الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوُضُوءِ بِذَلِكَ.
وَيَجِبُ الطُّهْرُ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ الدَّافِقِ لِلَّذَّةِ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ.
[مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ]
أَوْ انْقِطَاعِ دَمِ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَالزَّائِدُ الَّذِي فِيهِ إحْسَاسٌ كَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ غَيْرَهُ عَلَى مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ جَزْمِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِنَقْضِ وُضُوءِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِمَسِّ ذَكَرِهِ وَنَقْضِ وُضُوءِ الشَّاكِّ فِي حَدَثِهِ، وَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذُوا اشْتِرَاطَ مُسَاوَاةِ الزَّائِدِ لِغَيْرِهِ فِي الْإِحْسَاسِ وَالتَّصَرُّفِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا وَمَعَ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ فِي جَانِبِ الْعِبَادَاتِ، وَمَا فِي الْأَجْهُورِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَصْلِيَّ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إحْسَاسٌ بِنَا فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْمَسَّ بِالْيَدِ الشَّلَّاءِ لَا يَنْقُضُ، وَأَيْضًا صَرَّحَ الْأَجْهُورِيُّ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْسَاسِ فِي الْأَصَابِعِ الْأَصْلِيَّةِ، وَأَيْضًا اشْتِرَاطُهُمْ فِي الزَّائِدِ مُسَاوَاتَهُ لِغَيْرِهِ فِي الْإِحْسَاسِ شَاهِدُ صِدْقٍ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِحْسَاسِ فِي الْأَصَابِعِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ سَبْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ سَمِعَتْهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَمَا يُخَالِفُهُ ضَعِيفٌ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِنَا الْمُتَّصِلِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّهِ بَعْدَ قَطْعِهِ وَلَا بِمَوْضِعِ الْجَبِّ وَلَوْ الْتَذَّ وَلَا بِمَسِّ ذَكَرِ غَيْرِهِ إلَّا لِقَصْدٍ أَوْ الْتِذَاذٍ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّمْسِ وَالْمَسِّ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ اللَّمْسَ مُلَاقَاةُ جِسْمٍ لِجِسْمٍ آخَرَ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ بِاللَّمْسِ وَالْمَسُّ مُلَاقَاةُ جِسْمٍ آخَرَ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ، وَلِذَا عَبَّرَ فِي جَانِبِ الذَّكَرِ بِالْمَسِّ لِأَنَّ النَّقْضَ يَحْصُلُ بِمَسِّهِ وَلَوْ سَهْوًا، وَمَفْهُومُ الذَّكَرِ أَنَّهُ لَوْ مَسَّ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ سَوَاءٌ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ كَالدُّبْرِ.
قَالَ خَلِيلٌ: لَا بِمَسِّ دُبُرٍ وَلَا أُنْثَيَيْنِ وَلَا فَرْجِ صَغِيرَةٍ وَلَا دَابَّةٍ إلَّا أَنْ يَلْتَذَّ بِمَسِّ فَرْجِهِمَا فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، بِخِلَافِ جَسَدِهِمَا فَلَا نَقْضَ وَلَوْ الْتَذَّ بِهِ.
(وَاخْتُلِفَ فِي مَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ) عَلَيْهَا (بِذَلِكَ) وَعَدَمِهِ عَلَى عِدَّةِ رِوَايَاتٍ: أَحَدُهَا عَدَمُ النَّقْضِ مُطْلَقًا وَهِيَ الصَّحِيحَةُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهَا فِي الْمَذْهَبِ وَمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَصَدَّرَ بِهَا الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ أَلْطَفَتْ أَمْ لَا؟ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْإِلْطَافِ بِأَنْ تُدْخِلَ أُصْبُعَهَا بَيْنَ شَفْرَيْهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ وَعَدَمُهُ، وَرِوَايَةٌ بِاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ أَرْجَحَهَا أَوَّلُهَا.
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْقِسْمَ الثَّالِثَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ وَهُوَ الرِّدَّةُ وَالشَّكُّ فِي الْحَدَثِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَبِرِدَّةٍ وَبِشَكٍّ فِي حَدَثٍ بَعْدَ طُهْرٍ عُلِمَ إلَّا لِمُسْتَنْكِحٍ وَبِشَكٍّ فِي سَابِقِهِمَا، وَالْمُرَادُ الشَّكُّ فِي النَّاقِضِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي حَدَثٍ أَوْ سَبَبٍ إلَّا الرِّدَّةَ فَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالشَّكِّ فِيهِمَا، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَرْتَدُّ بِالشَّكِّ فِي الِارْتِدَادِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِارْتِدَادِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ شَرَعَ فِي مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ، وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ، وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَالْمَوْتُ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا خُرُوجَ الْمَنِيِّ فَقَالَ:(وَيَجِبُ الطُّهْرُ) أَيْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَمْعِ الْجَسَدِ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الدَّلْكِ (مِمَّا ذَكَرْنَا) أَوَّلَ الْبَابِ وَأَعَادَهُ هُنَا بِقَوْلِهِ: (مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ الدَّافِقِ لِلَّذَّةِ) الْمُعْتَادَةِ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ لِخُرُوجِهِ بِلَا لَذَّةٍ بِأَنْ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ، أَوْ لَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ كَمَنْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَأَمْنَى أَوْ ضُرِبَ فَأَمْنَى أَوْ هَزَّتْهُ دَابَّةٌ أَوْ نَزَلَ فِي مَاءٍ حَارٍّ أَوْ حَكَّ جَسَدَهُ لِنَحْوِ جَرَبٍ فَأَمْنَى فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُحِسَّ بِمَبَادِئِ اللَّذَّةِ وَيَسْتَدِيمُهَا بِهَزِّ الدَّابَّةِ أَوْ بِمَا بَعْدَهَا فَيُمْنِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَمَا لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ قَدْ يُوجِبُ الْوُضُوءَ سَوَاءٌ حَصَلَ (فِي نَوْمٍ أَوْ يَقِظَةٍ) وَسَوَاءٌ خَرَجَ (مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ) وَلَا يُشْتَرَطُ مُقَارَنَةُ الْخُرُوجِ لِلَّذَّةِ، فَلَوْ الْتَذَّ بِتَفَكُّرٍ أَوْ نَظَرٍ ثُمَّ ذَهَبَتْ لَذَّتُهُ وَأَمْنَى بَعْدَ ذَهَابِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَوْ كَانَ اغْتَسَلَ بَعْدَ اللَّذَّةِ لِأَنَّ غُسْلَهُ لَمْ يَقَعْ فِي مَحَلِّهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ فِي مُطِيقَةٍ وَلَمْ يُنْزِلْ ثُمَّ اغْتَسَلَ بَعْدَ اغْتِسَالِهِ أَمْنَى فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْغُسْلِ لِأَنَّ غُسْلَهُ الْأَوَّلَ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ.
(تَنْبِيهَانِ)
الْأَوَّلُ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ إلَّا إذَا كَانَ خُرُوجُهُ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ، وَظَاهِرَةٍ وَلَوْ خَرَجَ فِي نَوْمٍ كَمَا يُوهِمُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي نَوْمٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ اشْتِرَاطُ اللَّذَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَارِجِ يَقَظَةً، وَأَمَّا مَا خَرَجَ فِي النَّوْمِ فَالشَّرْطُ وُجُودُ الْبَلَلِ، وَلَوْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِنْ شَكَّ أَمَذْيٌ أَمْ مَنِيٌّ اغْتَسَلَ، وَلِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ: شَكُّ الْجَنَابَةِ كَتَحَقُّقِهَا
الْحَيْضَةِ أَوْ الِاسْتِحَاضَةِ
أَوْ دَمِ النِّفَاسِ
أَوْ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ. وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ يُوجِبُ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَأَحْرَى لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَنِيٌّ، وَلَوْ رَأَى فِي نَوْمِهِ أَنَّهُ يُضْرَبُ فَخَرَجَ مَنِيُّهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ.
الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيَجِبُ الطُّهْرُ مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ الدَّافِقِ لِلَّذَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ بِدُخُولِ مَنِيٍّ فِي فَرْجِهَا مِنْ غَيْرِ خُرُوجِ مَنِيِّهَا وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ خَلِيلٌ: لَا بِمَنِيٍّ وَصَلَ لِلْفَرْجِ وَلَوْ الْتَذَّتْ، أَيْ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تُنْزِلَ أَوْ تَحْمِلَ حَيْثُ كَانَ خُرُوجُهُ لِجِمَاعِهَا فِي غَيْرِ فَرْجِهَا، وَأَمَّا لَوْ أَخَذَتْهُ مِنْ الْأَرْضِ وَوَضَعَتْهُ فِي فَرْجِهَا أَوْ جَلَسَتْ عَلَيْهِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا بِدُخُولِهِ وَلَوْ حَمَلَتْ.
قَالَ الْأَجْهُورِيُّ: لِأَنَّ اللَّذَّةَ هُنَا غَيْرُ مُعْتَادَةٍ وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِزَوْجِهَا وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ الْمَنِيَّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّ وَجْهُهُ أَنَّ خُرُوجَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِغَيْرِ لَذَّةٍ أَوْ بِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ سَاحَقَتْ امْرَأَةٌ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ بِخُرُوجِ مَنِيِّهَا لِأَنَّ خُرُوجَ مَنِيِّ كُلٍّ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ
(أَوْ) أَيْ يَجِبُ الطُّهْرُ مِنْ (انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ) وَهُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بِنَفْسِهِ مِنْ قُبُلِ مَنْ تَحْمِلُ عَادَةً وَإِنْ دَفْعَةً وَمِثْلُهُ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ كَمَا يَأْتِي. (أَوْ) انْقِطَاعِ دَمِ (الِاسْتِحَاضَةِ) وَهُوَ الْخَارِجُ زِيَادَةً عَلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا أَيْ وَاسْتِطْهَارِهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ مِنْ انْقِطَاعِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ تَمَامِ عَادَتِهَا أَوْ وَاسْتِطْهَارِهَا، وَإِلَّا كَانَ اغْتِسَالُهَا لِانْقِطَاعِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ مُسْتَحَبًّا فَقَطْ عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: لَا بِالِاسْتِحَاضَةِ وَنَدَبَ لِانْقِطَاعِهِ وَهَذَا أَوْلَى مَا يُقَرَّرُ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، لِأَنَّ الْمَحَلَّ عَلَى الرَّاجِحِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَاجِبٌ صِنَاعَةً
(تَنْبِيهٌ) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَى مَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا، وَلَوْ كَانَتْ اسْتَعْجَلَتْ خُرُوجَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ خَرَجَ مِمَّنْ تَحْمِلُ عَادَةً وَإِنْ لَمْ تُنْقَضْ بِهِ الْعِدَّةُ كَمَا قَالَ الْمَنُوفِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِنَفْسِهِ، وَتَوَقَّفَ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ وَاسْتَظْهَرَ تِلْمِيذُهُ خَلِيلٌ عَدَمَ تَرْكِهَا الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ، وَقَالَ الْأَجْهُورِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَتْرُكُهُمَا مُدَّةَ الدَّمِ وَتَقْضِيهِمَا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ، وَيُكْرَهُ لَهَا الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْ عَادَتِهِ فَعَالَجَتْهُ لِيَخْرُجَ فِي زَمَنِهِ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا فِي بَابِ الْعِدَّةِ وَالْعِبَادَةِ وَجَوَازِ إقْدَامِهَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ اسْتَعْمَلَتْ دَوَاءً لِقَطْعِهِ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ لَهَا حَيْثُ كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسْلِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ مَا يَقْطَعُ نَسْلَهُ أَوْ يُقَلِّلَهُ
(أَوْ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الطُّهْرُ مِنْ انْقِطَاعِ (دَمِ النِّفَاس) بِكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ لُغَةً وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ، وَاصْطِلَاحًا دَمٌ خَرَجَ لِلْوِلَادَةِ بَعْدَهَا اتِّفَاقًا أَوْ مَعَهَا عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ أَوْ قَبْلَهَا لِأَجْلِهَا عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ حَيْضٌ.
