الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهِ وَلَا يَقْرَأُ مَعَهُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ
وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ فَلْيَقْضِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مَا فَاتَهُ عَلَى نَحْوِ مَا
ــ
[الفواكه الدواني]
شَخْصِ الصَّلَاةِ وَوَصْفِهَا وَالْمُعَاقَبَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعَوْفِيُّ: كُلُّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لَا تَضُرُّ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ وَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا مَا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ يُوجِبُ الدَّلْكَ بِمَنْ لَا يُوجِبُهُ، وَمَنْ يُوجِبُ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ بِمَنْ يَكْتَفِي بِمَسْحِ بَعْضِهِ، وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ أَوْ بِمُعِيدٍ، وَأَمَّا اقْتِدَاءُ الْمَالِكِيِّ بِالْحَنَفِيِّ الَّذِي لَا يَعُدُّ الرَّفْعَ مِنْ فَرَائِضِهَا فَإِنْ كَانَ يَأْتِي بِهِ فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمَأْمُومَ الْمَالِكِيَّ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَهُ وَإِنْ أَتَى بِهِ مَعَ تَرْكِ الْإِمَامِ لَهُ لَزِمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَتَى بِشَيْءٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ إمَامُهُ، وَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَى كَلَامِ الْعَوْفِيِّ، خِلَافًا لِكَلَامِ سَنَدٍ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ، وَلَوْ رَآهُ يَأْتِي بِمُنَافٍ أَيْ مُبْطِلٍ كَتَقْبِيلِ الْحَنَفِيِّ لِزَوْجَتِهِ، وَسَنَدٌ يَشْتَرِطُ عَدَمَ الْإِتْيَانِ بِالْمُنَافِي، رَاجِعْ شَرْحَ خَلِيلٍ لِلْأُجْهُورِيِّ، تَاسِعُهَا: الْإِقَامَةُ فِي الْجُمُعَةِ فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمُسَافِرِ إلَّا الْخَلِيفَةَ، وَالْمُرَادُ بِالْمُسَافِرِ الْخَارِجُ عَنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ كَفَرْسَخٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يَخْطُبَ فِيهَا إلَّا إذَا نَوَى إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ. وَعَاشِرُهَا: الْحُرِّيَّةُ فِي الْجُمُعَةِ فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْعَبْدِ فِيهَا وَتُعَادُ جُمُعَةٌ إنْ أَمْكَنَ، وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ إمَامَةُ الْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ فِي الْجُمُعَةِ لِسُقُوطِهِمَا عَنْهُمَا فَالِاقْتِدَاءُ بِهِمَا يُشْبِهُ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْجُمُعَةِ فَيَصِحُّ.
حَادِي عَاشِرَهَا: الْمُسَاوَاةُ فِي الصَّلَاةِ شَخْصًا، وَصْفًا وَزَمَانًا، فَلَا تَصِحُّ ظُهْرٌ خَلْفَ عَصْرٍ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا أَدَاءً خَلْفَ قَضَاءٍ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا ظُهْرُ سَبْتٍ خَلْفَ ظُهْرِ أَحَدٍ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَوْ كَانَ عَدَمُ التَّسَاوِي عَلَى الِاحْتِمَالِ فَلَا يَقْتَدِي أَحَدُ شَخْصَيْنِ بِصَاحِبِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا شَاكٌّ فِي ظُهْرِ الْخَمِيسِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ كُلٍّ تَحْتَمِلُ الْفَرْضِيَّةَ وَالنَّفْلِيَّةَ. وَثَانِيَ عَشْرَهَا: عِمَارَةُ ذِمَّتِهِ بِصَلَاةِ الْمَأْمُومِ فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمُعِيدِ. ثَالِثَ عَشْرَهَا: أَنْ لَا يَكُونَ مَأْمُومًا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَسْبُوقِ الَّذِي أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُومٌ فِيهِ حُكْمًا، وَالْمَأْمُومُ لَا يَكُونُ إمَامًا بِخِلَافِ مَنْ أَدْرَكَ دُونَ رَكْعَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ، وَبَقِيَ شَرْطٌ فِيهِ خِلَافٌ وَهُوَ الْبَشَرِيَّةُ فَإِنَّ الْمَشَذَّالِيَّ قَالَ: قُوَّةُ كَلَامِهِمْ تَقْتَضِي اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ بَشَرًا، وَلَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ حُكَّامِ الْجَانِّ صِحَّةُ إمَامَةِ الْجِنِّيِّ؛ لِأَنَّ الْجِنَّ مُكَلَّفُونَ، بَلْ مَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إلَى صِحَّةِ إمَامَةِ الْمَلَكِ لِلْبَشَرِ بِدَلِيلِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم، وَلِي بَحْثٌ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ إمَامَةً حَقِيقِيَّةً، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُجَرَّدَ مُتَابَعَةٍ فَقَطْ لِلتَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ صِفَةَ الصَّلَاةِ حِينَ فَرَضَهَا عَلَيْهِ حَتَّى عَلَّمَهُ جِبْرِيلُ، وَأَيْضًا النَّبِيُّ مُفْتَرِضٌ وَجِبْرِيلُ مُتَنَفِّلٌ وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، بِخِلَافِ الْجِنِّيِّ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُفْتَرِضٌ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ هَذَا الْإِيضَاحَ،
1 -
وَأَمَّا شُرُوطُ الْكَمَالِ فَهِيَ السَّلَامَةُ مِنْ النَّقْصِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ، فَتُكْرَهُ إمَامَةُ الْأَقْطَعِ وَالْأَشَلِّ وَالْأَعْرَابِيِّ وَصَاحِبِ السَّلَسِ لِلصَّحِيحِ وَالْفَاسِقِ بِالْجَارِحَةِ، وَمَنْ تَكْرَهُهُ كُلُّ الْمَأْمُومِينَ أَوْ مُعْظَمُهُمْ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ رُومًا لِإِفَادَةِ الطَّالِبِ.
