الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّوْبِ وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ: إلَّا مِنْ كَثِيرِهِ
وَقَلِيلُ كُلِّ نَجَاسَةٍ غَيْرِهِ وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ.
ــ
[الفواكه الدواني]
مَكَانَهُ إنْ أَمْكَنَهُ، وَإِنَّ مُدْرِكَ رَكْعَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ كَانَ أَدْرَكَهَا قَبْلَ الرُّعَافِ أَوْ يَعْتَقِدُ إدْرَاكَهَا بَعْدَ رُجُوعِهِ يَطْلُبُ بِالرُّجُوعِ، وَلَوْ ظَنَّ فَرَاغَ الْإِمَامِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمَنْ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَخْطَأَ ظَنُّهُ.
1 -
الثَّانِي: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الرُّعَافِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَطْمَعَ فِي انْقِطَاعِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ مَا يَسَعُ الطَّهَارَةَ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ رَكْعَةً بِنَاءً عَلَى مَا يُدْرَكُ بِهِ لِوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَفِي هَذَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ.
وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَظُنَّ دَوَامَهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَفِي هَذَا يُصَلِّي مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، كَمَا يُصَلِّي مَعَ نُزُولِ الدَّمِ آخِرَ الْوَقْتِ إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ، بِأَنْ تَخَلَّفَ ظَنُّهُ وَضَاقَ الْوَقْتُ وَهُوَ نَازِلٌ، وَيُصَلِّي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَأَمَّا لَوْ تَضَرَّرَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِضَرَرٍ بِجِسْمِهِ أَوْ لِلْخَوْفِ عَلَى تَلَطُّخِ ثِيَابِهِ الَّتِي يُفْسِدُهَا الْغُسْلُ صَلَّى بِالْإِيمَاءِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يُفْهَمَانِ مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِنْ رَعَفَ قَبْلَهَا وَدَامَ آخَرُ لِآخِرِ الِاخْتِيَارِيِّ وَصَلَّى؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ آخِرَ أَنَّهُ يُرْجَى انْقِطَاعُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَرْجُ الِانْقِطَاعَ يُصَلِّي مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّائِلِ وَالْقَاطِرِ وَالرَّاشِحِ.
الثَّالِثُ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْمَسْبُوقِ الَّذِي يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَيَحْصُلُ لَهُ الرُّعَافُ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يُوجِبُ فَوَاتَ رَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ فِي صَلَاتِهِ الْقَضَاءُ وَالْبِنَاءُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا اجْتَمَعَ قَضَاءٌ وَبِنَاءٌ لِرَاعِفٍ أَدْرَكَ الْوُسْطَيَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا، أَوْ الْحَاضِرُ أَدْرَكَ ثَانِيَةَ صَلَاةِ مُسَافِرٍ أَوْ خَوْفٍ بِحَضَرٍ قَدَّمَ الْبِنَاءَ وَجَلَسَ فِي آخِرِ الْإِمَامِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ثَانِيَتَهُ،
وَلَمَّا كَانَ الرُّعَافُ مَظِنَّةً لِإِصَابَةِ الدَّمِ نَاسَبَ التَّعَرُّضُ لِحُكْمِ غَسْلِهِ بِقَوْلِهِ: (وَيُغْسَلُ) نَدْبًا (قَلِيلُ الدَّمِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ رُعَافٍ، كَدَمِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَمِثْلُهُ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ (مِنْ الثَّوْبِ) أَوْ الْجَسَدِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَلِيلِ أَقَلُّ مِنْ دِرْهَمٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَعَفَا عَنْ دُونِ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ، وَالْمُرَادُ بِالدِّرْهَمِ الدِّرْهَمُ الْبَغْلِيُّ وَهُوَ قَدْرُ الدَّائِرَةِ الَّتِي تَكُونُ بِبَاطِنِ ذِرَاعِ الْبَغْلِ، وَمَفْهُومُ مِنْ الثَّوْبِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمُصَلِّي أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ طَعَامًا لِنَجَسِهِ وَلَوْ قَلَّ، فَالْعَفْوُ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَيَنْجُسُ كَثِيرُ طَعَامٍ مَائِعٍ بِنَجَسٍ وَلَوْ قَلَّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا نَدْبًا لِقَوْلِهِ:(وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ) مَعَ مُلَابَسَةِ الدَّمِ (إلَّا مِنْ كَثِيرِهِ) وَهُوَ مَا كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ مَسَّاحَةً لَا وَزْنًا، وَالْأَثَرُ وَالْعَيْنُ سَوَاءٌ فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقَلِيلِ وَوُجُوبِ الْغُسْلِ فِي الْكَثِيرِ، فَإِنْ صَلَّى بِالْكَثِيرِ أَعَادَ مَعَ الْعَمْدِ أَوْ الْجَهْلِ أَبَدًا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَنَدْبًا فِي الْوَقْتِ مَعَ الْعَجْزِ أَوْ النِّسْيَانِ أَوْ الْعَمْدِ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ، وَفِي الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ مُطْلَقًا، أَوْ عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ النِّسْيَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ كَالْقِرْبَةِ الْمَمْلُوءَةِ مَاءً وَهِيَ لَا تَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ رَشْحٍ، وَقَدْ قَالَ خَلِيلٌ: وَعُفِيَ عَمَّا يُعْسِرُ،
وَأَمَّا نَحْوُ الْبَوْلِ أَوْ الْمَنِيِّ فَيَجِبُ غَسْلُ قَلِيلِهِ كَكَثِيرِهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَقَلِيلُ كُلِّ نَجَاسَةٍ غَيْرِهِ) أَيْ الدَّمِ (وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ) فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَلَوْ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ.
