الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ
وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ فِي السَّفَرِ لَا نِسَاءَ مَعَهَا وَلَا مَحْرَمَ مِنْ الرِّجَالِ فَلْيُيَمِّمْ رَجُلٌ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا يَمَّمَ النِّسَاءُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ وَلَا امْرَأَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ غَسَّلَتْهُ وَسَتَرَتْ عَوْرَتَهُ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمَيِّتَةِ ذُو مَحْرَمٍ غَسَّلَهَا مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ
ــ
[الفواكه الدواني]
رَأْسَهُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: تَوْضِئَةُ وَتَعَهُّدُ أَسْنَانِهِ وَأَنْفِهِ بِخِرْقَةٍ وَإِمَالَةُ رَأْسِهِ لِمَضْمَضَةٍ.
(وَ) أَنْ (يُقْلَبَ) الْمَيِّتُ (لِجَنْبِهِ فِي الْغُسْلِ أَحْسَنُ) أَيْ يُضْجَعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ حَالَ التَّغْسِيلِ لِيَبْدَأَ بِغُسْلِ الْمَيَامِنِ قَبْلَ الْمَيَاسِرِ، وَلَا يَقْلِبُهُ عَلَى ظَهْرِهِ وَلَا بَطْنِهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَشْوِيهًا لَهُ، وَأَشَارَ إلَى مُقَابِلِ الْأَحْسَنِ، بِقَوْلِهِ:(وَإِنْ أُجْلِسَ) أَيْ الْمَيِّتُ حَالَ غُسْلِهِ (فَذَلِكَ وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ، فَقَوْلُهُ أَحْسَنُ أَيْ مِنْ إجْلَاسِهِ أَوْ قَلْبِهِ عَلَى ظَهْرِهِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ الْغَاسِلُ مِنْ وُقُوفِهِ عَلَى الدِّكَّةِ وَيَجْعَلُ الْمَيِّتَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، بَلْ الْمَطْلُوبُ وُقُوفُهُ بِالْأَرْضِ وَيُضْجَعُ الْمَيِّتُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يُقَلِّبُهُ عَلَى الْأَيْمَنِ كَمَا قَدَّمْنَا.
(تَتِمَّةٌ) بَقِيَ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الْغُسْلِ تَجْرِيدُ الْمَيِّتِ مِنْ ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا إلَّا سَاتِرَ عَوْرَتِهِ وَوَضْعُهُ عَلَى مُرْتَفَعٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِلْغَاسِلِ، وَلَيْسَ مِنْ سُنَنِهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِهِ، وَمِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَضْعُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ عِنْدَهُ حَالَ التَّغْسِيلِ، وَمِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ اشْتِغَالُ الْغَاسِلِ حَالَ التَّغْسِيلِ بِالتَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ، وَإِذَا حَصَلَ مِنْ الْمَيِّتِ بَعْدَ تَغْسِيلِهِ مَا لَوْ حَصَلَ مِنْ الْحَيِّ لَأَبْطَلَ غُسْلَهُ لَمْ يُبْطِلْهُ وَإِنَّمَا يُنَظَّفُ دُونَ إعَادَةِ غُسْلِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَمْ يُعِدْ كَالْوُضُوءِ لِنَجَاسَةٍ وَغُسِلَتْ النَّجَاسَةُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ فِي الصُّورَتَيْنِ.
[تَغْسِيلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْغُسْلِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالتَّغْسِيلِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْغُسْلِ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِغُسْلِ) أَيْ تَغْسِيلِ (أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَيَّ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُقَدَّمُ فِي تَغْسِيلِ صَاحِبِهِ بِالْقَضَاءِ عَلَى أَقَارِبِ الْمَيِّتِ وَعَلَى مَنْ أَوْصَاهُ الْمَيِّتُ أَيْضًا، وَيُنْدَبُ لَهُ الْقِيَامُ بِأَخْذِ حَقِّهِ، فَلَا بَأْسَ هُنَا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيُّ مُحْرِمًا فَيُنْهَى عَنْ التَّغْسِيلِ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ، فَإِنْ فَعَلَ أَهْدَى إنْ أَمَذَى، وَالْمُرَادُ بِالزَّوْجَيْنِ الصَّحِيحَيْ النِّكَاحِ وَلَوْ بِفَوَاتِ الْفَاسِدِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَقُدِّمَ الزَّوْجَانِ إنْ صَحَّ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَاسِدُهُ بِالْقَضَاءِ وَإِنْ رَقِيقًا أَذِنَ سَيِّدُهُ أَوْ قَبْلَ بِنَاءٍ أَوْ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ أَوْ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْأَحَبُّ نَفْيُهُ إنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ لَا مُطَلَّقَةً وَلَوْ رَجْعِيًّا، بِخِلَافِ الْمُولَى مِنْهَا وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا فَلَهُمَا التَّغَسُّلُ بِالْقَضَاءِ لِقِيَامِ السَّبَبِ، وَالْكِتَابِيَّةُ تُغَسِّلُ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ بِحَضْرَةِ مُسْلِمٍ عَارِفٍ بِصِفَةِ الْغُسْلِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ زَوْجَهَا أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ غَسَّلَتْهُ زَوْجَتُهُ، وَأَوْصَتْ فَاطِمَةُ عَلِيًّا أَنْ يُغَسِّلَهَا، فَكَانَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى أَسْمَاءَ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ تُغَسِّلُهَا، وَمَا هَذَا إلَّا لِثُبُوتِ حَقِّ الْحَيِّ فِي التَّغْسِيلِ.
