المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في الجهاد] - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ١

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ: مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ]

- ‌[أَحْكَامِ النِّفَاسِ]

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَمَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْمَاءِ]

- ‌[حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُضَادَّةِ لِلطَّهَارَةِ]

- ‌[مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَسْنُونِهِ وَمَفْرُوضِهِ وَذِكْرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوُضُوءِ]

- ‌[صِفَةِ الطَّهَارَة الْحَدَثِيَّةِ]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءِ]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْإِتْيَانُ بِهِ]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌بَابٌ فِي الْغُسْلِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌بَابٌ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَصِفَةِ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَسْمَائِهَا

- ‌[بَاب الْأَذَان وَالْإِقَامَة]

- ‌[صفة الْأَذَان]

- ‌[صِفَةِ الْإِقَامَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ

- ‌[صفة الْجُلُوس فِي التَّشَهُّد]

- ‌[مَا يُسْتَحَبُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ]

- ‌وَأَقَلُّ الشَّفْعِ

- ‌[مَنْدُوبَات الصَّلَاة]

- ‌[مَكْرُوهَات الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب جَامِع فِي الصَّلَاة]

- ‌[السَّاهِي فِي صَلَاتِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ مِنْ سُجُودٍ وَعَدَمِهِ]

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ لِاعْتِقَادِهِ كَمَالَهَا]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا]

- ‌[تَرْتِيبِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِصَلَاةٍ حَاضِرَةٍ]

- ‌[مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[مَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاة]

- ‌[أَسْبَاب الْجَمْع وَصِفَته]

- ‌[الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[صِفَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الرُّعَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي سُجُود الْقُرْآن]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقْتَ صَلَاة الْجُمُعَةَ]

- ‌[شُرُوطِ وُجُوبِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[آدَاب الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌[صفة صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر]

- ‌[صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَالتَّكْبِير أَيَّام منى]

- ‌[زَمَن صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[خُطْبَةَ الْعِيدِ]

- ‌[صِفَةِ خُرُوجِ الْإِمَامِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[غُسْلَ الْعِيدِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخُسُوف]

- ‌[صفة صَلَاة الْكُسُوف وَالْخُسُوف]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[وَقْت صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[بَاب مَا يَفْعَل بِالْمُحْتَضَرِ وَفِي غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[الْبُكَاء عِنْدَ مَوْتِ الْمَيِّت]

- ‌[تَغْسِيلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ]

- ‌[التَّكْفِينِ وَمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ]

- ‌[غُسْلِ الشُّهَدَاءِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[صِفَةِ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ]

- ‌[بَاب فِي الصَّلَاة عَلَى الْجَنَائِز وَالدُّعَاء لِلْمَيِّتِ]

- ‌ دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

- ‌مَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغُسْلِهِ

- ‌بَابٌ فِي الصِّيَامِ

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ شَهْر رَمَضَان]

- ‌[شُرُوطِ الصَّوْمِ]

- ‌[أَسْبَابٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ]

- ‌[أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَالَ كَوْنِهِ نَاسِيًا]

- ‌[مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّائِم فِي رَمَضَان]

- ‌[حُكْمِ التَّرَاوِيحِ فِي رَمَضَانَ]

- ‌بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌[أَقَلّ مُدَّة الأعتكاف]

- ‌[مُبْطِلَات الِاعْتِكَاف]

- ‌[مَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ]

- ‌[مَالًا يُبْطِل الِاعْتِكَاف]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْعَيْن وَالْحَرْث وَالْمَاشِيَة وَمَا يَخْرَج مِنْ الْمَعْدِن]

- ‌ زَكَاةُ الْحَرْثِ

- ‌[زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[زَكَاة عُرُوض التِّجَارَة]

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[زَكَاة الْمَعَادِن]

- ‌[الْجِزْيَةَ وَشُرُوطهَا]

- ‌[قَدْرُ الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ]

- ‌[مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْمَاشِيَة]

- ‌[نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌[حُكْمِ مَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَهُوَ الْوَقْصُ]

- ‌[زَكَاةِ الْخُلْطَةِ فِي الْأَنْعَام]

- ‌[شُرُوطِ زَكَّاهُ الْخَلِيطِينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[مَا تَخْرُجُ مِنْهُ صَدَقَة الْفِطْرِ]

- ‌[زَمَنِ إخْرَاجِهَا زَكَّاهُ الْفِطْر]

- ‌[بَاب فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ]

- ‌[غَصَبَ مَالًا وَحَجَّ بِهِ]

- ‌[صِفَتِهِ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ]

- ‌[سُنَنٍ الْغُسْلُ الْمُتَّصِلُ بِالْإِحْرَامِ]

- ‌[الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ]

- ‌ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌[شُرُوطِ الرَّمْيِ]

- ‌ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ

- ‌[الْعُمْرَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَمَا لَا يَحْرُمُ]

- ‌[أَفْضَل أَنْوَاع الْحَجّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا وَالذَّبَائِحِ وَالْعَقِيقَةِ وَالصَّيْدِ وَالْخِتَانِ

- ‌[أَكْلُ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[بَاب فِي الْجِهَاد]

- ‌[وَالرِّبَاطُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[بَاب فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور]

الفصل: ‌[باب في الجهاد]

بَأْسَ بِذَلِكَ.

وَالْخِتَانُ سُنَّةٌ فِي الذُّكُورِ وَاجِبَةٌ.

وَالْخِفَاضُ فِي النِّسَاءِ مَكْرُمَةٌ.

ــ

[الفواكه الدواني]

وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَالْحَسَنِ وَزَيْنَبَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةٍ، وَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ بِكَبْشٍ وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً» .

وَلَمَّا قَدَّمَ كَرَاهَةَ تَلْطِيخِ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ خِلَافًا لِلْجَاهِلِيَّةِ بَيَّنَ الْمُسْتَحَبَّ بِقَوْلِهِ: (وَ) أَمَّا (إنْ خُلِّقَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ طُيِّبَ (رَأْسُهُ) أَيْ الْمَوْلُودِ (بِخَلُوقٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ طِيبٍ كَزَعْفَرَانٍ مَعْجُونٍ بِوَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ (بَدَلًا مِنْ الدَّمِ الَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) ، وَلَوْ قِيلَ بِنَدْبِهِ لَمَا بَعُدَ لِعُمُومِ طَلَبِ مُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ.

1 -

(خَاتِمَةٌ) بَقِيَ أَشْيَاءُ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا يَوْمَ السَّابِعِ، مِنْهَا: تَسْمِيَتُهُ إنْ عَقَّ عَنْهُ، وَإِلَّا سَمَّى قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ مَنْ أُرِيدَ الْعَقُّ عَنْهُ قَبْلَ الْعَقِيقَةِ فَفِي تَسْمِيَتِهِ قَوْلَانِ: مَالِكٌ لَا يُسَمَّى وَابْنُ حَبِيبٍ يُسَمَّى يَوْمَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَلَدٌ تُرْجَى شَفَاعَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ عَدَمَ تَسْمِيَةِ السِّقْطِ، وَالتَّسْمِيَةُ حَقٌّ لِلْأَبِ.

قَالَ ابْنُ نَاجِي: بَعْضُ شُيُوخِنَا، وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وُجُوبُ التَّسْمِيَةِ فَيَخْتَارُ لَهُ أَفْضَلَ الْأَسْمَاءِ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: أَفْضَلُ الْأَسْمَاءِ ذُو الْعُبُودِيَّةِ لِخَبَرِ: «أَحَبُّ أَسْمَائِكُمْ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» «وَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ» .

قَالَ الْبَاجِيُّ: وَتُمْنَعُ بِمَا قَبَحَ كَحَرْبٍ وَحَزَنٍ وَبِمَا فِيهِ تَزْكِيَةٌ كَبَرَكَةٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَتَحْرُمُ بِمِلْكِ الْأَمْلَاكِ.

وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: لَا يَنْبَغِي بِيَاسِين أَوْ حَكِيمٍ أَوْ عَزِيزٍ، وَوَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ بِعَلِيٍّ، وَلَمْ يُنْكِرْ، وَإِقْرَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَافٍ فِي الْجَوَازِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ التَّسْمِيَةَ بِجِبْرِيلَ، وَكَرِهَهَا الْحَارِثُ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ، وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْوِلَادَةِ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ فِي أَذَانِ الْمَوْلُودِ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْبَقَ إلَى جَوْفِهِ الْحَلَاوَةُ،

وَلَمَّا كَانَ الْخِتَانُ وَالْخِفَاضُ مِنْ مُنَاسَبَاتِ الضَّحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الطَّلَبِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ ذَكَرَهُمَا عَقِبَهُمَا فَقَالَ: (وَالْخِتَانُ فِي الذَّكَرِ) ، وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ السَّاتِرَةِ لِلْحَشَفَةِ بِحَيْثُ يَنْكَشِفُ جَمِيعُهَا. (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ مَنْ تَرَكَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تَجُزْ إمَامَتُهُ، وَلَا شَهَادَتُهُ، بَلْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا يَتِمُّ الْإِسْلَامُ إلَّا بِالْخِتَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى سُنِّيَّتِهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ» وَزَمَنُ الْخِتَانِ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ مَالِكٍ الْإِثْغَارُ، وَهُوَ زَمَنُ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَأَحْرَى يَوْمُ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ فِعْلِ الْيَهُودِ إلَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْهُ عِنْدَ تَأَخُّرِهِ لِزَمَنِ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا هَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ الْمُوسَى أَوْ لَا؟ وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَجْزِمْ بِإِجْرَائِهَا كَمَا قِيلَ فِيمَنْ تَحَلَّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى مَحَلِّ الشَّعْرِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِوُجُوبِ الْحِلَاقِ عِنْدَ الْإِحْلَالِ دُونَ الْخِتَانِ.

(الْخِفَاضُ) الْمَطْلُوبُ (فِي النِّسَاءِ) ، وَهُوَ إزَالَةُ مَا بِالْفَرْجِ مِنْ الزِّيَادَةِ (مَكْرُمَةٌ) أَيْ خَصْلَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا وَاعْتَمَدَهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ هُنَا لِمُغَايَرَتِهِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، وَقِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ كَخِتَانِ الذُّكُورِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ وَجِيهٌ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ، وَلِلْحَدِيثِ:«كَانَ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ عَطِيَّةَ تَخْفِضُ الْجَوَارِيَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا أُمَّ عَطِيَّةَ اخْفِضِي، وَلَا تَنْهَكِي فَإِنَّهُ أَسْرَى لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ» ، وَمَعْنَى لَا تَنْهَكِي لَا تُبَالِغِي فِي الْقَطْعِ. (خَاتِمَةٌ) سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَيَانِ حَالِ الْخُنْثَى الَّذِي لَهُ ذَكَرٌ، وَلَهُ فَرْجٌ هَلْ يُخْتَنُ أَوْ يُخْفَضُ؟ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ لِأَصْحَابِنَا نَصًّا، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: يُخْتَنُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَيَنْظُرُ حِينَئِذٍ مَنْ يَتَوَلَّى خِتَانَهُ قَبْلَ اتِّضَاحِهِ، وَقِيلَ لَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَهُمْ، ابْنُ نَاجِي: لَا يُخْتَنُ لِمَا عَلِمْت مِنْ قَاعِدَةِ تَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ، وَالنَّظَرُ لِعَوْرَةِ الْكَبِيرِ الْمُرَاهِقِ أَوْ الْبَالِغِ حَرَامٌ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ: الْمُرَاهِقُ كَكَبِيرٍ، وَلَا يُرْتَكَبُ مُحَرَّمٌ لِفِعْلِ سُنَّةٍ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِخَتْنِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ مَأْمُورٌ بِفِعْلِ مَا يَكْمُلُ بِهِ إسْلَامُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ بِهِ كَمَالَ الْإِسْلَامِ، وَيُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَنْ اشْتَرَى رَقِيقًا بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ مُرَاهِقَةً؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ يُمْكِنُ الْمُكَلَّفُ تَحْصِيلُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَقْتَضِي إسْقَاطَهَا وَحَرَّرَ ذَلِكَ، فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ لَكِنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِيهِ، وَسَكَتَ أَيْضًا عَنْ الْخَاتِنِ وَالْخَافِضِ لِوُضُوحِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يَخْتِنُ الرِّجَالُ الصِّبْيَانَ وَيَخْفِضُ النِّسَاءُ الْجَوَارِيَ لِمَنْعِ اطِّلَاعِ الرِّجَالِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَرَّحَ بِحُكْمِ الْخِتَانِ وَالْخِفَاضِ، وَالْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ أَهْمَلَهَا، فَكَمْ مِنْ كِتَابٍ صَغِيرٍ كَهَذَا الْكِتَابِ يُوجَدُ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي أَكْبَرَ مِنْهُ.

[بَاب فِي الْجِهَاد]

وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْوَاجِبَاتِ الْعَيْنِيَّةِ، وَمَا مَعَهَا مِنْ السُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَاجِبَاتِ الْكِفَائِيَّةِ وَبَدَأَ بِأَهَمِّهَا فَقَالَ:

ص: 394

بَابٌ فِي الْجِهَادِ وَالْجِهَادُ فَرِيضَةٌ يَحْمِلُهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ.

وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَا يُقَاتَلَ الْعَدُوُّ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى دِينِ اللَّهِ إلَّا أَنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

(بَابٌ فِي) أَحْكَامِ (الْجِهَادِ) وَهُوَ لُغَةً: التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ لِأَخْذِهِ مِنْ الْجَهْدِ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قِتَالُ مُسْلِمٍ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ أَوْ حُضُورُهُ لَهُ أَوْ دُخُولُهُ أَرْضِهِ لَهُ، فَيَخْرُجُ قِتَالُ الذِّمِّيِّ إذَا حَارَبَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ نَقْضٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ حُضُورُهُ أَوْ دُخُولُهُ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قِتَالٍ، فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَالضَّمِيرُ فِي حُضُورِهِ وَدُخُولِهِ لِلْمُسْلِمِ، وَفِي لَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلْقِتَالِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْجِهَادَ أَعَمُّ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ فَيُسْهِمُ لِمَنْ حَضَرَ الْمُنَاشَبَةَ، وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَقَوْلُهُ: لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ قَاتَلَ لِلْغَنِيمَةِ أَوْ لِإِظْهَارِ الشَّجَاعَةِ لَمْ يَكُنْ مُجَاهِدًا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ حَيْثُ أَظْهَرَ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهَا حَيْثُ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ.

قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ خَلِيلٍ، وَقَسَّمَ الْأَرْبَعَةَ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ حَاضِرٍ كَتَاجِرِ وَأَجِيرٍ إنْ قَاتَلَا أَوْ خَرَجَا بِنِيَّةِ غَزْوٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ قَاتَلَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، إذْ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَزَادُوهُ عَلَى تِلْكَ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْجِهَادِ حَتَّى يُسْهَمَ لَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ مُعْتَبَرًا بِالنَّظَرِ لِلثَّوَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْجِهَادِ الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُسْهَمَ لَهُ وَحَرِّرْ الْمَسْأَلَةَ، فَإِنَّ الْفِقْهَ نَقْلِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ، وَعَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ يَكُونُ شَهِيدُ الْحَرْبِ أَعَمَّ مِنْ الْمُجَاهِدِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ شَهِيدَ الْحَرْبِ يَشْمَلُ مَنْ قَاتَلَ لِخُصُوصِ الْغَنِيمَةِ وَيُقَالُ لَهُ شَهِيدُ دُنْيَا فَقَطْ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ يَشْمَلُ مَنْ قَتَلَهُ الْحَرْبِيُّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، اُنْظُرْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ مُعْتَرَكٍ فَقَطْ، وَلَوْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ.

وَالْجِهَادُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْعَظِيمَةِ، فَقَدْ وَرَدَ:«أَنَّ الشَّهِيدَ يَوَدُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى فِي الْجِهَادِ لِمَا يَرَاهُ مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ» . وَرُوِيَ أَيْضًا: «مَا جَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ فِي الْجِهَادِ إلَّا كَبَصْقَةٍ فِي بَحْرٍ، وَمَا جَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْجِهَادِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا كَبَصْقَةٍ فِي بَحْرٍ» ، وَإِنَّمَا كَانَ الْجِهَادُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَتْلُ عِبَادِ اللَّهِ وَتَعْذِيبُهُمْ وَتَخْرِيبُ بِلَادِ اللَّهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إعْزَازِ الدِّينِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ عَدُوٌّ لِلَّهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، فَشُرِعَ إعْدَامًا لِلْكَافِرِينَ، وَإِحْيَاءً لِدِينِ الْإِسْلَامِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجِهَادَ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: جِهَادٍ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ مُجَاهَدَةُ الشَّيْطَانِ وَالنَّفْسِ عَنْ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ. وَجِهَادٍ بِاللِّسَانِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَجِهَادٍ بِالْيَدِ، وَهُوَ زَجْرُ الْأُمَرَاءِ أَهْلَ الْمُنَاكِرِ بِالْأَدَبِ وَالضَّرْبِ بِاجْتِهَادِهِمْ، وَمِنْهُ إقَامَةُ الْحُدُودِ. وَجِهَادٍ بِالسَّيْفِ، وَلَا يَنْصَرِفُ حَيْثُ أُطْلِقَ إلَّا إلَيْهِ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ:(وَالْجِهَادُ) أَيْ الْخُرُوجُ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ (فَرِيضَةٌ) فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ حُرٍّ، وَلَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ خِطَابِهِمْ مُسْتَطِيعٍ لِلْقِتَالِ وَوَاجِدٍ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِ. .

(يَحْمِلُهُ) أَيْ الْجِهَادَ (بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَحَقِيقَتُهُ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى فَاعِلِهِ بِالذَّاتِ مَعَ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِ، فَيَخْرُجُ فَرْضُ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قَصَدَ الشَّارِعُ حُصُولَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِعَيْنِهِ، أَوْ مَنْ عَيَّنَهُ الشَّارِعُ بِخُصُوصِهِ كَالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا فُرِضَ عَلَيْهِ دُونَ أُمَّتِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ عَلَى عُمُومِ النَّاسِ - إنْ لَمْ يَكُنْ إمَامٌ - إخْرَاجُ طَائِفَةٍ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَيَتَوَجَّهُونَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي كَثُرَ الْعَدُوُّ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَإِنْ تَسَاوَتْ الْجِهَاتُ خَوْفًا، فَالنَّظَرُ لِلْإِمَامِ فِي الْخُرُوجِ فِي أَيِّ جِهَةٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ سَدُّ الْجَمِيعِ، وَإِلَّا وَجَبَ سَدُّ الْجِهَاتِ كُلِّهَا بِالْمُجَاهِدِينَ.

قَالَ خَلِيلٌ: الْجِهَادُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنْ خَافَ مُحَارِبًا، كَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْكُفَّارِ لَا يُعَادِلُهُ ضَرَرٌ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْجِهَادُ إلَّا بِشُرُوطٍ كَمَا قَدَّمْنَا، وَهِيَ: الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ وَوُجُودُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِ، وَفِي الْإِسْلَامِ خِلَافٌ وَيَسْقُطُ بِأَضْدَادِهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَسَقَطَ بِمَرَضٍ وَصِبًى وَجُنُونٍ وَعَمًى وَعَرَجٍ وَأُنُوثَةٍ وَعَجْزٍ عَنْ مَا سَيَحْتَاجُ وَرِقٍّ وَدَيْنٍ حَلَّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَائِهِ، وَلَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيصَالِهِ إلَى رَبِّهِ لِغَيْبَتِهِ، وَلَا وَكِيلَ مِنْ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا مَا لَا يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ وَيُوَكِّلُ فِي قَضَاءِ مَا يَحِلُّ وَيَخْرُجُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْوَفَاءِ قَهْرًا عَلَى صَاحِبِهِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

ص: 395

يُعَاجِلُونَا فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَإِلَّا قُوتِلُوا.

وَإِنَّمَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إذَا كَانُوا حَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا فَأَمَّا إنْ بَعُدُوا

ــ

[الفواكه الدواني]

كَخَلِيلٍ فَرْضِيَّةُ الْجِهَادِ، وَلَوْ سَدَّ الْمُسْلِمُونَ ثُغُورَهُمْ وَحُصُونَهُمْ، خِلَافًا لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَصَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ مِنْ أَنَّهُ إذَا حُمِيَتْ أَطْرَافُ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَسُدَّتْ ثُغُورُهُمْ سَقَطَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ عَنْ سَائِرِهِمْ وَيُسْتَحَبُّ فَقَطْ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْمَشْهُورِ أَنَّ عَدَمَ الْجِهَادِ يُؤَدِّي إلَى قِيَامِ الْحَرْبِيِّينَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

الثَّانِي: يُشَارِكُ الْجِهَادَ فِي الْفَرْضِيَّةِ الْكِفَائِيَّةِ إقَامَةُ الْمَوْسِمِ أَيْ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَمِثْلُهُ الْقِيَامُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَالْفِقْهِ، وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَأُصُولٍ، وَكَلَامٍ وَنَحْوٍ وَالْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ، وَفَكِّ الْأُسَارَى وَتَجْهِيزِ الْأَمْوَاتِ، وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى عَلَى مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُهَا، وَلَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ السُّلْطَانِ إلَّا إذَا تَنَاءَتْ الْأَقْطَارُ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالْحِرَفِ الْمُهِمَّةِ كَالْحِيَاكَةِ وَالْخِبَازَةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صَلَاحُ الْعَامَّةِ.

الثَّالِثُ: الدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْجِهَادِ عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ قَوْله تَعَالَى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] أَيْ الْجَنَّةَ، فَلَمَّا وَعَدَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْقَاعِدَ وَالْمُجَاهِدَ بِالْحُسْنَى، عُلِمَ أَنَّ الْخِطَابَ بِهِ لِلْجَمِيعِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِيَّةِ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَعْيَانِ لَكَانَ الْقَاعِدُ بِلَا ضَرُورَةٍ عَاصِيًا، وَمَا تَوَاتَرَ فِي السُّنَّةِ مِنْ «إرْسَالِهِ عليه الصلاة والسلام قَوْمًا دُونَ آخَرِينَ» .

الرَّابِعُ: فَرْضُ الْكِفَايَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ مُخَاطَبٌ بِهِ الْجَمِيعُ حَتَّى يَقُومَ بِهِ الْبَعْضُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ لِمَنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْرٌ قَوْلَانِ، هَكَذَا قَالَ بَعْضٌ، وَلَا يُعَارِضُهُ آيَةُ:{وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَجْرِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْفِعْلِ.

الْخَامِسُ: مَحَلُّ كَوْنِ الْجِهَادِ فَرْضَ كِفَايَةٍ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْأَعْيَانِ إذَا غَزَا الْعَدُوُّ عَلَى قَوْمٍ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى النِّسَاءِ وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ إنْ عَجَزُوا وَبِتَعْيِينِ الْإِمَامِ وَبِالنَّذْرِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعَيَّنَ بِفَجْأِ الْعَدُوِّ، وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ إنْ عَجَزُوا أَوْ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ.

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ فَرْضِيَّةِ الْجِهَادِ جَوَازُ قِتَالِ الْكُفَّارِ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ ابْتِدَاءً بِقَوْلِهِ:(وَأَحَبُّ إلَيْنَا) مَعَاشِرَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (أَنْ لَا يُقَاتَلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالنَّائِبُ عَنْ الْفَاعِلِ (الْعَدُوُّ) عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى قِتَالِهِمْ (حَتَّى يُدْعَوْا إلَى دِينِ اللَّهِ عز وجل أَيْ يُطْلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا: نَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} [آل عمران: 64]، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ: إنَّك سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وَقِصَّةُ سُلَيْمَانَ مَعَ بِلْقِيسَ بِنْتِ شُرَحْبِيلَ مَلِكَةَ سَبَأٍ، وَكِتَابُهُ إلَيْهَا مَعَ الْهُدْهُدِ:{أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 31] وَصِفَةُ الدَّعْوَى مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ كُفْرِ الْكَافِرِ، فَمَنْ أَنْكَرَ الْإِلَهَ يُدْعَى إلَى الْإِقْرَارِ بِهِ، وَمَنْ اعْتَقَدَ الشُّرَكَاءَ يُدْعَى إلَى الِاعْتِرَافِ بِالتَّوْحِيدِ، وَمَنْ أَنْكَرَ عُمُومَ الرِّسَالَةِ يُدْعَى إلَى الِاعْتِرَافِ بِعُمُومِهَا، وَمَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ يُدْعَى إلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَفَرَ بِشَيْءٍ يُدْعَى إلَى الرُّجُوعِ عَنْهُ، وَلَا تُفَصَّلَ لَهُ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ إلَّا أَنْ يَسْأَلَ عَنْ تَفْصِيلِهَا.

وَوُجُوبُ الدَّعْوَى مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (مَا لَمْ يُعَاجِلُونَا) بِالْقِتَالِ، وَإِلَّا قُوتِلُوا. وَالْقَيْدِ الثَّانِي أَنْ يَكُونُوا بِمَحَلٍّ تُؤْمَنُ غَوْلَتُهُمْ، وَإِلَّا قُوتِلُوا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَدُعُوا لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ جِزْيَةٌ بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ، وَإِلَّا قُوتِلُوا وَقُتِلُوا إلَّا الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ، وَمَا مَعَهُمَا مِمَّا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ إلَخْ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَأَحَبُّ إلَيْنَا إلَخْ أَنَّ الدَّعْوَةَ مُسْتَحَبَّةٌ مَعَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْأَحَبَّ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مَحْبُوبٌ، كَمَا أَنَّ الْجَائِزَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ يَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ لَا الْأَحَبِّ بِمَعْنَى الْمَنْدُوبِ حَتَّى يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، وَلَمْ يُجِبْ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهَا فِي حَقِّهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ أَوْ بَعُدَتْ.

الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ هَلْ تُكَرَّرُ الدَّعْوَةُ أَوْ لَا، وَبَيَّنَهُ الْفَاكِهَانِيُّ بِقَوْلِهِ: وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ كَالْمُرْتَدِّ، وَيُفْهَمُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْمُرْتَدِّ أَنَّهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِذَا دُعُوا (فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا) فَيَجِبُ كَفُّنَا عَنْهُمْ لِعِصْمَةِ دِمَائِهِمْ كَأَمْوَالِهِمْ بِالْإِسْلَامِ. (أَوْ) يَرْضُوَا بِأَنْ (يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ) فَيَجِبُ كَفُّنَا عَنْهُمْ أَيْضًا.

(وَإِلَّا) يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ (قُوتِلُوا) وَقُتِلُوا بِالْفِعْلِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقِتَالِ، وَلَوْ بِقَطْعِ الْمَاءِ وَرَمْيِ النَّارِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ دَعْوَتُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَطْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي قِتَالِهِمْ، فَإِنْ أَبَوْا مِنْهُ يُدْعَوْا إلَى الْجِزْيَةِ لَا أَنَّا نُخَيِّرُهُمْ ابْتِدَاءً بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْجِزْيَةِ، وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: وَدُعُوا لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ جِزْيَةٌ بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ، وَإِلَّا قُوتِلُوا وَقُتِلُوا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ وَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ إلَى آخِرِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ.

(وَإِنَّمَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ) عِنْدَ رِضَاهُمْ بِدَفْعِهَا

ص: 396

مِنَّا فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إلَّا أَنْ يَرْتَحِلُوا إلَى بِلَادِنَا، وَإِلَّا قُوتِلُوا.

وَالْفِرَارُ مِنْ الْعَدُوِّ مِنْ الْكَبَائِرِ إذَا كَانُوا مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَلَّ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.

وَيُقَاتَلُ الْعَدُوُّ مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ الْوُلَاةِ.

وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ مَنْ أُسِرَ

ــ

[الفواكه الدواني]

(إذَا كَانُوا) فِي مَحَلٍّ قَرِيبٍ (بِحَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا) وَتَمْضِي عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ يَدْفَعُونَ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ، وَهُمْ صَاغِرُونَ. (فَأَمَّا إنْ بَعُدُوا مِنَّا فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ) لِتَعَذُّرِ أَخْذِهَا مِنْهُمْ (إلَّا أَنْ يَرْتَحِلُوا إلَى بِلَادِنَا، وَإِلَّا قُوتِلُوا) ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ الرِّضَا بِالْجِزْيَةِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَا لَزِمَ الْكَافِرَ مِنْ مَالٍ لِأَمْنِهِ بِاسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَصَوْنِهِ، وَأَمَّا الصُّلْحِيَّةُ، وَهِيَ مَا الْتَزَمَ الْكَافِرَ الَّذِي مَنَعَ نَفْسَهُ أَدَاءَهُ عَلَى إبْقَائِهِ بِبَلَدِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ بِحَيْثُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ فَتُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَلَوْ بَعُدَتْ أَمَاكِنُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ صَالَحُونَا عَلَى الْبَقَاءِ فِيهَا.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: فُهِمَ مِنْ جَوَازِ أَخْذٍ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ بِشَرْطِهِ جَوَازُ الْمُهَادَنَةِ، وَيُقَالُ لَهَا الْمُسَالَمَةُ وَالْمُتَارَكَةُ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً بِالْأَوْلَى، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَقْدُهَا مِنْ الْإِمَامِ، وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ عَجْزٌ عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَأَنْ يُخْلُوا عَقْدَهَا عَنْ ارْتِكَابِ أَمْرٍ مُحَرَّمٍ، كَشَرْطِهِمْ بَقَاءَ أَسِيرٍ مُسْلِمٍ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، أَوْ قَرْيَةً لِلْمُسْلِمِينَ تَبْقَى تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، إلَّا أَنْ يَعْظُمَ الْخَوْفُ مِنْهُمْ فَيَجُوزُ.

الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْبَقَاءُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ يُهَاجِرُ مِنْهَا إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ؟ وَبَيَّنَهُ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَسْلَمَ قَوْمٌ كُفَّارٌ فَإِنْ كَانُوا حَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الِارْتِحَالُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَحِلُوا مِنْهُ يَكُونُوا عَاصِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِسْلَامُهُمْ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ إنَّمَا كَانَتْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحِ:«لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» ، وَكَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَا يَتِمُّ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ حَتَّى يَرْتَحِلَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ قَالَ:«لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ.»

وَلَمَّا كَانَ لِلْجِهَادِ فَرَائِضُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا، وَهِيَ طَاعَةُ الْإِمَامِ وَتَرْكُ الْغُلُولِ، وَالْوَفَاءُ بِالْأَمَانِ، وَالثَّبَاتُ عِنْدَ الزَّحْفِ، وَأَنْ لَا يَفِرَّ أَحَدٌ مِنْ اثْنَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ:(وَالْفِرَارُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ الْهُرُوبُ (مِنْ الْعَدُوِّ) أَيْ الْكَافِرِ مَعْدُودٌ (مِنْ الْكَبَائِرِ) ؛ لِأَنَّ الذُّنُوبَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ قِسْمَانِ، وَالْفِرَارُ مِنْ الْمُوبِقَاتِ السَّبْعِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«اجْتَنِبُوا الْمُوبِقَاتِ السَّبْعَ» أَيْ الْمُهْلِكَاتِ وَشَرْطُ كَوْنِهِ مِنْ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ. (إذَا كَانُوا) أَيْ الْكُفَّارُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُمْ بِالْعَدُوِّ (مِثْلَ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَلَّ) قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْحَرَامِ: وَفِرَارٌ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66]، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِآيَةِ:{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ الْأَمْرِ يَحْرُمُ الْفِرَارُ مِنْ الْكُفَّارِ مُطْلَقًا، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ:{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: 65] الْآيَةَ. ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] الْآيَةَ.

فَتَكَرَّرَ فِيهِ النَّسْخُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُرَاعَى الْعَدَدُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَضْعَفَ قُوَّةً مِنْ الْكُفَّارِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَظَاهِرِ الْآيَةِ، لَكِنْ يَنْبَغِي التَّقْيِيدُ بِمَا إذَا كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ سِلَاحٌ، وَكَانَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَبِأَنْ لَا يَتَّصِلَ مَدَدُ الْكُفَّارِ مَعَ انْقِطَاعِ مَدَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِأَنْ لَا تَخْتَلِفَ كَلِمَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذَا جَازَ الْفِرَارُ. ثُمَّ بَيَّنَ مَفْهُومَ قَوْلِهِ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ:(فَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْكُفَّارُ (أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) بِأَنْ زَادُوا عَلَى مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ (فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ الْفِرَارُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَلَغَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُقَيَّدُ الْجَوَازُ بِأَنْ لَا يَبْلُغَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَإِلَّا حَرُمَ الْفِرَارُ مُطْلَقًا، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ خَلِيلٍ: وَفِرَارٌ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ، وَلَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا إلَّا تَحَرُّفًا وَتَحَيُّزًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَبْلُغُوا رَاجِعٌ إلَى مَفْهُومِ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْعَارِفِ بِكَلَامِ خَلِيلٍ وَغَيْرِهِ، وَحُرْمَةُ الْفِرَارِ عِنْدَ بُلُوغِهِمْ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مُقَيَّدَةٌ أَيْضًا بِالْقُيُودِ السَّابِقَةِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: قَدْ ذَكَرْنَا لَك أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بُلُوغِ الْمُسْلِمِينَ نِصْفَ الْكُفَّارِ أَوْ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا الْعَدَدُ لَا الْقُوَّةُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْجُمْهُورِ، وَيَكْفِي بُلُوغُهُمْ هَذَا الْعَدَدَ، وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ أَوْ الْوَهْمِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ وَهَنِ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ حُرْمَةُ الْفِرَارِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ عَدَدٍ.

الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَوْنُ الْجَمِيعِ مِمَّنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِمْ شُرُوطُ الْجِهَادِ، بَلْ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ عَبِيدٌ أَوْ صِبْيَانٌ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ قُدْرَةٌ عَلَى الْجِهَادِ.

قَالَ جَمِيعَهُ الْأُجْهُورِيُّ.

الثَّالِثُ: قَالَ الْأُجْهُورِيُّ أَيْضًا: وَهَذَا التَّفْصِيلُ جَارٍ فِي الْجِهَادِ، وَلَوْ كَانَ مَنْدُوبًا، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا سُدَّتْ

ص: 397

مِنْ الْأَعْلَاجِ.

وَلَا يُقْتَلُ أَحَدٌ بَعْدَ أَمَانٍ وَلَا يُخْفَرُ لَهُمْ بِعَهْدٍ وَلَا يُقْتَلُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَيُجْتَنَبُ قَتْلُ الرُّهْبَانِ وَالْأَحْبَارِ إلَّا أَنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

ثُغُورُ الْمُسْلِمِينَ وَحُمِيَتْ أَطْرَافُهُمْ.

قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: إذَا حُمِيَتْ أَطْرَافُ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَسُدَّتْ ثُغُورُهُمْ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنْ سَائِرِهِمْ، نَقَلَهُ الثُّنَائِيُّ، وَلَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ الْوُجُوبُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

الرَّابِعُ: حُكْمُ الْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ أَنَّهُ فِي حَالِ عَدَمِ جَوَازِهِ كَبِيرَةٌ تَجِبُ مِنْهُ التَّوْبَةُ فَوْرًا كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ، وَتَوْبَتُهُ كَغَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ إلَّا بِتَكَرُّرِ جِهَادٍ مَعَ عَدَمِ فِرَارٍ، وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِقَوْلِهِ غَيْرَ مَنْقُولٍ، وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِكَلَامِ غَيْرِهِ لِحَمْلِ قَوْلِهِ: لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ عَلَى مَعْنَى لَا تَظْهَرُ بِحَيْثُ تُعْلَمُ تَوْبَتُهُ إلَّا بِتَكَرُّرِ جِهَادٍ مَعَ ثَبَاتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ابْنِ عَرَفَةَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ التَّقَوُّلُ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.

الْخَامِسُ: إذَا وَقَعَ الْفِرَارُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ تَعَلَّقَ الْإِثْمُ بِالْجَمِيعِ إذَا وَقَعَ مِنْ جَمِيعِهِمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِلَّا اخْتَصَّتْ الْحُرْمَةُ بِمَنْ فَرَّ مَعَ بَقَاءِ الْعَدُوِّ الَّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ الْفِرَارُ لَا مَنْ فَرَّ بَعْدَ النَّقْصِ عَنْهُ.

ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهَا أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ بَيَانِ حُكْمِهِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجِبُ أَنْ (يُقَاتَلَ الْعَدُوُّ مَعَ كُلِّ) إمَامٍ (بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ الْوُلَاةِ) قَالَ خَلِيلٌ: الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَلَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ، وَالْبَارُّ هُوَ الْعَادِلُ وَالْفَاجِرُ هُوَ الْجَائِرُ الَّذِي لَا يَضَعُ الْخُمُسَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا يَفِي بِعَهْدٍ؛ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، إعَانَتِهِمْ عَلَى جَوْرِهِمْ وَتَرْكِ الْغَزْوِ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ وَهْنًا لِلدِّينِ، وَالْوُلَاةُ جَمْعُ وَالٍ وَالْمُرَادُ بِهِ أَمِيرُ الْجَيْشِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْجِهَادِ مَعَ الْجَائِرِ خَبَرُ:«الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إلَى آخِرِ عِصَابَةٍ تُقَاتِلُ الدَّجَّالَ لَا يَنْقُضُهُ جَوْرُ مَنْ جَارَ وَلَا غَدْرُ مَنْ غَدَرَ» وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم حِينَ أَدْرَكُوا مَا حَدَثَ مِنْ الظُّلْمِ: اُغْزُ مَعَهُمْ عَلَى حَظِّك مِنْ الْآخِرَةِ، وَلَا تَفْعَلْ مَا يَفْعَلُونَ مِنْ فَسَادٍ وَخِيَانَةٍ وَغُلُولٍ.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ تَفْسِيرِنَا لِلْجَائِرِ شُمُولُهُ لِمَنْ كَانَ جَوْرُهُ بِالْغَدْرِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، خِلَافًا لِمَا عَلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقَاتِلُ مَعَ الْإِمَامِ الْغَادِرِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ وَاَلَّذِي لَا يَعْدِلُ فِي الْخُمُسِ، وَدَلِيلُ الْمَشْهُورِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجِهَادِ الْوَاجِبِ، وَلَوْ كِفَايَةً، وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَدْبِهِ بَعْدَ حِمَايَةِ أَطْرَافِ الْبِلَادِ وَسَدِّ الثُّغُورِ فَلَا وَجْهَ لِلْقِتَالِ مَعَ الْجَائِرِ.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ، وَمَنْ مَعَهُ قِتَالُ مَنْ أَبَى الْإِسْلَامَ وَالْجِزْيَةَ، وَكَانَ مِنْ الْكُفَّارِ مَنْ يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَمَنْ لَا يَجُوزُ، شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:(وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ مَنْ أُسِرَ) أَيْ أُخِذَ وَصَارَ فِي أَيْدِينَا (مِنْ الْأَعْلَاجِ) جَمْعُ عِلْجٍ، وَهُوَ الرَّجُلُ الْأَعْجَمِيُّ الْكَافِرُ، وَمَحَلُّ جَوَازِ قَتْلِهِ إذَا كَانَ فِي قَتْلِهِ مَصْلَحَةٌ.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِنْ أَسَرُوا عَجَمًا أَوْ عَرَبًا فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ وَالْمُفَادَاةِ وَالْمَنِّ بِنَظَرِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ قَبْلَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، فَيَنْظُرُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَنْظُرُ لِلْهَوَى، فَإِنْ كَانَ الْأَسِيرُ مِنْ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالْفُرُوسِيَّةِ وَالنِّكَايَةِ لِلْمُسْلِمِينَ قَتَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَأُمِنَتْ غَائِلَتُهُ، وَلَهُ قِيمَةٌ اُسْتُرِقَّ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَبِلَ فِيهِ الْفِدَاءَ إنْ بَذَلَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ، وَلَا فِيهِ قُدْرَةٌ عَلَى أَدَاءِ جِزْيَةٍ كَالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي أَعْتَقَهُ حَيْثُ لَا رَأْيَ، وَلَا تَدْبِيرَ، وَاَلَّذِي يُقْتَلُ يُحْسَبُ مِنْ الْغَنِيمَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِمِلْكِهَا بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ، وَاَلَّذِي يُمَنُّ عَلَيْهِ وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يُحْسَبُ مِنْ الْخُمُسِ، وَكَذَا مَا فُدِيَ، وَكَانَ فِدَاؤُهُ بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِي كَانُوا عِنْدَهُمْ.

