانُ (وَيُتَصَدَّقُ) مِنْهَا بَعْدَ الطَّبْخِ وَقَبْلَهُ، وَيُكْرَهُ جَعْلُهَا وَلِيمَةً وَيَدْعُو لَهَا النَّاسَ كَمَا تَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ جَعْلِهِمْ لَهَا كَالْعُرْسِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمُخَالَفَةِ فِعْلِ السَّلَفُ، وَلِخَوْفِ الْمُبَاهَاةِ وَالْمُفَاخَرَةِ، بَلْ الْمَطْلُوبُ إطْعَامُ كُلِّ أَحَدٍ فِي مَحَلِّهِ، فَلَوْ وَقَعَ عَمَلُهَا وَلِيمَةً أَجْزَأَتْ، وَإِنْ كُرِهَتْ، وَلَا يُطَالَبُ بِإِعَادَتِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَتَحْرُمُ الْمُعَاوَضَةُ بِهَا كَسَائِرِ الْقُرَبِ، فَلَا يُبَاعُ جِلْدُهَا، وَلَا شَيْءٌ مِنْ لَحْمِهَا، وَلَا يُعْطَى الْجَزَّارُ فِي نَظِيرِ جِزَارَتِهِ، وَلَا الْقَابِلَةُ فِي نَظِيرِ وِلَادَةِ الْمَرْأَةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ الضَّحِيَّةِ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، وَيَظْهَرُ هُنَا أَوْ أَوْلَى كَذَلِكَ.
(وَ) يَجُوزُ أَنْ (تُكْسَرَ عِظَامُهَا) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ مُخَالَفَةً لِلْجَاهِلِيَّةِ فِي عَدَمِ كَسْرِهَا، وَإِنَّمَا كَانُوا يَقْطَعُونَهَا مِنْ الْمَفَاصِلِ مَخَافَةَ إصَابَةِ الْوَلَدِ فَنَسَخَهُ الْإِسْلَامُ.
(وَ) أَمَّا (أَنْ حُلِقَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ (شَعْرُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ)، وَلَوْ أُنْثَى يَوْمَ السَّابِعِ قَبْلَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ إنْ عُقَّ عَنْهُ (وَتُصُدِّقَ بِوَزْنِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ) عَلَى الْمَشْهُورِ فَقَوْلُهُ:(حَسَنٌ) لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتَصَدُّقٌ بِزِنَةِ شَعْرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْمُوَطَّإِ: