الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيُعَدُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ غُرَّةِ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ ثُمَّ يُصَامُ وَكَذَلِكَ فِي الْفِطْرِ
وَيُبَيِّتُ الصِّيَامَ فِي أَوَّلِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْبَيَاتُ فِي بَقِيَّتِهِ، وَيُتِمُّ الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ
وَمِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ وَإِنْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ فَلَا يَأْكُلْ
وَلَا يُصَامُ يَوْمُ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَنَاقِصًا.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رحمه الله: «صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مَا صُمْنَا مَعَهُ ثَلَاثِينَ» ، ثُمَّ ذَكَرَ مَفْهُومَ قَوْلِهِ يُصَامُ لِرُؤْيَتِهِ بِقَوْلِهِ:(فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ) أَيْ هِلَالُ رَمَضَانَ بِأَنْ كَثُرَ الْغَيْمُ مَكَانَهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مَعَ رُؤْيَةِ هِلَالِ شَعْبَانَ (فَيَعُدُّ) الْمُكَلَّفُ (ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ غُرَّةِ) أَيْ أَوَّلِ الشَّهْرِ (الَّذِي قَبْلَهُ) وَهُوَ شَعْبَانُ (ثُمَّ) بَعْدَ إتْمَامِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، يَوْمًا (يَصُومُ) أَيْ يَثْبُتُ صَوْمُ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثِينَ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا مِنْ غُرَّةِ شَعْبَانَ، وَلَوْ تَوَالَى الْغَيْمُ شُهُورًا فَفِي الطِّرَازِ عَنْ مَالِكٍ يُكْمِلُونَ عِدَّةَ الْجَمِيعِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ اتِّبَاعًا لِحَدِيثِ:«الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَلَوْ تَوَالَى ثَلَاثَةٌ عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ كَمَالُ الشُّهُورِ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى حِسَابِ الْمُنَجِّمِينَ وَلَا لِقَوْلِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ إنَّهُ لَا يَتَوَالَى أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ عَلَى التَّمَامِ وَلَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ عَلَى النُّقْصَانِ، وَإِلَى هَذَا كُلِّهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ وَلَوْ بِصَحْوٍ بِمِصْرٍ، فَإِنْ لَمْ يُرَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ صَحْوًا كُذِّبَا أَوْ مُسْتَفِيضَةً وَعَمَّ إنْ نَقَلَ بِهِمَا عَنْهُمَا لَا بِمُنْفَرِدٍ إلَّا كَأَهْلِهِ وَمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِأَمْرِهِ، وَالضَّمِيرُ فِي كُذِّبَا لِلْعَدْلَيْنِ، وَمِثْلُهُمَا مَا زَادَ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَبْلُغْ عَدَدَ الْمُسْتَفِيضَةِ، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُرَ أَيْ بِغَيْرِ الْعَدْلَيْنِ الَّذِينَ ادَّعَيَا رُؤْيَتَهُ وَصَامَتْ النَّاسُ بِشَهَادَتِهِمَا وَمَعَ تَكْذِيبِهِمَا صَوْمُ النَّاسِ بِرُؤْيَتِهِمَا مُعْتَدٌّ بِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَنَظَرَ الْأُجْهُورِيُّ فِيمَا إذَا رَأَى شَخْصٌ الْهِلَالَ وَصَامَ بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُرَ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ صَحْوًا فَهَلْ يُكَذِّبُ نَفْسَهُ أَوْ يَعْمَلُ عَلَى اعْتِقَادِهِ؟ وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ وَهُمْ الَّذِينَ يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ أَوْ الظَّنَّ الْقَرِيبَ مِنْهُ فَلَا يُحْكَمُ بِتَكْذِيبِهِمْ لِإِسْلَامِ جَمِيعِهِمْ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ النِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: كَمَا يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ أَوْ بِرُؤْيَةِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ أَوْ بِكَمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ بِرُؤْيَةِ مُنْفَرِدٍ بِمَحَلٍّ لَا يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ يَثْبُتُ بِنَقْلِ عَدْلَيْنِ أَوْ جَمَاعَةٍ مُسْتَفِيضَةٍ عَنْ عَدْلَيْنِ أَوْ عَنْ جَمَاعَةٍ مُسْتَفِيضَةٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ عَنْ رُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ عَنْ الثُّبُوتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ عَنْ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ فَيُكْتَفَى وَلَوْ بِوَاحِدٍ وَلَوْ فِي مَحَلٍّ يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ، وَكَذَا يَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْمَنَائِرِ مَوْقُودَةً حَيْثُ كَانَتْ لَا تُوقَدُ إلَّا بَعْدَ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ كَمَا عِنْدَنَا بِمِصْرَ، وَمِثْلُهَا سَمَاعُ الْمَدَافِعِ فَإِنَّهَا لَا تُضْرَبُ عِنْدَ الْغُرُوبِ إلَّا لِثُبُوتِ الشَّهْرِ.
الثَّانِي: وُجُوبُ الصَّوْمِ عِنْدَنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، فَلَوْ حَكَمَ مُخَالِفٌ بِثُبُوتِهِ بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ يَعْتَنِي أَهْلُهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَفِي لُزُومِهِ لِلْمَالِكِيِّ وَعَدَمِ لُزُومِهِ تَرَدُّدٌ، وَلَوْ أَخْبَرَ الْحَاكِمُ شَخْصًا بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِمَنْ أَخْبَرَهُ فِي الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُخَالِفًا فِي الْمَذْهَبِ لِمَنْ أَخْبَرَهُ فَإِنَّهُ يَسْأَلُهُ، فَإِنْ وُجِدَ الثُّبُوتُ بِشَاهِدَيْنِ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَبِوَاحِدٍ جَرَى الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلَوْ ادَّعَى السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي الرُّؤْيَةَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ رُؤْيَةِ الْوَاحِدِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ يُعْتَنَى فِيهِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَلَوْ صَدَّقْنَاهُ لَا يَلْزَمُنَا الصَّوْمُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَذَاهِبِ.
الثَّالِثُ: لَوْ رَأَى شَخْصٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِالصَّوْمِ لَا يَلْزَمُ الرَّائِيَ وَلَا غَيْرَهُ إجْمَاعًا لِاخْتِلَالِ ضَبْطِ النَّائِمِ لَا لِلشَّكِّ فِي رُؤْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ إجْمَاعًا.
(وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَمَا يَجِبُ الصَّوْمُ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ أَوْ لِإِتْمَامِ عِدَّةِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا يَفْعَلُ (فِي الْفِطْرِ) فَيَجِبُ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ جَمَاعَةٍ مُسْتَفِيضَةٍ لِهِلَالِ شَوَّالٍ أَوْ لِإِتْمَامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ غُرَّةِ هِلَالِ رَمَضَانَ لَا بِرُؤْيَةِ مُنْفَرِدٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا يُفْطِرُ مُنْفَرِدٌ بِشَوَّالٍ وَلَوْ أَمِنَ الظُّهُورَ إلَّا بِمُبِيحٍ كَمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، وَلَكِنْ يُفْطِرُ بِالنِّيَّةِ لِحُرْمَةِ الْإِمْسَاكِ بِالنِّيَّةِ يَوْمَ الْعِيدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالٍ بِرُؤْيَةِ الْوَاحِدِ، وَلَا فِي مَحَلٍّ لَا يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
[شُرُوطِ الصَّوْمِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَعْضِ شُرُوطِ الصَّوْمِ بِقَوْلِهِ: (وَيُبَيِّتُ الصِّيَامَ) أَيْ يَنْوِي الصَّوْمَ وُجُوبًا (فِي أَوَّلِهِ) بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَصِحَّتُهُ مُطْلَقًا بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ أَوْ مَعَ الْفَجْرِ، وَكَفَتْ نِيَّةٌ لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ لَا مَسْرُودٌ وَيَوْمٌ مُعَيَّنٌ، وَرُؤْيَةٌ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِيهِمَا بِنِيَّةٍ، وَصِفَتُهَا أَنْ يَنْوِيَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِغْرَاقِ النَّهَارِ فِي كُلِّ أَيَّامِهِ بِالْإِمْسَاكِ عَمَّا يُفْطِرُ، وَلَا يَلْزَمُ تَعْيِينُ سَنَةِ رَمَضَانَ كَالْيَوْمِ لِلصَّلَاةِ، فَالْمُرَادُ بِالتَّبْيِيتِ نِيَّةُ الصَّوْمِ لَيْلًا الَّذِي أَوَّلُهُ الْغُرُوبُ وَآخِرُهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ التَّبْيِيتِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصَّوْمَ» إنَّمَا صَحَّتْ مَعَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّيَّةِ مُقَارَنَتُهَا لِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ تَقَدُّمُهَا فِي الصَّوْمِ لِمَشَقَّةِ تَحَرِّي الْفَجْرِ. (وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْبَيَاتُ) كُلَّ لَيْلَةٍ (فِي بَقِيَّتِهِ) وَكَذَلِكَ كُلُّ صَوْمٍ يَجِبُ تَتَابُعُهُ يَكْفِي النِّيَّةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
الْوَاحِدَةُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَكَفَتْ نِيَّةُ لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ لَا مَسْرُودٌ وَيَوْمٌ مُعَيَّنٌ، وَالْمَنْفِيُّ إنَّمَا هُوَ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَبْيِيتُهَا كُلَّ لَيْلَةٍ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ يَقُولَانِ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ كُلَّ لَيْلَةٍ.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ صَوْمُ رَمَضَانَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ كُلُّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ إنْ تَمَادَيَا عَلَى الصَّوْمِ يَجِبُ عَلَيْهِمَا النِّيَّةُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِعَدَمِ وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي حَقِّهِمَا وَعِنْدَ صِحَّةِ الْمَرِيضِ، وَقُدُومِ الْمُسَافِرِ يَكْفِيهِمَا نِيَّةٌ لِمَا بَقِيَ كَالْحَائِضِ تَطْهُرُ وَالصَّبِيِّ يَبْلُغُ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ وَالْكَافِرِ يُسْلِمُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ.