(وَ) مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ (دَمُ الْبَرَاغِيثِ) أَيْ خَرْؤُهَا وَمِثْلُهَا الْقَمْلُ وَالْبَقُّ وَالْبَعُوضُ.
(لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ) لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا (إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ) بِحَيْثُ يَسْتَحْيِ أَنْ يَجْلِسَ بِهِ بَيْنَ أَقْرَانِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُهُ، إلَّا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى ذَلِكَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يَنْدُبُ غَسْلُهُ إذْ لَا يُقْطَعُ الْفَرْضُ لِمَنْدُوبٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَنَدَبَ غَسْلُ مَا يُعْفَى عَنْهُ عِنْدَ تَفَاحُشِهِ كَدَمِ بَرَاغِيثَ إلَّا فِي صَلَاةٍ، وَفَسَّرْنَا دَمَ الْبَرَاغِيثِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا بِخَرْئِهَا؛ لِأَنَّ دَمَهَا الْحَقِيقِيَّ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا، وَيَجِبُ غَسْلُ الْكَثِيرِ وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ وَذُبَابٍ.
(خَاتِمَةٌ) ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ ضَابِطًا كُلِّيًّا لِمَا يُعْفَى عَنْهُ مِمَّا هُوَ مُحَقَّقُ النَّجَاسَةِ أَوْ مَظْنُونُهَا بِقَوْلِهِ: وَعُفِيَ عَمَّا يُعْسِرُ كَحَدَثٍ مُسْتَنْكَحٍ وَبَلَلِ بَاسُورٍ فِي يَدٍ أَوْ ثَوْبٍ إنْ كَثُرَ الدَّمُ، وَثَوْبِ مُرْضِعَةٍ تَجْتَهِدُ، وَدُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا، وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ، وَبَوْلِ فَرَسٍ لِفَارٍّ بِأَرْضِ حَرْبٍ وَأَثَرِ ذُبَابٍ مِنْ عُذْرَةٍ وَمَوْضِعِ حِجَامَةِ سَطْحٍ وَكَطِينِ مَطَرٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُذْرَةُ بِالْمُصِيبِ وَلَمْ تَغْلِبْ وَذَيْلِ امْرَأَةٍ مُطَالٍ لِلسِّتْرِ وَرِجْلٍ بُلَّتْ يَمُرَّانِ بِنَجِسٍ يَبِسٍ يَطْهُرَانِ بِمَا بَعْدَهُ وَخُفٍّ وَنَعْلٍ مِنْ رَوْثِ دَوَابَّ وَأَبْوَالِهَا إنْ دُلِّكَا بِغَيْرِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ وَالْقَدَمَ وَالْمَخْرَجَانِ وَمَوْضِعَ الْحِجَامَةِ وَالسَّيْفَ الصَّقِيلَ يُجْزِي فِيهَا زَوَالُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ.
[بَاب فِي سُجُود الْقُرْآن]
وَلَمَّا كَانَتْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ دَاخِلَةً فِي حَقِيقَةِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي حَقِيقَةِ الصَّلَاةِ: قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ أَوْ سُجُودٍ فَقَطْ.
