الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ
وَمَنْ سَافَرَ مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ فَلَا يَقْصُرُهَا
وَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَ الْمِصْرِ وَتَصِيرَ خَلْفَهُ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا بِحِذَائِهِ مِنْهَا شَيْءٌ ثُمَّ لَا يُتِمُّ حَتَّى يَرْجِعَ
ــ
[الفواكه الدواني]
[بَاب فِي صَلَاة السَّفَر]
(بَابٌ فِي) صِفَةِ (صَلَاةِ) الْفَرْضِ فِي زَمَنِ (السَّفَرِ)
لِأَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ لَهُ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا قَطْعُ مَسَافَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لِقَصْدٍ شَرْعِيٍّ، فَلَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ سَفَرًا مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ السَّفَرِ وَهُوَ الظُّهُورُ وَالْكَشْفُ، يُقَالُ: أَسْفَرَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ وَجْهِهَا إذَا كَشَفَتْهُ وَأَظْهَرَتْهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ وَيَكْشِفُهَا، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُزَكِّيَ رَجُلًا عِنْدَهُ: هَلْ سَافَرْت مَعَهُ؟ وَأَشَارَ إلَى بَيَانِ الْمَسَافَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ سَافَرَ) أَيْ شَرَعَ فِي سَفَرٍ (مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ) ذَهَابًا مَقْصُودًا قَطَعَهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَوْ قَطَعَهَا فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِنَحْوِ طَيَرَانٍ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي الشَّرْعِ لِلْمَسَافَةِ، وَالْبُرُدُ بِضَمِّ الْبَاءِ جَمْعُ بَرِيدٍ وَقَدْرُهُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ، وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَلِذَلِكَ قَالَ:(وَهِيَ) أَيْ الْأَرْبَعَةُ بُرُدٌ (ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا) هَاشِمِيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ بَعْضُهَا فِي الْبَرِّ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ فِي الْبَحْرِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْبَرُّ أَوْ الْبَحْرُ، وَلِلْبَعْضِ تَفْصِيلٌ اُنْظُرْهُ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ،
وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمِيلِ فَقِيلَ أَلْفًا ذِرَاع وَشَهَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَقِيلَ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالذِّرَاعُ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الْمِرْفَقِ إلَى آخِرِ الْأُصْبُعِ الْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أُصْبُعًا كُلُّ أُصْبُعٍ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ بَطْنُ إحْدَاهُمَا إلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى كُلُّ شَعِيرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِأَقَلِّ الْمَسَافَةِ الَّتِي تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَحَدُّهَا بِالزَّمَانِ سَفَرُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِسَيْرِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ الْمُعْتَادَةِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْمَشْهُورُ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا أَنَّهُ يَقْصُرُ فِي خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَقْصُرُ فِي أَرْبَعِينَ، وَجَوَابُ مَنْ سَافَرَ إلَخْ (فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصُرَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ (الصَّلَاةَ) الرُّبَاعِيَّةَ الْوَقْتِيَّةَ أَوْ الْفَائِتَةَ فِيهِ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْمُتَأَكَّدُ لَا الْوُجُوبُ الْحَقِيقِيُّ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ فَإِنَّ ابْنَ رُشْدٍ أَنْكَرَهُ.
قَالَ خَلِيلٌ: سُنَّ لِمُسَافِرٍ غَيْرِ عَاصٍ بِهِ وَلَاهٍ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ وَلَوْ بِبَحْرٍ ذَهَابًا قُصِدَتْ دَفْعَةً قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ وَقْتِيَّةٍ أَوْ فَائِتَةٍ فِيهِ أَوْ نُوتِيًّا بِأَهْلِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى السُّنِّيَّةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «فِي الْقَصْرِ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» فَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ إذَا سَافَرُوا قَصَرُوا» ثُمَّ فَسَّرَ الْقَصْرَ بِقَوْلِهِ: (فَيُصَلِّي) الرُّبَاعِيَّةَ الْحَاضِرَةَ أَوْ الْفَائِتَةَ فِي السَّفَرِ (رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ فَلَا يَقْصُرُهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قُصِرَتْ صَارَتْ رَكْعَةً وَنِصْفًا وَلَمْ يُعْهَدْ فِي الشَّرْعِ.
، وَإِنْ كَمُلَتْ كَتَكْمِيلِ طَلْقَةِ الْعَبْدِ صَارَتْ شَفْعًا فَيَفُوتُ غَرَضُ الشَّارِعِ مِنْ جَعْلِهَا وِتْرًا، وَمَفْهُومُ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ أَنَّ مَنْ سَافَرَ أَقَلَّ مِنْهَا لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ الْقَصْرُ، وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ مُحَصِّلُهُ أَنَّ نَحْوَ الْمَكِّيِّ وَالْمَنْوِيِّ وَالْمُزْدَلِفِيِّ يُسَنُّ فِي حَقِّهِمْ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي حَالِ خُرُوجِهِمْ لِعَرَفَةَ لِلنُّسُكِ فَقَطْ وَرُجُوعِهِمْ مِنْهَا، وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ فَلَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِمْ الْقَصْرُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَلَكِنْ إنْ قَصَرَ فِي خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا فَأَقَلَّ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَتُعَادُ أَبَدًا، وَإِنْ قَصَرَ فِي أَرْبَعِينَ مِيلًا فَصَحِيحَةٌ وَلَا تُعَادُ وَلَا فِي الْوَقْتِ، وَإِذَا قَصَرَ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسَةِ وَثَلَاثِينَ فَفِي إعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ وَعَدَمِهَا قَوْلَانِ هَكَذَا فَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ.
وَفِي التَّوْضِيحِ: أَنَّ مَنْ قَصَرَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ يُعِيدُ أَبَدًا وَلَعَلَّهُ طَرِيقَةٌ لِغَيْرِ ابْنِ رُشْدٍ وَتَفْصِيلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا فِي الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِمَنْ سَافَرَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ مَشَقَّةُ الصَّلَاةِ بِتَكَرُّرِهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ.
(تَنْبِيهٌ) : مَنْ سَافَرَ وَبِهِ مَانِعٌ كَحَيْضٍ أَوْ كُفْرٍ ثُمَّ زَالَ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَافَةِ انْتَظَرَ مَا بَقِيَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَغَيْرُهُ.
ثُمَّ بَيَّنَ مَبْدَأَ الْقَصْرِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَقْصُرُ) أَيْ لَا يَصِحُّ قَصْرُ الْمُسَافِرِ (حَتَّى يُجَاوِزَ) أَيْ يَتَعَدَّى (الْبَلَدِيُّ بُيُوتَ الْمِصْرِ وَتَصِيرَ خَلْفَهُ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا بِحِذَائِهِ مِنْهَا شَيْءٌ) قَالَ خَلِيلٌ: إنْ عَدَّى الْبَلَدِيُّ الْبَسَاتِينَ الْمَسْكُونَةَ الْمُتَّصِلَةَ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا كَالْبَسَاتِينِ الَّتِي يَرْتَفِقُ أَهْلُهَا وَمَسَاكِنُهَا بِمَرَافِقَ الْمُتَّصِلَةِ مِنْ أَخْذِ نَارٍ وَطَبْخٍ
إلَيْهَا أَوْ يُقَارِبَهَا بِأَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ
وَإِنْ نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ أَوْ مَا يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ الصَّلَاةَ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَخُبْزٍ وَمَا يُحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسْكُونَةِ مَا تُسْكَنُ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ مُجَاوَزَتِهَا أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مُجَاوَزَةِ الْبِنَاءِ الْخَرَابِ الْخَالِي مِنْ السُّكَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَهُ، وَمِثْلُ الْبَسَاتِينَ فِي اعْتِبَارِ الْمُجَاوَزَةِ الْقَرْيَتَانِ إذَا اتَّصَلَتَا أَوْ اشْتَدَّ قُرْبُهُمَا بِحَيْثُ يَرْتَفِقُ أَهْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِأَهْلِ الْأُخْرَى فَلَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مِنْ إحْدَاهُمَا حَتَّى يُجَاوِزَ الْأُخْرَى وَيَنْفَصِلَ عَنْ الْقَرْيَتَيْنِ، لَا إنْ بَعُدَتْ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ بِحَيْثُ لَا يَرْتَفِقُ أَهْلُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَلَا يُعْتَبَرُ فِي قَصْرِ الْمُسَافِرِ مِنْ إحْدَاهُمَا مُجَاوَزَةُ الْأُخْرَى، وَأَمَّا الْمَزَارِعُ وَالْبَسَاتِينُ الْمُنْفَصِلَةُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَانَتْ بَلَدَ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرَهَا عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه: إنْ كَانَتْ قَرْيَةَ جُمُعَةٍ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ مِنْ سُورِ الْبَلَدِ وَإِلَّا فَمِنْ آخِرِ بُنْيَانِهَا وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْجُمُعَةَ كَمَا تَلْزَمُ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ، فَكَذَلِكَ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْبَسَاتِينِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى اعْتِبَارِ مُجَاوَزَةِ الْبَسَاتِين، وَأَمَّا الْقَرْيَةُ الَّتِي لَا بَسَاتِينَ لَهَا فَيَقْصُرُ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ عَنْ بِنَائِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ غَيْطِهَا وَمَزَارِعِهَا، وَالْجَبَلِيُّ يَقْصُرُ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ عَنْ مَنْزِلِهِ، وَالْعَمُودِيُّ بِمُجَاوَزَتِهِ مَحَلَّتَهُ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَنْزِلُ إقَامَتِهِ، وَأَمَّا لَوْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْجَمِيعِ حَيْثُ جَمَعَهُمْ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ، أَوْ اسْمُ الدَّارِ فَقَطْ، أَوْ اسْمُ الْحَيِّ حَيْثُ كَانَ يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَإِلَّا قَصَرَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ عَنْ مَنْزِلِهِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: بَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْقَصْرِ قَصْدُ قَطْعِ الْمَسَافَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَزْحِ، لَا إنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ فِي خِلَالِهِمَا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ بِقَطْعٍ وَلَا إقَامَةٍ فَلَا يَقْصُرُ، وَلِذَلِكَ لَا يَقْصُرُ الرَّاعِي وَلَا التَّائِهُ وَلَا الْهَائِمُ، وَمِنْ الشُّرُوطِ كَوْنُ السَّفَرِ غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ، فَلَا يَقْصُرُ الْعَاصِي وَلَا اللَّاهِي، فَإِنْ قَصَرَ فَعِنْدَ ابْنِ نَاجِي أَسَاءَ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَقَالَ اللَّقَانِيُّ. إنْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ يُعِيدُ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ مَكْرُوهًا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ.
وَأَمَّا الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ فَلَا نِزَاعَ فِي جَوَازِ قَصْرِهِ، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ مَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ إلَى طَوِيلَةٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَيْضًا أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِمُقِيمٍ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ وَإِلَّا امْتَنَعَ، وَلَيْسَ مِنْ الشُّرُوطِ الْبُلُوغُ عَلَى مَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ أَحَدٌ عَلَى التَّصْرِيحِ بِاشْتِرَاطِهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَحْثُ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ جَوَازُ الْقَصْرِ حَتَّى لِلصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّ رُخْصَتَهُ شُرِعَتْ لِلتَّخْفِيفِ عَنْ الْمُسَافِرِ، وَالصَّبِيُّ الْمُسَافِرُ أَوْلَى بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الْبَالِغِ، وَأَيْضًا الرُّبَاعِيَّةُ فَرْضٌ عَلَى الْبَالِغِ وَحُطَّ عَنْهُ شَطْرُهَا، وَمَنْدُوبَةٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، فَكَيْفَ يُحَطُّ شَطْرُ الْوَاجِبِ دُونَ الْمَنْدُوبِ؟ وَأَيْضًا قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَأُلْحِقَ خِطَابُ الصِّبْيَانِ بِغَيْرِ الْفَرَائِضِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَإِنْ قِيلَ: الرُّخْصَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْبَالِغِ، نَقُولُ: يَرُدُّهُ إبَاحَةُ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا نَعْلَمُ بِحُرْمَتِهَا عَلَى الصَّغِيرِ الْمُضْطَرِّ وَحُرِّرَ الْحُكْمُ.