[بَيَان حُكْم الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة]
(وَ) مِنْ أَحْكَامِ الْمَأْمُومِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ (يَقْرَأَ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ) عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَنُدِبَتْ إنْ أَسَرَّ (وَلَا يَقْرَأُ مَعَهُ) أَيْ الْمَأْمُومُ (فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ) عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ بَلْ يُسَنُّ لَهُ الْإِنْصَاتُ.
قَالَ خَلِيلٌ فِي عَدَّ السُّنَنِ وَإِنْصَاتِ مُقْتَدٍ وَلَوْ سَكَتَ إمَامُهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ خَلْفَهُ فِي الْجَهْرِيَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَسَمِعَ قِرَاءَةَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَنَزَلَ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] » الْآيَةَ، وَهَذَا مَا لَمْ يُرَاعِ الْمَأْمُومُ الْخِلَافَ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقِرَاءَةُ لِمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ: مِنْ أَنَّ مِنْ الْوَرَعِ الْقِرَاءَةَ فِي الْجَهْرِيَّةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْإِتْيَانَ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الْفَاتِحَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يُوجِبُ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَرَامٌ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ، بَلْ قِيلَ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ أَسَرَّ الْإِمَامُ فِيمَا يُسَنُّ فِيهِ الْجَهْرُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ الْقِرَاءَةُ خَلْفَهُ، وَعَمَّا لَوْ جَهَرَ فِي مَحَلِّ السِّرِّ فَلَا يُسَنُّ الْإِنْصَاتُ خَلْفَهُ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ
، وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَأْمُومِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ) مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ لِأَنَّهَا الَّتِي تُسَنُّ فِيهَا الْجَمَاعَةُ (فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ) كَذَا فِي الْمُوَطَّإِ لَكِنْ بِلَفْظِ: فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ بَدَلَ الْجَمَاعَةِ، وَمَعْنَى أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ أَوْ الصَّلَاةَ أَدْرَكَ فَضْلَهَا وَحُكْمَهَا، وَالْمُرَادُ بِفَضْلِهَا التَّضْعِيفُ الْوَارِدُ فِي خَبَرِ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ
فَعَلَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ فَفِعْلُهُ كَفِعْلِ الْبَانِي الْمُصَلِّي وَحْدَهُ
وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي
ــ
[الفواكه الدواني]
دَرَجَةً» أَيْ صَلَاةً وَحُكْمُهَا فَلَا يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُهُ وَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ، وَيَلْزَمُهُ السُّجُودُ الْقَبْلِيُّ وَالْبَعْدِيُّ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى إمَامِهِ، وَيُسَلِّمُ عَلَى إمَامِهِ وَعَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً لَا يَحْصُلُ لَهُ حُكْمُهَا فَيُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى إمَامِهِ وَلَا عَلَى يَسَارِهِ وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُهَا الْمُتَقَدِّمُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ مَا أَدْرَكَ مِنْ تَشَهُّدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ دُونَ رَكْعَةٍ، وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ هُنَا يَكُونُ بِتَحَقُّقِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهَا وَلَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ إلَّا بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَ سَجْدَتَيْهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَإِنْ زُوحِمَ عَنْهُمَا أَوْ نَعَسَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَيَأْتِي بِهِمَا، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ.
وَأَقُولُ: الْأَظْهَرُ مِنْهُمَا الْحُصُولُ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا حُصُولُ الْفَضْلِ، وَلَوْ فَاتَتْهُ بَقِيَّةُ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ اخْتِيَارًا خِلَافًا لِتَقْيِيدِ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ بِمَا إذَا فَاتَهُ وَبَاقِي الصَّلَاةِ اضْطِرَارًا، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَاهُ أَنَّ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ مِنْ الِاخْتِيَارِيِّ بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ، وَلَوْ أَخَّرَ اخْتِيَارًا، وَأَيْضًا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ اخْتِيَارًا يُعِيدُ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا، وَقَوْلُنَا بِتَحَقُّقِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ إلَخْ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ شَكَّ هَلْ وَضَعَهُمَا قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَيُلْغِيهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِدْرَاكِ أَلْغَاهَا وَيَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ، قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: وَإِنْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ أَيْقَنَ أَنَّهُ إنَّمَا أَدْرَكَهُ رَافِعًا مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ تِلْكَ الرَّكْعَةَ بِاتِّفَاقٍ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَخِرُّ سَاجِدًا مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَرْفَعُ، فَإِنْ فَعَلَ وَرَفَعَ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ أَتَى بَدَلَهَا بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَهَذَا إذَا تَيَقَّنَ عَدَمَ الْإِدْرَاكِ قَبْلَ الرَّفْعِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ إلَّا بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَمِثْلُ تَيَقُّنِ عَدَمِ الْإِدْرَاكِ الشَّكُّ، وَلِلْأُجْهُورِيِّ مَا مُحَصِّلُهُ: أَنَّ مَنْ انْحَنَى مَعَ الْإِمَامِ مَعَ تَيَقُّنٍ أَوْ ظَنٍّ أَوْ شَكِّ الْإِدْرَاكِ وَتَبَيَّنَ لَهُ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ يَرْفَعُ مَعَ الْإِمَامِ، فَلَوْ تَرَكَهُ وَخَرَّ سَاجِدًا لَمْ تَبْطُلْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حِينَ الِانْحِنَاءِ يَتَيَقَّنُ أَوْ يَظُنُّ عَدَمَ الْإِدْرَاكِ وَتَبَيَّنَ لَهُ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ فَهَذَا يَخِرُّ سَاجِدًا وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ رَفَعَ غَيْرَ سَاهٍ.