ذَكَرَهَا فِي عَقِبِ الْبَابِ الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ فَقَالَ
بَابٌ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ وَسُجُودُ الْقُرْآنِ إحْدَى عَشْرَ سَجْدَةً، وَهِيَ الْعَزَائِمُ لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ فِي النَّصِّ عِنْدَ قَوْلِهِ
ــ
[الفواكه الدواني]
(بَابٌ فِي) بَيَانِ مَوَاضِعِ (سُجُودِ الْقُرْآنِ) وَيُتَرْجَمُ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ أَخَصُّ مِنْ الْقِرَاءَةِ، لِأَنَّ التِّلَاوَةَ لَا تَكُونُ فِي كَلِمَةِ وَاحِدَةٍ، وَالْقِرَاءَةَ تَكُونُ فِيهَا، وَالسُّجُودُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ التِّلَاوَةِ لَا عِنْدَ مُجَرَّدِ قِرَاءَةِ كَلِمَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ السُّجُودِ، وَفِيهِ خِلَافٌ، فَقِيلَ: سُنَّةٌ، وَقِيلَ: فَضِيلَةٌ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ، وَأَمَّا السُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ خِلَافًا لِمَنْ قَصَّرَهُ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَالْمَطْلُوبُ مِنْ السُّجُودِ إيجَادُ مَاهِيَّةِ السُّجُودِ، وَهِيَ تُوجَدُ فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] فِي مَعْرَضِ الذَّمِّ فَيَدُلُّ عَلَى طَلَبِهِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَإِذَا مَرَّ بِسُورَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ فَسَجَدَهَا سَجَدْنَا مَعَهُ» وَثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: «إذَا سَجَدَ الْإِنْسَانُ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي فَيَقُولُ: يَا وَيْلَتَاهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْت أَنَا بِالسُّجُودِ فَأَبَيْت فَلِي النَّارُ» وَأَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَوْ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ اسْتَظْهَرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَدَمَ كُفْرِ مَنْ أَنْكَرَ مَشْرُوعِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا عُلِمَ حُكْمُهُ بِالضَّرُورَةِ، إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَصَيْرُورَتِهِ مَعْلُومًا لِلْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالسُّجُودِ الْقَارِئُ وَالْمُسْتَمِعُ وَالْمُعَلِّمُ وَالْمُتَعَلِّمُ، أَمَّا الْقَارِئُ فَيَسْجُدُ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ مِنْ طَهَارَةِ حَدَثٍ وَخُبْثٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَاسْتِقْبَالِ قِبْلَةٍ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ نِزَاعٌ، وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ الْأُجْهُورِيُّ اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ.
وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا مُحَمَّدٍ: اسْتِحْبَابُ سُجُودِ الصَّبِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِخِطَابِهِ بِمَا دُونَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي سُجُودِ الْقَارِئِ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْإِمَامَةِ فَيَسْجُدُ الْفَاسِقُ وَالْمَرْأَةُ، وَأَمَّا الْمُسْتَمِعُ فَيَسْجُدُ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ جَلَسَ لِيَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ أَوْ أَحْكَامَهُ فَلَا يَسْجُدُ الْجَالِسُ لِابْتِغَاءِ الثَّوَابِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، كَمَا أَنَّ السَّامِعَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَسْجُدُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ الَّذِي جَلَسَ الْمُسْتَمِعُ لِيَسْمَعَ قُرْآنًا صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ بِالْفِعْلِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَوَضِّئًا عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ اللَّخْمِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ أَوْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّقْيِيدِ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ مِنْ الْعَاجِزِ يَسْجُدُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَمِعُ قَادِرًا لِصَلَاحِيَّةِ الْعَاجِزِ عَنْ رُكْنٍ لِلْإِمَامَةِ لِمِثْلِهِ، وَيَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْتَمِعَ الْمَكْرُوهَ الْإِمَامَةُ يَسْجُدُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْقَارِئُ جَلَسَ لِيُسْمِعَ النَّاسَ حُسْنَ قِرَاءَتِهِ، فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فَيَسْجُدُ الْمُسْتَمِعُ وَلَوْ تَرَكَ الْقَارِئُ السُّجُودَ، وَأَمَّا الْمُعَلِّمُ أَوْ الْمُتَعَلِّمُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا يَسْجُدَانِ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ كَالْقَارِئِ، وَالْمُعَلِّمُ وَالْمُتَعَلِّمُ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمَا مَحَلُّ السُّجُودِ فَيَسْجُدَانِ أَوَّلَ مَرَّةٍ،
1 -
وَلَمَّا وَقَعَ خِلَافٌ فِي عَدَدِ السَّجَدَاتِ، بَيَّنَ الْمَشْهُورِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ:(وَسَجَدَاتُ الْقُرْآنِ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ) وَالْمُرَادُ بِالْمُفَصَّلِ مَا كَثُرَ تَفْصِيلُهُ بِالْبَسْمَلَةِ لِقِصَرِ سُوَرِهِ، وَأَوَّلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، فَلَا يَسْجُدُ لِقِرَاءَةِ النَّجْمِ وَالِانْشِقَاقِ وَالْقَلَمِ.