(وَ) يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ صَامَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَنْ (يُتِمَّ الصِّيَامَ إلَى) تَحَقُّقِ دُخُولِ (اللَّيْلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لِقَوْلِهِ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» أَيْ انْقَضَى صَوْمُهُ، وَقَوْلُهُ: إلَى تَحَقُّقِ دُخُولِ اللَّيْلِ إشَارَةٌ إلَى خُرُوجِ الْغَايَةِ، وَإِلَى حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُفْطِرِ عِنْدَ الْغُرُوبِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَكْلَهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا قَضَاءَ، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: إلَى اللَّيْلِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الْوِصَالُ لِخَبَرِ: «لَا تُوَاصِلُوا» وَإِنْ أُبِيحَ لَهُ صلى الله عليه وسلم الْوِصَالُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ شُرُوطَ الصَّوْمِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ وَهُوَ اثْنَانِ: الْبُلُوغُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الصَّوْمِ. وَثَانِيهَا شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ فَقَطْ وَهُوَ أَرْبَعٌ: الْإِسْلَامُ وَالْكَفُّ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ وَالنِّيَّةُ الْمُبَيَّتَةُ وَالزَّمَنُ الْقَابِلُ لِلصَّوْمِ فِيمَا لَيْسَ لَهُ زَمَنٌ مُعَيَّنٌ. ثَالِثُهَا فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الْعَقْلُ وَالنَّقَاءُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّوْمِ فِيمَا لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَرَمَضَانَ
. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُطْلَبُ مِنْ الصَّائِمِ أَوْ مَرِيدِ الصَّوْمِ بِقَوْلِهِ: (وَمِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ) بَعْدَ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ بِغُرُوبِ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ لِمَنْ يَنْظُرُهُ أَوْ دُخُولِ الظُّلْمَةِ، وَغَلَبَةِ الظَّنِّ بِالْغُرُوبِ لِمَنْ لَمْ يَنْظُرْ قُرْصَ الشَّمْسِ، كَمَحْبُوسٍ بِحُفْرَةٍ تَحْتَ الْأَرْضِ وَلَا مُخْبِرَ لَهُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ تَأْخِيرُ الْفِطْرِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ التَّشْدِيدِ، وَأَمَّا مَنْ يُؤَخِّرُهُ لِعَارِضٍ أَوْ اخْتِيَارًا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الصَّوْمَ قَدْ انْتَهَى بِالْغُرُوبِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي فِعْلِهِ، وَيُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ عَلَى شَيْءٍ حُلْوٍ فَفِي الْحَدِيثِ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رُطَبَاتٍ فَثَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» وَالْحَسَوَاتُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَالْمُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ الْفِطْرُ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ لِبَرَكَتِهِ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَحَسَنٌ، وَإِنَّمَا نُدِبَ الْفِطْرُ عَلَى التَّمْرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْحَلْوَيَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ مَا زَاغَ مِنْ الْبَصَرِ بِالصَّوْمِ، وَيَقُولُ نَدْبًا عِنْدَ الْفِطْرِ: اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت، أَوْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت، ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ لِلصَّائِمِ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً قِيلَ هِيَ بَيْنَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ وَوَضْعِهَا فِي فِيهِ.
(وَ) مِنْ السُّنَّةِ أَيْضًا (تَأْخِيرُ السُّحُورِ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ لِلْفِعْلِ، وَبِفَتْحِهَا الْمَأْكُولُ فِي السَّحَرِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» وَوَرَدَ أَيْضًا: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ» وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ سُنَّةِ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ مِثْلُهُ فِي الْقُرْطِيَّةِ وَالْجَوَاهِرِ لَكِنْ فِي تَعْجِيلِ الْفِطْرِ، وَاَلَّذِي فِي خَلِيلٍ أَنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ وَلَفْظُهُ: وَنُدِبَ تَعْجِيلُ فِطْرٍ وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ.
قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ: وَقَدْرُ التَّأْخِيرِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إلَى الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْقَارِئُ خَمْسِينَ آيَةً وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْقَارِئُ الْمُتَمَهِّلُ فِي قِرَاءَتِهِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ تَأْخِيرِ السُّحُورِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ فِعْلِهِ، وَهَذَا النَّدْبُ لِخَبَرِ:«تَسَحَّرُوا فَإِنَّ السُّحُورَ بَرَكَةٌ» ؛ لِأَنَّهُ يُقَوِّي عَلَى الصِّيَامِ وَيُنَشِّطُ ". الثَّانِي: فُهِمَ مِنْ نَدْبِ أَوْ سُنَّةِ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ تَقْدِيمُهُ عَلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ وَقَعَ عَلَى نَحْوِ رُطَبَاتٍ مِنْ كُلِّ مَا خَفَّ، وَإِلَّا قُدِّمَتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُضَيَّقٌ، هَذَا هُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي تَقْدِيمِ الطَّعَامِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا قَالَاهُ عَلَى الْفِطْرِ بِغَيْرِ الْفِطْرِ عَلَى الرُّطَبِ أَوْ الْمَاءِ فَلَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَاهُ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ طَلَبِ تَأْخِيرِ السُّحُورِ جَوَازُ فِعْلِهِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الْوَقْتِ قَالَ:(وَإِنْ شَكَّ) مَرِيدُ السُّحُورِ (فِي الْفَجْرِ فَلَا يَأْكُلْ) وَلَا يَشْرَبْ وَلَا يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ الْمُفْطِرَاتِ، وَمِثْلُ الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ الشَّكُّ فِي الْغُرُوبِ، وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْأَوَّلِ وَاتِّفَاقًا فِي الثَّانِي، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَفِي الثَّانِي بَقَاءُ النَّهَارِ، وَأَيْضًا اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ غَايَةَ الصَّوْمِ اللَّيْلَ لَا الشَّكَّ فِيهِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ أَكَلَ مَعَ الشَّكِّ وَهُوَ الْقَضَاءُ، إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَكْلَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ
الشَّكِّ لِيَحْتَاطَ بِهِ مِنْ رَمَضَانَ وَمَنْ صَامَهُ كَذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ وَافَقَهُ مِنْ رَمَضَانَ وَلِمَنْ شَاءَ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا أَنْ يَفْعَلَ
وَمَنْ أَصْبَحَ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الْأَكْلِ فِي بَقِيَّتِهِ وَيَقْضِيهِ
وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ نَهَارًا فَلَهُمَا الْأَكْلُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمَا
وَمَنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ عَامِدًا أَوْ سَافَرَ
ــ
[الفواكه الدواني]
بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَلْزَمُ الْمُنْتَهِكَ لِلْحُرْمَةِ، وَمِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ مَنْ أَكَلَ عَلَى يَقِينٍ ثُمَّ طَرَأَ لَهُ الشَّكُّ فِي الْفَجْرِ أَوْ الْغُرُوبِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى شَكِّهِ.
الثَّانِي: لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِالْفِطْرِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إلْقَاءُ مَا فِي فَمِهِ وَنَزْعُ فَرْجِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، فَلَوْ مَكَثَ قَلِيلًا مُتَعَمِّدًا لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا قَضَاءَ فِي نَزْعِ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ طُلُوعَ الْفَجْرِ.
الثَّالِثُ: لَوْ غَرَّهُ شَخْصٌ وَقَالَ لَهُ كُلْ مَثَلًا فَإِنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَأَكَلَ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ طَلَعَ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ أَكَلَ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ، وَفِي لُزُومِهَا لِلْغَارِّ قَوْلَانِ، وَأَمَّا لَوْ أَكْرَهَ شَخْصٌ شَخْصًا عَلَى الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ لَلَزِمَ الْمُكْرَهَ بِالْفَتْحِ الْقَضَاءُ وَيَلْزَمُ الْمُكْرِهَ الْكَفَّارَةُ، بِخِلَافِ مَنْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى جِمَاعِ امْرَأَةٍ لَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِانْتِشَارَ مَعَهُ نَوْعُ اخْتِيَارٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى الْجِمَاعِ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَلَا يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ بِالْفَتْحِ أَيْضًا، لِأَنَّ لُزُومَ الْكَفَّارَةِ مَشْرُوطٌ بِالتَّعَمُّدِ.
(وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ) أَيْ يُكْرَهُ إذَا صَامَهُ (لِيَحْتَاطَ) أَيْ يَحْتَسِبَ (بِهِ مِنْ رَمَضَانَ) وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي جَزْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ لِخَبَرِ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم» وَالْمُرَادُ بِيَوْمِ الشَّكِّ صَبِيحَةُ لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ حَيْثُ تَكُونُ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَيَشِيعُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ الَّذِينَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ أَنَّ النَّاسَ قَدْ رَأَوْا الْهِلَالَ لَا صَبِيحَةَ الْغَيْمِ، وَمَالَ إلَى هَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَئِمَّتِنَا قَائِلًا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي لِأَنَّنَا لَيْلَةَ الْغَيْمِ مَأْمُورُونَ بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِخَبَرِ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ أَوْ فَاقْدُرُوا لَهُ» فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّ تَفْسِيرَ يَوْمِ الشَّكِّ بِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَى النَّفْسِ أَمْيَلُ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِيَحْتَاطَ بِهِ أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِيهِ لِيَتَحَقَّقَ لَا يُنْهَى عَنْهُ بَلْ مَنْدُوبٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَ إمْسَاكٌ لِيَتَحَقَّقَ. (وَمَنْ صَامَهُ كَذَلِكَ) أَيْ لِلِاحْتِيَاطِ (لَمْ يُجْزِهِ) لِعَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الشَّهْرِ وَقْتَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ. (وَإِنْ وَافَقَهُ مِنْ رَمَضَانَ) خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ فَتَحَرَّى شَهْرًا وَصَامَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَمَضَانُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ قَوْلِ شَيْخِهِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ الْمُعْتَمَدِ أَنَّ الْمُتَحَرِّيَ مَأْمُورٌ بِالصَّوْمِ وَجَازِمٌ بِنِيَّتِهِ، بِخِلَافِ الصَّائِمِ احْتِيَاطًا فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَلَّمَ شَاكًّا فِي إتْمَامِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ الْكَمَالُ، وَكَذَلِكَ مَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَصَلَّى فِي حَالِ شَكِّهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ وَلَوْ تَبَيَّنَ وُقُوعَهَا فِيهِ، وَلَمَّا كَانَ مَحَلُّ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مُخْتَصًّا بِالِاحْتِيَاطِ قَالَ (وَلِمَنْ شَاءَ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا أَنْ يَفْعَلَ) أَيْ لَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَصِيمَ عَادَةً وَتَطَوُّعًا وَقَضَاءً وَلِنَذْرٍ صَادَفَ لَا احْتِيَاطًا، بَلْ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ صَادَفَ لِمَا عَرَفْت مِنْ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ صَامَهُ احْتِيَاطًا.