قَالَ الْحَطَّابُ: وَمَنْ يُمَنُّ عَلَيْهِ أَوْ يُفْدَى أَوْ تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْخُمُسِ بِنَاءً عَلَى مِلْكِ الْغَنِيمَةِ بِمُجَرَّدِ أَخْذِهَا، وَالْقَتْلُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالِاسْتِرْقَاقُ رَاجِعٌ إلَى جُمْلَةِ الْغَانِمِينَ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الَّذِي يُمَنُّ عَلَيْهِ أَوْ يُفْدَى أَوْ تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ تُجْعَلُ قِيمَتُهُ فِيمَا يُخَمَّسُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَلَكِنَّهَا تُحْسَبُ مِنْ الْخُمُسِ الَّذِي لِآلِهِ عليه الصلاة والسلام ثُمَّ لِلْمَصَالِحِ، وَخَالَفَ ابْنُ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: الَّذِي يُمَنُّ عَلَيْهِ، وَمَنْ تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لَا تُجْعَلُ قِيمَتُهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ الْخُمُسِ، وَأَمَّا الْفِدَاءُ الْمَأْخُوذُ فَيُجْعَلُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَالنَّظَرُ بَيْنَ الْوُجُوهِ الْخَمْسَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَسْرَى الْمُقَاتِلَةِ. وَأَمَّا الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ فَلَيْسَ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ أَوْ الْمُفَادَاةُ، وَلَا فَرْقَ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ بَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُقْتَلَ أَحَدٌ) مِنْ الْكُفَّارِ (بَعْدَ أَمَانٍ) مِنْ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ بَعْدَ الْأَمَانِ خِيَانَةٌ، وَقَالَ - تَعَالَى -:{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «يُنْصَبُ لِلْغَادِرِ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ» .

(وَ) كَذَا (لَا يُخْفَرُ) أَيْ لَا يُتْرَكُ (لَهُمْ) أَيْ الْعَدُوِّ الْوَفَاءُ (بِعَهْدٍ) وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَدُوَّ إذَا أُعْطُوا أَسِيرًا عَهْدًا عَلَى أَنْ لَا يَخُونَ، وَلَا يَهْرَبَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ عَهْدِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَحَرُمَ خِيَانَةُ أَسِيرٍ اُؤْتُمِنَ طَائِعًا، وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْهُرُوبُ، وَلَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ، وَسَوَاءٌ حَلَفَ لَهُمْ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُؤْتَمَنْ فَلَهُ الْخِيَانَةُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ أُمِنَ مُكْرَهًا سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاهَدَةِ بِأَنْ أَعْطَاهُمْ عَهْدًا كَقَوْلِهِ لَهُمْ: لَكُمْ عَلَيَّ عَهْدٌ أَنْ لَا أَخُونَ أَوْ لَا أَهْرُبَ، أَوْ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاهَدَةِ بِأَنْ قَالُوا لَهُ: أَمَّنَّاك

ص: 398

يُقَاتِلُوا، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُقْتَلُ إذَا قَاتَلَتْ.

وَيَجُوزُ أَمَانُ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ إذَا عَقَلَ الْأَمَانَ

ــ

[الفواكه الدواني]

عَلَى كَذَا.

(تَنْبِيهٌ) يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ اقْتَرَضَ الْأَسِيرُ مِنْ بَعْضِ الْحَرْبِيِّينَ مَالًا مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ لَهُ عَلَى الِاقْتِرَاضِ لِيَدْفَعَهُ فِي خَلَاصِ نَفْسِهِ فَيُقْرِضُهُ الْحَرْبِيُّ عَلَى شَرْطِ الْإِتْيَانِ بِضَامِنٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ فَيَفْعَلُ، فَهَلْ لِلضَّامِنِ الطَّلَبُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ بِمَا ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَرِضَ ائْتَمَنَهُ عَلَى مَا أَقْرَضَهُ لَهُ طَائِعًا أَمْ لَا؟ اسْتَظْهَرَ الْأُجْهُورِيُّ أَنَّ لَهُ الطَّلَبَ عَلَى الْمُقْتَرِضِ، وَأَفْتَى بَعْضُ الشُّيُوخِ بِأَنَّ الْمُقْتَرِضَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا اقْتَرَضَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ، وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَى فَتْوَى بَعْضِ الشُّيُوخِ لَيْسَ لِلضَّامِنِ طَلَبٌ عَلَى الْمُقْتَرِضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْأَسِيرَ إذَا أَطْلَقَهُ الْعَدُوُّ عَلَى أَنْ يَأْتِيَهُ بِفِدَائِهِ فَلَهُ بَعْثُ الْمَالِ دُونَ رُجُوعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِدَاءً فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ، وَأَمَّا لَوْ عُوهِدَ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ بِالْمَالِ فَعَجَزَ عَنْهُ فَلْيَجْتَهِدْ فِيهِ أَبَدًا، وَلَا يَرْجِعْ، وَقَالَ أَصْبَغُ: وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ يَجُوزُ قِتَالُهُ وَقَتْلُهُ، وَكَانَ الشَّارِعُ اسْتَثْنَى أَفْرَادًا لَا يَجُوزُ قَتْلُهَا أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ:(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (تُقْتَلَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ) اللَّذَانِ لَمْ يُقَاتِلَا؛ لِأَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ» ، وَكَذَا لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمَا جِزْيَةٌ، وَيُخَيَّرُ فِيهِمَا الْإِمَامُ بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْفِدَاءِ، وَسَيَأْتِي مُحْتَرِزُ قَوْلِنَا اللَّذَانِ لَمْ يُقَاتِلَا.

(وَ) كَذَا يَجِبُ أَنْ (يُجْتَنَبَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (قَتْلُ الرُّهْبَانِ) بِالْأَدْيِرَةِ أَوْ الصَّوَامِعِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَأْيٌ، وَلَا تَدْبِيرٌ، بِخِلَافِ رُهْبَانِ الْكَنَائِسِ قَتْلُهُمْ فِي الْحَرْبِ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ لِمُخَالَطَتِهِمْ أَهْلِ دِينِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَأْيٌ، وَلَا تَدْبِيرٌ، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْتَلْ الرُّهْبَانُ الْمَذْكُورَةُ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَهُمْ بِالْأَدْيِرَةِ وَالصَّوَامِعِ أَلْحَقَهُمْ بِالنِّسَاءِ، أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُمْ رَأْيٌ أَوْ تَدْبِيرٌ لَجَازَ قَتْلُهُمْ.

(وَ) كَذَا يَجِبُ أَنْ يُجْتَنَبَ قَتْلُ (الْأَحْبَارِ) جَمْعُ حِبْرٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ، وَهُمْ عُلَمَاءُ الْكُفَّارِ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْأُجَرَاءُ جَمْعُ أَجِيرٍ أَيْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ، فَفِي الشَّيْخِ زَرُّوقٍ الْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ قَتْلِ الْفَلَّاحِ وَالْأَجِيرِ وَالصَّانِعِ إذَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَقَدَرَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ، وَعِنْدَ سَحْنُونٍ يُقْتَلُونَ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ إذْ لَمْ يَسْتَثْنِهِمْ مِمَّنْ يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَيَدُلُّهُ عَلَى جَوَازِ قَتْلِهِمْ أَيْضًا مَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ:(وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْأَجِيرِ وَيُقْتَلُ هُوَ وَغَيْرُهُ) وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَأَكْثَرُ النُّسَخِ إسْقَاطُ قَوْلِهِ وَقَدْ قَالَ إلَخْ، وَمَحَلُّ عَدَمِ جَوَازِ قَتْلِ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الرُّهْبَانِ وَالْأَحْبَارِ وَالْأُجَرَاءِ وَالصُّنَّاعِ. (إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) ، وَإِلَّا جَازَ قَتْلُهُمْ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَقْتُلُوا أَحَدًا. (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ) يَجُوزُ أَنْ (تُقْتَلَ إذَا قَاتَلَتْ) عَلَى تَفْصِيلٍ مُحَصَّلُهُ: إنْ قَتَلَتْ أَحَدًا قُتِلَتْ، وَإِنْ بَعْدَ أَسْرِهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَقْتُلْ أَحَدًا فَإِنْ قَاتَلَتْ بِالسِّلَاحِ وَنَحْوِهِ كَالرِّجَالِ قُتِلَتْ أَيْضًا، وَلَوْ بَعْدَ الْأَسْرِ، وَإِنْ قَاتَلَتْ بِالْحِجَارَةِ لَمْ تُقْتَلْ، وَإِنْ أُخِذَتْ فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الصَّبِيِّ، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى مَا يَحِلُّ قَتْلُهُ مِمَّنْ ذُكِرَ بِقَوْلِهِ: إلَّا الْمَرْأَةَ إلَّا فِي مُقَاتَلَتِهَا، وَالصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ كَشَيْخٍ فَانٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَرَاهِبٍ مُنْعَزِلٍ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ بِلَا رَأْيٍ، وَتَرَكَ لَهُمْ الْكِفَايَةَ فَقَطْ وَاسْتَغْفَرَ قَاتِلَهُمْ كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ أَيْ فَلَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ إلَّا التَّوْبَةُ، وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ سِوَى الرَّاهِبِ وَالرَّاهِبَةِ بَعْدَ حَوْزِهِ فِي أَيْدِي الْغَانِمِينَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ يَجْعَلُهَا الْإِمَامُ فِي الْغَنِيمَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ خُيِّرُوا فَقِيمَتُهُمْ، وَقَاتِلُ الرَّاهِبِ وَالرَّاهِبَةِ يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ لِأَهْلِ دِينِهِمَا.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ مِنْ نَحْوِ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ وَشَيْخٍ فَانٍ أَوْ زَمِنٍ أَوْ أَعْمَى يَجُوزُ أَسْرُهُ وَيَرَى الْإِمَامُ فِيهِ رَأْيَهُ إلَّا الرَّاهِبَ وَالرَّاهِبَةَ فَإِنَّهُمَا حُرَّانِ لَا يُسْتَرَقَّانِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُؤْسَرَانِ.

الثَّانِي: مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ الرَّاهِبِ، وَمَنْ مَعَهُ مِمَّنْ ذُكِرَ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ قُوتُهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مُوَاسَاتُهُ بِمَا يَعِيشُ بِهِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ خَلِيلٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ أَحَدًا قَبْلَ الْحَوْزِ إلَّا التَّوْبَةُ وَبَعْدَهُ يَلْزَمُهُ غُرْمُ الْقِيمَةِ إلَّا الرَّاهِبَ وَالرَّاهِبَةَ فَيَلْزَمُهُ دِيَتُهُمَا تُدْفَعُ لِأَهْلِ دِينِهِمَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْأَمَانِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: رَفْعُ اسْتِبَاحَةِ دَمِ الْحَرْبِيِّ وَرِقِّهِ، وَمَالِهِ حِينَ قِتَالِهِ مَعَ الْعَزْمِ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ مُدَّةً مَا بِقَوْلِهِ:(وَيَجُوزُ أَمَانٌ) أَيْ تَأْمِينُ (أَدْنَى) وَأَدْلَى أَشْرَفُ (الْمُسْلِمِينَ) بَعْضَ الْكُفَّارِ حَيْثُ كَانَ عَدْلًا عَارِفًا بِمَصْلَحَةِ الْأَمَانِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَدْلَ شَهَادَةٍ بِأَنْ يَكُونَ خَسِيسًا لَا يُسْأَلُ عَنْهُ إنْ غَابَ، وَلَا يُشَاوَرُ إنْ حَضَرَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِأَدْنَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ خَارِجًا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ، وَفَائِدَةُ جَوَازِ الْأَمَانِ مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ الْأَمَانِ حَتَّى (عَلَى يَقِينِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ الْحَرْبِيِّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» فَأَمَانُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ بَعْضُ الْكُفَّارِ كَمَا قَدَّمْنَا.

(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا جَعَلْنَا مَفْعُولَ الْمَصْدَرِ لَفْظَ بَعْضٍ الَّذِي هُوَ الْعَدَدُ الْمَحْصُورُ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ غَيْرَ الْمَحْصُورِ كَالْإِقْلِيمِ إنَّمَا يَقَعُ تَأْمِينُهُ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ أَمَّنَّهُ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ النَّظَرُ فِيهِ، كَمَا يَنْظُرُ فِي التَّأْمِينِ الْوَاقِعِ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ أَوْ الْجَاهِلِ فَإِنْ رَآهُ صَوَابًا أَمْضَاهُ، وَإِلَّا رَدَّهُ.

وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ أَمَانَ الذِّمِّيِّ لِبَعْضِ الْحَرْبِيِّينَ لَا يَجُوزُ.

(وَ) كَمَا يَجُوزُ أَمَانُ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الرِّجَالِ (كَذَلِكَ) يَجُوزُ أَمَانُ (الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ) الْمُسْلِمَيْنِ (إذَا

ص: 399

وَقِيلَ إنْ أَجَازَ ذَلِكَ الْإِمَامُ جَازَ.

وَمَا غَنَمَ الْمُسْلِمُونَ بِإِيجَافٍ فَلْيَأْخُذْ الْإِمَامُ خُمُسَهُ وَيَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ بَيْنَ أَهْلِ الْجَيْشِ.

وَقَسْمُ ذَلِكَ بِبَلَدِ الْحَرْبِ أَوْلَى.

، وَإِنَّمَا يُخَمَّسُ وَيُقْسَمُ مَا أُوجِفَ عَلَيْهِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَمَا غُنِمَ بِقِتَالٍ.