قَالَ خَلِيلٌ: إلَّا ثَانِيَةَ الْحَجِّ وَالنَّجْمِ وَالِانْشِقَاقِ وَالْقَلَمِ.
(وَهِيَ) أَيْ الْإِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً (الْعَزَائِمُ) أَيْ الْأَوَامِرُ بِمَعْنَى الْمَأْمُورِ بِالسُّجُودِ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا، هَكَذَا قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ، وَقَالَ زَرُّوقٌ: الْعَزَائِمُ جَمْعُ عَزِيمَةٍ وَهِيَ الْمُتَأَكِّدَةُ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ هَذَيْنِ التَّفْسِيرَيْنِ فِي سُجُودِ غَيْرِهَا مِنْ ثَانِيَةِ الْحَجِّ وَالنَّجْمِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَسْجُدُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ، فَعَلَى تَفْسِيرِ الْأَقْفَهْسِيِّ: إنْ سَجَدَ عِنْدَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يَسْجُدُ لَهَا، وَعَلَى تَفْسِيرِ زَرُّوقٍ لَا تَبْطُلُ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ هَذِهِ التَّفْرِقَةِ، بَلْ الظَّاهِرُ الِاسْتِوَاءُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ بُطْلَانُ سُجُودِ السَّاجِدِ عَمْدًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يَرَى السُّجُودَ عِنْدَهَا، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى الْعَزَائِمِ الْأُمُورُ الْمَطْلُوبَةُ لَا عَلَى وَجْهِ
{وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] وَهُوَ آخِرُهَا فَمَنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ فَإِذَا سَجَدَهَا قَامَ فَقَرَأَ مِنْ الْأَنْفَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَفِي الرَّعْدِ عِنْدَ قَوْلِهِ {وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد: 15] وَفِي النَّحْلِ {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] وَفِي بَنِي إسْرَائِيلَ {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] وَفِي مَرْيَمَ {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] وَفِي الْحَجِّ أَوَّلُهَا {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] وَفِي الْفُرْقَانِ {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] وَفِي الْهُدْهُدِ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] وَفِي الم تَنْزِيلُ: {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] وَفِي ص {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] وَقِيلَ عِنْدَ قَوْلِهِ {لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] وَفِي حم تَنْزِيلُ {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]
وَلَا يَسْجُدُ السَّجْدَةَ فِي التِّلَاوَةِ إلَّا عَلَى وُضُوءٍ
وَيُكَبِّرُ لَهَا
ــ
[الفواكه الدواني]
الرُّخْصَةِ؛ لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ مَا قَابَلَتْ الرُّخْصَةَ، كَقَصْرِ الصَّلَاةِ وَفِطْرِ الْمُسَافِرِ وَمَسْحِ الْخُفِّ، فَهَذِهِ الْأَفْعَالُ لَا يُقَالُ لَهَا عَزَائِمُ، وَإِنَّمَا هِيَ رُخَصٌ جَمْعُ رُخْصَةٍ، وَسُمِّيَتْ بِالْعَزَائِمِ لِلْحَثِّ عَلَى فِعْلِهَا خَشْيَةَ تَرْكِهَا وَهُوَ مَكْرُوهٌ أُولَاهَا سَجْدَةٌ (فِي المص) الْأَعْرَافِ (عِنْدَ قَوْلِهِ) تَعَالَى:{وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] وَهُوَ آخِرُهَا، فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ وَهُوَ آخِرُهَا غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ فَمَا بَالُهُ نَصَّ عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ: نَصَّ إمَّا لِتَنْبِيهِ الْجَاهِلِ بِأَنَّهُ آخِرُهَا أَوْ لِيُفَرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (فَمَنْ كَانَ) فِي حَالِ قِرَاءَةِ تِلْكَ السُّورَةِ (فِي صَلَاةٍ) فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً أَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ، وَلَوْ مَعَ تَعَمُّدِ قِرَاءَتِهَا فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا، وَإِنْ كُرِهَ تَعَمُّدُهَا بِالْفَرِيضَةِ، بَلْ وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ نَهْيِ حُرْمَةٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِّ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلصَّلَاةِ كَسُجُودِ السَّهْوِ الْمُقْبِلِ (فَإِذَا سَجَدَهَا قَامَ فَقَرَأَ) نَدْبًا (مِنْ الْأَنْفَالِ أَوْ غَيْرِهَا مَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ) قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ لِسَاجِدِ الْأَعْرَافِ قِرَاءَةٌ قَبْلَ رُكُوعِهِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَا يَكُونُ إلَّا عَقِبَ قِرَاءَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِمَنْ قَرَأَ سَجْدَةَ الْأَعْرَافِ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ سَجْدَةَ الْأَعْرَافِ قَدْ يُتَوَهَّمُ فِيهَا عَدَمُ جَوَازِ قِرَاءَةِ الْأَنْفَالِ أَوْ غَيْرِهَا، لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَعَدُّدِ السُّورَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي صَلَاةٍ: أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ سَجْدَةَ الْأَعْرَافِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ كَالتَّالِي لِحِزْبِهِ مَثَلًا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ بَعْدَ السُّجُودِ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ غَيْرِهَا إلَّا بِقَصْدِ التِّلَاوَةِ (وَ) ثَانِيَتُهَا: (فِي الرَّعْدِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد: 15] وَفِي هَذِهِ مَدَحَ السَّاجِدِينَ (وَ) ثَالِثَتُهَا: (فِي النَّحْلِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} [النحل: 50] أَيْ عَذَابَ رَبِّهِمْ {مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] فَالْفَوْقِيَّةُ فَوْقِيَّةُ قَهْرٍ لِاسْتِحَالَةِ الْحِسِّيَّةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى.