(تَنْبِيهٌ) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ نَفْسَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لَيْسَا بِمُوجِبَيْنِ لِلْغُسْلِ، وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ انْقِطَاعُهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا مُوجِبَانِ وَانْقِطَاعُهُمَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ.
(أَوْ) أَيْ وَيَجِبُ الْغُسْلُ (بِمَغِيبِ) جَمِيعِ (الْحَشَفَةِ) مِنْ بَالِغٍ وَلَوْ غَيْرَ مُنْتَشِرَةٍ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ كَثِيفٍ، وَالْمُرَادُ بِالْحَشَفَةِ الْكَمَرَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهِيَ رَأْسُ الذَّكَرِ عَلَى صَاحِبِهَا حَيْثُ غَيَّبَهَا (فِي الْفَرْجِ) لَا فِي هَوَاهُ وَلَوْ كَانَ فَرْجَ آدَمِيَّةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ مُطِيقَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ ذَاتُ الْفَرْجِ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً، وَمِثْلُ الْفَرْجِ الدُّبُرُ بِجَامِعِ اسْتِطْلَاقِ الْمَنِيِّ، وَتَغَيُّبُ قَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا كَالْحَشَفَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَا مَا دُونَهَا إلَّا أَنْ يُنْزِلَ فَيَجِبُ لِلْإِنْزَالِ، وَالْغُسْلُ يَجِبُ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ أَيْضًا حَيْثُ كَانَا بَالِغَيْنِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ فِي دُبُرِهِ لِحَمْلِهِ عَلَى الْفَاعِلِ فِي الْحَدِّ وَالْغُسْلُ أَحْرَى وَإِنْ كَانَا صَبِيَّيْنِ لَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ بَالِغًا وَجَبَ عَلَيْهِ دُونَ الْمَفْعُولِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يُنْزِلَ الْمَفْعُولُ فَالْغُسْلُ عَلَيْهِ لِلْإِنْزَالِ، وَكَذَا لَوْ غَيَّبَ بَعْضَهَا وَلَوْ الثُّلُثَيْنِ فَلَا غُسْلَ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ إنْزَالٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَتْ الْحَشَفَةُ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ بَلَغَ بِالسِّنِّ أَوْ الْإِنْبَاتِ كَمَا أَنَّ ظَاهِرَهُ وَلَوْ كَانَ فَرْجَ خُنْثَى مُشْكِلٍ أَيْضًا.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: قَوْلُنَا مِنْ بَالِغٍ الِاحْتِرَازُ عَمَّا لَوْ كَانَ الْمُغَيِّبُ حَشَفَتَهُ صَبِيًّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ فَقَطْ حَيْثُ بَلَغَ سَنَّ مِنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ وَأَوْلَى الْمُرَاهِقُ حَيْثُ وَطِئَ مُطِيقَةً، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنْ أُمِرَتْ بِالصَّلَاةِ وَوَطِئَهَا بَالِغٌ اُسْتُحِبَّ الْغُسْلُ وَإِلَّا فَلَا، كَمَا لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِكَبِيرَةٍ وَطِئَهَا غَيْرُ الْبَالِغِ وَلَمْ تُنْزِلْ وَلَوْ مُرَاهِقًا عَلَى مَا بَحَثَهُ الْأَجْهُورِيُّ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُنْدَبُ لَهَا، وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ مِنْ نَدْبِ غُسْلِ الصَّغِيرَةِ مِنْ وَطْءِ الْبَالِغِ وَحَرَّرَهُ، وَقَوْلُنَا: وَلَوْ كَانَتْ صَاحِبَةُ الْفَرْجِ مَيِّتَةً صَحِيحٌ بِخِلَافِ الْحَشَفَةِ مِنْ مَيِّتٍ فَلَا غُسْلَ عَلَى مَنْ غَيَّبَتْ، فَإِذَا غَيَّبَتْ امْرَأَةٌ حَشَفَةَ دَابَّةٍ مَيِّتَةٍ فِي فَرْجِهَا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تُنْزِلَ
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْآدَمِيِّ إذَا غَيَّبَ حَشَفَتَهُ فِي إنْسِيَّةٍ أَوْ دَابَّةٍ وَسَكَتَ عَنْ الْجِنِّيِّ إذَا غَيَّبَ حَشَفَتَهُ فِي إنْسِيَّةٍ أَوْ دَابَّةٍ وَالْإِنْسِيُّ إذَا غَيَّبَ حَشَفَتَهُ فِي جِنِّيَّةٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَكْلِيفِ الْجِنِّ أَنَّ الْجِنِّيَّ إذَا غَيَّبَ حَشَفَتَهُ وَلَوْ فِي إنْسِيَّةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، بِخِلَافِ الْإِنْسِيِّ يَرَى نَفْسَهُ يَطَأُ جِنِّيَّةً أَوْ تَرَى الْإِنْسِيَّةُ جِنِّيًّا يَطَؤُهَا فَلَا غُسْلَ عَلَى كُلٍّ،
الْغُسْلَ وَيُوجِبُ الْحَدَّ وَيُوجِبُ الصَّدَاقَ وَيُحْصِنُ الزَّوْجَيْنِ وَيُحِلُّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لِلَّذِي طَلَّقَهَا وَيُفْسِدُ الْحَجَّ وَيُفْسِدُ الصَّوْمَ.
وَإِذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تَطَهَّرَتْ وَكَذَلِكَ إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ تَطَهَّرَتْ مَكَانَهَا رَأَتْهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَاسْتَظْهَرَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ وُجُوبَ الْغُسْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا قِيَاسًا عَلَى الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا إنْزَالَ أَوْ تَكُونُ الْجِنِّيَّةُ زَوْجَةً لِلْإِنْسِيِّ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ
الثَّالِثُ: قَدْ شَرَطْنَا فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى مَنْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ إطَاقَةَ الْمَفْعُولِ الْآدَمِيِّ، وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي الدَّابَّةِ وَاسْتَظْهَرَ عَدَمَ الِاعْتِبَارِ مِنْ إطْلَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ بِالْأَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِهِ فِي الْآدَمِيِّ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي الْبَهِيمَةِ عَدَمُ مِيلِ النُّفُوسِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ وَهَذَا مِمَّا لَا تَرَدُّدَ فِيهِ، وَصَرَّحَ الْأَجْهُورِيُّ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَشَفَةَ غَيْرِ الْآدَمِيِّ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْبُلُوغُ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُدْخَلَ فِيهِ مُطِيقًا وَلَوْ آدَمِيًّا، وَأَقُولُ: لَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ بُلُوغِ صَاحِبِ الْحَشَفَةِ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ شِدَّةُ الْمِيلِ إلَيْهَا لِكِبَرِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمَفْعُولِ بِهَا لَا يُمْكِنُ الِالْتِذَاذُ بِهَا إلَّا عِنْدَ إطَاقَتِهَا. وَلَمَّا كَانَ الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ مُجَرَّدَ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ بِشَرْطِهِ قَالَ:(وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) لِحَدِيثِ: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» وَحَدِيثُ: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» مَحْمُولٌ عَلَى النَّوْمِ فَمَنْ رَأَى فِي نَوْمِهِ أَنَّهُ غَيَّبَ ثُمَّ انْتَبَهَ فَلَمْ يَجِدْ بَلَلًا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا، ثُمَّ أَعَادَ قَوْلَهُ:(وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ يُوجِبُ الْغُسْلَ) لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَيُوجِبُ الْحَدَّ) عَلَى الزَّانِي الطَّائِعِ اتِّفَاقًا وَالْمُكْرَهِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ، وَيُوجِبُ حَدَّ اللِّوَاطِ عَلَى اللَّائِطِ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللِّوَاطَ هُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي دُبُرِ الذَّكَرِ وَحَدُّهُ الرَّجْمُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا فِي دُبُرِ الْأُنْثَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الزِّنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا فَيُرْجَمُ، وَأَمَّا فِي دُبُرِ زَوْجَتِهِ فَيُؤَدَّبُ (وَيُوجِبُ الصَّدَاقَ) عَلَى الزَّوْجِ الْبَالِغِ فِي زَوْجَتِهِ الْمُطِيقَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ انْتِشَارٍ وَلَوْ فِي دُبُرِهَا أَوْ فِي زَمَنِ حَيْضِهَا.
قَالَ خَلِيلٌ وَتَقَرَّرَ بِوَطْءٍ وَإِنْ حُرِّمَ وَكَذَا أَيْ يُوجِبُ الصَّدَاقَ عَلَى الْوَاطِئِ الْغَالِطِ بِغَيْرِ الْعَالِمَةِ، وَكَذَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ حَيْثُ لَا عِلْمَ عِنْدَهَا أَوْ أَكْرَهَهَا، وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ عَالِمَةً طَائِعَةً فَهِيَ زَانِيَةٌ لَا صَدَاقَ لَهَا.