الثَّانِي: حُكْمُ السَّفَرِ الْإِبَاحَةُ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ كَالسَّفَرِ لِحُجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُسْتَطِيعِ، وَكَسَفَرِ الْغَزْوِ فِي حَقِّ الذَّكَرِ الْقَادِرِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ النَّدْبُ كَالسَّفَرِ لِزِيَارَةِ صَالِحٍ أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ غَيْرِ وَاجِبٍ، وَقَدْ تَعْرِضُ لَهُ الْحُرْمَةُ كَالسَّفَرِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَقَدْ تَعْرِضُ كَرَاهِيَةٌ كَالسَّفَرِ لِصَيْدِ اللَّهْوِ وَالْإِبَاحَةُ كَالسَّفَرِ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ لِتَكْثِيرِ الْأَمْوَالِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ قُرْبَةٍ بِهِ، وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ فِي سَفَرِ الطَّلَبِ، وَأَمَّا سَفَرُ الْهَرَبِ كَالسَّفَرِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي يَكْثُرُ فِيهِ الْحَرَامُ بِحَيْثُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ السَّاكِنُ، وَكَالسَّفَرِ مِنْ بَلَدٍ يَحْصُلُ لَهُ فِيهِ الْإِهَانَةُ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْفَضْلِ أَوْ تُسَبُّ فِيهِ الصَّحَابَةَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ الْوُجُوبُ.
وَلَمَّا بَيَّنَ مَحَلَّ بَدْءِ الْقَصْرِ فِي حَالِ الْخُرُوجِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُنْتَهَاهُ فِي الرُّجُوعِ فَقَالَ: (ثُمَّ) بَعْدَ مُجَاوَزَةِ مَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ مِنْ بَسَاتِينِ الْمِصْرِ وَمَا فِي حُكْمِهَا يَسْتَمِرُّ يَقْصُرُ وَ (لَا يُتِمُّ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا) أَيْ فِي بُيُوتِ الْمِصْرِ الَّتِي سَافَرَ مِنْهَا وَيَدْخُلُهَا بِالْفِعْلِ (أَوْ يُقَارِبُهَا بِأَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ) فَإِنْ دَخَلَهَا أَوْ قَارَبَهَا بِأَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ،؛ لِأَنَّ دُخُولَ بَلَدِ الْمُسَافِرِ يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ وَلَوْ غَلَبَةً.