(وَمَنْ أَصْبَحَ) أَيْ دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ يَوْمَ الشَّكِّ (فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ) فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ (أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ) لِعَدَمِ تَبْيِيتِهِ النِّيَّةَ الصَّحِيحَةَ.
(وَلْيُمْسِكْ) وُجُوبًا (عَنْ الْأَكْلِ) وَالشُّرْبِ وَسَائِرِ الْمُفْطِرَاتِ (فِي بَقِيَّتِهِ وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يَقْضِيَهُ) لِفَسَادِ صَوْمِهِ وَالتَّمَادِي فِيهِ لِحُرْمَةِ الشَّهْرِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَلَوْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَلِذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَإِنْ ثَبَتَ نَهَارًا أَمْسَكَ وَإِلَّا كَفَّرَ إنْ انْتَهَكَ بِأَنْ أَفْطَرَ عَالِمًا بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَحُرْمَةِ الْفِطْرِ، وَمِثْلُهُ الْمُفْطِرُ نِسْيَانًا أَوْ مُكْرَهًا فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ إنْ انْتَهَكَ كُلَّ بِأَنْ تَمَادَى عَلَى الْفِطْرِ عَالِمًا بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ بَعْدَ زَوَالِ النِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ، بِخِلَافِ مَنْ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ كَالْمُضْطَرِّ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاحِدٍ بِأَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُفْطِرِ لِإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ لِلشَّكِّ فِي أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ التَّادَلِيُّ: عِبَادَتَانِ يَلْزَمُ التَّمَادِي فِيهِمَا بَعْدَ فَسَادِهِمَا كَمَا يَجِبُ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَهُمَا: الصَّوْمُ وَالْحَجُّ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ قَطْعُ الْفَاسِدِ مِنْهَا وَيَحْرُمُ التَّمَادِي عَلَيْهَا، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ فَسَادُهُمَا فِي الْغَالِبِ بِشَهْوَةِ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَشِدَّةِ مَيْلِ النَّفْسِ، فَأَمَرَ الشَّخْصَ بِالتَّمَادِي فِيهِمَا زَجْرًا لِلنَّفْسِ وَإِنْ وَجَبَ قَضَاؤُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ مُخْتَصًّا بِمَنْ أَفْطَرَ نِسْيَانًا أَوْ مُكْرَهًا لَا مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ
قَالَ: (وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ) مِنْ سَفَرِهِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْفِطْرُ حَالَةَ كَوْنِهِ (مُفْطِرًا أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ) أَوْ النُّفَسَاءُ (نَهَارًا) ظَرْفٌ لَقَدِمَ وَطَهُرَتْ (فَلَهُمَا) أَيْ يَجُوزُ لَهُمَا التَّمَادِي عَلَى نَحْوٍ (الْأَكْلُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمَا) وَكَالْمُفْطِرِ لِضَرُورَةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ، وَالْمُرْضِعِ يَمُوتُ وَلَدُهَا نَهَارًا، وَالْمَرِيضِ يَقْوَى، وَالصَّبِيِّ يَبْلُغُ وَلَمْ يَكُنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ أَوْ بَيَّتَهُ وَأَفْطَرَ عَمْدًا قَبْلَ بُلُوغِهِ
فِيهِ فَأَفْطَرَ لِسَفَرِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ أَفْطَرَ سَاهِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ
وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ فِي جَمِيعِ
ــ
[الفواكه الدواني]
فَلَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ يُبَيِّتُ الصَّوْمَ وَيَسْتَمِرُّ صَائِمًا حَتَّى بَلَغَ أَوْ أَفْطَرَ نَاسِيًا وَأَمْسَكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ لِعُذْرٍ غَيْرِ إكْرَاهٍ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ، وَأُخْرَى مِنْ ذِي الْعُذْرِ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ، بِخِلَافِ مَنْ يُبَاحُ لَهُ لَا مَعَ الْعِلْمِ كَالنَّاسِي أَوْ لِعُذْرِ إكْرَاهٍ وَأُلْحِقَ بِهِمَا الشَّاكُّ فِي الْيَوْمِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَضَابِطُ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ مَخْدُوشٌ مَنْطُوقًا بِالْمُكْرَهِ وَمَفْهُومًا بِالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ لِمَا قَدَّمْته لَك مِنْ حُكْمِهِمَا.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى جَوَازِ اسْتِمْرَارِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ وَمَنْ مَعَهُ جَوَازُ وَطْءِ كُلٍّ زَوْجَتَهُ الَّتِي طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا يَوْمَ قُدُومِهِ وَيَجُوزُ لَهَا تَمْكِينُهُ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً أَوْ صَائِمَةً حَيْثُ لَا يُفْسِدُ الْوَطْءُ صَوْمَهَا فِي دِينِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إكْرَاهُهَا عَلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهَا فِي دِينِهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ التَّوَجُّهِ إلَى نَحْوِ الْكَنِيسَةِ أَوْ مِنْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ أَكْلِ خِنْزِيرٍ.