(وَ) مِمَّا يُوجِبُهُ مَغِيبُ الْحَشَفَةِ أَنَّهُ (يُحْصِنُ الزَّوْجَيْنِ) الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ الْعَاقِلَيْنِ الْبَالِغَيْنِ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا اللَّازِمُ حَيْثُ كَانَ وَطْؤُهُمَا مُبَاحًا مَعَ انْتِشَارٍ. (وَيُحِلُّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا) أَوْ اثْنَتَيْنِ (لِلَّذِي طَلَّقَهَا) حُرًّا فِي الْأُولَى أَوْ رَقِيقًا فِي الثَّانِيَةِ بِشَرْطِ الِانْتِشَارِ مَعَ بَقِيَّةِ شُرُوطِ التَّحْلِيلِ الْآتِيَةِ فِي مَحَلِّهَا. (وَيُفْسِدُ) عَلَى الْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ عُمْرَتَهُ الَّتِي لَمْ يَسْتَكْمِلْ أَرْكَانَهَا، وَكَذَا (الْحَجُّ) إنْ وَقَعَ الْوَطْءُ قَبْلَ الْوُقُوفِ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهُ إنْ وَقَعَ بَعْدَ إفَاضَةٍ وَعَقَبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَهُ. (وَيُفْسِدُ) مَغِيبُ الْحَشَفَةِ سَائِرَ أَنْوَاعِ (الصَّوْمِ) مِنْ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى جِهَةِ النِّسْيَانِ، وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي عَمْدِهِ بِرَمَضَانَ الْحَاضِرِ أَوْ الْقَضَاءُ فَقَطْ فِي غَيْرِهِ وَلَوْ تَطَوُّعًا هَذَا مَعَ الْعَمْدِ، وَأَمَّا مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا قَضَاءَ إلَّا فِي الْفَرْضِ عَلَى طَرِيقِ خَلِيلٍ وَلَفْظُهُ: وَقَضَاءٌ فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا وَفِي النَّفْلِ بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ وَلَوْ بِطَلَاقٍ بَتٍّ إلَّا لِوَجْهٍ كَوَالِدٍ وَشَيْخٍ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ يُوجِبَانِ الْغُسْلَ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِهِمَا، شَرَعَ فِي بَيَانِ عَلَامَةِ الِانْقِطَاعِ فَقَالَ:(وَإِذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ) الْحَائِضُ (الْقَصَّةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ (الْبَيْضَاءَ) أَيْ الْمَاءَ الْأَبْيَضَ الَّذِي يَخْرُجُ آخِرَ الْحَيْضِ كَالْجِيرِ، لِأَنَّ الْقَصَّةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْقَصِّ وَهُوَ الْجِيرُ، وَقِيلَ الْقَصَّةَ مَا يُشْبِهُ الْعَجِينَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (تَطَهَّرَتْ) جَوَابُ الشَّرْطِ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ إنْ رَأَتْ الْقَصَّةَ عِنْدَ وَقْتِ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ. (وَكَذَا إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ) وَهُوَ عَلَامَةٌ ثَانِيَةٌ لِلطُّهْرِ وَمَعْنَاهُ: أَنْ تُدْخِلَ الْمَرْأَةُ خِرْقَةً فِي فَرْجِهَا فَتَخْرُجُ جَافَّةً لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّمِ، وَلَا يَضُرُّ بَلَلُهَا بِغَيْرِ الدَّمِ كَرُطُوبَةِ الْفَرْجِ إذْ لَا يَخْلُو عَنْهَا غَالِبًا. (تَطَهَّرَتْ) أَيْ وَجَبَ عَلَيْهَا الِاغْتِسَالُ (مَكَانَهَا) إنْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الَّتِي رَأَتْ عَلَامَاتِ الطُّهْرِ فِي وَقْتِهَا أَوْ طَلَبَ زَوْجُهَا مُوَاقَعَتَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَوْ دَعَاهَا أَبَوَاهَا أَوْ أَحَدُهُمَا إلَى مَا يُوجِبُ تَأْخِيرَ غُسْلِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا بِرُّ زَوْجَهَا قَبْلَ بِرِّ أَبَوَيْهَا، لِأَنَّ حَقَّ زَوْجِهَا أَوْكَدُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ عَلَى حَقِّهِمَا لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ، كَمَا تُقَدِّمُ الْغُسْلَ عَلَى سَائِرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِعْلُهُ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ مَثَلًا.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِوَاءُ الْعَلَامَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُعْتَادَةِ وَالْمُبْتَدَأَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَصَّةُ أَبْلَغُ، فَكُلُّ مَنْ رَأَتْهَا تَتَطَهَّرُ سَرِيعًا وَلَا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا وَلَوْ اعْتَادَتْهُ، وَأَمَّا مَنْ رَأَتْ الْجُفُوفَ أَوَّلًا فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةَ الْقَصَّةِ أَوْ هِيَ وَالْجُفُوفِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا انْتِظَارُ الْقَصَّةِ لِآخِرِ الْمُخْتَارِ، وَأَمَّا مُعْتَادَةُ الْجُفُوفِ فَقَطْ إذَا أَتَاهَا فَلَا يُنْدَبُ لَهَا انْتِظَارُهَا، وَأَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَطْهُرُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا.
الثَّانِي: لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَبْحَثَ عَنْ عَلَامَةِ الطُّهْرِ إذَا تَوَهَّمَتْ انْقِطَاعَ حَيْضِهَا إلَّا عِنْدَ
سَاعَةٍ
ثُمَّ إنْ عَاوَدَهَا دَمٌ أَوْ رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً تَرَكَتْ الصَّلَاةَ ثُمَّ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِدَمٍ وَاحِدٍ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ حَتَّى يَبْعُدَ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ مِثْلُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ أَوْ عَشَرَةٍ فَيَكُونُ حَيْضًا مُؤْتَنَفًا
، وَمَنْ تَمَادَى بِهَا
ــ
[الفواكه الدواني]
نَوْمِهَا وَعِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ بِرُؤْيَتِهَا عِنْدَ النَّوْمِ تَعْرِفُ حُكْمَ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَعِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ تَعْرِفُ حُكْمَ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَإِذَا رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ غُدْوَةً وَشَكَّتْ هَلْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ صَلَاةِ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ أَنَّهُ انْقَطَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِحَيْثُ يَبْقَى مَا يَسَعُ الطُّهْرَ وَجَمِيعَ الْأُولَى وَرَكْعَةً مِنْ الثَّانِيَةِ، وَلَكِنْ تَصُومُ يَوْمَهَا إذَا كَانَ رَمَضَانَ وَتَقْضِيه، وَأَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ فَإِنْ كَانَتْ رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِحَيْثُ تُدْرِكَ الْغُسْلَ وَرَكْعَةً قَبْلَ الطُّلُوعِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا وَإِلَّا سَقَطَتْ، كَمَا لَوْ شَكَّتْ هَلْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَحَيْثُ وَجَبَ قَضَاءُ الصَّوْمِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الِانْقِطَاعِ فِي وَقْتِ نِيَّتِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسُقُوطُ الصَّلَاةِ أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ أَدَاءً وَقَضَاءً، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّمَا يَمْنَعُ أَدَاءً لَا قَضَاءً.