1 -
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ وَتَعَدَّدَتْ زَوْجَاتُهُ وَطَلَبْنَ التَّغْسِيلَ لَا نَصَّ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُنَّ، وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْأُجْهُورِيُّ: الظَّاهِرُ الْقُرْعَةُ وَأَوَّلُ الظَّاهِرِ اشْتِرَاكُ الْجَمِيعِ فِي الْمُبَاشَرَةِ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْقُرْعَةُ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْفِعْلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْزِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَحَلٍّ يَتَعَدَّدُ فِيهِ الْمُسْتَحَقُّ الْمُسْتَوِي فِي الْمَرْتَبَةِ لِغَيْرِهِ وَحَرِّرْهُ.
1 -
الثَّانِي: نَصَّ الْمُصَنِّفُ كَخَلِيلٍ عَلَى تَقْدِيمِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي تَغْسِيلِ صَاحِبِهِ وَسَكَتَا عَمَّا لَوْ طَلَبَا الْحَيُّ إنْزَالَ صَاحِبِهِ الْقَبْرَ وَبَيَّنَهُ غَيْرُهُمَا فَقَالَ: إنْ كَانَ الْحَيُّ الزَّوْجَ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ فِي إنْزَالِ زَوْجَتِهِ قَبْرَهَا عَلَى أَوْلِيَائِهَا بِالْقَضَاءِ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَلَا تُقَدَّمُ فِي إنْزَالِ زَوْجِهَا بَلْ الْحَقُّ لِأَوْلِيَائِهِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالزَّوْجُ أَحَقُّ بِإِدْخَالِ زَوْجَتِهِ قَبْرَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَقْرَبُ مَحَارِمِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَقِيلَ النِّسَاءُ، وَقِيلَ أَهْلُ الْفَضْلِ.
الثَّالِثُ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَفِي حُكْمِ الزَّوْجَيْنِ السَّيِّدُ مَعَ أَمَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِبَاحَةُ الْوَطْءِ لِلْمَوْتِ بِرِقٍّ تُبِيحُ الْغُسْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ: بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُبَعَّضَةِ وَالْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ وَالْمُشْتَرَكَةِ فَلَا يَحِلُّ لِلْحَيِّ مِنْهَا تَغْسِيلُهُ لِحُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ، وَتَقْدِيمُ السَّيِّدِ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْأَمَةِ بِالْقَضَاءِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَلَا يُقْضَى لَهَا بِالتَّقْدِيمِ عَلَى أَوْلِيَاءِ سَيِّدِهَا اتِّفَاقًا
ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ وَلَا سَيِّدَ بِقَوْلِهِ: (وَالْمَرْأَةُ) الْمُسْلِمَةُ (تَمُوتُ فِي السَّفَرِ) أَوْ فِي الْحَضَرِ وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ وَ (لَا نِسَاءَ مَعَهَا) لَا أَقَارِبَ وَلَا أَجَانِبَ (وَلَا ذُو مَحْرَمٍ) لَهَا (مِنْ الرِّجَالِ) لَا بِالنَّسَبِ وَلَا بِالرَّضَاعِ وَلَا بِالصِّهْرِ (فَلْيُيَمِّمْ رَجُلٌ) أَجْنَبِيٌّ (وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) أَيْ كُوعَيْهَا وَيُدْخِلُهُمَا فِي الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْكَفَّيْنِ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ يُبَاحُ النَّظَرُ لَهُمَا لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَأَمَّا غَيْرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَإِنَّهُ عَوْرَةٌ لَا يَحِلُّ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إلَيْهِ، مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ فَضْلًا عَنْ لَمْسِهِ.
