الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ» ، وَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَقُولَ بِأَثَرِ الْوُضُوءِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ
وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْوُضُوءِ احْتِسَابًا لِلَّهِ تَعَالَى لِمَا أَمَرَهُ بِهِ يَرْجُو تَقَبُّلَهُ وَثَوَابَهُ وَتَطْهِيرَهُ مِنْ الذُّنُوبِ
ــ
[الفواكه الدواني]
مُطْلَقًا احْتِيَاطِيًّا لِأَنَّ الْعَامِّيَّ إذَا رَأَى ذَلِكَ يَعْتَمِدُهُ وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْإِسْبَاغِ بِالْمَرَّةِ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ النُّقْصَانُ عَنْ اثْنَتَيْنِ خِيفَةَ تَرْكِ لُمْعَةٍ مِنْ الْأُولَى، وَفِيهِ أَيْضًا تَرْكُ فَضِيلَةٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاجْتِزَاءَ بِالْغَسْلَةِ الْوَاحِدَةِ الْمُسْبِغَةِ لَا نَافِيَ كَرَاهَةِ تَرْكِ الْإِشْفَاعِ وَالتَّثْلِيثِ، وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَيَفْعَلُهُ صلى الله عليه وسلم؟ لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ مَطْلُوبٌ بِفِعْلِهِ لِقَصْدِ التَّشْرِيعِ فَلَا إشْكَالَ. وَلَمَّا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَاحِدَةَ تَكْفِي وَكَانَ التَّعْمِيمُ بِهَا قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ قَالَ: (وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ فِي إحْكَامِ ذَلِكَ) أَيْ فِي الْإِتْقَانِ وَالتَّعْمِيمِ بِالْغَسْلَةِ الْوَاحِدَةِ (سَوَاءً) بِالنَّصْبِ خَبَرُ لَيْسَ، وَسَوَاءٌ بِمَعْنَى مُسْتَوِيَيْنِ إذْ مِنْهُمْ السَّمِينُ الَّذِي لَا يَغْسِلُ وَجْهَهُ إلَّا أَكْثَرَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْمِيمُ وَلَوْ الثَّلَاثَ وَيَنْوِي بِهَا الْفَرْضَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كُلَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِيعَابُ يُنْوَى بِهِ الْفَرْضُ.
وَيُلَاحَظُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنْدُوبُ وَلِذَلِكَ قَالَ سَنَدٌ: لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَتَرَكَ مِنْهُ مَوْضِعًا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ إلَّا فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ فَإِنْ لَمْ يَخُصَّ الثَّالِثَةَ بِنِيَّةِ الْفَضِيلَةِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ أَنْ لَا يَنْوِيَ بِالزَّائِدِ عَلَى الْمَرَّةِ الْأُولَى الْفَضِيلَةَ
[فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْإِتْيَانُ بِهِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْإِتْيَانُ بِهِ بَعْدَ تَمَامِ وُضُوئِهِ بِقَوْلِهِ:
(وَقَدْ «قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ» أَيْ أَتَى بِفَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ وَقِيلَ أَخْلَصَ فِيهِ نِيَّتَهُ «ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ» بِسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ بَصَرَهُ، وَأَمَّا الطَّرَفُ الَّذِي هُوَ آخِرُ الشَّيْءِ فَبِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ «إلَى السَّمَاءِ» أَيْ إلَى جِهَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَرَهَا لِحَائِلٍ أَوْ عَمًى.
وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ دَاوُد مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّظَرِ إلَى السَّمَاءِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالسِّرُّ فِي رَفْعِ الطَّرْفِ إلَى السَّمَاءِ هُوَ شَغْلُ بَصَرِهِ بِأَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَرْئِيَّةِ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ السَّمَوَاتِ، وَالْإِعْرَاضُ بِقَلْبِهِ وَقَالَبِهِ عَنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَدْعَى لِحُضُورِ قَلْبِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِلِسَانِهِ، وَأَمَّا سِرُّ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ إلَيْهَا فَلِأَنَّهَا قِبْلَةُ الدُّعَاءِ، وَقَوْلُ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ هَذِهِ زِيَادَةٌ فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرْهَا غَيْرُهُ فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنَّ رِوَايَةَ أَحْمَدَ رَفَعَ بَصَرَهُ «فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ زَادَهَا التِّرْمِذِيُّ «فُتِّحَتْ» بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ «لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ» وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ «الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ» . وَوَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَقُولُ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالْفَتْحُ قِيلَ مَعْنَاهُ تَسْهِيلُ أَبْوَابِ الطَّاعَاتِ الْمُوصِلَةِ لِلْجَنَّةِ، وَقِيلَ الْفَتْحُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ:«إنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ إلَّا الصَّائِمُونَ فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ» لِأَنَّ التَّغْيِيرَ لَا يَسْتَلْزِمُ الدُّخُولَ مِنْهُ لِجَوَازِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُزَهِّدُهُ فِيهِ وَيُرَغِّبُهُ فِي الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِهِ، وَيُرَجِّحُ هَذَا الْقِيلَ قَوْلُهُ:«يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ» ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ هَذَا الْفَضْلُ وَلَوْ بِإِحْسَانِ الْوُضُوءِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهُوَ اللَّائِقُ بِصَاحِبِ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. (وَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ (أَنْ يَقُولَ بِإِثْرِ الْوُضُوءِ) بِكُثْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحِهَا وَبَعْدَ الذِّكْرِ السَّابِقِ كَمَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مَنْ التَّوَّابِينَ» أَيْ الَّذِينَ كُلَّمَا يُذْنِبُونَ يَتُوبُونَ «وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ» مِنْ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَصَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَرْوِيَّ مِنْ وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ يُسَمَّى مُضْطَرِبًا.
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ مَا قَدْ وَرَدَا مُخْتَلِفًا مِنْ وَاحِدٍ فَأَزْيَدَا إلَى أَنْ قَالَ: وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِلضَّعْفِ حَيْثُ لَمْ يَتَرَجَّحْ بَعْضُ الْوُجُوهِ وَإِلَّا زَالَ الِاضْطِرَابِ وَالْحُكْمُ لِلرَّاجِحِ، وَهُنَا لَمْ يَتَرَجَّحْ بَعْضُهَا فَهُوَ مُضْطَرِبٌ، لَكِنْ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ حَيْثُ لَمْ يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ.
وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْإِخْلَاصَ فِي عِبَادَتِهِمْ وَقَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَةِ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَلَوْ مَعَ التَّشْرِيكِ أَشَارَ لِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُكَلَّفِ الْمُرِيدِ لِلْوُضُوءِ (أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْوُضُوءِ) أَيْ يَأْتِيَ بِالْمَطْلُوبِ فِيهِ (احْتِسَابًا لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ مُخْلِصًا فِيهِ وَمُمْتَثِلًا (لِمَا أَمَرَهُ بِهِ) فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ إفْرَادُ الْمَعْبُودِ بِالْعِبَادَةِ لَا لِرِيَاءٍ
بِهِ وَيُشْعِرُ نَفْسَهُ أَنَّ ذَلِكَ تَأَهُّبٌ وَتَنَظُّفٌ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَيَعْمَلُ عَلَى يَقِينٍ بِذَلِكَ وَتَحَفُّظٍ فِيهِ فَإِنَّ تَمَامَ كُلِّ عَمَلٍ بِحُسْنِ النِّيَّةِ فِيهِ.