وَلَمَّا كَانَتْ الْحَائِضُ تُخَاطَبُ بِالْغُسْلِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا عَلَامَةَ الطُّهْرِ قَالَ: (رَأَتْهُ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقَصَّةِ أَوْ الْجُفُوفِ (بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ سَاعَةٍ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَائِضَ مَتَى رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ، سَوَاءٌ انْقَطَعَ الدَّمُ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهِ نَازِلًا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ سَاعَةً لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ مِنْهُ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ أَكْثَرِهِ فَحَدُّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِمَنْ تَمَادَى بِهَا، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْخَارِجِ فَلَهُ حَدٌّ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّهِ وَهُوَ الْقَطْرَةُ وَلَا حَدَّ لَهُ بِاعْتِبَارِ أَكْثَرِهِ.
(تَنْبِيهٌ) : هَذَا الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَةِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِدَّةِ فَيُرْجَعُ فِي أَقَلِّهِ لِلنِّسَاءِ الْعَارِفَاتِ هَلْ هُوَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ؟ وَلَا يُكْتَفَى فِي بَابِ الْعِدَّةِ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْقَطْرَةِ لِلْأَنْسَابِ بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّهَا لِمَحْضِ حَقِّ الرَّبِّ سبحانه وتعالى.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَنْ تَقَطَّعَ حَيْضُهَا: (ثُمَّ إنْ عَاوَدَهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ الَّتِي رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ قَبْلَ تَمَامِ عَادَتِهَا (دَمٌ) وَلَوْ قَطْرَةً (أَوْ رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً تَرَكَتْ الصَّلَاةَ) وَالصَّوْمَ وَالطَّوَافَ لِأَنَّ ذَلِكَ حَيْضٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَائِضَ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الْحَيْضُ وَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ طُهْرِهَا فَإِنَّهَا تَجْعَلُهُ حَيْضًا وَتَضُمُّهُ لِمَا قَبْلَهُ سَوَاءً، لِأَنَّ النَّازِلَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ دَمًا خَالِصًا أَوْ صُفْرَةً وَهُوَ الدَّمُ الَّذِي يُشْبِهُ الصَّدِيدَ وَتَعْلُوهُ صُفْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ الدَّمُ الْكُدْرِيُّ الَّذِي يُشْبِهُ غُسَالَةَ اللَّحْمِ، وَتَتْرُكُ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهَا حَائِضٌ حَقِيقَةً (ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا) مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ مُعَاوَدَتِهِ (اغْتَسَلَتْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا تَأْخِيرُ الْغُسْلِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ بِنَحْوِ أَمَارَةٍ أَنَّهُ يُعَاوِدُهَا فِي وَقْتِهَا الَّذِي رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ فِيهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الَّتِي عَاوَدَهَا الدَّمُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ عَلَيْهَا فِي حُكْمِ أَيَّامِ نُزُولِ الدَّمِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ غُسْلٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا صَوْمٌ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ فَهِيَ فِي حُكْمِ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَلِذَلِكَ قَالَ:(وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ) أَيْ الدَّمُ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي عَاوَدَهَا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ الطُّهْرِ تَكُونُ زَمَنَ الطُّهْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَةِ طَاهِرًا حَقِيقَةً يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ فَلَيْسَتْ أَيَّامُ الِانْقِطَاعِ (كَدَمٍ وَاحِدٍ) مُتَّصِلٍ (فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ) وَلَا نَظَرَ لِزَمَنِ الِانْقِطَاعِ بَلْ يَنْزِلُ الْفِعْلُ الْوَاقِعُ فِيهِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ فِي زَمَنِ نُزُولِ الدَّمِ، مِثَالُهُ فِي الْعِدَّةِ أَنْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَنْقَطِعُ وَتَغْتَسِلُ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا دُونَ الثَّلَاثِ ثُمَّ يُعَاوِدُهَا الدَّمُ بِالْقُرْبِ فَيُجْبَرُ مُطَلِّقُهَا عَلَى رَجْعَتِهَا لِأَنَّهُ كَالْمُطَلِّقِ زَمَنَ سَيْلَانِ الدَّمِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَدَمٍ وَاحِدٍ فِي الْعِدَّةِ، وَقَالَ خَلِيلٌ فِي بَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ: وَمَنَعَ فِيهِ وَوَقَعَ وَأُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ وَلَوْ لِمُعَاوَدَةِ الدَّمِ لِمَا يُضَافُ فِيهِ لِلْأَوَّلِ عَلَى الْأَرْجَحِ وَالضَّمِيرُ فِي فِيهِ لِلْحَيْضِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ فَفِيهِ إشْكَالٌ عَوِيصٌ، لِأَنَّ الْأَمَةَ الْمُسْتَبْرَأَةَ أَوْ الْمُتَوَاضِعَةَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ مُشْتَرِيهَا، وَإِذَا طَهُرَتْ الْمُسْتَبْرَأَةُ أَوْ الْمُتَوَاضِعَةُ وَلَوْ بَعْدَ يَوْمٍ حَلَّتْ لِمُشْتَرِيهَا، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ الثَّانِي كَجُزْءِ الْأَوَّلِ لَمْ تَحِلَّ لِمُشْتَرِيهَا بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ الْأَوَّلِ، وَيُجَابُ: بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِي السَّيِّدِ إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ حُصُولِ مَا يَكْفِي فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ، بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا حَتَّى يُعَاوِدَهَا وَيَمْضِيَ مَا هُوَ كَافٍ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالْعَوِيصُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الشَّدِيدُ الْقَوِيُّ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي بَابِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: عَوِصَ الْكَلَامُ اشْتَدَّ، وَالْعَوِيصُ مِنْ الشَّعْرِ مَا يَصْعُبُ، وَأَمَّا الْغَوِيصُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فَهُوَ النَّازِلُ يُقَالُ: غَاصَ فِي الْأَرْضِ نَزَلَ فِيهَا.