وَلَا بَأْسَ أَنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

عَقَلَ) كُلٌّ مَصْلَحَةَ (الْأَمَانِ) وَالْمُرَادُ بِعَقْلِهِ الْأَمَانَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنْ يَعْلَمَ ثُبُوتَهُ إنْ وَقَعَ، وَأَنَّ فَاعِلَهُ يُثَابُ عَلَيْهِ إنْ وَفَّى بِهِ، وَإِنْ نَقَضَهُ يَأْثَمُ، وَقَوْلُنَا: كُلٌّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَيْدَ الْعَقْلِ بِمَصْلَحَةِ الْأَمَانِ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّبِيِّ، وَمَا صَدَرَ بِهِ مِنْ جَوَازِ أَمَانِ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ مَعَ عَقْلِهِمَا مَصْلَحَةَ الْأَمَانِ هُوَ الْأَكْثَرُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْإِمَامِ، وَأَشَارَ إلَى مُقَابِلِهِ بِقَوْلِهِ:(قِيلَ) لَا يَجُوزُ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ إذْنٍ بَلْ (إنْ أَجَازَ ذَلِكَ الْإِمَامُ جَازَ) أَيْ مَضَى، وَإِلَّا رُدَّ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْأَمَانَ إنْ وَقَعَ مِنْ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَارِفِ بِمَصْلَحَةِ الْأَمَانِ الْغَيْرِ الْخَائِفِ مِمَّنْ أَمَّنَّهُ يَكُونُ جَائِزًا مَاضِيًا اتِّفَاقًا، وَلَوْ وَقَعَ مِنْ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ خَارِجًا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ حِينَ تَأْمِينِهِ حَيْثُ أَمَّنَ دُونَ الْإِقْلِيمِ، وَأَمَّا لَوْ أَمَّنَ الْبَالِغُ إقْلِيمًا لَنَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ. وَأَمَّا إنْ وَقَعَ الْأَمَانُ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ عَاقِلِي مَصْلَحَةِ الْأَمَانِ فَقِيلَ: يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَيَمْضِي وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ: يَتَوَقَّفُ إمْضَاؤُهُ عَلَى إجَازَةِ الْإِمَامِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: إنَّمَا قُلْنَا الْمُسْلِمُ الْغَيْرُ الْخَائِفُ؛ لِأَنَّ أَمَانَ الذِّمِّيِّ، وَمِثْلُهُ الْمُسْلِمُ الْخَائِفُ لَا يَمْضِي، وَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الذِّمِّيِّ تُحْمَلُ عَلَى عَدَمِ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ، وَأَمْرُ الْخَائِفِ ظَاهِرٌ.

الثَّانِي: ثَمَرَةُ الْأَمَانِ الْعَائِدَةُ عَلَى الْمُؤَمَّنِ حُرْمَةُ قَتْلِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ وَعَدَمِ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ إنْ وَقَعَ الْأَمَانُ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِهِ الْقَتْلُ فَقَطْ وَيَرَى الْإِمَامُ رَأْيَهُ فِي غَيْرِهِ.

الثَّالِثُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ صِيغَةَ التَّأْمِينِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يَقَعُ بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ الْإِشَارَةِ مِنْ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ، وَأَحْرَى الْكِتَابَةُ، وَلَوْ لَمْ يَفْهَمْ الْمُؤَمَّنُ مِنْهُ الْأَمَانَ.

الرَّابِعُ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَأْمِينِ الْإِمَامِ لِوُضُوحِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَمِّنُ حَتَّى الْقَبِيلَةَ وَالْإِقْلِيمَ، وَيَصِيرُ مَنْ أَمَّنَهُ الْإِمَامُ فِي أَمَانٍ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ.

قَالَ خَلِيلٌ: بِالْعَطْفِ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ وَبِأَمَانِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا.

قَالَ شُرَّاحُهُ: وَمِثْلُ الْإِمَامِ أَمِيرُ الْجَيْشِ، وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ كَانَ فِي بَلَدِ السُّلْطَانِ الَّذِي أَمَّنَهُ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَمَالُهُ وَدَمُهُ مَعْصُومَانِ كَانَ تَأْمِينُهُ قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ رَدُّ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَا فِيهِ ضَرَرٌ فِي الْحَالِ، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَهِيَ إمَّا فَيْءٌ، وَإِمَّا غَنِيمَةٌ، وَإِمَّا مُخْتَصٌّ، فَالْغَنِيمَةُ مَا أُخِذَ بِالْقِتَالِ، وَلِذَلِكَ تُخَمَّسُ، وَالْفَيْءُ مَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ بِأَنْ انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ، وَهَذَا لَا يُخَمَّسُ بَلْ يُوضَعُ جَمِيعُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَالْمُخْتَصُّ كَالْمَالِ الَّذِي يَهْرَبُ بِهِ الْأَسِيرُ أَوْ التَّاجِرُ أَوْ الْمُتَلَصِّصُ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْمُسْتَنِدُ لِلْجَيْشِ كَهُوَ، وَإِلَّا فَلَهُ كَمُتَلَصِّصٍ: وَخُمِّسَ مُسْلِمٌ، وَلَوْ عَبْدًا عَلَى الْأَصَحِّ لَا ذِمِّيٌّ، وَابْتَدَأَ بِالْغَنِيمَةِ فَقَالَ:(وَمَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ) مِنْ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ فَإِنْ كَانَ (بِإِيجَافٍ) أَيْ تَحْرِيكٍ وَتَعَبٍ فِي السَّيْرِ لِلْقِتَالِ (فَلْيَأْخُذْ الْإِمَامُ خُمُسَهُ) أَيْ جُزْءًا مِنْ خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ قَالَ - تَعَالَى -: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَيَأْخُذُهُ الْإِمَامُ بِالْقُرْعَةِ كَمَا يَأْخُذُ خُمُسَ نُدْرَةِ الْمَعْدِنِ، وَكَمَا يَأْخُذُ جَمِيعَ الْفَيْءِ وَالْجِزْيَةِ بِقِسْمَيْهَا وَعُشُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَخَرَاجِ الْأَرْضِ، وَيَضَعُ كُلَّ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ يَصْرِفُهُ بِاجْتِهَادِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ مِنْهُ بِالدَّفْعِ لِآلِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ، ثُمَّ بَعْدَ الدَّفْعِ لَهُمْ يَصْرِفُ عَلَى مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِعُمُومِ النَّاسِ كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْغَزْوِ، وَعِمَارَةِ الثُّغُورِ، وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ، وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَعَقْلِ الْجِرَاحِ، وَتَزْوِيجِ الْأَعْزَبِ.

قَالَ اللَّخْمِيُّ: يَبْدَأُ مِنْهُ بِسَدِّ مَخَاوِفِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي جُبِيَ مِنْهُ الْمَالُ، وَإِصْلَاحِ حُصُونِ سَوَاحِلِهِ، وَيَشْتَرِي مِنْهُ السِّلَاحَ وَالْكُرَاعَ إذَا كَانَتْ لَهُمْ حَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَغُزَاةِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي جُبِيَ مِنْهُ الْمَالُ وَعَامِلِيهِ وَفُقَهَائِهِ وَقُضَاتِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أُعْطِيَ لِلْفُقَرَاءِ، فَإِنْ وَقَفَ شَيْءٌ وَقَفَ عُشْرَهُ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَقَعَ خِلَافٌ هَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ الْخُمُسِ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ أَوْ لَا؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَيْسَ لَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَبْدَأُ بِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَلَوْ أَتَى عَلَى جَمِيعِهِ.

(وَ) يَجِبُ أَنْ (يَقْسِمَ) الْإِمَامُ بَاقِيَ مَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ (أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ أَهْلِ الْجَيْشِ) أَيْ الْمُجَاهِدِينَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَقَسَمَ الْأَرْبَعَةَ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ حَاضِرٍ لِلْمُنَاشَبَةِ كَتَاجِرٍ وَأَجِيرٍ إنْ قَاتَلَا أَوْ خَرَجَا بِنِيَّةِ غَزْوٍ أَيْ وَحَضَرَ الْقِتَالَ لَا ضِدَّهُمْ، فَلَا يُسْهَمُ لِعَبْدٍ، وَلَوْ قَاتَلَ، وَلَا لِغَيْرِ عَاقِلٍ إلَّا الصَّبِيَّ فَفِيهِ إنْ أُجِيزَ وَقَاتَلَ خِلَافٌ، وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي الْمَقْسُومِ فَقِيلَ الْأَثْمَانُ وَقِيلَ الْأَعْيَانُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَهَلْ يَبِيعُ لِيَقْسِمَ قَوْلَانِ، وَعَلَى قَسْمِ الْأَعْيَانِ يُفْرِدُ كُلَّ صِنْفٍ فَيَقْسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ إنْ أَمْكَنَ شَرْعًا وَحِسًّا، فَالْإِمْكَانُ الشَّرْعِيُّ بِأَلَّا يُفَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، وَالْإِمْكَانُ الْحِسِّيُّ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ صِنْفٍ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، وَإِلَّا ضُمَّ إلَى غَيْرِهِ، كَمَا تُبَاعُ الْأُمُّ مَعَ وَلَدِهَا إلَى مَالِكٍ وَاحِدٍ، وَيَقْسِمُ ثَمَنَهَا وَعِنْدَ الْقِسْمَةِ تُضْرَبُ الْقُرْعَةُ

ص: 400

يُؤْكَلَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ الطَّعَامُ وَالْعَلَفُ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ.

وَإِنَّمَا يُسْهَمُ لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ أَوْ تَخَلَّفَ عَنْ الْقِتَالِ فِي شُغْلِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْرِ جِهَادِهِمْ وَيُسْهَمُ لِلْمَرِيضِ وَلِلْفَرَسِ الرَّهِيصِ.

وَيُسْهَمُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَسَهْمٌ لِرَاكِبِهِ.

وَلَا يُسْهَمُ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَيَكْتُبُ عَلَى سَهْمِ الْخُمُسِ: هَذَا لِلَّهِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمَقْسُومِ هَلْ الْأَثْمَانُ أَوْ الْأَعْيَانُ جَارٍ حَتَّى فِي الْخُمُسِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ شُرَّاحُ خَلِيلٍ.

ثُمَّ بَيَّنَ الْمَحَلَّ الَّذِي يَطْلُبُ فِيهِ قَسْمَ الْغَنِيمَةِ بِقَوْلِهِ: (وَقَسْمٌ) بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ مُبْتَدَأٌ (ذَلِكَ) أَيْ مَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ بِالْقِتَالِ (بِبَلَدِ الْحَرْبِ أَوْلَى) خَبَرُ قَسْمٍ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأٌ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالشَّأْنُ الْقَسْمُ بِبَلَدِهِمْ، وَمَعْنَى أَوْلَى أَنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَقِيلَ سُنَّةٌ لِكَرَاهَةِ مَالِكٍ تَأْخِيرَهُ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا لِخَوْفٍ فَيُؤَخَّرُ، وَإِنَّمَا طُلِبَ الْقَسْمُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ لِفَوَائِدَ: مِنْهَا نِكَايَةُ الْعَدُوِّ، وَمِنْهَا تَطْيِيبُ قُلُوبِ الْمُجَاهِدِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهَا زِيَادَةُ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ تَمَيَّزَ نَصِيبُهُ يَشْتَدُّ حِرْصُهُ عَلَيْهِ.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ هَلْ يُشْتَرَطُ الْحَاكِمُ عِنْدَ الْقَسْمِ أَمْ لَا؟ وَقَدْ نَصَّ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، إذْ لَوْ فَوَّضَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ النَّاسِ لَدَخَلَ الطَّمَعُ وَأَحَبَّ كُلٌّ لِنَفْسِهِ مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ مَا يَطْلُبُهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ مُؤَدٍّ لِلْفِتَنِ كَمَا لَا يَخْفَى.

ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَفْسِيرِ مَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ بِإِيجَافٍ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا يُخَمَّسُ وَيُقْسَمُ) بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ (مَا أُوجِفَ) أَيْ حُمِلَ (عَلَيْهِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ) أَيْ الْإِبِلِ (وَمَا غُنِمَ بِقِتَالٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ هَذَا تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ أَوْ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِأَنْ انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ فَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى بِالْفَيْءِ يُوضَعُ جَمِيعُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَأَمَّا مَا يَهْرَبُ بِهِ الْأَسِيرُ أَوْ التَّاجِرُ أَوْ يَأْخُذُهُ الْمُتَلَصِّصُ فَيَخْتَصُّ بِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُخْتَصِّ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ حَائِزُهُ، وَلَا يُقْسَمُ، وَلَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَكِنَّ الْمُسْلِمَ يُخْرِجُ خُمُسَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

(تَنْبِيهٌ) يُسْتَثْنَى مِمَّا أُخِذَ بِسَبَبِ الْقِتَالِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْغَنِيمَةِ أَرْضُ الزِّرَاعَةِ الْمَفْتُوحُ بَلَدُهَا عَنْوَةً أَيْ بِالْقَهْرِ كَأَرْضِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ لِصَيْرُورَتِهَا وَقْفًا بِمُجَرَّدِ فَتْحِ بَلَدِهَا، وَلَا تَحْتَاجُ إلَى صِيغَةِ وَقْفٍ، وَلَا إلَى رِضَا الْجَيْشِ، وَهَذَا كَالتَّخْصِيصِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: بِحُبِسَتْ وَوُقِفَتْ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَوُقِفَتْ الْأَرْضُ كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَخُمِّسَ غَيْرُهَا إنْ أُوجِفَ عَلَيْهِ.

فَخَرَاجُهَا وَالْخُمُسُ وَالْجِزْيَةُ يُوضَعُ كُلٌّ مِنْهَا فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَبَقِيَّةِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَمِثْلُ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ فِي الْوَقْفِيَّةِ بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ دُورُ الْكُفَّارِ فَلَا يَجُوزُ قَسْمُهَا إلَّا أَنَّ الْأَرْضَ تُزْرَعُ وَيَجُوزُ كِرَاؤُهَا، بِخِلَافِ دُورِهِمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ لَهَا كِرَاءٌ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الدُّورِ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ، وَأَمَّا لَوْ تَهَدَّمَ بِنَاؤُهُمْ وَجُدِّدَ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا، وَحَيْثُ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُكْرَى دُورُ مَكَّةَ أَرَادَ مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ بَاقِيًا مِنْ بِنَائِهِمْ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي فَتْوَاهُ: وَقَيَّدْنَا بِأَرْضِ الزِّرَاعَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَوَاتِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَلَا يَصِيرُ وَقْفًا، بَلْ كُلُّ مَنْ أَحْيَا مِنْهُ شَيْئًا يَمْلِكُهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ مَا ثَبَتَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «أَنَّهُ غَنِمَ غَنَائِمَ كَثِيرَةً وَأَرَاضِيَ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ قَسَمَ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا خَيْبَرَ» ، وَأَيْضًا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ امْتَنَعُوا عَنْ قَسْمِهَا حِينَ سُئِلُوا فِي ذَلِكَ، فَلَوْ وَقَعَ أَنَّ الْإِمَامَ قَسَمَهَا لَا يَمْضِي قَسْمُهُ إلَّا أَنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى قَسْمَهَا.