قَالَ خَلِيلٌ رضي الله عنه: وَقَطْعُهُ دُخُولَ بَلْدَةٍ وَإِنْ بِرِيحٍ غَالِبَةٍ فَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ حَالُ ابْتِدَاءِ الْقَصْرِ مِنْ انْتِهَائِهِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِكَلَامِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ التَّابِعِ لِابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ: مُنْتَهَاهُ فِي الدُّخُولِ كَابْتِدَائِهِ فِي الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ قَالَ: سُنَّ لِمُسَافِرٍ قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ إنْ عَدَّى الْبَلَدِيُّ الْبَسَاتِينَ الْمَسْكُونَةَ إلَخْ إلَى مَحَلِّ الْبَدْءِ، وَأَجَابَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَنْهُ بِدَعْوَى حَذْفٍ فِي الْكَلَامِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فِي قَوْلِهِ: إلَى مَحَلِّ الْبَدْءِ أَيْ إلَى مِثْلِ مَحَلِّ الْبَدْءِ، وَيَكُونُ إشَارَةً إلَى بَيَانِ مُنْتَهَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ لَا الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ بَلْ يَكُونُ سَاكِتًا عَنْهُ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ يَسْتَمِرُّ يَقْصُرُ حَتَّى يَدْخُلَ بِالْفِعْلِ أَوْ يُقَارِبَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُدَوَّنَةُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُصَنِّفُ سَكَتَ عَمَّا بَيَّنَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَخَلِيلٌ وَهُوَ مُنْتَهَاهُ
حَتَّى يَظْعَنَ مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ
وَمَنْ خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ قَدْرُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ صَلَّاهُمَا سَفَرِيَّتَيْنِ فَإِنْ بَقِيَ قَدْرُ مَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةً صَلَّى الظُّهْرَ حَضَرِيَّةً وَالْعَصْرَ سَفَرِيَّةً وَلَوْ دَخَلَ لِخَمْسِ رَكَعَاتٍ نَاسِيًا لَهُمَا صَلَّاهُمَا حَضَرِيَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَأَقَلَّ إلَى رَكْعَةٍ صَلَّى الظُّهْرَ سَفَرِيَّةً وَالْعَصْرَ حَضَرِيَّةً وَإِنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
بِالنِّسْبَةِ لِلْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ وَهُوَ الْبَسَاتِينُ إنْ كَانَ لِلْبَلْدَةِ الَّتِي يُرِيدُ دُخُولَهَا بَسَاتِينَ، أَوْ دُخُولَ بُيُوتِهَا إنْ كَانَتْ قَرْيَةً، أَوْ الْوُصُولَ إلَى الْحِلَّةِ فِي حَقِّ الْعَمُودِيِّ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُنْتَهَى يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَحِلُّ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ وَاَلَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ، فَاَلَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ الْمُنْتَهَى كَالْمُبْتَدَأِ، وَأَمَّا الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَمُنْتَهَاهُ دُخُولُ الْبَلْدَةِ أَوْ مُقَارَبَتُهَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ عُمَرَ لَفْظَ الْمُصَنِّفِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَحْمِلُ الدَّاخِلَ فِي أَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ مُسَافِرًا، وَآخِرَ الْكَلَامِ يَجْعَلُهُ فِيهِ مُقِيمًا، وَهَذَا لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ تَنَاقُضٌ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجَوَابِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ إشَارَةٌ إلَى قَوْلَيْنِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُصَنِّفِ الْمَعْرُوفَةِ لَهُ مِنْ إتْيَانِهِ بِأَوْ إشَارَةً إلَى الْخِلَافِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اسْتِمْرَارُ الْقَصْرِ إلَى الدُّخُولِ فِي حَقِّ مَنْ اسْتَمَرَّ سَائِرًا وَلَمْ يَنْزِلْ، وَالْإِتْمَامُ فِي حَقِّ مَنْ نَزَلَ بِقُرْبِ الْبَلَدِ بِأَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الدَّاخِلِ بِالْبَلَدِ، وَأَجَابَ ابْنُ عُمَرَ الْمُسْتَشْكِلُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ يُقَارِبُهَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: حَتَّى يَرْجِعَ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: يَسْتَمِرُّ يَقْصُرُ حَتَّى يُقَارِبَ بُيُوتَ الْمِصْرِ بِأَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ نَزَلَ خَارِجَ الْبَلَدِ بِأَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ وَعَلَيْهِ الْعَصْرُ مَثَلًا وَلَمْ يَدْخُلْ الْبَلَدَ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَأْتِي بِهَا سَفَرِيَّةً، وَعَلَى الثَّانِي يَأْتِي بِهَا حَضَرِيَّةً، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا كَالدُّخُولِ فِي الْبَلَدِ، وَالْقُرْبُ مِنْهَا كَالْقُرْبِ مِنْ الْبَلَدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنْ الْمَسَافَةِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ ابْنُ نَاجِي، خِلَافًا لِشَيْخِهِ فِي عَدِّهَا مِنْ الْمَسَافَةِ، وَكَانَ الْأُجْهُورِيُّ يُقَرِّرُ فِي دَرْسِهِ أَنَّ الصَّوَابَ كَلَامُ ابْنِ نَاجِي قَائِلًا: لَا مَعْنَى لِعَدِّهَا مِنْ الْمَسَافَةِ مَعَ اشْتِرَاطِ مُجَاوَزَتِهَا لِجَوَازِ الْقَصْرِ، بَلْ اشْتِرَاطُ مُجَاوَزَتِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى خُرُوجِهَا مِنْ الْمَسَافَةِ وَجَعْلِهَا مِنْ جُمْلَةِ الْبَلَدِ، وَأَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ نَوَى الْمُسَافِرُ) فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ (إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) صِحَاحٍ بِلَيَالِيِهَا (بِمَوْضِعٍ) لَيْسَ وَطَنًا لَهُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ، وَأَمَّا الْوَطَنُ فَيَجِبُ الْإِتْمَامُ بِدُخُولِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ إقَامَةٍ، وَمِثْلُهُ الْمَحِلُّ الْمُعْتَادُ لِإِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِهِ فَأَكْثَرَ كَمَكَّةَ لِلْحَاجِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِتْمَامُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهَا. (أَوْ) أَيْ وَكَذَا إنْ نَوَى إقَامَةً (مَا يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ الصَّلَاةَ) جَوَابُ إنْ نَوَى، وَقَوْلُهُ: أَوْ مَا يُصَلِّي إشَارَةً إلَى طَرِيقِ سَحْنُونٍ، وَقَوْلُهُ أَوَّلًا: وَإِنْ نَوَى إشَارَةً إلَى طَرِيقِ شَيْخِهِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَابْنُ الْقَاسِمِ يَعْتَبِرُ الْأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ مَا يُصَلِّي فِيهِ الْعِشْرِينَ صَلَاةً يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ. (حَتَّى يَظْعَنَ) بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ أَيْ يَرْتَحِلَ (مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ) الَّذِي نَوَى فِيهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَقَطَعَهُ دُخُولُ بَلَدِهِ وَإِنْ بِرِيحٍ غَالِبَةٍ أَوْ مَكَانِ زَوْجَةٍ دَخَلَ بِهَا فَقَطْ وَنِيَّةُ دُخُولِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسَافَةِ وَنِيَّتِهِ إقَامَةُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ وَلَوْ بِخِلَالِهِ إلَّا الْعَسْكَرَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْعِلْمِ بِهَا عَادَةً لَا مُجَرَّدِ الْإِقَامَةِ مِنْ غَيْرِ مُقَارَبَةِ النِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ.
(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِنْ اعْتِبَارِ الصِّحَّةِ فِي الْأَيَّامِ إلْغَاءُ الْمُكْثِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَائِهِ وَعَدَمِ تَلْفِيقِهِ مَعَ غَيْرِهِ عَدَمُ الْإِتْمَامِ بِهِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ كَلَامِهِ مِنْ وَقْتِ الْحَلِفِ حَتَّى تَمْضِيَ الْأَيَّامُ الصِّحَاحُ الزَّائِدَةُ عَلَى يَوْمِ الْحَلِفِ.