1 -
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ وَبَيَّنَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: الْجَمَاعَةُ بِفَرْضٍ غَيْرِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ الْفَرْضُ حَاضِرًا أَوْ فَائِتًا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْبَلَدِ وَفِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَفِي حَقِّ كُلِّ مُرِيدِ صَلَاةٍ فَيُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يُوقِعَ صَلَاتَهُ فِي جَمَاعَةٍ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ جَامِعًا بَيْنَ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ: إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْبَلَدِ فَرْضُ كِفَايَةٍ يُجْبَرُونَ عَلَى إحْضَارِ ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ امْتَنَعُوا أُجْبِرُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ بِالْقِتَالِ، وَيَكْفِي ثَلَاثَةٌ بِالْإِمَامِ، وَيُسَنُّ عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ أَيْضًا إقَامَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَيَنْدُبُ لِلْمُنْفَرِدِ بَعْدَ إقَامَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَالسُّنَّةِ أَنْ يَطْلُبَ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَقِيلَ سُنَّةٌ، وَقِيلَ مَنْدُوبَةٌ وَطَلَبُ الْجَمَاعَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
قَالَ الْقَيْسِيُّ عَلَى الْعِزِّيَّةِ: وَالنِّسَاءُ فِيهَا كَالرِّجَالِ لِحَدِيثِ. «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ إقَامَتَهَا لِلنِّسَاءِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«الْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» وَفِي لَفْظٍ: «بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَالْمُرَادُ بِالْجُزْءِ وَالدَّرَجَةِ الصَّلَاةُ، وَجَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ حَتَّى لَا يَتَنَافَيَا بِأَنَّ الْجُزْءَ أَكْبَرُ مِنْ الدَّرَجَةِ، أَوْ بِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ، ثُمَّ تَفَضَّلَ بِالزِّيَادَةِ فَأَخْبَرَهُ بِهَا ثَانِيًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ بِثَمَانٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً، وَاحِدَةٌ كَصَلَاةِ الْفَذِّ وَبِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى رِوَايَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ،
1 -
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً كَامِلَةً مَعَ الْإِمَامِ يُحَصِّلُ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا كَالتَّكْبِيرِ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ إتْيَانِهَا بِبَاقِيهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَتَى بَقَاءُ التَّفْرِيعِ فَقَالَ: (فَلْيَقْضِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مَا فَاتَهُ) قَبْلَ دُخُولِهِ مَعَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ (عَلَى نَحْوِ مَا فَعَلَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ) فَمَا قَرَأَ فِيهِ الْإِمَامُ بِأُمِّ الْقُرْآن وَسُورَةٍ جَهْرًا أَوْ سِرًّا يَقْرَأُ فِيهِ كَذَلِكَ.
(وَأَمَّا) حَالُهُ (فِي) نَحْوِ (الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ فَفِعْلُهُ) فِيهِ (كَفِعْلِ الْبَانِي الْمُصَلِّي وَحْدَهُ) قَالَ خَلِيلٌ: وَقَضَى الْقَوْلَ وَبَنَى الْفِعْلَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمَسْبُوقَ الْمُدْرِكَ لِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ مَعَ إمَامِهِ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ وَقَامَ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي الْأَقْوَالَ وَيَبْنِي فِي الْأَفْعَالِ، وَحَقِيقَةُ الْقَضَاءِ جَعْلُ مَا فَاتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَمَا أَدْرَكَهُ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَالْبِنَاءُ جَعَلَ مَا أَدْرَكَ مَعَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَمَا فَاتَهُ آخِرَ صَلَاتِهِ عَكْسَ الْقَضَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَقْوَالِ الْقِرَاءَةُ خَاصَّةً، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فَهُوَ بَانٍ فِيهِ، فَلِذَا يَجْمَعُ بَيْنَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَإِذَا أَدْرَكَ ثَانِيَةَ الصُّبْحِ يَقْنُتُ فِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
الَّتِي يَقْضِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالْجُزُولِيُّ: فَإِنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الْعِشَاءِ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَأَتَى بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاتِهِ فَهُوَ قَاضٍ ثُمَّ يَجْلِسُ؛ لِأَنَّ الَّتِي أَدْرَكَهَا كَالْأُولَى بِالنِّسْبَةِ لِلْفِعْلِ فَيَبْنِي عَلَيْهَا، ثُمَّ يَأْتِي بِأُخْرَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي الْقَوْلَ وَلَا يَجْلِسُ بَلْ يَقُومُ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَيَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَتَانِ سِوَى هَذِهِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ قَاضٍ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ بَانٍ فِيهِمَا وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَائْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَرُوِيَ «فَاقْضُوا» فَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِرِوَايَةِ «فَاقْضُوا» فَجَعَلَهُ قَاضِيًا فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِرِوَايَةِ فَأَتِمُّوا فَجَعَلَهُ بَانِيًا فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ، وَجَمَعَ مَالِكٌ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَحَمَلَ رِوَايَةَ فَأَتِمُّوا عَلَى الْأَفْعَالِ وَرِوَايَةَ فَاقْضُوا عَلَى الْأَقْوَالِ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ قَاضٍ مُطْلَقًا يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا وَلَا يَجْلِسُ أَيْ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ بَانَ مُطْلَقًا يَأْتِي بِالثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا وَيَجْلِسُ، ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ سِرًّا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقَضَاءِ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَانِيَ هُوَ الْمُنْفَرِدُ وَالْقَاضِيَ هُوَ الْمَسْبُوقُ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُدْرِكِ وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَفَعَلَهُ أَيْ الْمُدْرِكُ لِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ مَعَ الْإِمَامِ فِي حَالِ قَضَاءِ مَا سَبَقَهُ بِهِ الْإِمَامُ الْمُنْفَرِدُ فِي حَالِ بِنَائِهِ حَتَّى يُفْسِدَ بَعْضَ رَكَعَاتِهِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ مَا صَحَّ عِنْدَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَيَبْنِي عَلَيْهِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: قَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: كَفِعْلِ الْبَانِي الْمُصَلِّي وَحْدَهُ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ أَحَالَ الْمُدْرِكُ بِفِعْلِهِ عَلَى الْبَانِي وَهُوَ لَمْ يُبَيِّنْ صُورَةَ الْبَانِي فَأَحَالَ مَجْهُولًا عَلَى مَجْهُولٍ، وَأَجَابَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِجَعْلِ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ تَفْسِيرًا لَلْبَانِي فَكَأَنَّهُ قَالَ: فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ، وَقَدْ بَيَّنَ فِعْلَ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَلَيْسَ فِيهِ إحَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ بَلْ عَلَى مَعْلُومٍ، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ سَلِمَ الْإِشْكَالُ وَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْسِيرِ الْبَانِي بِالْمُصَلِّي وَحْدَهُ زَوَالُ الْإِشْكَالِ،؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفَ يَفْعَلُ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ إذَا تَبَيَّنَّ لَهُ فَسَادُ بَعْضِ صَلَاتِهِ، وَفَسَّرَ الْبَانِي بِأَنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي صَلَاتَهُ إلَى آخِرِهَا، ثُمَّ يَذْكُرُ مَا يُفْسِدُ لَهُ بَعْضَ صَلَاتِهِ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ خَلِيلٍ: وَرَجَعَتْ الثَّانِيَةُ أَوْلَى بِبُطْلَانِهَا لِفَذٍّ وَإِمَامٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ مَا صَحَّ عِنْدَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَصُوَرُهُ ثَلَاثٌ: إحْدَاهَا أَنْ يَذْكُرَ مَا يُفْسِدُ لَهُ رَكْعَةً إمَّا بِتَرْكِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ مَثَلًا، وَيُوَازِي هَذَا مِنْ حَالِ الْمُدْرِكِ الَّذِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ. ثَانِيَتُهُمَا: أَنْ يَذْكُرَ مَا يُفْسِدُ لَهُ رَكْعَتَيْنِ وَيُوَازِي هَذَا مِنْ حَالِ الْمُدْرِكِ أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَتَانِ. ثَالِثَتُهُمَا: أَنْ يَذْكُرَ مَا يُفْسِدُ لَهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَيُوَازِي هَذَا مِنْ حَالِ الْمُدْرِكِ أَنْ تَفُوتَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ.
وَأَمَّا إنْ ذَكَرَ مَا يُفْسِدُ لَهُ جَمِيعَهَا فَلَا عَمَلَ عِنْدَهُ فِيهَا وَهُوَ كَحَالِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الصَّلَاةِ شَيْئًا، وَصُورَةُ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامَ عَلَى حِدَةٍ وَالْبَانِي عَلَى حِدَةٍ وَالْمُدْرِكُ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا، فَيَفْعَلُ أَيْ الْمُدْرِكُ وَهُوَ الْمَسْبُوقُ بِبَعْضِ صَلَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْقِرَاءَةِ كَفِعْلِ الْإِمَامِ وَيَفْعَلُ فِي الْأَفْعَالِ كَفِعْلِ الْبَانِي فَقَدْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ شَيْئًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَلْيَقْضِ عَلَى نَحْوِ مَا فَعَلَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ، وَأَمَّا فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ فَكَالْبَانِي الْمُصَلِّي وَحْدَهُ، وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي الْبَانِي أَنْ يَجْعَلَ مَا صَحَّ عِنْدَهُ هُوَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فَيَبْنِي عَلَيْهِ، وَيَأْتِي بِمَا فَسَدَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا يَفْعَلُ فِي ابْتِدَاءِ صَلَاتِهِ، فَإِذَا ذَكَرَ مَا يُفْسِدُ لَهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الْعِشَاءِ مَثَلًا وَهُوَ فِي حَالِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَيَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ، وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِنَقْصِ السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ بَعْدَ رَكْعَةٍ وَزَادَ الرَّكْعَةَ الْمُلْغَاةَ.
وَالْمُدْرِكُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ كَفِعْلِ الْإِمَامِ فِيهَا، وَيُخَالِفُهُ فِي الْجُلُوسِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَجْلِسْ فِيهَا، وَجَلَسَ هُوَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا رَابِعَةٌ لَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ مَا يُفْسِدُ لَهُ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ خَاصَّةً، وَتَكُونُ صَلَاتُهُ كُلُّهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ السُّورَتَيْنِ وَزَادَ الرَّكْعَتَيْنِ الْفَاسِدَتَيْنِ وَنَقَصَ الْجُلُوسَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِعْلُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَأَمَّا الْمُدْرِكُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَرَأَ فِيهِمَا كَذَلِكَ فِي آخَرِ صَلَاتِهِ، وَإِنْ ذَكَرَ مَا يُفْسِدُ لَهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ أَتَى بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَجْلِسُ لِأَنَّهَا ثَانِيَتُهُ، وَيَقُومُ فَيَأْتِي بِالرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ، وَيَسْجُدُ أَيْضًا قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ السُّورَةَ وَزَادَ الرَّكَعَاتِ الْفَاسِدَةَ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْبَانِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَخَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَرَجَعَتْ ثَانِيَتُهُ أَوْلَى بِبُطْلَانِهَا لِفَذٍّ وَإِمَامٍ لِانْقِلَابِ رَكَعَاتِهِمَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَا فَسَدَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَفْسَدَهُ.