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ اشْتِرَاكِ الْمُجَاهِدِينَ فِي الْغَنِيمَةِ عَدَمُ جَوَازِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا لِبَعْضِهِمْ قَبْلَ قَسْمِهَا، وَلَوْ مُحْتَاجًا قَالَ:(وَلَا بَأْسَ) أَيْ يَجُوزُ (أَنْ يُؤْكَلَ) وَيُعْلَفَ (مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ الطَّعَامُ وَالْعَلَفُ إنْ احْتَاجَ) مُرِيدُ الْأَكْلِ وَالْعَلَفِ (إلَى ذَلِكَ) قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَجَازَ أَخْذُ مُحْتَاجٍ نَعْلًا أَوْ حِزَامًا أَوْ إبْرَةً أَوْ طَعَامًا، وَإِنْ نَعَمًا عَلَفًا كَثَوْبٍ وَسِلَاحٍ وَدَابَّةٍ لِيَرُدَّ، وَرَدَّ الْفَضْلَ إنْ كَثُرَ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ الْمُحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ بَلْ، وَلَوْ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَمَفْهُومُ إنْ احْتَاجَ أَنَّ الْغَنِيَّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَمُطْلَقُ الْحَاجَةِ كَافٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الضَّرُورَةِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ يُسْهَمُ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا يُسْهَمُ لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ) مِنْ الذُّكُورِ وَالْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَقَسَمَ الْأَرْبَعَةَ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ حَاضِرٍ كَتَاجِرٍ وَأَجِيرٍ إنْ قَاتَلَا أَوْ خَرَجَا بِنِيَّةِ غَزْوٍ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: أَيْ وَحَضَرَ الْقِتَالَ فَلَا يُسْهَمُ لِمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْمُنَاشَبَةِ لِلْقِتَالِ. (أَوْ) لَمْ يَحْضُرْ الْقِتَالَ، وَلَكِنْ (تَخَلَّفَ عَنْ الْقِتَالِ فِي شُغْلِ الْمُسْلِمِينَ) الْكَائِنِ (مِنْ أَمْرِ جِهَادِهِمْ) كَكَشْفٍ عَنْ طَرِيقٍ أَوْ طَلَبِ جَمَاعَةٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ كَمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ.

قَالَ خَلِيلٌ مُشَبِّهًا فِي عَدَمِ الْإِسْهَامِ كَمَيِّتٍ قَبْلَ اللِّقَاءِ أَوْ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجَ وَأَشَلَّ، وَمُتَخَلِّفٍ لِحَاجَةٍ إنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْجَيْشِ وَضَالٍّ بِبَلَدِنَا، وَإِنْ بِرِيحٍ بِخِلَافِ بَلَدِهِمْ.

وَفِي الْأُجْهُورِيِّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: إنَّ مَنْ ضَلَّ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ عَنْ الطَّرِيقِ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ بِهِمْ إلَّا بَعْدَ حَوْزِ الْغَنِيمَةِ يُسْهَمُ لَهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ تَاهَ وَضَلَّ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا مَنْ رُدَّ لِبَلَدِنَا فَإِنْ كَانَ بِرِيحٍ أُسْهِمَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ رِيحٍ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أُسْهِمَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ.

(وَ) كَذَا (يُسْهَمُ لِلْمَرِيضِ) الَّذِي شَهِدَ الْقِتَالَ مَرِيضًا (وَ) كَذَا (الْفَرَسُ الرَّهِيصُ) يُسْهَمُ لَهُ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا يُسْهَمُ لَهُ: وَمَرِيضٌ شَهِدَ كَفَرَسٍ رَهِيصٍ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

ص: 401

لِعَبْدٍ وَلَا لِامْرَأَةٍ وَلَا لِصَبِيٍّ إلَّا أَنْ يُطِيقَ الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ الْقِتَالَ وَيُجِيزُهُ الْإِمَامُ وَيُقَاتِلَ فَيُسْهَمُ لَهُ وَلَا يُسْهَمُ لِلْأَجِيرِ

ــ

[الفواكه الدواني]

كَخَلِيلٍ أَنَّ الْمَرِيضَ شَهِدَ الْقِتَالَ مِنْ أَوَّلِهِ مَرِيضًا وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ إلَى أَنْ انْهَزَمَ الْعَدُوُّ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَلَعَلَّهُ الصَّوَابُ. لِأَنَّ حُضُورَهُ الْقِتَالَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ صَيَّرَهُ كَالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقِتَالُ بِالْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ الْحَطَّابُ حَمَلَ قَوْلَ خَلِيلٍ: وَمَرِيضٌ شَهِدَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ شَهِدَ أَوَّلَهُ صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ وَاسْتَمَرَّ مَرِيضًا إلَى تَمَامِ الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ الرَّهِيصِ، وَهُوَ الَّذِي بِبَاطِنِ حَافِرِهِ وَقْرَةٌ مِنْ ضَرْبَةِ حَجَرٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ بِصِفَةِ الصَّحِيحِ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الْمَرِيضُ الْقِتَالَ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ، وَإِلَّا أَسْهَمَ لَهُ، وَمِثْلُهُ الْمُقْعَدُ وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَجُ وَالْأَشَلُّ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُمْ حَيْثُ كَانُوا مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ، وَقَيَّدْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالْمَرِيضِ الَّذِي شَهِدَ الْقِتَالَ جَمِيعَهُ مَرِيضًا تَبَعًا لِخَلِيلٍ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي الْإِسْهَامِ لَوْ خَرَجَ الشَّخْصُ صَحِيحًا، وَمَرِضَ بَعْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَنِيمَةِ كَمَا قَالَ خَلِيلٌ أَيْضًا، وَأَمَّا لَوْ مَرِضَ وَانْقَطَعَ قَبْلَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَنِيمَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَنْ خَرَجَ صَحِيحًا، وَمَرِضَ قَبْلَ دُخُولِ أَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ بَعْدَ دُخُولِ أَرْضِ الْعَدُوِّ وَقَبْلَ ابْتِدَاءِ الْقِتَالِ، وَلَوْ بِيَسِيرٍ، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ مَرِيضًا وَاسْتَمَرَّ مَرِيضًا حَاضِرًا حَتَّى انْقَضَى الْقِتَالُ فَعَلَى كَلَامِ الْحَطَّابِ فِيهِ قَوْلَانِ، وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ شُرَّاحِهِ فَيُسْهَمُ لَهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَيَجْرِي فِي مَرَضِ الْفَرَسِ مَا يَجْرِي فِي مَرَضِ الْآدَمِيِّ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ جَمِيعَهُ، وَهُوَ مَرِيضٌ يُسْهَمُ لَهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ وَالْمُصَنِّفِ أَيْضًا، وَبَيَّنَ مَنْ فِيهِ الْقَوْلَانِ أَنَّ الْأَوَّلَ شَهِدَ الْقِتَالَ، وَاَلَّذِي فِيهِ الْقَوْلَانِ لَمْ يَشْهَدْ جَمِيعَهُ بَلْ انْقَطَعَ عَنْهُ فِي الْأَثْنَاءِ، وَبِهَذَا عَلِمْت مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْمَالِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُجَاهِدَ الَّذِي حَصَلَ لَهُ الْمَرَضُ إنْ اسْتَمَرَّ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ حَتَّى انْقَضَى الْقِتَالُ يُسْهَمُ لَهُ، وَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَنِيمَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ. (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ كَخَلِيلٍ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ مَرِيضًا ثُمَّ صَحَّ قَبْلَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَهَذَا يُسْهَمُ لَهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَلَعَلَّ عَدَمَ كَلَامِهِمَا عَلَيْهِ لِظُهُورِ أَمْرِهِ فَافْهَمْ رَاجِعْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ قَدْرِ سَهْمِ الْفَرَسِ بِقَوْلِهِ: (وَيُسْهَمُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَ) يُسْهَمُ (سَهْمٌ لِرَاكِبِهِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْفَرَسِ مِثْلَا فَارِسِهِ، وَإِنْ بِسَفِينَةٍ أَوْ بِرْذَوْنًا، وَهَجِينًا وَصَغِيرًا يَقْدِرُ بِهَا عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ لِعِظَمِ مُؤْنَتِهِ، وَإِمَّا لِقُوَّةِ الْمَنْفَعَةِ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ، وَلَوْ كَانَ الْفَرَسُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ أَشْهَبُ، حَيْثُ كَانَ أَمِيرُ الْجَيْشِ غَيْرَ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ فَلَا يُسْهَمُ لِفَرَسِهِ، كَمَا لَا يُسْهَمُ لَهُ فِي الَّذِي يُقْسَمُ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ، وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» . وَأَمَّا النَّبِيُّ عليه السلام وَيَتْبَعُهُ سَائِرُ السَّلَاطِينِ فَلَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ مِنْ الْخُمُسِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ، وَلَوْ جَمِيعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِنْ الْإِسْهَامِ لِلْفَرَسِ، وَلَوْ كَانَ بِسَيْفِهِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِرَاكِبِهِ غَيْرُ قَيْدٍ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِرَاكِبِهِ مَنْ أَعَدَّهُ لِرُكُوبِهِ إنْ خَرَجَ إلَى الْبَرِّ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ، وَيُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ الْفَرَسِ أَنَّ نَحْوَ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ لَا يُسْهَمُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُجَاهِدُ يَرْكَبُهُ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ: يَقْدِرُ بِهَا عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ أَنَّ الْعَجُوزَ الَّذِي لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْكَرِّ لَا يُسْهَمُ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: لَا أَعْجَفَ أَوْ كَبِيرًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَبَغْلٌ وَبَعِيرٌ أَوْ أَتَانٌ.

الثَّانِي: إنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لِرَاكِبِهِ، وَلَمْ يَقُلْ لِمَالِكِهِ لِيَشْمَلَ الْمَالِكَ لِذَاتِهِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ أَوْ غَاصِبِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ الْجَيْشِ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لِلْجَيْشِ فِي الْأُولَى، وَلِرَبِّهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْمَغْصُوبُ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَامِلٌ لِمَا إذَا أَخَذَهُ مِنْ خَيْلِ الْعَدُوِّ وَقَبْلَ الْقِتَالِ وَقَاتَلَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَغْصُوبًا أَوْ هَارِبًا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْجَيْشِ لَكَانَ سَهْمَاهُ لِرَبِّهِ لَا لِلْمُقَاتِلِ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَ رَبِّهِ غَيْرُهُ، وَإِلَّا كَانَ الْمَفْرُوضُ لِلْفَرَسِ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لِرَبِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السَّهْمَانِ لِرَبِّهِ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِرَبِّهِ.

قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَلَى رَبِّهِ أُجْرَةً لِلرَّاكِبِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَأَمَّا لِلْفَرَسِ الْمُعَارِ لِلْجِهَادِ عَلَيْهِ فَقِيلَ سَهْمَاهُ لِلْمُقَاتِلِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِلْمُغِيرِ.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ يُسْهَمُ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ الْكَلَامُ عَلَى عُمُومِهِ بَيَّنَ هُنَا مَنْ يُسْهَمُ بِقَوْلِهِ:(وَلَا يُسْهَمُ لِعَبْدٍ، وَلَا لِامْرَأَةٍ)، وَلَوْ قَاتَلَا عَلَى الْمَشْهُورِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام:«أَنَّهُ لَمْ يُسْهِمْ لِعَبْدٍ، وَلَا امْرَأَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ» . (وَلَا) يُسْهَمُ أَيْضًا (لِصَبِيٍّ إلَّا أَنْ يُطِيقَ الصَّبِيُّ)، وَهُوَ عُرْفًا (الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ الْقِتَالَ وَيُجِيزَهُ الْإِمَامُ وَيُقَاتِلَ فَيُسْهَمُ لَهُ) عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: إلَّا الصَّبِيَّ فَفِيهِ إنْ أُجِيزَ وَقَاتَلَ خِلَافٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُعْرَضُ عَلَيْهِ غِلْمَانُ الْأَنْصَارِ فَيُلْحِقُ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ فَعُرِضْتُ عَلَيْهِ عَامًا فَأَلْحَقَ غُلَامًا وَرَدَّنِي فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلْحَقْتَهُ وَرَدَدْتَنِي، وَلَوْ صَارَعَنِي صَرَعْتُهُ.

قَالَ: فَصَارَعَنِي فَصَرَعْتُهُ فَأَلْحَقَنِي» وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْإِسْهَامِ لِلصَّبِيِّ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَرْجَحِيَّةَ هَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ التَّتَّائِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَالْمَوَّازِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُسْهَمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ،

ص: 402

إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ.

وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَدُوِّ عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لَهُ حَلَالٌ

وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْهَا مِنْ مَالِ

ــ

[الفواكه الدواني]

قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَمَّا اخْتَلَفَ التَّشْهِيرُ قَالَ خَلِيلٌ خِلَافٌ.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ الْمُحَقَّقِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَسَكَتَ عَنْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ إذْ قَاتَلَ بَعْدَ بُلُوغِهِ الثَّمَانِيَ عَشْرَةَ، وَقَاتَلَ أَوْ حَضَرَ الْقِتَالَ، وَفِيهِ خِلَافٌ. فَقِيلَ: لَهُ رُبُعُ سَهْمِ الذَّكَرِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَقِيلَ: لَهُ نِصْفُ سَهْمِ الذَّكَرِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ إنْ قُدِّرَ أُنْثَى لَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ قُدِّرَ ذَكَرًا فَلَهُ سَهْمٌ، فَيَسْتَحِقُّ نِصْفَ نَصِيبِهِ كَالْمِيرَاثِ إذَا كَانَ يَرِثُ بِتَقْدِيرٍ دُونَ آخَرَ.