الثَّانِي: وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْكَافِرِ يُسْلِمُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ خِطَابِهِ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الْإِمْسَاكُ كَالصَّبِيِّ يَحْتَلِمُ نَهَارًا، وَإِنْ قُلْنَا بِخِطَابِهِ نُدِبَ لَهُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ لِيَظْهَرَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ بِسُرْعَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قَضَاءُ يَوْمِ الْإِسْلَامِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَلَمَّا كَانَتْ التَّطَوُّعَاتُ تَصِيرُ عِنْدَنَا وَاجِبَةَ الْإِتْمَامِ بِالشُّرُوعِ فِيهَا وَيَحْرُمُ تَعَمُّدُ فَسَادِهَا قَالَ:
(وَمَنْ أَفْطَرَ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ (فِي تَطَوُّعِهِ عَامِدًا) عَمْدًا حَرَامًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ الَّتِي يَتَعَمَّدُ إفْسَادَهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَقَضَاءٌ فِي النَّفْلِ بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ وَلَوْ بِطَلَاقٍ بَتٍّ إلَّا لِوَجْهٍ كَوَالِدٍ وَشَيْخٍ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا فَإِنَّهُمَا إنْ أَمَرَاهُ بِالْفِطْرِ شَفَقَةً عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: أُحِبُّ أَنْ يُطِيعَهُمَا وَيُفْطِرَ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا وَلَا حُرْمَةَ وَلَا قَضَاءَ، وَمِثْلُ الْوَالِدَيْنِ السَّيِّدُ مَعَ عَبْدِهِ، وَالْمُرَادُ الْوَالِدَانِ دَنِيَّةً لَا الْجَدُّ وَلَا الْجَدَّةُ، وَأَمَّا الْفِطْرُ لِنَحْوِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ مَرَضٍ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ قَضَاءٌ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ غَيْرُ حَرَامٍ. (أَوْ سَافَرَ) عَطْفٌ عَلَى أَفْطَرَ (فِيهِ) أَيْ فِي زَمَنِ تَطَوُّعِهِ بِالصَّوْمِ (فَأَفْطَرَ) فِيهِ عَمْدًا لَا لِعُذْرٍ بَلْ (لِسَفَرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِحُرْمَةِ فِطْرِ الْمُتَطَوِّعِ اخْتِيَارًا؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ مُخْتَصٌّ بِرَمَضَانَ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ نَحْوِ كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ وَالرُّخَصُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، فَقَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ رَاجِعٌ لِمَنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ عَامِدًا وَلِمَنْ أَفْطَرَ فِي سَفَرِهِ، فَحَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ، فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ حَدِيثُ: «الصَّائِمُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْفِطْرِ لِلْمُتَطَوِّعِ وَعَدَمَ لُزُومِ الْقَضَاءِ فَمَا الْجَوَابُ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي سَنَدِ الْحَدِيثِ مَقَالًا فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَجَازِ، وَالْمَجَازُ إمَّا فِي أَوَّلِهِ وَإِمَّا فِي آخِرِهِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّائِمِ فِيهِ إمَّا مَرِيدُ الصَّوْمِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ صَامَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصَّائِمِ الْمُتَلَبِّسِ بِالصَّوْمِ فَيَكُونُ الصَّائِمُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ صَامَ مَعْنَاهُ اسْتَمَرَّ عَلَى صَوْمِهِ فَيَكُونُ مَجَازًا، وَارْتِكَابُ الْمَجَازِ فِي أَوَّلِهِ يُعَيِّنُهُ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] هَكَذَا أَجَابَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ، وَرُبَّمَا يُعَيِّنُ فِيهِ حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَدَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا كُنْت صَائِمَةً، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» فَلَعَلَّ الصَّوَابَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ لِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ، وَلِمَا فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ:«أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ رضي الله عنهما أَصْبَحَتَا مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ لَهُمَا طَعَامٌ فَأَفْطَرَتَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا: اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ» فَلَوْ كَانَ الْفِطْرُ مُبَاحًا لَمْ يَلْزَمْهُمَا الْقَضَاءُ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا قُلْنَا، أَلَا تَرَى لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ ذَلِكَ يَلْعَبُ بِصِيَامِهِ؟ وَأَيْضًا جَاءَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ:«إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلِيَدْعُ إلَى أَهْلِ الطَّعَامِ، وَوَرَدَ صَرِيحًا «فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلَا يَأْكُلْ» وَمُلَخَّصُ الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ مَعَ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ. ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومٍ عَامِدًا بِقَوْلِهِ:(وَإِنْ أَفْطَرَ) فِي تَطَوُّعِهِ حَالَ كَوْنِهِ (سَاهِيًا) أَوْ مُكْرَهًا (فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ تَعَمُّدِهِ وَلَكِنْ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي نَدْبِ قَضَائِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمِثْلُ النَّاسِي الْمُفْطِرُ لِضَرُورَةٍ كَجُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ لِوَجْهٍ كَأَمْرِ شَيْخِهِ أَوْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَالْمُرَادُ شَيْخُهُ فِي الْعِلْمِ أَوْ الطَّرِيقَةِ، وَلَمَّا كَانَ عَدَمُ لُزُومِ الْقَضَاءِ فِي الْفِطْرِ لَا عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ مُخْتَصًّا بِالتَّطَوُّعِ قَالَ:(بِخِلَافِ) صَوْمِ (الْفَرِيضَةِ) فَإِنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ وَلَوْ بِفِطْرِ النِّسْيَانِ، وَسَوَاءٌ رَمَضَانُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ نَحْوِ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ إلَّا الْمُعَيَّنَ يَفُوتُ صَوْمُهُ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِسْيَانٍ عَلَى مَا قَالَ خَلِيلٌ فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ،