وَأَمَّا الْمُدْرِكُ إذَا فَاتَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَجْعَلُهَا مَعَ الَّتِي أَدْرَكَ، وَيَجْلِسُ بَعْدَهَا، فَوَافَقَ فِي هَذَا الْفِعْلِ الْبَانِيَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ، ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ، وَهَذَا وَجْهُ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ صُوَرٍ الَّتِي تُتَصَوَّرُ فِي الْبَانِي وَالْمُدْرِكِ، وَإِنْ
الْجَمَاعَةِ لِلْفَضْلِ فِي ذَلِكَ إلَّا الْمَغْرِبَ وَحْدَهَا
وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يُعِيدُهَا فِي جَمَاعَةٍ
وَمَنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
ذَكَرَ الْبَانِي أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ أَوْ تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَتَيْهَا، فَإِنْ كَانَ تَذَكَّرَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ وَتَصِيرُ الرَّابِعَةُ أَوْلَى فَيَبْنِي عَلَيْهَا لِبُطْلَانِ الثَّلَاثِ الْأُولَى، لِفَوَاتِ تَدَارُكِ إصْلَاحِ كُلِّ رَكْعَةٍ بِعَقْدِ مَا بَعْدَهَا وَعَقْدُهَا بِالِانْحِنَاءِ فِيهَا وَقَبْلَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، ثُمَّ يَأْتِي بِثَانِيَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَجْلِسُ ثُمَّ بِرَكْعَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ، وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ الرَّكَعَاتِ الْبَاطِلَةِ وَنَقْصَ السُّورَةِ مِنْ الرَّابِعَةِ الَّتِي صَارَتْ أَوْلَى، وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ السَّلَامَ يُفَوِّتُ تَدَارُكَ الْأَخِيرَةِ، وَهَذِهِ أَشَارَ إلَيْهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَبَطَلَتْ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مِثْلُ الْأَرْبَعِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا لَوْ ذَكَرَ الْبَانِي أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً أَوْ شَكَّ فِي تَرْكِهَا وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ رَكْعَةٍ هِيَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَخِرُّ سَاجِدًا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَلَمْ يَفُتْ تَدَارُكِهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ إنْ كَانَ تَذَكُّرُهُ أَوْ شَكُّهُ وَهُوَ فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ يَأْتِي بَعْدَ السَّجْدَةِ بِرَكْعَةٍ بِفَاتِحَةٍ فَقَطْ لِانْقِلَابِ رَكَعَاتِهِ، وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مِنْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَرَجَعَتْ الَّتِي لَا سُورَةَ فِيهَا مَكَانَهَا، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى هَذِهِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ شَكَّ فِي سَجْدَةٍ لَمْ يَدْرِ مَحَلَّهَا سَجَدَهَا.
وَفِي الْأَخِيرَةِ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَفِي قِيَامِ ثَالِثَتِهِ بِثَلَاثٍ وَرَابِعَتِهِ بِرَكْعَتَيْنِ وَتَشَهُّدٍ أَيْ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالسَّجْدَةِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا ثَبَتَ لَهُ رَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مُحَقَّقٌ سِوَاهُمَا.
الثَّانِي: قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَفِعْلِ الْبَانِي دُونَ قَيْدِ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ لَكَانَ أَتَمَّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْفَذِّ فِي الْبِنَاءِ عَلَى مَا صَحَّ مِنْ صَلَاتِهِمْ عِنْدَ تَبَيُّنِ فَسَادِ بَعْضِهَا سَوَاءً اهـ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: فِي كَلَامِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ يُخَالِفُ الْفَذَّ وَالْإِمَامَ لِانْقِلَابِ رَكَعَاتِهِمَا، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا تَنْقَلِبُ رَكَعَاتُهُ إلَّا تَبَعًا لِإِمَامِهِ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ تَنْقَلِبْ رَكَعَاتُ إمَامِهِ لَمْ تَنْقَلِبْ رَكَعَاتُهُ، وَيَأْتِي بِمَا فَسَدَ لَهُ عَلَى صُورَةِ مَا فَسَدَ.
الثَّالِثُ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَلْيَقْضِ يُوهِمُ اخْتِصَاصَ هَذَا الْحُكْمِ بِالْمُدْرِكِ، وَيُعَبِّرُ عَنْهُ بِالْمَسْبُوقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مِثْلُهُ مَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُفْسِدُ لَهُ رَكْعَةً أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِثْلَ الْمَسْبُوقِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بَعْضُ صَلَاتِهِ فَيَقُومُ قَاضِيًا فِي الْأَقْوَالِ بَانِيًا فِي الْأَفْعَالِ.
الرَّابِعُ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ سُجُودِ السَّهْوِ لِظُهُورِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَانِيَ يَسْجُدُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةً وَرُبَّمَا يَنْضَمُّ لَهَا نَقْصٌ، بِخِلَافِ الْمُدْرِكِ قَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ نَقْصٌ وَلَا زِيَادَةٌ، نَعَمْ إنْ كَانَ عَلَى إمَامِهِ سُجُودٌ يُخَاطَبُ بِهِ أَوْ حَصَلَ لَهُ بَعْدَ قِيَامِهِ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ السُّجُودَ يَسْجُدُ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ وَتَسْهِيلًا عَلَى الطَّالِبِ،
ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ) فَرِيضَةً أَوْ صَلَّاهَا مَعَ صَبِيٍّ وَلَمْ يَكُنْ إمَامًا رَاتِبًا صَلَّى فِي مَحَلِّهِ بِشَرْطِهِ (فَلَهُ) عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ (أَنْ يُعِيدَ) صَلَاتَهُ وَلَوْ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ (فِي الْجَمَاعَةِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا مَعَ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا، خِلَافًا لِظَاهِرِ خَلِيلٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ مَعَ وَاحِدٍ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يُصَدِّقُ بِغَيْرِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ أَنْكَرَ الْقَوْلَ بِالْإِعَادَةِ مَعَ الْوَاحِدِ غَيْرِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، وَيَنْوِي بِإِعَادَتِهِ الْفَرْضَ مَعَ التَّفْوِيضِ لِاحْتِمَالِ تَبَيُّنِ عَدَمِ صِحَّةِ الْأُولَى فَتَجْزِيهِ هَذِهِ الْمُعَادَةُ، وَأَمَّا لَوْ صَلَّاهَا مَعَ بَالِغٍ وَلَوْ امْرَأَةً فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْفَضْلُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ إمَامًا رَاتِبًا صَلَّى فِي مَحَلِّهِ الْمُعْتَادِ لَهُ بَعْدَ الْأَذَانِ وَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْفَضْلُ لِقَوْلِ خَلِيلٍ وَالْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي: وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ كَجَمَاعَةٍ، ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ الْإِعَادَةِ بِقَوْلِهِ:(لِلْفَضْلِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» أَيْ صَلَاةً، وَتَنْدُبُ إعَادَتُهَا لِذَلِكَ الْفَضْلِ.