(وَ) كَذَا (لَا يُسْهَمُ لِلْأَجِيرِ) ، وَلَوْ كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ لِجَمِيعِ الْمُجَاهِدِينَ (إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ) ، وَمِثْلُهُ التَّاجِرُ.

قَالَ خَلِيلٌ مُشَبِّهًا فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ: كَتَاجِرٍ وَأَجِيرٍ إنْ قَاتَلَا أَوْ خَرَجَا بِنِيَّةِ غَزْوٍ؛ لِأَنَّهُمَا كَثَّرَا سَوَادَ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَخَرَجَا بِنِيَّةِ غَزْوٍ بِشَرْطِ حُضُورِهِمَا الْقِتَالَ لِاشْتِرَاطِ الْحُضُورِ فِي حَقِّ مَنْ خَرَجَ ابْتِدَاءً لِلْجِهَادِ فَأَوْلَى هُمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ نِيَّةِ الْغَزْوِ تَابِعَةً أَوْ مُتَنَوِّعَةً، وَسَوَاءٌ كَانَتْ التِّجَارَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْجَيْشِ أَمْ لَا، وَالسَّهْمُ لِلْأَجِيرِ لَا لِمُسْتَأْجِرِهِ، لَكِنْ قَالَ سَحْنُونٌ: يَبْطُلُ مِنْ أُجْرَتِهِ بِقَدْرِ مَا عَطَّلَ قَالَهُ التَّتَّائِيُّ.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ إلَّا لِلذُّكُورِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ أَوْ الصِّبْيَانِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ، الْمُسْلِمِينَ الْحَاضِرِينَ لِلْقِتَالِ، وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ كَالْمُتَخَلِّفِ لِحَاجَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْجَيْشِ، وَكَالضَّالِّ مُطْلَقًا أَوْ الْمَرْدُودِ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ بِالرِّيحِ أَوْ لِغَيْرِهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ بِلَادِ الْعَدُوِّ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا، وَكُلُّ مَنْ لَا يُسْهَمُ لَهُ لَا يُرْضَخُ لَهُ، وَالرَّضْخُ شَرْعًا مَالٌ يُعْطِيهِ الْإِمَامُ مِنْ الْخُمُسِ كَالنَّفَلِ مَصْرُوفٌ قَدْرُهُ لِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوْ صَرِيحُهُ وَقَوْلُ خَلِيلٍ أَيْضًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ لِمَنْ قَاتَلَ أَوْ حَضَرَ الْقِتَالَ كَوْنُ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِهِ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ التَّتَّائِيِّ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ إلَّا لِمَنْ اشْتَمَلَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْصَافٍ، وَهِيَ: الذُّكُورَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ الْعَقْلِ وَحُضُورِ الْقِتَالِ، وَمَنْ فِي حُكْمِهِ وَأَنْ يَخْرُجَ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ مُسْتَطِيعًا، فَلَا يُسْهَمُ لِامْرَأَةٍ، وَلَا عَبْدٍ إلَى أَنْ قَالَ: وَلَا لِمَنْ خَرَجَ تَاجِرًا، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ، وَلَوْ قَاتَلَ أَوْ حَضَرَ الْقِتَالَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مَتَى قَاتَلَ الْأَجِيرُ أُسْهِمَ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْجِهَادَ حِينَ خُرُوجِهِ، وَمِثْلُهُ التَّاجِرُ، وَمَنْ خَرَجَ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ وَقَاتَلَ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَمْوَالِ الْكُفَّارِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ قَسْمِ مَا أُخِذَ غَنِيمَةً، وَمَا أُخِذَ لَا بِالْقِتَالِ يَكُونُ فَيْئًا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَمَا أَخَذَهُ اللِّصُّ يَخْتَصُّ بِهِ بَعْدَ تَخْمِيسِهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا يُوجَدُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ تَحْتَ يَدَا الْكَافِرِ مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ غَصْبٍ وَيُسْلِمُ، وَهُوَ بِيَدِهِ بِقَوْلِهِ:(وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَدُوِّ) الْحَرْبِيِّ حَالَةَ كَوْنِهِ مُسْتَوْلِيًا (عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ) أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ (فَهُوَ لَهُ حَلَالٌ) إنْ كَانَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ يَمْلِكُهُ بِالْأَمَانِ، بِأَنْ كَانَ أَخَذَهُ قَبْلَ دُخُولِهِ إلَيْنَا بِأَمَانٍ لَا مَا أَخَذَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الدُّخُولِ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ سَرِقَةً يُنْزَعُ مِنْهُمْ قَهْرًا عَلَيْهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَعُودُوا إلَيْنَا بِهِ، فَقَوْلُ خَلِيلٍ: وَانْتُزِعَ مَا سُرِقَ ثُمَّ عِيدَ بِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ: وَمَلَكَ بِإِسْلَامِهِ غَيْرُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، قَالَ شُرَّاحُهُ: سَوَاءٌ قَدِمَ بِهَا أَوْ أَقَامَ بِبَلَدِهِ، وَمِثْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمُ فِي عَدَمِ مِلْكِهِ اللُّقَطَةِ وَالْحَبْسِ حَيْثُ ثَبَتَ أَنَّهُ حَبْسٌ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ تَحْبِيسُهُ لِمُسْلِمٍ لَا يَبْطُلُ تَحْبِيسُهُ بِغُنْمِ الْكُفَّارِ لَهُ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَإِنَّمَا مَلَكَ بِإِسْلَامِهِ غَيْرَ مَا ذُكِرَ تَأْلِيفًا لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ خَلِيلٍ: غَيْرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ حَقٌّ عَلَيْنَا لَا عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ بِالْأَمَانِ بِأَنْ أَخَذَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْأَمَانِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِإِسْلَامِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يُنْزَعُ مِنْهُ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى كُفْرِهِ.

وَأَوْلَى لَوْ أَسْلَمَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْإِسْلَامِ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَا يَمْلِكُهُ بِالْأَمَانِ، وَذَلِكَ فِيمَا أَخَذَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ لَهُ يَتَحَقَّقُ مِلْكُهُ لَهُ بِأَمَانِهِ، وَأَوْلَى بِإِسْلَامِهِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ بَعْدَ الْأَمَانِ الْتَزَمَ شَرْعَ الْمُسْلِمِينَ، وَشَرْعُ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَخْذُ مَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: يَدْخُلُ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَنَافِعُ الرَّقِيقِ الَّذِي فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ، كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ وَالْمُكَاتَبِ، لَكِنَّ أُمَّ الْوَلَدِ قَوِيَ شَبَهُهَا بِالْحُرَّةِ فَيَجِبُ عَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْدِيَهَا مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا عَلَى أَنَّهَا قِنٌّ وَيَغْرَمُهَا سَيِّدُهَا حَالًّا مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ مَلِيًّا، وَإِلَّا اتَّبَعَتْ ذِمَّتَهُ إلَّا أَنْ تَمُوتَ هِيَ أَوْ سَيِّدُهَا، وَالْمُدَبَّرُ يَخْدُمُ مَنْ أَسْلَمَ، وَهُوَ بِيَدِهِ أَوْ يُؤَجِّرُهُ مُدَّةَ حَيَاةِ السَّيِّدِ الَّذِي دَبَّرَهُ، فَإِذَا مَاتَ سَيِّدُهُ عَتَقَ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَمَا رُقَّ يَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ أَسْلَمَ، وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ يَخْدُمُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ وَيَخْرُجُ حُرًّا بَعْدَ ذَلِكَ قَهْرًا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِ، وَالْمُكَاتَبُ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ لِمَنْ أَسْلَمَ عِنْدَهُ وَيَخْرُجُ حُرًّا، وَإِنْ عَجَزَ رُقَّ لِمَنْ أَسْلَمَ وَوَلَّاهُ الَّذِي يَخْرُجُ حُرًّا مِمَّنْ ذُكِرَ لِمَنْ عَقَدَ فِيهِ الْحُرِّيَّةَ.

الثَّانِي: مَفْهُومُ أَسْلَمَ أَنَّ الْحَرْبِيَّ، وَلَوْ بَقِيَ عَلَى دِينِهِ وَدَخَلَ

ص: 403

الْعَدُوِّ لَمْ يَأْخُذْهُ رَبُّهُ إلَّا بِالثَّمَنِ.

وَمَا وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ مِنْهَا فَرَبُّهُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ، وَمَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَقَاسِمِ فَرَبُّهُ أَحَقُّ بِهِ بِلَا

ــ

[الفواكه الدواني]

عِنْدَنَا بِأَمَانٍ وَبِيَدِهِ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بَعْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ مُحَصَّلُهُ إنْ كَانَ أَخَذَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَنِيمَةٌ لَهُ يَمْلِكُهُ بِالْأَمَانِ، مِثَالُهُ سَوَاءٌ كَانَ أَخَذَهُ مِنَّا فِي الْإِسْلَامِ أَوْ بِلَادِ الْكُفْرِ، وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ سَرِقَةٌ، وَلَا وُصُولَ لِرَبِّهِ إلَيْهِ إلَّا بِالثَّمَنِ بَعْدَ رِضَا الْحَرْبِيِّ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَكُرِهَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ شِرَاؤُهُ مِنْ الْحَرْبِيِّ الدَّاخِلِ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، وَأَمَّا مَا يَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْدَ الدُّخُولِ إلَيْنَا بِأَمَانِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بَلْ يُنْزَعُ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ بِهِ أَمْ لَا، وَلَا يَكُونُ لَهُ إذَا أَسْلَمَ كَمَا بَيَّنَّاهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَانْتُزِعَ مَا سُرِقَ ثُمَّ عِيدَ بِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَلَا مَفْهُومَ لِعِيدَ.

الثَّالِثُ: مَفْهُومُ أَمْوَالٍ أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَمْلِكُهَا بِالْإِسْلَامِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ خَلِيلٍ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ وَبِيَدِهِ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُمْ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَلَا يُنْزَعُونَ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: لَا أَحْرَارَ مُسْلِمُونَ قَدِمُوا بِهِمْ، وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُمْ يُنْزَعُونَ مِنْهُمْ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ جَمِيعُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبِهِ الْعَمَلُ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَعْطَيْنَاهُمْ الْأَمَانَ عَلَى إقَامَةِ شَرْعِنَا، وَشَرْعُنَا لَا يَقْضِي بِتَمَلُّكِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ لَا يُنْزَعُونَ مِنْ الدَّاخِلِ بِالْأَمَانِ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: لَا أَحْرَارَ مُسْلِمُونَ قَدِمُوا بِهِمْ،؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ قَدِمُوا بِأَمَانٍ وَيُنْزَعُونَ مِمَّا أَسْلَمَ اتِّفَاقًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ الْعَكْسَ أَوْ النَّزْعَ فِي الْجَمِيعِ؟ . فَالْجَوَابُ: أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ الْتَزَمَ اتِّبَاعَ شَرْعِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُبْقُوا بِيَدِهِ، فَإِنْ قِيلَ: الدَّاخِلُ بِأَمَانٍ الْتَزَمَ اتِّبَاعَ شَرْعِ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الدَّاخِلَ بِالْأَمَانِ يُطْلَبُ تَرْغِيبُهُ فِي الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ اسْتِحْقَاقِهِ مَالَ الْمُسْلِمِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنَّا قَهْرًا لَا مَا أَخَذَهُ بَعْدَ الْأَمَانِ.

الرَّابِعُ: مِثْلُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فِي يَدَيْهِ مَنْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ أَوْ هُوَ دُونَ أَوْ اُشْتُرِيَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِبَلَدِ الْحَرْبِ.

وَلَمَّا كَانَتْ دَارُ الْحَرْبِ تُمْلَكُ قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ (مِنْ الْعَدُوِّ) بِأَرْضِ الْحَرْبِ ثُمَّ قَدِمَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ بِمَا اشْتَرَاهُ (لَمْ يَأْخُذْهُ رَبُّهُ) مِنْ مُشْتَرِيهِ (إلَّا بِالثَّمَنِ) الَّذِي بَذَلَهُ الْمُشْتَرِي لِلْحَرْبِيِّ إنْ كَانَ يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ، لَا إنْ اشْتَرَاهُ بِنَحْوِ خَمْرٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ مَجَّانًا.

(تَنْبِيهَاتٌ) . الْأَوَّلُ: أَجْمَلَ فِي قَوْلِهِ بِالثَّمَنِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمِثْلُ إنْ كَانَ عَيْنًا، وَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا فَبِقِيمَتِهِ بِمَوْضِعِ أَخْذِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ أَعْطَاهُ الْمِثْلَ هُنَاكَ، وَإِلَّا أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ بِمَوْضِعِ افْتِكَاكِهِ لِتَعَذُّرِ الْمِثْلِ، وَيَصْدُقُ الْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ إنْ أَشْبَهَ وَيَأْخُذُهُ، وَلَوْ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي كَالْمَأْخُوذِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُقَاسِمِ.

الثَّانِي: مَفْهُومُ اشْتَرَى أَنَّ مَنْ وَهَبَهُ الْحَرْبِيُّ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الذِّمِّيِّينَ لَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْهِبَةَ إنْ كَانَتْ لِلثَّوَابِ فَكَالْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَيَأْخُذُهُ صَاحِبُهُ مَجَّانًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَخْذُ مَا وَهَبُوهُ بِدَرَاهِمَ مَجَّانًا، وَبِعِوَضٍ بِهِ إنْ لَمْ يُبَعْ فَيَمْضِي، وَلِمَالِكِهِ الثَّمَنُ أَوْ الزَّائِدُ.