وَلَمَّا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ
نَهَارِهِ
وَلَا تُكْرَهُ لَهُ الْحِجَامَةُ إلَّا خِيفَةَ التَّغْرِيرِ
وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فِي رَمَضَانَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَقَاءَ فَقَاءَ فَعَلَيْهِ
ــ
[الفواكه الدواني]
فِي حُكْمِ الِاسْتِيَاكِ فِي حَقِّ الصَّائِمِ، أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِبَيَانِ حُكْمِهِ فِي الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ:(وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ) أَيْ الِاسْتِيَاكِ بِعُودٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ (لِلصَّائِمِ فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ سِوَاكٌ كُلَّ النَّهَارِ، فَلَا بَأْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْإِذْنِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ نَدْبُهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَوَقْتِ الْوُضُوءِ وَلَكِنْ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَالْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَقَدْ يَجِبُ إذَا تَوَقَّفَ زَوَالُ مَا يُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ رَائِحَةِ بَصَلٍ أَوْ ثُومٍ، وَقَدْ يَحْرُمُ كَالِاسْتِيَاكِ بِالْجَوْزَاءِ وَلَوْ فِي حَقِّ الصَّائِمِ بِغَيْرِ رَمَضَانَ بَلْ وَلَوْ لِغَيْرِ صَائِمٍ، لِتَعْلِيلِ حُرْمَةِ الِاسْتِيَاكِ بِهَا بِأَنَّهَا مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهَا تُحَمِّرُ الْفَمَ وَحَرَّرَهُ وَقَدْ يُكْرَهُ كَالِاسْتِيَاكِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ الَّذِي يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا نَصَّ الْمُصَنِّفُ كَخَلِيلٍ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِيَاكِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ لِلرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي كَرَاهَتِهِ عِنْدَهُمَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَدَلِيلُنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» أَيْ لَأَوْجَبْته عَلَيْهِمْ، وَهَذَا يَعُمُّ الصَّائِمَ وَغَيْرَهُ، وَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ:«رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَا أُحْصِي وَلَا أَعُدُّ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ» . وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: «كَانَ يَسْتَاكُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَهُوَ صَائِمٌ» وَلَا دَلَالَةَ لِلْإِمَامَيْنِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا فِيمَا تَمَسَّكُوا بِهِ؛ لِأَنَّ الْخُلُوفَ لَا يَنْقَطِعُ مَا دَامَتْ الْمَعِدَةُ مَوْجُودَةً، فَإِنْ قِيلَ: الْخُلُوفُ أَثَرُ عِبَادَةٍ فَلَا يُزَالُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي التَّطَوُّعَاتِ الْإِخْفَاءُ مَخَافَةَ الرِّيَاءِ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِإِبْقَاءِ دَمِ الشَّهِيدِ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ مُنَاجٍ لِرَبِّهِ، فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ تَطِيبُ رَائِحَةِ فَمِهِ بِخِلَافِ الشَّهِيدِ، وَأَيْضًا لِلشَّارِعِ غَرَضٌ فِي بَقَاءِ دَمِ الشَّهِيدِ لِيَشْهَدَ لَهُ عَلَى الْخَصْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِفِعْلِهِ، وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ تَكُونُ الرَّائِحَةُ الْمُنْتِنَةُ حِسًّا أَطْيَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ مَعَ عِلْمِهِ تَعَالَى بِأَنَّهَا مُنْتِنَةٌ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا مِنْ بَابِ تَشْبِيهِ الْحَسَنِ الشَّرْعِيِّ بِالْعُرْفِيِّ، أَيْ أَنَّ هَذَا الْمُنْتِنَ عِنْدَنَا فِي الْحُسْنِ أَفْضَلُ وَأَحْسَنُ فِي الشَّرْعِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَ الطَّبْعِ لِصَبْرِ الصَّائِمِ عَلَيْهِ وَالصَّبْرُ عَمَلٌ صَالِحٌ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِطِيبِهِ اسْتِلْذَاذَهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِطِيبِهِ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وَثَنَاؤُهُ عَلَى الصَّائِمِ بِسَبَبِهِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: وَقَعَ خِلَافٌ بَيْنَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كَوْنِ الْخُلُوفِ أَطْيَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ هَلْ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ؟ ذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى أَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ وَاسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَيْثُ قَالَ: «أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَقُولُ: لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِ أَطْيَبَ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بَلْ الْآثَارُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ.