وَلَمَّا كَانَ جَعْلُ الدَّمِ الثَّانِي مِنْ جُمْلَةِ الْأَوَّلِ مَشْرُوطًا بِكَوْنِ انْقِطَاعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ مُضِيِّ طُهْرٍ قَالَ: (حَتَّى يَبْعُدَ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ)
الدَّمُ بَلَغَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَتَطَهَّرُ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا
وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ وَإِنْ كَانَ قُرْبَ الْوِلَادَةِ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَإِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ جَلَسَتْ سِتِّينَ لَيْلَةً ثُمَّ اغْتَسَلَتْ وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً تُصَلِّي وَتَصُومُ وَتُوطَأُ.
ــ
[الفواكه الدواني]
بِمُضِيِّ مُدَّةِ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهَا فَعِنْدَ سَحْنُونٍ (مِثْلُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ أَوْ) مِثْلُ (عَشَرَةِ أَيَّامٍ) عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ، وَقِيلَ: أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ، فَأَوْفَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لِتَنْوِيعِ الْخِلَافِ فَإِنْ بَعُدَ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ (فَيَكُونُ) الثَّانِي (حَيْضًا مُؤْتَنَفًا) وَلَا يُضَمُّ لِلْأَوَّلِ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْحَائِضَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ عَقِبَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَلَوْ رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْحَيْضِ بِالْقُرْبِ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ انْقِطَاعِهِ فَقَالَ: (وَمَنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ) أَيْ اسْتَمَرَّ نَازِلًا عَلَيْهَا أَوْ انْقَطَعَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ أَوْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ عَلَى مُقَابِلِهِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ عَاوَدَهَا وَهِيَ غَيْرُ حَامِلٍ (بَلَغَتْ) جَوَابُ الشَّرْطِ أَيْ مَكَثَتْ تَارِكَةً لِلْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ حَيْثُ اسْتَمَرَّ نَازِلًا (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) حَيْثُ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. (ثُمَّ هِيَ) أَيْ الَّتِي اسْتَمَرَّ الدَّمُ نَازِلًا عَلَيْهَا زِيَادَةً عَلَى الْخَمْسَةِ عَشَرَ يَوْمًا (مُسْتَحَاضَةٌ) أَيْ لَا تَعُدُّ الْخَارِجَ مِنْهَا حَيْضًا لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ زَمَنًا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ (تَتَطَهَّرَ) عِنْدَ تَمَامِ الْخَمْسَةِ عَشَرَ يَوْمًا (وَتَصُومَ وَتُصَلِّيَ وَيَأْتِيهَا) أَيْ يَسْتَمْتِعُ بِهَا (زَوْجُهَا) وَلَوْ بِالْوَطْءِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ عِنْدَنَا طَاهِرٌ حَقِيقَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيَصِيرُ هَذَا الدَّمُ كَالسَّلَسِ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَقَطْ إنْ فَارَقَ أَكْثَرَ الزَّمَنِ أَوْ قَدَرَتْ عَلَى رَفْعِهِ إلَّا أَنْ تُمَيِّزَ بَعْدَ مُدَّةِ الطُّهْرِ وَإِلَّا كَانَ حَيْضًا.