الثَّالِثُ: إنَّمَا قَيَّدْنَا الشِّرَاءَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الشِّرَاءِ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فِيهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ وُقُوعِ الشِّرَاءِ قَبْلَ إعْطَائِهِ الْأَمَانِ، فَيَكُونُ كَالْبَيْعِ الْوَاقِعِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا وُصُولَ لِرَبِّهِ إلَيْهِ إلَّا بِالثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ، وَلَوْ جَبْرًا عَلَى مُشْتَرِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ إعْطَائِهِ الْأَمَانَ فَإِنَّهَا تَفُوتُ عَلَى رَبِّهَا، وَلَا وُصُولَ لَهُ إلَيْهَا إلَّا بِالشِّرَاءِ بَعْدَ رِضَا الْمُشْتَرِي لَهَا، إذْ لَا جَبْرَ لَهُ إلَّا فِي الْمُشْتَرِي بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْإِسْلَامِ قَبْلَ إعْطَائِهِ الْأَمَانَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَكُرِهَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ اشْتَرَاهُ سِلْعَةً وَفَاتَتْ بِهِ وَبِهِبَتِهِمْ لَهَا.

الرَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: مِنْ الْعَدُوِّ الْحَرْبِيِّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِ بَائِعِهِ فَلَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، بَلْ يَأْخُذُهُ صَاحِبُهُ مَجَّانًا وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِيَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِالثَّمَنِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ شِرَاؤُهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَالْأَحْسَنُ فِي الْمُفْدَى مِنْ لِصٍّ أَخَذَهُ بِالْفِدَاءِ حَيْثُ فَدَاهُ؛ لِيَرُدَّهُ إلَى رَبِّهِ لَا عَلَى نِيَّةِ تَمَلُّكِهِ، وَأَنْ لَا يُمْكِنَ أَخْذُهُ إلَّا بِالْفِدَاءِ لِكَوْنِ اللِّصِّ لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ، وَأَنْ لَا يُمْكِنَ فِدَاؤُهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَ الْقَدْرَ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْخَلَاصُ لَا الزَّائِدُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحْسَنِ الْأَرْجَحُ لَا الْمَنْدُوبُ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي تُوجَدُ فِي يَدِ مُشْتَرِيهَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، شَرَعَ فِي حُكْمِ مَا يُوجَدُ مِنْهَا فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ:(وَمَا وَقَعَ) أَوْ وُجِدَ (فِي الْمَقَاسِمِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْدَ قَسْمِ أَعْيَانِهَا أَوْ أَثْمَانِهَا جَهْلًا بِحَالِهَا. (فَرَبُّهُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ) أَوْ بِمَا قُوِّمَ بِهِ عِنْدَ الْقَسْمِ، وَفُهِمَ مِنْ كَوْنِ رَبِّهِ أَحَقُّ بِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ، وَلَوْ بِالْقَهْرِ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ، وَقَوْلُنَا جَهْلًا بِحَالِهِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ قُسِمَ مَعَ مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْضِي قَسْمُهُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ مَجَّانًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَسَمَهُ مُتَأَوِّلًا أَيْ مُقَلِّدًا قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ دَارَ الْحَرْبِ تَمْلِكُ مَالَ الْمُسْلِمِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ أَمَانٍ أَوْ إسْلَامِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ فَلَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ إلَّا بِالثَّمَنِ.

(وَ) مَفْهُومُ وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ أَنَّ (مَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَقَاسِمِ) بِأَنْ عُرِفَ مَالِكُهُ قَبْلَ قَسْمِهِ. (فَرَبُّهُ أَحَقُّ بِهِ بِلَا

ص: 404

ثَمَنٍ.

وَلَا نَفَلَ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ عَلَى الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ.

وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَسْمِ.

وَالسَّلَبُ مِنْ النَّفَلِ.

وَالرِّبَاطُ فِيهِ فَضْلٌ

ــ

[الفواكه الدواني]

ثَمَنٍ) إنْ كَانَ حَاضِرًا.

وَأَمَّا إنْ كَانَ غَائِبًا فَيُحْمَلُ لَهُ إنْ كَانَ الْحَمْلُ خَيْرًا لَهُ، وَإِلَّا بِيعَ وَحُمِلَ لَهُ ثَمَنُهُ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَأَخْذُ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ ذِمِّيًّا مَا عُرِفَ لَهُ قَبْلَهُ مَجَّانًا وَحَلَفَ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَحُمِلَ لَهُ إنْ كَانَ خَبَرًا، وَإِلَّا بِيعَ، وَلَمْ يَمْضِ قَسْمُهُ إلَّا لِتَأَوُّلٍ عَلَى الْأَحْسَنِ، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي لِرَبِّهِ إلَّا بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ، وَلَا وَهَبَهُ، وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِنَاقِلٍ شَرْعِيٍّ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ إلَى الْآنِ، فَهُوَ كَالِاسْتِحْقَاقِ فِي حَلِفِهِ مَعَ بَيِّنَتِهِ، وَالْمُسْلِمُ كَالذِّمِّيِّ وَقَرَائِنُ الْأَحْوَالِ تَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى الْمَشْهُورِ، خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ تَعْبِيرِ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالثُّبُوتِ الْمُوهِمِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ، وَبَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ، وَهُوَ مَا عُرِفَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ، وَلَكِنْ لَمْ تُعْرَفْ عَيْنُ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَمْضِي قَسْمُهُ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثٌ: أَنْ تُعْرَفَ عَيْنُ الْمَالِكِ قَبْلَ الْقَسْمِ وَيَحْضُرُ فَيَأْخُذُهُ مَجَّانًا، وَإِنْ غَابَ يُحْمَلُ لَهُ إنْ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِلَّا بِيعَ لَهُ.

الثَّانِيَةَ: أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَلَمْ تُعْرَفْ عَيْنُ الْمَالِكِ فَهَذَا يُقْسَمُ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ وَيَمْضِي قَسْمُهُ.

الثَّالِثَةَ: أَنْ لَا يُعْرَفَ الْمَالِكُ إلَّا بَعْدَ الْقَسْمِ، وَهَذَا يَأْخُذُهُ مَالِكُهُ بِالثَّمَنِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ

وَلَمَّا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ بَعْضَ الْمُجَاهِدِينَ بَيَّنَ مَا مِنْهُ النَّفَلُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا نَفَلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَوْ تَسْكِينِهَا أَيْ لَا زِيَادَةَ هَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً، وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَهُوَ مَالٌ مَوْكُولٌ عِلْمُ قَدْرِهِ إلَى الْإِمَامِ. (إلَّا مِنْ الْخُمُسِ) لَا فِي أَصْلِ الْغَنِيمَةِ وَقَدْرُهُ (عَلَى) قَدْرِ (الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ) زِيَادَةً عَلَى سَهْمِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِمَصْلَحَةٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَنَفَلَ مِنْهُ السَّلَبَ لِمَصْلَحَةٍ كَقُوَّةِ بَطْشِ الْآخِذِ وَشَجَاعَتِهِ، أَوْ يَرَى ضَعْفًا مِنْ الْجَيْشِ فَيُرَغِّبُهُمْ بِذَلِكَ فِي الْقِتَالِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِيمَا يَقْتَضِي التَّنْفِيلَ جَازَ تَنْفِيلُهُمْ جَمِيعًا، وَالْحَصْرُ فِي قَوْلِهِ:، وَلَا نَفَلَ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّنْفِيلُ مِنْ نَحْوِ الْجِزْيَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْحَصْرَ إضَافِيٌّ أَيْ لَا مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ الْبَاقِيَةِ لِلْمُجَاهِدِينَ.

قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ النَّفَلُ مِمَّا يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْمُنَفَّلِ كَالْفَرَسِ وَالثَّوْبِ وَالْعِمَامَةِ وَالسَّيْفِ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ فِي النُّفُوسِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُنْفَلُ مِنْ السَّلَبِ الْمُعْتَادِ لَا سِوَارَ، وَلَا صَلِيبَ، وَلَا غَيْرَهُ لِعَدَمِ اعْتِيَادِهَا.

(وَلَا يَكُونُ) أَيْ لَا يَجُوزُ التَّنْفِيلُ (قَبْلَ) أَخْذِ (الْغَنِيمَةِ) بِأَنْ يَكُونَ بِالْوَعْدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَلَمْ يَجُزْ إنْ لَمْ يَنْقُضْ الْقِتَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلْبُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ نِيَّتِهِمْ، وَيَحْمِلُهُمْ عَلَى اتِّبَاعِ صَاحِبِ الْمَالِ وَتَرْكِ قِتَالِ الشُّجَاعِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْغَنِيمَةِ لَجَازَ، وَلِلْقَاتِلِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا سَلَبُ كُلِّ مَنْ قَتَلَهُ، وَإِنْ تَعَدَّدَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ الْإِمَامِ قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْمُسْلِمِ فَقَطْ سَلَبٌ اُعْتِيدَ لَا سِوَارَ، وَلَا صَلِيبَ، وَلَا عَيْنَ، وَلَا دَابَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَوْ تَعَدَّدَ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا لَوْ ارْتَكَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَنَفَلَ قَبْلَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْغَنِيمَةِ بِأَنْ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، وَبَيَّنَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَمَضَى إنْ لَمْ يُبْطِلْهُ قَبْلَ الْمَغْنَمِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ حُكْمٍ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ، فَلِلْقَاتِلِ سَلَبُ كُلِّ مَنْ قَتَلَهُ، وَإِنْ تَعَدَّدَ مَقْتُولُهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ عَيَّنَ قَاتِلًا، وَأَمَّا لَوْ عَيَّنَ بِأَنْ قَالَ: يَا زَيْدُ إنْ قَتَلْت قَتِيلًا فَلَكَ سَلَبُهُ فَقَتَلَ جَمَاعَةً فَلَيْسَ لَهُ إلَّا سَلَبُ الْأَوَّلِ إنْ عَرَفَ، فَإِنْ جَهِلَ فَقِيلَ لَهُ سَلَبُ أَقَلِّهِمْ، وَإِلَّا شَارَكَ بِنِسْبَةِ وَاحِدٍ لَهُمْ، فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَلَهُ النِّصْفُ، وَهَكَذَا. وَهَذَا إذَا قَتَلَ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ، وَأَمَّا لَوْ قَتَلَ الْمُعَيَّنُ اثْنَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَقِيلَ لَهُ سَلَبُهُمَا مَعًا، وَقِيلَ لَهُ سَلَبُ أَكْثَرِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ الْمَقْتُولِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ قَتْلُهُ لَا نَحْوَ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ.

الثَّانِي: وَهَذَا الَّذِي يَتَعَيَّنُ مُسْتَحَقُّهُ يُسَمَّى السَّلَبُ الْكُلِّيُّ؛ لِأَنَّ السَّلَبَ يَنْقَسِمُ إلَى كُلِّيٍّ وَجُزْئِيٍّ، فَالْجُزْئِيُّ مَا يَتَعَيَّنُ آخِذُهُ، وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ بِأَنْ يُعْطِيَ الْإِمَامُ شَخْصًا مُعَيَّنًا شَيْئًا، وَأَمَّا الْكُلِّيُّ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يَتَعَيَّنْ آخِذُهُ بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ.

الثَّالِثُ: تَلَخَّصَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَلَهُ أَخْذُ سَلَبِ مَقْتُولِهِ، وَإِنْ تَعَدَّدَ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ الْإِمَامَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَالَ مِنْكُمْ أَوْ يَخُصَّ نَفْسَهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِإِخْرَاجِهِ نَفْسَهُ فِي الْأُولَى، وَلِمُحَابَاتِهِ فِي الثَّانِيَةِ.

الرَّابِعُ: بَقِيَ لَوْ تَعَدَّدَ الْقَاتِلُ وَاتَّحَدَ الْمَقْتُولُ أَوْ تَعَدَّدَ فَالسَّلَبُ بَيْنَهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ رَاجِلًا وَبَعْضُهُمْ رَاكِبًا، وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي الَّذِي يَأْتِي بِرَأْسِ شَخْصٍ وَيَدَّعِي أَنَّهُ قَتَلَهُ، فَقِيلَ يُصَدَّقُ، وَلَهُ سَلَبُهُ، وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ مَنْ قَدِمَ بِسَلَبِ شَخْصٍ وَيَدَّعِي أَنَّهُ قَتَلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ وُجُودَ الرَّأْسِ مَعَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى يُرَجِّحُ جَانِبَهُ فِي الْخِلَافِ، بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ.

قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: وَلَوْ قَالَ لِعَشَرَةٍ: إنْ قَتَلْتُمْ هَؤُلَاءِ فَلَكُمْ أَسْلَابُهُمْ، لَمْ يَخْتَصَّ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ بِسَلَبِ قَتِيلِهِ بَلْ تَكُونُ أَسْلَابُهُمْ شَرِكَةً بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَوْ قَتَلَ تِسْعَةٌ مِنْهُمْ تِسْعَةَ أَعْلَاجٍ وَقَتَلَ عَاشِرُ الْأَعْلَاجِ عَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ فَالْأَسْلَابُ لِلْقَاتِلِينَ فَقَطْ، وَلَوْ بَقِيَ عَاشِرُ الْمُسْلِمِينَ شَرَكَهُمْ.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت: فَيَلْزَمُ لَوْ مَاتَ بَعْضُ الْقَاتِلِينَ لَمْ يَكُنْ لِوَارِثِهِ شَيْءٌ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لِلْحَيِّ الْعَاشِرِ، رَاجِعْ التَّتَّائِيَّ.

(وَالسَّلَبُ) بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهُوَ مَا يَسْلُبُهُ الْقَاتِلُ

ص: 405