(وَ) رَابِعَتُهَا: (فِي بَنِي إسْرَائِيلَ) وَهِيَ سُورَةُ الْإِسْرَاءِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] وَفِي هَذِهِ أَيْضًا الْمَدْحُ لِلسَّاجِدِينَ (وَ) خَامِسَتُهَا: (فِي مَرْيَمَ) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] وَفِيهِ مَدْحٌ لِلسَّاجِدِينَ أَيْضًا.
(وَ) سَادِسَتُهَا: (فِي الْحَجِّ أَوَّلُهَا) بَدَلٌ مِنْ الْحَجِّ (عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] فَفِيهِ ذَمٌّ لِمَنْ لَمْ يَسْجُدْ وَيُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ أَوَّلُهَا بِذِكْرِ الْآيَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَهَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الَّتِي فِي آخِرِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ لَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَدَّمْنَا.
(وَ) سَابِعَتُهَا: (فِي الْفُرْقَانِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] وَفِيهِ ذَمٌّ لِلتَّارِكِينَ.
(وَ) ثَامِنَتُهَا: (فِي) سُورَةِ (الْهُدْهُدِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] وَفِيهِ تَوْحِيدٌ لِلْبَارِّي سبحانه وتعالى.
(وَ) تَاسِعَتُهَا: (فِي الم تَنْزِيلُ) السَّجْدَةِ (عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] وَفِيهِ مَدْحٌ لِلسَّاجِدِينَ.
(وَ) عَاشِرَتُهَا: (فِي ص عِنْدَ قَوْلِهِ: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَغَفَرْنَا لَهُ} [ص: 25] كَالْجَزَاءِ عَلَى السُّجُودِ، وَهَلْ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ السُّجُودِ لِتَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ؟ (وَقِيلَ) مَحَلُّهُ (عِنْدَ قَوْلِهِ) تَعَالَى: {لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] وَفِيهِ مَدْحٌ أَيْضًا.
(وَ) حَادِي عَشْرَتَهَا: (فِي حم تَنْزِيلُ) فُصِّلَتْ (عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي ارْتَضَاهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَصَادَ وَأَنَابَ وَفُصِّلَتْ تَعْبُدُونَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ السُّجُودِ لِغَيْرِ هَذِهِ الْإِحْدَى عَشْرَةَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّسْخِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَاَلَّذِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُصْطَفَى عليه الصلاة والسلام الْإِحْدَى عَشْرَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَجَدَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى فِي النَّجْمِ:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62] وَأَنَّهَا أَوَّلُ سَجْدَةٍ أَعْلَنَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَرَمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ سِوَى أَبِي لَهَبٍ فَإِنَّهُ رَفَعَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ إلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ: يَكْفِي هَذَا، فَإِنَّهُ نُسِخَ بِدَلِيلِ إجْمَاعِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَقُرَّائِهَا عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ فِيهَا مَعَ تَكَرُّرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا لَيْلًا وَنَهَارًا أَوْ لَا يَجْمَعُونَ عَلَى تَرْكِ سُنَّةٍ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى شَرْطِ السُّجُودِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَسْجُدُ) مَنْ يُؤْمَرُ بِالسُّجُودِ (السَّجْدَةَ فِي
وَلَا يُسَلِّمُ مِنْهَا وَفِي التَّكْبِيرِ فِي الرَّفْعِ مِنْهَا سَعَةٌ، وَإِنْ كَبَّرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا
وَيَسْجُدُهَا مَنْ قَرَأَهَا فِي الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ
ــ
[الفواكه الدواني]
التِّلَاوَةِ إلَّا عَلَى وُضُوءٍ) أَوْ بَدَلِهِ مَعَ بَقِيَّةِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ، وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ، وَتَبْطُلُ بِدُونِهَا وَلَوْ مَعَ الْعَجْزِ أَوْ النِّسْيَانِ، فَإِنْ قَرَأَ سُورَةَ السَّجْدَةِ فِي وَقْتِ نَهْيٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَهَلْ يَحْذِفُ مَوْضِعَ السُّجُودِ خَاصَّةً كَ يَشَاءُ فِي الْحَجِّ، وَكَالْعَظِيمِ فِي النَّمْلِ، أَوْ يَحْذِفُ الْآيَةَ جُمْلَةً تَأْوِيلَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا خَلِيلٌ بِالْعِطْفِ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَإِلَّا فَهَلْ يُجَاوِزُ مَحَلَّهَا أَوْ الْآيَةَ تَأْوِيلَانِ.