قَالَ خَلِيلٌ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمُمَيِّزَةِ بَعْدَ طُهْرٍ ثُمَّ حَيْضٍ: وَلَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا أَنْ يَدُومَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي مَيَّزَتْهَا وَيَزِيدَ عَلَى عَادَتِهَا فَتَسْتَظْهِرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفَرَضْنَا الْكَلَامَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَوْ مُعْتَادَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مُعْتَادَةِ أَقَلَّ مِنْهَا يَسْتَمِرُّ الدَّمُ نَازِلًا عَلَيْهَا زِيَادَةً عَلَى عَادَتِهَا فَإِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْمُعْتَادَةِ ثَلَاثَةً اسْتِظْهَارٌ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا مَا لَمْ تُجَاوِزْهُ ثُمَّ هِيَ طَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَمَرَّ نَازِلًا فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ بَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا اسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثَةٍ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهَا بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ثُمَّ زَادَ فَإِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ الْعَادَتَيْنِ زَمَنًا لَا وُقُوعًا، سَوَاءٌ كَانَ الْأَكْثَرُ سَابِقًا أَوْ مُتَأَخِّرًا، وَمُدَّةُ الِاسْتِظْهَارِ تَصِيرُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَادَةِ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ
(تَنْبِيهٌ) : قَيَّدْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ الْحَامِلِ، لِأَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ وَتَزِيدُ أَيَّامُ حَيْضُهَا عَلَى ذَلِكَ بِحَسَبِ كِبَرِ الْحَمْلِ وَصِغَرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي السَّابِعِ فَمَا بَعْدَهُ إلَى غَايَةِ حَمْلِهَا فَإِنَّهُ إنْ اسْتَمَرَّ نَازِلًا عَلَيْهَا تَمْكُثُ عَشْر يَوْمًا وَنَحْوَهَا كَالثَّلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الثَّالِثِ أَوْ السَّادِسِ وَمَا بَيْنَهُمَا تَمْكُثُ عِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فَقَوْلَانِ الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الْحَامِلِ، وَلَا تَسْتَظْهِرُ الْحَامِلُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْأُجْهُورِيُّ
. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ الْحَيْضِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ النِّفَاسِ وَهُوَ لُغَةً وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ وَشَرْعًا دَمٌ أَوْ صُفْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ يَخْرُجُ لِلْوِلَادَةِ بَعْدَهَا أَوْ مَعَهَا أَوْ قَبْلَهَا عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ فَقَالَ:(وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ) بِالْمَدِّ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي وَلَدَتْ ثُمَّ رَأَتْ الْقَصَّةَ أَوْ الْجُفُوفَ عَقِبَ الدَّمِ (وَإِنْ كَانَ) انْقِطَاعُهُ (قُرْبَ الْوِلَادَةِ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ) لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ زَمَنِهِ كَالْحَيْضِ، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلِّهِ حَدٌّ بِاعْتِبَارِ الْخَارِجِ وَهُوَ قَطْرَةٌ كَالْحَيْضِ أَيْضًا.
(وَ) مَفْهُومُ انْقَطَعَ (إنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ حَسَبَتْ سِتِّينَ لَيْلَةً) بِأَيَّامِهَا لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مُدَّةِ النِّفَاسِ. (ثُمَّ) إنْ اسْتَمَرَّ نَازِلًا عَلَيْهَا (اغْتَسَلَتْ وَكَانَتْ) أَيْ وَصَارَتْ (مُسْتَحَاضَةً تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ) وَلَا تُبَالِي بِهَذَا الْخَارِجِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالسَّلَسِ وَلَا تَسْتَظْهِرُ النُّفَسَاءُ، وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ النِّفَاسِ فَإِنَّهَا تُلَفِّقُ السِّتِّينَ يَوْمًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً، بِخِلَافِ الْحَائِضِ إنَّمَا تُلَفِّقُ عَادَتِهَا فَقَطْ وَتَسْتَظْهِرُ وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً تُلَفِّقُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَإِنْ وَضَعَتْ الثَّانِيَ دَاخِلَ السِّتِّينَ وَقَبْلَ تَمَامِ طُهْرٍ فَلَهُمَا نِفَاسٌ وَاحِدٌ تَغْتَسِلُ بَعْدَ السِّتِّينَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ وَضَعَ الثَّانِيَ عَنْ السِّتِّينَ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الطُّهْرِ فَلِكُلِّ نِفَاسٍ مُسْتَقِلٍّ، وَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَقَطَّعَ نِفَاسُهَا تُلَفِّقُ سِتِّينَ يَوْمًا كَمَا تُلَفِّق الْحَائِضُ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْمُعْتَادَةُ عَادَتَهَا فَمُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَكُونُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ طُهْرٌ تَامٌّ وَإِلَّا كَانَ الثَّانِي نِفَاسًا مُؤْتَنَفًا
(تَنْبِيهَانِ)
الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ إلَخْ أَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ النُّفَسَاءِ مِنْ تَأْخِيرِ الْغُسْلِ مَعَ انْقِطَاعِ الدَّمِ لِتَمَامِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ جَهْلٌ مِنْهُنَّ فَلْيُعَلَّمْنَ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ هَذَا التَّأْخِيرُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ أَيَّامَ الِانْقِطَاعِ الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: لَوْ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ دَمٍ لَا غُسْلَ، عَلَيْهَا لِأَنَّهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
شَرَطَ فِي غُسْلِ النُّفَسَاءِ انْقِطَاعَ دَمِهَا فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا وَلَدَتْ بِدَمٍ وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ قَوْلَيْنِ، وَالْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا وُجُوبُ الْغُسْلِ وَتَنْوِي الطُّهْرَ مِنْ الْوِلَادَةِ.
1 -
(خَاتِمَةٌ) : الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ يَمْنَعَانِ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَدُخُولَ الْمَسْجِدِ وَرَفْعَ الْحَدَثِ وَالصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَوُجُوبَهُمَا وَقَضَاءَ الصَّوْمِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَيَمْنَعَانِ الطَّلَاقَ وَإِنْ وَقَعَ، وَيَمْنَعَانِ إبَاحَةَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْمَرْأَةِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَلَوْ بِحَائِلٍ، وَأَمَّا بِالرُّكْبَةِ فَمَا تَحْتَهَا أَوْ السُّرَّةِ وَمَا فَوْقَهَا فَلَا حُرْمَةَ وَلَوْ بِالْوَطْءِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ فَجَائِزٌ وَلَوْ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَغَايَةُ الْحُرْمَةِ حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَاءِ وَلَوْ كَانَتْ كَافِرَةً، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَلَا يَمْنَعَانِهَا مُدَّةَ السَّيْلَانِ مُطْلَقًا وَكَذَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا جَنَابَةٌ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مُوجِبَاتِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى: شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ وَمَا يُطْلَبُ تَطْهِيرُهُ لِلصَّلَاةِ فَقَالَ.