(وَ) أَمَّا (لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا) فِي حَالِ سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ لَوَجَبَ أَنْ (يُيَمِّمَ النِّسَاءُ) الْأَجَانِبُ (وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) بِشَرْطٍ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ) وَلَوْ أَجْنَبِيًّا (وَلَا امْرَأَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ حَضَرَتْ (امْرَأَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ غَسَّلَتْهُ وَسَتَرَتْ عَوْرَتَهُ) مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ؛ لِأَنَّهَا تَنْظُرُ
يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهَا
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفَّنَ الْمَيِّتُ فِي وِتْرٍ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَمَا جُعِلَ لَهُ مِنْ أُزْرَةٍ وَقَمِيصٍ
ــ
[الفواكه الدواني]
مِنْهُ مَا يَنْظُرُهُ الرَّجُلُ مِنْ مِثْلِهِ وَهُوَ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَة، وَقِيلَ تَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ، قَالَ خَلِيلٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: يُقَدَّمُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ثُمَّ أَقْرَبُ أَوْلِيَائِهِ ثُمَّ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ امْرَأَةٌ مَحْرَمٌ، وَهَلْ يَسْتُرُهُ أَوْ عَوْرَتَهُ تَأْوِيلَانِ فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْمَيِّتِ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ أَخُوهُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ جَدُّهُ ثُمَّ عَمُّهُ ثُمَّ ابْنُهُ وَالشَّقِيقُ وَعَاصِبُ النَّسَبِ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَنْبَغِي عِنْدَ مُشَاحَّةِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَرْتَبَةِ الِاجْتِمَاعُ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ كَمَا قَدَّمْنَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَرِيبٌ فَالرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ لَكِنْ بِحَضْرَةِ مُسْلِمٍ عَارِفٍ بِصِفَةِ الْغُسْلِ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِالتَّغْسِيلِ أَوْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ فَالْمَرْأَةُ الْمَحْرَمُ وَلَوْ بِالصِّهَارَةِ كَأُمِّ زَوْجَتِهِ أَوْ زَوْجَةِ ابْنِهِ، وَيُقَدَّمُ مَحْرَمُ الرَّضَاعِ عَلَى مَحْرَمِ الصِّهَارَةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَيْثُ جَازَ لَهَا أَنْ تُيُمِّمَ الرَّجُلَ الْأَجْنَبِيَّ إلَى مِرْفَقَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُيَمِّمَهَا إلَّا لِكُوعَيْهَا مَعَ شِدَّةِ مَيْلِ النِّسَاءِ إلَى الرِّجَالِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَوْرَةَ الْأَجْنَبِيِّ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ كَمَا قَدَّمْنَا فِي مَبْحَثِ الْعَوْرَةِ، وَأَيْضًا شِدَّةُ حَيَاءِ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ وَلَا سِيَّمَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ يُضْعِفُ الْأُنْثَى إلَيْهِ.
(تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّ التَّرْتِيبَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ كَمَا يَجْرِي فِي الْغُسْلِ يَجْرِي فِي الصَّلَاةِ وَالنِّكَاحِ، وَيُقْضَى بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ بَيْنَ مَنْ يَتَقَدَّمُ وَمَنْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ لِمَا عَرَفْت بَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِي الْمُبَاشَرَةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا غَسَّلَتْ مَحْرَمَهَا لَا تُبَاشِرُ بِيَدِهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ وَهُوَ عَوْرَتُهُ فَقَطْ أَوْ جَمِيعُ الْجَسَدِ بَلْ تَجْعَلُ عَلَى يَدِهَا خِرْقَةً، بِخِلَافِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ وَهُوَ بَقِيَّةُ الْجَسَدِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا فِي مُبَاشَرَتِهِ، وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ وَلَا نِسَاءَ مَعَهَا وَلَا مَحْرَمَ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمَيِّتَةِ) الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الَّتِي لَا نِسَاءَ مَعَهَا رَجُلٌ (ذُو مَحْرَمٍ) وَلَوْ بِالصِّهْرِ (غَسَّلَهَا مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهَا) بِأَنْ يَجْعَلَهُ الْغَاسِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ مِنْ السَّقْفِ إلَى أَسْفَلَ بِحَيْثُ يَصِيرُ نَظَرُهُ إلَى الثَّوْبِ لَا إلَى جَسَدِهَا، وَيَصِلُ الْمَاءُ مِنْ خَلْفِ الثَّوْبِ وَيَجْعَلُ خِرْقَةً عَلَى يَدِهِ غَلِيظَةً، فَكَمَا لَا يَنْظُرُ إلَى جَسَدِهَا لَا يُبَاشِرُهُ بِيَدِهِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ أَنَّ مَعْنَى سَتْرِ جَسَدِهَا جَعْلُ الثَّوْبِ عَلَى جَسَدِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَحْرَمِ مُبَاشَرَةُ جَمِيعِ جَسَدِ الْمَرْأَةِ الْمَحْرَمِ بَعْدَ تَعْلِيقِ الثَّوْبِ الْمَانِعِ مِنْ نَظَرِهِ إلَى جَسَدِهَا، وَبَعْدَ جَعْلِ خِرْقَةٍ غَلِيظَةٍ عَلَى يَدِهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ إذَا غَسَّلَتْ مَحْرَمَهَا الذَّكَرَ مُبَاشَرَةُ جَمِيعِ جَسَدِهِ حَيْثُ لَفَّتْ عَلَى يَدِهَا خِرْقَةً كَثِيفَةً، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ خِرْقَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا مُبَاشَرَةُ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ وَهُوَ الْعَوْرَةُ فَقَطْ أَوْ جَمِيعُ الْجَسَدِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ.