(وَ) صِفَةُ فِعْلِ السَّجْدَةِ أَنْ (يُكَبِّرَ لَهَا) عِنْدَ الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَكَبِّرْ لِخَفْضٍ وَرَفْعٍ وَلَوْ بِغَيْرِ صَلَاةٍ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكَبِّرُ إذَا سَجَدَهَا وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهَا، وَهَذَا فِي الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا، وَفِي غَيْرِهَا فِيهِ خِلَافٌ، وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ التَّكْبِيرُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ تَكْبِيرِهَا كَتَكْبِيرِ الصَّلَوَاتِ السُّنِّيَّةِ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ إنَّهُ لَا إحْرَامَ لَهَا، وَإِنَّمَا يُكَبِّرُ عِنْدَ خَفْضِهِ وَرَفْعِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: سَجَدَ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ بِلَا إحْرَامٍ، وَسَلَامُ قَارِئٍ وَمُسْتَمِعٍ فَقَطْ وَمُعَلِّمٍ وَمُتَعَلِّمٍ، وَمُرَادُ خَلِيلٍ بِقَوْلِهِ: بِلَا إحْرَامٍ أَيْ زَائِدٍ مَعَ تَكْبِيرِ الْخَفْضِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَنْوِي فِعْلَ السَّجْدَةِ عِنْدَ خَفْضِهِ لِأَنَّهَا عَمَلٌ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَمَنْ قَالَ بِلَا إحْرَامٍ وَلَا نِيَّةٍ لَا يَظْهَرُ كَلَامُهُ، بَلْ الْمَنْفِيُّ الْإِحْرَامُ الْمَعْرُوفُ بِالنِّيَّةِ مَعَ رَفْعِ يَدَيْنِ وَتَكْبِيرَةٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ فِعْلِهَا.
(وَ) إذَا كَبَّرَ عِنْدَ فِعْلِ السَّجْدَةِ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ (لَا يُسَلِّمُ مِنْهَا) بَلْ يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ فَلَا يُكْرَهُ.
قَالَ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ: وَفِي النَّفْسِ مِنْ عَدَمِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ شَيْءٌ، وَلَمَّا قَدَّمَ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ طَلَبُ التَّكْبِيرِ ذَكَرَ مُقَابِلَهُ بِقَوْلِهِ:(وَفِي التَّكْبِيرِ فِي) حَالِ (الرَّفْعِ مِنْهَا سَعَةٌ وَإِنْ كَبَّرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا) يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي التَّكْبِيرِ وَعَدَمِهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَبَّرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْمَشْهُورِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَكْبِيرِهِ لِلْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَإِنْ نَسَبَ غَيْرَهُ مَالِكٌ أَيْضًا.
1 -
(تَتِمَّةٌ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِمَا يَقُولُهُ السَّاجِدُ فِي حَالِ سُجُودِهِ، وَلْنَذْكُرْهُ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فَنَقُولُ: قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ: وَيُسَبِّحُ السَّاجِدُ فِي سُجُودِهِ أَوْ يَدْعُو، فَقَدْ رُوِيَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ وَكَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَك أَجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَك ذُخْرًا وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتهَا مِنْ عَبْدِك دَاوُد عليه السلام» وَالضَّمِيرُ فِي تَقَبَّلْتهَا رَاجِعٌ لِمُطْلَقِ السَّجْدَةِ لَا سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ سَجْدَةَ دَاوُد لَمْ تَكُنْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ.