ــ
[الفواكه الدواني]
وَلَا سُمْعَةٍ وَلَهُ مَرَاتِبُ ثَلَاثٍ: دُنْيَا، وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ أَوْ خَوْفًا مِنْ نَارِهِ، وَوُسْطَى وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ لِكَوْنِهِ عَبْدًا مَمْلُوكًا لِلَّهِ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ كُلَّ شَيْءٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَوْلَاهُ شَيْئًا، وَعُلْيَا وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ لِأَجْلِ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ لَا طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ وَلَا خَوْفًا مِنْ نَارِهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَمِلَ عَلَى الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى مِنْ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ لِتَقْيِيدِ قَوْلِهِ: يَعْمَلُ عَمَلَ الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ: (يَرْجُو تَقَبُّلَهُ) فَإِنَّهُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَعْمَلُ أَيْ يَعْمَلُ عَمَلَ الْوُضُوءِ حَالَةَ كَوْنِهِ رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ تَقَبُّلَهُ (وَ) رَاجِيًا (ثَوَابَهُ وَتَطْهِيرَهُ مِنْ الذُّنُوبِ بِهِ) أَيْ الْوُضُوءِ لِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ إسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ» وَالْخَبَرُ: «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخَرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ تَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ» .
وَرَوَى مُسْلِمٌ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظَافِرِهِ» .
(وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ (يُشْعِرَ نَفْسَهُ) أَيْ يَعِظُهَا وَيُعَلِّمُهَا (أَنَّ ذَلِكَ) الْوُضُوءَ (تَأَهُّبًا) أَيْ اسْتِعْدَادًا (وَتَنَظُّفًا) أَيْ تَطَهُّرًا مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالذُّنُوبِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ نَصَبِ تَأَهُّبًا وَتَنَظُّفًا هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ الْمُصَنِّفِ، وَرُوِيَ تَأَهُّبٌ وَتَنَظُّفٌ بِالرَّفْعِ وَلَا إشْكَالَ فِيهَا وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي رِوَايَةِ النَّصْبِ مَعَ وُجُوبِ رَفْعِ خَبَرِ أَنَّ، وَأُجِيبُ بِأَوْجُهٍ
أَحَدُهَا: أَنَّ الْخَبَرَ قَوْلُهُ: (لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ) وَتَأَهُّبًا وَتَنَظُّفًا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي مُتَعَلَّقِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الْوَاقِعِ خَبَرًا.
ثَانِيهَا: أَنَّ نَصْبَهُمَا عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ وَجُمْلَةُ كَانَ مَعَ مَعْمُولَيْهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعِ خَبَرِ إنَّ وَلِمُنَاجَاةِ صِلَةُ تَأَهُّبًا.
ثَالِثُهَا: أَنَّ نَصْبَهُمَا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَنْصِبُ بِأَنَّ الْجُزْأَيْنِ عَلَى حَدِّ: إنْ حُرَّاسَنَا أُسْدًا، وَلِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ يَتَنَازَعُهُ تَأَهُّبًا وَتَنَظُّفًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَالْمُرَادُ بِمُنَاجَاةِ الْمُصَلِّي لِرَبِّهِ إخْلَاصُ قَلْبِهِ وَتَفْرِيغُ سِرِّهِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ.
(وَ) لِأَجْلِ (الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ تَعَالَى لِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ) تَعَالَى (بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) فَإِذَا اسْتَشْعَرَ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ تَمَكَّنَ مِنْ قَلْبِهِ الْإِجْلَالُ وَتَعْظِيمُ خَالِقِهِ. (فَيَعْمَلُ) الْوُضُوءَ (عَلَى يَقِينٍ) أَيْ إخْلَاصٍ (بِذَلِكَ) الْوُضُوءِ. (وَ) يَعْمَلُهُ عَلَى (تَحَفُّظٍ فِيهِ) أَيْ الْوُضُوءِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ. وَلَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَعْمَلَ الْوُضُوءَ عَلَى الْإِخْلَاصِ بَيَّنَ عِلَّةَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّ تَمَامَ) أَيْ صِحَّةَ (كُلِّ عَمَلٍ) يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِخْلَاصُ (بِحُسْنِ النِّيَّةِ فِيهِ) وَحُسْنُهَا إنَّمَا يَكُونُ بِمُقَارَنَةٍ مِنْ الْإِخْلَاصِ لَا مُطْلَقِ الْقَصْدِ، لِأَنَّ النِّيَّةَ بِهَذَا الْمَعْنَى تَقَعُ مِنْ الْمُرَائِي وَالْكَافِرِ.
وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ، فَمَنْ قَالَ: إنَّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ أَرَادَ النِّيَّةَ الصَّحِيحَةَ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعًا وَهِيَ الْمُقَارِنَةُ لِلْإِخْلَاصِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهَا شَيْئَانِ فَسَّرَ النِّيَّةَ بِمُطْلَقِ الْقَصْدِ، وَالْإِخْلَاصُ إفْرَادُ الْمَعْبُودِ بِالْعِبَادَةِ، فَعَلَى وَحِدَتِهِمَا تَكُونُ النِّيَّةُ رُوحَ الْعَمَلِ وَالْإِخْلَاصُ رُوحَ النِّيَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَتِهِمَا لِلسُّنَّةِ لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَلَا يَكْمُلُ قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا نِيَّةٌ إلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ
1 -
(تَتِمَّاتٌ) الْأُولَى: بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ الْمُوَالَاةُ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْفَوْرِ وَهِيَ الْإِتْيَانُ بِأَفْعَالِ الْوُضُوءِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ مُتَفَاحِشٍ، لِأَنَّ الَّذِي عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ خَمْسُ فَرَائِضَ: غَسْلُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَالدَّلْكُ، وَلَعَلَّ عَدَمَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ الْمُوَالَاةَ بِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهَا، لِأَنَّهُ قِيلَ بِسُنِّيَّتِهَا وَقِيلَ بِوُجُوبِهَا مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، فَعَلَى الْوُجُوبِ إنْ فَرَّقَ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا بَنَى اسْتِنَانًا فِيهِمَا وَإِنْ طَالَ لَكِنْ بِنِيَّةٍ مَعَ النِّسْيَانِ وَمَعَ الْبِنَاءِ فَعَلَ الْمَنْسِيَّ مَعَ مَا بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ فِعْلُهُ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، لِأَنَّ عَدَمَ الْمُوَالَاةِ يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَفْعَلَ بَعْضَ الْأَعْضَاءِ وَيُتْرَكَ جَمِيعَ مَا بَعْدَهُ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ مَثَلًا وَيَنْسَى الْيَدَيْنِ وَيَمْسَحَ الرَّأْسَ وَيَغْسِلَ الرِّجْلَيْنِ، فَيُطْلَبُ مِنْهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى تَكْمِيلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَغْسِلُ الْيَدَيْنِ وَيُعِيدُ مَسْحَ الرَّأْسِ وَيَغْسِلُ الرِّجْلَيْنِ حَيْثُ كَانَ بِالْقُرْبِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى فِعْل الْمَنْسِيِّ بَعْدَ الطُّولِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُنَكِّسُ، وَإِنْ فَرَّقَ عَمْدًا أَوْ عَجْزًا بَنَى مَا لَمْ يَطُلْ، وَإِنْ طَالَ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنَى الْبِنَاءِ الِاعْتِدَادُ بِمَا فَعَلَ وَالْإِتْيَانُ بَعْدُ بِالْمَتْرُوكِ، وَلَا يُقَالُ: الْعَاجِزُ لَا تَجِبُ الْمُوَالَاةُ فِي حَقِّهِ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ الْبِنَاءُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ، لِأَنَّا نَقُولُ: الْعَاجِزُ مُقَصِّرٌ بِخِلَافِ النَّاسِي لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَاجِزِ مَنْ أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَافٍ فَيَتَبَيَّنُ خِلَافُهُ، لِأَنَّهُ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطُ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي التَّحَفُّظِ مِمَّنْ أَرَاقَهُ مِنْهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَاجِزِ ضَعِيفَ الْبِنْيَةِ الَّذِي