وَأَمَّا لَوْ غَسَّلَتْ امْرَأَةٌ امْرَأَةً لَجَازَ لَهَا مُبَاشَرَةُ جَمِيعِ جَسَدِهَا وَلَوْ بِغَيْرِ حَائِلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا أَوْ الرَّجُلُ مَعَ النِّسَاءِ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَإِنَّهُمَا يُيَمَّمَانِ وَيُدْفَنَانِ» . وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُيَمِّمُ الرَّجُلَ الْأَجْنَبِيَّ لِلْمِرْفَقَيْنِ وَالرَّجُلُ إنَّمَا يُيَمِّمُهَا إلَى كُوعَيْهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلًّا إذَا يَمَّمَ غَيْرَهُ يَمَسُّ وَجْهَهُ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ: وَانْظُرْ كَيْفَ جَازَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ لَمْسُ وَجْهِ الْآخَرِ بِيَدِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، فَإِنْ قُلْت: يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيَضَعَهَا عَلَى التُّرَابِ، قُلْت: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اقْتَصَرَ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْكُوعَيْنِ اهـ، وَأَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ الْخِرْقَةِ وَلَا يَلْزَمُ مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَإِنَّمَا جَازَ مَا ذُكِرَ مَعَ الْخِرْقَةِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا مُحْوِجَ إلَى مُجَاوَزَةِ كُوعَيْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُمَا سُنَّةٌ، وَلَا يُسْتَبَاحُ الْمُحَرَّمُ بِفِعْلِ سُنَّةٍ وَتَأَمَّلْهُ.
1 -
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ الْأُنْثَى الْمُحَقَّقَةِ وَعَلَى الذَّكَرِ الْمُحَقَّقِ وَسَكَتَ عَنْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ يَمُوتُ وَلَا مَحْرَمَ لَهُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ إلَّا سَيِّدٌ ذَكَرٌ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً مِنْ مَالِهِ تُغَسِّلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ تَرْجِعُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَلَا تُورَثُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَيْتُ مَالٍ أَوْ لَا وُصُولَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُيَمَّمُ وَيُدْفَنُ، وَيَنْبَغِي إذَا يَمَّمَهُ رَجُلٌ أَنْ يُيَمِّمَهُ إلَى كُوعَيْهِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ يَمَّمَتْهُ امْرَأَةٌ يَمَّمَتْهُ إلَى مِرْفَقَيْهِ بِالْأَوْلَى مِنْ الرَّجُلِ الْمُحَقَّقِ.
1 -
الثَّانِي: لَوْ يَمَّمْنَ النِّسَاءُ الْمَيِّتَ الذَّكَرَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ غَسَّلَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَالنِّسَاءُ خَلْفَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ، هَذَا مَا ارْتَضَاهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْأُجْهُورِيُّ
. الثَّالِثُ: لَوْ يُمِّمَ الْمَيِّتُ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ وُجِدَ الْمَاءُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ قَالَ الطِّخِّيخِيُّ: إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ غُسِّلَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَلَا اهـ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ مَعَ النِّسْيَانِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ الْعَيْنِيِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ: وَبِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَا فِيهَا إلَّا نَاسِيه إلَّا أَنْ يَفْرُقَ بِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ أَمْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَعَ طَلَبِ الْإِسْرَاعِ بِدَفْنِ الْأَمْوَاتِ وَحَرِّرْهُ.
1 -
الرَّابِعُ: لَوْ تَعَذَّرَ التَّغْسِيلُ وَالتَّيَمُّمُ يُدْفَنُ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ خَلِيلٍ وَتَلَازُمًا وَارْتَضَاهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَقَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا اللَّقَانِيُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَأَجَابَ عَنْ خَلِيلٍ بِأَنَّ مُرَادَهُ تَلَازُمًا أَيْ غَالِبًا، وَأَمَّا لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَغْسِيلٍ مَعَ تَيَسُّرِ الْغُسْلِ بَلْ لِسَهْوٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُدْفَنَ فَفِيهِ