وَلَمَّا كَانَ فِعْلُ السَّجْدَةِ مَطْلُوبًا حَتَّى فِي الصَّلَاةِ قَالَ: (وَيَسْجُدُهَا) أَيْ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ كُلُّ (مَنْ قَرَأَهَا) وَلَوْ كَانَ (فِي الْفَرِيضَةِ) فَذًّا كَانَ أَوْ إمَامًا، لَكِنْ يُطْلَبُ مِنْهُ الْجَهْرُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ لِيُعْلِمَ النَّاسَ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَهَرَ إمَامُ السِّرِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ وَسَجَدَ تَبِعَهُ مَأْمُومُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السَّهْوِ، فَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهُ الْمَأْمُومُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَيَسْجُدُهَا مَنْ قَرَأَهَا فِي الْفَرِيضَةِ، وَلَوْ تَعَمَّدَ قِرَاءَتَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِسُجُودِهَا وَإِنْ كُرِهَ لَهُ تَعَمُّدُ قِرَاءَتِهَا فِي الْفَرِيضَةِ، وَيَسْجُدُهَا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ لَا تَحِلُّ فِيهِ النَّافِلَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
(وَ) كَذَا يَسْجُدُهَا مَنْ قَرَأَهَا فِي صَلَاةِ (النَّافِلَةِ) بِالْأَوْلَى مِنْ سُجُودِهَا فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ لِعَدَمِ كَرَاهَةِ تَعَمُّدِ قِرَاءَتِهَا فِي النَّافِلَةِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ تَعَمُّدُهَا بِالْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْجُدْ يَدْخُلْ فِي الْوَعِيدِ، وَإِنْ سَجَدَ يَزِيدُ فِي سُجُودِ الْفَرِيضَةِ، عَلَى أَنَّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى التَّخْلِيطِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ فَرِيضَةٍ وَنَافِلَةٍ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَهَا فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لَا يَسْجُدُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِنِظَامِ الْخُطْبَةِ، وَحُكْمُ الْإِقْدَامِ عَلَى قِرَاءَتِهَا فِيهَا الْكَرَاهَةُ كَمَا يُكْرَهُ تَعَمُّدُهَا بِالْفَرِيضَةِ، وَإِنْ وَقَعَ أَنَّهُ سَجَدَ فِي الْخُطْبَةِ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ نَهَى عَنْ السُّجُودِ فِيهَا، وَمَا وَرَدَ مِنْ نُزُولِهِ عليه الصلاة والسلام وَسُجُودِهِ فَلَمْ يَصْحَبْهُ عَمَلٌ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ.
1 -
الثَّانِي: لَوْ سَهَا الْمُصَلِّي عَنْ السُّجُودِ عَقِبَ قِرَاءَتِهَا، فَإِنْ كَانَ التَّجَاوُزُ يَسِيرًا كَالْآيَةِ وَنَحْوِهَا سَجَدَ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ قِرَاءَتِهَا وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةِ، وَإِنْ جَاوَزَهَا بِكَثِيرٍ رَجَعَ إلَيْهَا فَقَرَأَهَا ثُمَّ سَجَدَ وَرَجَعَ إلَى حَيْثُ انْتَهَى مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَسَوَاءٌ مَنْ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا، لَكِنْ مَنْ فِي صَلَاةٍ يَعُودُ لِقِرَاءَتِهَا وَلَوْ فِي الْفَرْضِ مَا لَمْ يَنْحَنِ، فَإِذَا انْحَنَى لِلرُّكُوعِ لَا يَرْجِعُ مِنْهُ وَتَفُوتُ السَّجْدَةُ فِي الْفَرْضِ وَلَا يَقْرَؤُهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِكَرَاهَةِ تَعَمُّدِهَا بِالْفَرِيضَةِ، وَيُسْتَحَبُّ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ فِعْلُهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ يَسْجُدُهَا قَبْلَ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَتُقَدَّمُ بِسَبَبِهَا، أَوْ بَعْدَ قِرَاءَتِهَا ثُمَّ يَقُومُ بَعْدَ السُّجُودِ يَقْرَأُ السُّورَةَ قَوْلَانِ.
1 -
الثَّالِثُ: إذَا كَانَ الْقَارِئُ لِلسَّجْدَةِ إمَامًا وَتَرَكَهَا فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يَتْرُكُهَا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّجُودِ، وَلَوْ تَرَكَ الْقَارِئُ هَذَا فِي الْمُسْتَمِعِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَإِنْ سَجَدَهَا الْمَأْمُومُ دُونَ إمَامِهِ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَأَمَّا سَهْوًا فَلَا، لِحَمْلِ الْإِمَامِ لِسَهْوِهِ الْيَسِيرِ، كَمَا أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ بِتَرْكِ السُّجُودِ خَلْفَ إمَامِهِ السَّاجِدِ وَلَوْ عَمْدًا فِي الْإِحْدَى عَشْرَةَ الْمَشْهُورَةِ، وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ بِعَدَمِ تَبَعِيَّتِهِ الْإِمَامَ، وَلَمَّا كَانَ الْقَارِئُ يَسْجُدُهَا فِي
وَيَسْجُدُهَا مَنْ قَرَأَهَا بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ وَبَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ.