(فَرْعٌ) لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَشَكَّ هَلْ هِيَ أَرْبَعَةٌ أَوْ أَقَلُّ مِنْهَا؟ فَإِنْ كَانَ فِي مُنْتَهَى سَفَرِهِ أَتَمَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ نِهَايَةَ السَّفَرِ مَحَلٌّ لِلْإِقَامَةِ، وَإِنْ كَانَ شَكُّهُ الْمَذْكُورُ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى الْقَصْرِ.
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسَائِلَ أَرْبَعَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالصَّلَاةِ فِي حَالِ الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ، وَبَيَانِ كَوْنِهِمَا أَرْبَعًا إنَّ مُرِيدَ السَّفَرِ إمَّا أَنْ يَخْرُجَ لِلسَّفَرِ نَهَارًا قَبْلَ فِعْلِ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ لِلْحَضَرِ نَهَارًا قَبْلَ فِعْلِهِمَا، وَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ لَيْلًا قَبْلَ فِعْلِ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ، أَوْ يَدْخُلَ لَيْلًا قَبْلَ فِعْلِهِمَا فَقَالَ:(وَمَنْ خَرَجَ) مُسَافِرًا (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ قَدْرُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ) فَأَكْثَرَ (صَلَّاهُمَا سَفَرِيَّتَيْنِ) وَلَوْ كَانَ أَخَّرَهُمَا عَمْدًا لِلْقَصْرِ لَكِنْ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَمْدًا، وَإِنَّمَا قَصَرَهُمَا لِلسَّفَرِ فِي وَقْتِهِمَا، وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ ثَلَاثٍ بِقَوْلِهِ:(فَإِنْ) لَمْ يُسَافِرْ حَتَّى (بَقِيَ قَدْرُ مَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةً صَلَّى الظُّهْرَ حَضَرِيَّةً) لِخُرُوجِ وَقْتِهَا (وَ) صَلَّى (الْعَصْرَ سَفَرِيَّةً) لِلسَّفَرِ فِي وَقْتِهَا، وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الظُّهْرِ عَلَى الْعَصْرِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَائِتَةِ الْيَسِيرَةِ وَالْحَاضِرَةِ وَإِنْ خَافَ خُرُوجَ وَقْتِ الْحَاضِرَةِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْخُرُوجِ نَهَارًا، وَأَشَارَ إلَى مَسْأَلَةِ الدُّخُولِ نَهَارًا بِقَوْلِهِ:(وَلَوْ دَخَلَ) الْمُسَافِرُ وَطَنَهُ (لِخَمْسِ رَكَعَاتٍ) فَأَكْثَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَعَلَيْهِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ حَالَةَ كَوْنِهِ (نَاسِيًا لَهُمَا) أَوْ عَامِدًا (صَلَّاهُمَا حَضَرِيَّتَيْنِ) لِإِدْرَاكِ الْأُولَى بِأَرْبَعٍ وَيَفْضُلُ لِلثَّانِيَةِ رَكْعَةٌ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ نَاسِيًا وَصْفٌ طَرْدِيٌّ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ، وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ الْخَمْسِ بِقَوْلِهِ:(فَإِنْ كَانَ) الدُّخُولُ إنَّمَا وَقَعَ (بِقَدْرِ) مَا يَسَعُ (أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَأَقَلَّ إلَى رَكْعَةٍ) قَبْلَ الْغُرُوبِ (صَلَّى الظُّهْرَ سَفَرِيَّةً)
قَدِمَ فِي لَيْلٍ وَقَدْ بَقِيَ لِلْفَجْرِ رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَالْعِشَاءَ حَضَرِيَّةً وَلَوْ خَرَجَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ سَفَرِيَّةً.
ــ
[الفواكه الدواني]
لِأَنَّهَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ فَيَقْضِيهَا عَلَى صِفَةِ مَا فَاتَتْهُ.