الثَّانِي: الْخُلُوفُ رِيحٌ مُتَغَيِّرٌ كَرِيهُ الشَّمِّ يَحْدُثُ مِنْ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ وَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَحَكَى عِيَاضٌ فَتْحَهَا وَهُوَ خَطَأٌ
(وَلَا تُكْرَهُ لَهُ) أَيْ لِلصَّائِمِ (الْحِجَامَةُ) وَلَا الْفَصَادَةُ (إلَّا خِيفَةَ التَّغْرِيرِ) لِأَدَائِهَا إلَى الْفِطْرِ، وَرُبَّمَا أَشْعَرَ قَوْلُهُ خِيفَةَ التَّغْرِيرِ بِأَنَّ هَذَا فِي حَقِّ الْمَرِيضِ، وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَالَ خَلِيلٌ: يُكْرَهُ ذَوْقُ مِلْحٍ وَعِلْكٍ ثُمَّ يَمُجُّهُ وَمُدَاوَاةُ حَفْرِ زَمَنِهِ إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ وَنَذْرُ يَوْمٍ مُكَرَّرٍ وَمُقَدِّمَةُ جِمَاعٍ كَقُبْلَةٍ وَفِكْرٍ إنْ عُلِمَتْ السَّلَامَةُ وَإِلَّا حُرِّمَتْ وَحِجَامَةُ مَرِيضٍ فَقَطْ، وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَلَا تُكْرَهُ لَهُ إلَّا إذَا شَكَّ فِي السَّلَامَةِ وَعَدَمِهَا، وَاَلَّذِي حَرَّرَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ أَنَّ الْحِجَامَةَ وَالْفَصَادَةَ يَحْرُمَانِ عِنْدَ عِلْمِ عَدَمِ السَّلَامَةِ حَتَّى عَلَى الصَّحِيحِ، وَيُكْرَهَانِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي السَّلَامَةِ وَلَوْ لِلصَّحِيحِ، وَأَمَّا عِنْدَ اعْتِقَادِ السَّلَامَةِ فَالْكَرَاهَةُ لِلْمَرِيضِ وَعَدَمُهَا لِلصَّحِيحِ وَجْهُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجَزْمُ بِالسَّلَامَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرِيضِ مَنْ قَامَ بِهِ الْمَرَضُ وَمِثْلُهُ ضَعِيفُ الْبِنْيَةِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَضَعْفُ بِنْيَةِ الصَّحِيحِ وَشَيْخُوخَتِهِ كَالْمَرِيضِ.
(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا نَصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى خُصُوصِ الْحِجَامَةِ لِلرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٍ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ بِنَفْسِهَا أَخْذًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمُحْتَجِمُ» وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، أَوْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اطَّلَعَ عَلَى فِطْرِهِمَا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ» وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْفَاكِهَانِيِّ نَقْلًا عَنْ ابْنِ مَعِينٍ فِي الْجَوَابِ أَنَّ حَدِيثَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمُحْتَجِمُ» لَمْ يَصِحَّ غَيْرُ مُسَلَّمٍ مَعَ ذِكْرِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ لَهُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى مَعْنًى لَمْ يَحْكُمْ أَحَدٌ بِتَصْحِيحِهِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ مَنْسُوخًا كَمَا تَقَدَّمَ
(وَمَنْ ذَرَعَهُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ خَرَجَ مِنْهُ غَلَبَةً (الْقَيْءُ فِي) صِيَامِ (رَمَضَانَ) وَأَوْلَى غَيْرُهُ (فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا وَلَوْ خَرَجَ مُتَغَيِّرًا، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى حَلْقِهِ، فَإِنْ رَجَعَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي حَلْقِهِ كَفَّرَ إنْ تَعَمَّدَ، وَإِلَّا قَضَى وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ فِي الْوُصُولِ.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَالْقَلْسُ كَالْقَيْءِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الْمَعِدَةِ عِنْدَ امْتِلَائِهَا فَإِنْ بَلَغَ إلَى فِيهِ وَأَمْكَنَهُ طَرْحُهُ وَلَمْ يَفْعَلْ فَقَالَ مَالِكٌ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