ــ
[الفواكه الدواني]
الصَّلَاةِ، وَلَوْ فِي وَقْتِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلصَّلَاةِ.
شَرَعَ فِي وَقْتِ سُجُودِهَا لِغَيْرِ الْمُصَلِّي بِقَوْلِهِ: (وَيَسْجُدُهَا مَنْ قَرَأَهَا) فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَلَوْ (بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ تُسْفِرْ الشَّمْسُ) أَيْ يَظْهَرُ الضَّوْءُ، وَتُسْفِرُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْفَارِ وَهُوَ الضَّوْءُ.
(وَ) سَجَدَهَا (بَعْدَ) أَدَاءِ فَرْضِ (الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ) عَلَى الْجُدْرَانِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ جِنَازَةٌ وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ قَبْلَ إسْفَارٍ وَاصْفِرَارٍ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يَسْجُدُهَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ مَا لَمْ يَحْصُلْ إسْفَارٌ وَاصْفِرَارٌ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَفَارَقَتْ النَّوَافِلَ الْمَحْضَةَ، وَمِثْلُهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ خَلِيلٍ.
قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَتُفْعَلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ مَا عَدَا وَقْتَيْنِ: أَحَدُهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى الْمَنْعِ فِيهِ، وَهُوَ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، وَبَعْدَ الْإِسْفَارِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ قَيْدَ رُمْحٍ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَشْهُورُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْجَوَازِ قَبْلَ الِاصْفِرَارِ اهـ كَلَامُ الْفَاكِهَانِيِّ، وَفِي قَوْلِهِ: الْمُتَّفَقُ عَلَى الْمَنْعِ فِيهِ إلَخْ تَأَمَّلْ، إذْ الْمَمْنُوعُ عَلَى الْمَشْهُورِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْغُرُوبِ أَوْ الطُّلُوعِ، وَأَمَّا عِنْدَ الِاصْفِرَارِ أَوْ الْإِسْفَارِ فَالْحُكْمُ الْكَرَاهَةُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ خَلِيلٍ فَافْهَمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْفَاكِهَانِيِّ الْمَنْعَ مَا قَابَلَ الْجَوَازَ فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ فِي الْإِسْفَارِ.
1 -
(تَتِمَّةٌ) : قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْمُعَلِّمَ وَالْمُتَعَلِّمَ يُخَاطَبَانِ بِالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْرُجَانِ عَنْ الْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ، وَلَكِنْ قَدْ يَقْرَأُ الْقَارِئُ الْمُتَعَلِّمُ عَلَى الْمُعَلِّمِ سُوَرًا كَثِيرَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي سُجُودِهِ مَرَّةً أَوْ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ السُّوَرِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْهُ أَنَّهُمَا يَسْجُدَانِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَلَوْ كَرَّرَ الْمُتَعَلِّمُ سُوَرًا، وَأَمَّا لَوْ تَعَدَّدَ الْمُتَعَلِّمُ وَالْمُعَلَّمُ وَاحِدٌ فَلَا إشْكَالَ فِي سُجُودِ جَمِيعِ الْمُتَعَلِّمِينَ كُلُّ وَاحِدٍ سَجْدَةً؛ لِأَنَّ سُجُودَ زَيْدٍ لَا يُغْنِي عَنْ سُجُودِ عَمْرٍو، وَأَمَّا الْمُعَلِّمُ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَ الْمُتَعَلِّمِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَرَأَ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ السُّورَةَ الَّتِي قَرَأَهَا الْأَوَّلُ، وَإِنْ قَرَأَ الثَّانِي غَيْرَ سُورَةِ الْمُتَعَلِّمِ الْأَوَّلِ فَفِي سُجُودِ الْمُعَلِّمِ مَعَ الثَّانِي خِلَافٌ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ مِمَّنْ لَهُ حِزْبٌ يَقْرَؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ مَثَلًا فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: فِيهِ أَصْلُ الْمَذْهَبِ تَكْرِيرُ السُّجُودِ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحِزْبِ الْوَرْدُ الَّذِي اعْتَادَ قِرَاءَتَهُ لَا الْحِزْبُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي هُوَ مِنْ تَجْزِئَةِ سِتِّينَ.