(وَ) صَلَّى (الْعَصْرَ حَضَرِيَّةً) لِإِدْرَاكِ وَقْتِهَا. وَلَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ النَّهَارِيَّتَيْنِ فِي حَالِ الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ، وَعَلِمَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْخُرُوجِ بِالسَّفَرِيَّتَيْنِ وَفِي الدُّخُولِ بِالْحَضَرِيَّتَيْنِ. شَرَعَ فِي حُكْمِ اللَّيْلَتَيْنِ بِقَوْلِهِ:(وَإِنْ قَدِمَ) الْمُسَافِرُ لِوَطَنِهِ (فِي لَيْلٍ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ بَقِيَ لِلْفَجْرِ رَكْعَةٌ فَأَكْثَرَ فِيمَا يُقَدَّرُ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَكُنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) وَلَوْ كَانَ أَخَّرَهُمَا عَمْدًا (صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا) لِعَدَمِ قَصْرِهَا (وَ) صَلَّى (الْعِشَاءَ حَضَرِيَّةً) لِقُدُومِهِ فِي وَقْتِهَا.
قَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: اُخْتُلِفَ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ هَلْ يُرَاعِي قَبْلَهُ تَقْدِيرَ الطَّهَارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا أَمْ لَا؟ اهـ لَفْظُهُ.
وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقَدَّرُ الطُّهْرُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَاضِرِ إذَا سَافَرَ وَالْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَالْقَرَافِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ اهـ، وَأَقُولُ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِبَارُ تَقْدِيرِ الطُّهْرِ عِنْدَ التَّأْخِيرِ نِسْيَانًا لَا عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ إنَّمَا يُقَدَّرُ لِذَوِي الْأَعْذَارِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْمَعْذُورُ غَيْرُ كَافِرٍ يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ، ثُمَّ خَتَمَ الْبَابَ بِالْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ فَقَالَ:(وَلَوْ خَرَجَ) لِلسَّفَرِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ) مَا يَسَعُ (رَكْعَةً فَأَكْثَرَ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَصَلَّى الْعِشَاءَ سَفَرِيَّةً) ؛ لِأَنَّهُ سَافَرَ فِي وَقْتِهَا وَالْوَقْتُ إذَا ضَاقَ اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ، وَلَوْ رَاعَى الْمُصَنِّفُ الْمُنَاسَبَةَ لَقَدَّمَ مَسْأَلَةَ الْخُرُوجِ فِي اللَّيْلِيَّتَيْنِ عَلَى مَسْأَلَةِ الدُّخُولِ كَمَا فَعَلَ فِي النَّهَارِيَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَكَسَ فِي اللَّيْلِيَّتَيْنِ.
(خَاتِمَةٌ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ مُسَافِرًا وَلَهُ أَهْلٌ أَنْ يُعَجِّلَ الْأَوْبَةَ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ السَّفَرَ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ تَعْجِيلُ الْأَوْبَةِ وَالدُّخُولِ ضُحًى؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي السُّرُورِ، وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ لَيْلًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ خَبَرُ:«السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَشَرَابَهُ وَطَعَامَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وُجْهَتِهِ فَلْيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ وَلَا يَطْرُقُهُمْ لَيْلًا كَيْ تَسْتَحِدَّ الْمَغِيبَةُ وَتُمَشَّطَ الشَّعِثَةُ وَلِئَلَّا يَجِدَ فِي بَيْتِهِ مَا يَكْرَهُ» وَقَدْ اقْتَحَمَ النَّهْيَ رَجُلَانِ فَوَجَدَ كُلٌّ فِي بَيْتِهِ رَجُلًا، وَالنَّهْمَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بُلُوغُ الْمُرَادِ، وَالْوُجْهَةُ جِهَةُ سَفَرِهِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِصْحَابُ هَدِيَّةٍ مَعَهُ وَتَكُونُ بِقَدْرِ حَالِهِ. وَلَمَّا كَانَ بَيْنَ صَلَاةِ السَّفَرِ وَالْجُمُعَةِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ، نَاسَبَ ذِكْرُ الْجُمُعَةِ عَقِبَ صَلَاةِ السَّفَرِ بِقَوْلِهِ.