وَلَوْ كَانَ صَلَّاهَا وَحْدَهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ، بِخِلَافِ أَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا عَلَى فِعْلِهَا جَمَاعَةً آخِرَهُ، وَمَحَلُّ نَدْبِ إعَادَةِ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ أَنْ لَا يَكُونَ صَلَّاهَا فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِلَّا لَمْ تَنْدُبُ إعَادَتُهَا؛ لِأَنَّ فَذَّهَا أَفْضَلُ مِنْ جَمَاعَةِ غَيْرِهَا فَكَيْفَ يُعِيدُ؟ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يُعِيدُ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ وَاحِدًا مِنْهَا بَعْدَ أَنَّ صَلَّى فِي بَعْضِهَا فَذًّا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ فِي جَمَاعَةٍ لَا فَذٍّ، وَلَوْ كَانَ مَا دَخَلَ فِيهِ أَفْضَلَ مِمَّا صَلَّى فَذًّا فِيهِ، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى فِي غَيْرِهَا مُنْفَرِدًا اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَتُهَا فِيهَا وَلَوْ مُنْفَرِدًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ صَلَّى فِي غَيْرِهَا جَمَاعَةً فَلَا يُعِيدُ فِيهَا إلَّا فِي جَمَاعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ لِلَّخْمِيِّ يُعِيدُهَا وَلَوْ فَذًّا وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: أَنَّ فَذَّهَا أَفْضَلُ مِنْ جَمَاعَةٍ غَيْرِهَا، وَلَمَّا كَانَ مَفْعُولُ صَلَّى يُؤْذِنُ بِالْعُمُومِ لِحَذْفِهِ اسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَا يُعَادُ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ بِقَوْلِهِ:(إلَّا الْمَغْرِبَ وَحْدَهَا) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ: وَإِلَّا الْعِشَاءَ بَعْدَ الْوِتْرِ فَتَحْرُمُ إعَادَتُهَا لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ تَعْبِيرِ التَّوْضِيحِ بِالْمَنْعِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ وِتْرُ صَلَاةِ النَّهَارِ وَبِالْإِعَادَةِ تَصِيرُ شَفْعًا، فَإِنْ اقْتَحَمَ النَّهْيَ وَأَعَادَ الْمَغْرِبَ قَطَعَ مَا لَمْ يَرْكَعْ وَإِلَّا شَفَّعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ شَفَّعَهَا بِوَاحِدَةٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ أَعَادَ وَلَمْ يَقْعُدْ قَطَعَ وَإِلَّا شَفَّعَ، وَإِنْ أَتَمَّ وَلَوْ سَلَّمَ أَتَى
لَمْ يُدْرِكْ إلَّا التَّشَهُّدَ أَوْ الْجُلُوسَ فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ
وَالرَّجُلُ الْوَاحِدُ مَعَ الْإِمَامِ يَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَقُومُ الرَّجُلَانِ فَأَكْثَرَ خَلْفَهُ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مَعَهُمَا قَامَتْ خَلْفَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا رَجُلٌ صَلَّى عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا
وَمَنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
بِرَابِعَةٍ إنْ قَرُبَ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ إعَادَةُ الْعِشَاءِ بَعْدَ الْوِتْرِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ اجْتِمَاعِ وِتْرَيْنِ فِي لَيْلَةٍ إنْ أَعَادَ الْوِتْرَ، وَمِنْ مُخَالِفَةِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وِتْرًا» إنْ لَمْ يُعِدْهُ فَإِنْ اقْتَحَمَ النَّهْيَ وَأَعَادَ الْعِشَاءَ فَالظَّاهِرُ مِنْ التَّفْرِيعِ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ عَلَى إعَادَةِ الْمَغْرِبِ فَقَطْ قَطَعَ الْعِشَاءَ.
وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ قَطْعِ الْعِشَاءِ مُطْلَقًا وَشَفْعِ الْمَغْرِبِ بَعْدَ عَقْدِهَا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْعِشَاءَ بَعْدَ الْوِتْرِ لَا يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: إذَا عَلِمْت أَنَّ الْعِشَاءَ بَعْدَ الْوِتْرِ كَالْمَغْرِبِ فِي عَدَمِ الْإِعَادَةِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ عَلِمْت أَنَّ اقْتِصَارَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَغْرِبِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِغَيْرِ الْمَشْهُورِ، وَعَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ مِنْ إعَادَةِ الْعِشَاءِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الْوِتْرِ فَهَلْ يُعَادُ الْوِتْرُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ لِسَحْنُونٍ وَغَيْرِهِ.
الثَّانِي: الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ بَعْدَ الْوِتْرِ وَإِنْ كَانَا لَا يُعَادَانِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ يُعَادَانِ لِلتَّرْتِيبِ وَلِلصَّلَاةِ بِالنَّجَاسَةِ نِسْيَانًا، وَيُعَادُ الْوِتْرُ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ لِلْحِلِّ آكَدُ مِنْهَا لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ.
(وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ) وَلَوْ مَعَ الْإِمَامِ وَحْدَهُ (فَلَا يُعِيدُهَا فِي الْجَمَاعَةِ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَفْضَلَ وَأَكْثَرَ عَدَدًا؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ الَّذِي تُشَرَّعُ لِأَجْلِهِ الْإِعَادَةُ قَدْ حَصَلَ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ ابْتِدَاءً مَعَ الْفُضَلَاءِ وَفِي الْجُمُوعِ الْكَثِيرَةِ أَفْضَلَ، إلَّا أَنَّ هَذَا الْفَضْلَ لَا تُشَرَّعُ لِأَجْلِهِ الْإِعَادَةُ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: إذَا عَلِمْت أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ وَاحِدٍ كَالصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ مَنْ صَلَّى مَعَ وَاحِدٍ يُعِيدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
الثَّانِي: مَفْهُومُ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ وَحْدَهُ يُعِيدُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ فِي أَنَّهُ إنْ صَلِّي وَحْدَهُ يَحْصُلُ لَهُ الْفَضْلُ وَلَا يُعِيدُ مَفْهُومُ مَا هُنَا بِمَا يَأْتِي.
الثَّالِثُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَلَا يُعِيدُهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ الَّتِي يُرِيدُ الْإِعَادَةَ مَعَهَا فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجِبُ تَقْيِيدُ كَلَامِهِ بِمَا إذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ الَّتِي يُرِيدُ الْإِعَادَةَ مَعَهَا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ أَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ الْأُولَى فِي أَحَدِهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْأُولَى فِي غَيْرِهَا وَالثَّانِيَةُ فِيهَا فَيَنْدُبُ لَهُ الْإِعَادَةُ مَعَهَا لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي غَيْرِهَا فِي جَمَاعَةٍ يُعِيدُ فِيهَا جَمَاعَةً لِأَنَّ جَمَاعَتَهَا أَفْضَلُ مِنْ جَمَاعَةِ غَيْرِهَا.
الرَّابِعُ: قَوْلُهُ هُنَا وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً إلَخْ لَيْسَ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلِ الْبَابِ: وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ قَصَدَ بِهِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ مُدْرِكَ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ مَعَ الْإِمَامِ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ، وَمَا هُنَا قَصَدَ بِهِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ مُحَصِّلَ الْفَضْلِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِلْفَضْلِ الْحَاصِلِ، وَلَا يُقَالُ: مِنْ الْأَوَّلِ يُفْهَمُ الثَّانِي؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ فَهْمِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ كَوْنُهُ مَقْصُودًا مِنْهُ.
(وَ) مَفْهُومُ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ إلَخْ أَنَّ (مَنْ لَمْ يُدْرِكْ) مَعَ الْإِمَامِ (إلَّا التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ أَوْ الْجُلُوسَ) وَنَحْوَهُمَا مِمَّا لَيْسَ بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ وَكَمَّلَ صَلَاتَهُ (فَلَهُ) عَلَى النَّدْبِ (أَنْ يُعِيدَ) تِلْكَ الصَّلَاةَ (فِي جَمَاعَةٍ) أُخْرَى لِيَحْصُلَ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ كَمَنْ صَلَّاهَا ابْتِدَاءً وَحْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَغْنِ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ هَذِهِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِحُصُولِ الْفَضْلِ بِإِدْرَاكِ مَا دُونَ رَكْعَةٍ أَوْ لِمُجَرَّدِ رَفْعِ تَوَهُّمِ اعْتِقَادِ حُصُولِ الْفَضْلِ لَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: وَكَمَّلَ صَلَاتَهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ وَيُدْرِكَ جَمَاعَةً أُخْرَى يَرْجُوهَا، فَإِنْ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً كَمَّلَ صَلَاتَهُ وَلَا يَقْطَعُهَا حَيْثُ كَانَ غَيْرَ مُعِيدٍ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا الْمُعِيدُ لِفَضْلِهَا فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً يُشَفِّعُ نَدْبًا حَيْثُ كَانَتْ الصَّلَاةُ الْأُولَى مِمَّا يَنْتَفِلُ بَعْدَهَا كَمَا فِي الْجَلَّابِ.
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَحَلِّ وُقُوفِ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أَحْكَامِهِ بِقَوْلِهِ: (وَالرَّجُلُ الْوَاحِدُ) وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ الْقُرْبَةَ إذَا صَلَّى وَاحِدًا مِنْهُمَا (مَعَ الْإِمَامِ) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ (يَقُومَ) أَيْ يُصَلِّيَ (عَنْ) أَيْ جِهَةَ (يَمِينِهِ) وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ قَلِيلًا بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ الْإِمَامُ مِنْ الْمَأْمُومِ وَتُكْرَهُ مُحَاذَاتُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ:«أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ فَعَدَلَنِي كَذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ» وَإِنَّمَا لَمْ يُدِرْهُ مِنْ أَمَامِهِ لِئَلَّا يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي.
(وَ) مَفْهُومُ الْوَاحِدِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَقُومَ) أَيْ يُصَلِّيَ (الرَّجُلَانِ فَأَكْثَرَ خَلْفَهُ) لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «قُمْت عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدَيَّ فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَابِرُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ
صَلَّى بِزَوْجَتِهِ قَامَتْ خَلْفَهُ
وَالصَّبِيُّ إنْ صَلَّى مَعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ خَلْفَ الْإِمَامِ قَامَا خَلْفَهُ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ لَا يَذْهَبُ وَيَدْعُ مَنْ يَقِفُ مَعَهُ
وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ إنْ صَلَّى وَحْدَهُ قَامَ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ
وَيُكْرَهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ أَنْ تُجْمَعَ فِيهِ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ
وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً فَلَا يَؤُمُّ فِيهَا أَحَدًا
وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ فَلْيَتْبَعْهُ مَنْ لَمْ يَسْهُ مَعَهُ مِمَّنْ خَلْفَهُ
ــ
[الفواكه الدواني]
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوَّلًا، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ أَنَّهُمَا يَتَأَخَّرَانِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَا يُؤْمَرُ الْإِمَامُ بِالتَّقَدُّمِ أَمَامَهُمَا بَلْ يَسْتَمِرُّ وَاقِفًا وَهُمَا الْمَأْمُورَانِ بِالتَّأَخُّرِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَبِتَأْوِيلِنَا يَقُومُ فَيُصَلِّي يَشْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمُصَلِّيَ جَالِسًا.
(فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مَعَهُمَا) أَيْ مَعَ الرَّجُلَيْنِ (قَامَتْ خَلْفَهُمَا) وَلَا تَقِفُ فِي صَفِّهِمَا لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «صَلَّيْت أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا» وَالْيَتِيمُ حَمْزَةُ وَالْعَجُوزُ أُمُّ سُلَيْمٍ. (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ وَالْمَرْأَةِ بِقَرِينَةِ اسْمِ كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ إلَّا الْإِمَامُ وَالْمَرْأَةُ (رَجُلٌ) وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ الْقُرْبَةَ (صَلَّى) الرَّجُلُ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ (عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَالْمَرْأَةُ) تُصَلِّي (خَلْفَهُمَا) لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ وَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا» وَحُكْمُ جَمَاعَةِ النِّسْوَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَالرَّجُلِ حُكْمُ الْوَاحِدَةِ مَعَهُمَا، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، وَإِلَى هَذَا كُلِّهِ قَالَ خَلِيلٌ مُشَبِّهًا فِي الْمَنْدُوبِ: كَوُقُوفِ ذَكَرٍ عَنْ يَمِينِهِ وَاثْنَيْنِ خَلْفَهُ وَصَبِيٍّ عَقَلَ الْقُرْبَةَ كَالْبَالِغِ وَالنِّسَاءِ خَلْفَ الْجَمِيعِ.
(وَمَنْ صَلَّى بِزَوْجَتِهِ) الْمُرَادُ بِامْرَأَةٍ وَلَوْ أَجْنَبِيَّةً (قَامَتْ خَلْفَهُ) وَلَا تَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَوْ وَقَفَتْ بِجَنْبِهِ كَالرَّجُلِ كُرِهَ لَهَا ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ لَهَا بِالتَّأْخِيرِ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمُحَاذَاةِ إلَّا أَنْ يَحْصُلُ مَا يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ.
1 -
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ كَخَلِيلٍ حُكْمُ وُقُوفِ الْخُنْثَى، وَيَنْبَغِي أَنَّ حُكْمَهُ مَعَ الْإِمَامِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ رِجَالٍ كَالْأُنْثَى، وَأَمَّا مَعَ رِجَالٍ وَإِنَاثٍ فَيَقِفُ خَلْفَ الرِّجَالِ وَالْأُنْثَى الْمُحَقَّقَةُ خَلْفَهُ، هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَحَرَّرَهُ.
(وَالصَّبِيُّ إنْ صَلَّى مَعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ خَلْفَ الْإِمَامِ) الْمُرَادُ اقْتَدَيَا بِهِ (فَإِمَّا خَلْفَهُ) كَالْبَالِغِينَ لَكِنْ بِشَرْطِ (إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ) الْقُرْبَةَ بِحَيْثُ (لَا يَذْهَبُ وَيَدْعُ مَنْ يَقِفُ مَعَهُ) قَالَ خَلِيلٌ: وَصَبِيٌّ عَقَلَ الْقُرْبَةَ كَالْبَالِغِ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَيَتْرُكُهُ الْإِمَامُ يَقِفُ كَيْفَ شَاءَ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ وَكَذَا الْوُقُوفَ خَلْفَ الْإِمَامِ مُسْتَحَبٌّ، وَخِلَافُهُ مَكْرُوهٌ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ وَمُحَاذَاتِهِ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ.
1 -
الثَّانِي: مِمَّا يُسْتَحَبُّ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ وَاتِّصَالُهَا، وَيُكْرَهُ عَدَمُ تَسْوِيَتِهَا أَوْ تَقْطِيعُهَا، وَكَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الْأَوَّلِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْأَوَّلِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِالْمَقْصُورَةِ أَوْ الْمِنْبَرِ، وَسَوَاءٌ قَرُبَ صَاحِبُهُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ بَعُدَ عَنْهُ، وَيُسْتَحَبُّ إيقَاعُ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ قَالَ خَلِيلٌ: وَإِيقَاعُ الْفَرْضِ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ لِخَبَرِ: «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ثَلَاثًا عَلَى أَهْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَوَاحِدَةً مَنْ يَلِيهِ» وَيَحْصُلُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَنَا وَلَوْ صَلَّى فِي غَيْرِ الصَّفِّ اخْتِيَارًا، وَإِنَّمَا يَفُوتُهُ ثَوَابُ الصَّلَاةِ فِي الصَّفِّ حَيْثُ تَرَكَ الدُّخُولَ فِيهِ اخْتِيَارًا لَا لِضَرُورَةٍ فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهُ لِنِيَّةِ الدُّخُولِ فِيهِ لَوْلَا الْمَانِعُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَصَلَاةُ مُنْفَرِدٍ خَلْفَ صَفٍّ أَيْ يَحْصُلُ مَعَهَا فَضْلُ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كُرِهَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الدُّخُولِ فِي الصَّفِّ
(وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ) وَهُوَ الَّذِي نَصَّبَهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ أَوْ يُكْرَهُ أَوْ نَصَّبَهُ وَاقِفُ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ وَإِنْ كَانَ بِمَكْرُوهٍ، وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ، وَإِنْ أَمَرَ بِمَكْرُوهٍ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي بِمَفْهُومِهِ أَنَّ طَاعَةَ السُّلْطَانِ وَاجِبَةٌ فِي أَمْرِهِ بِالْمَكْرُوهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّاتِبُ مَنْصُوبًا فِي مَسْجِدٍ أَوْ سَفِينَةٍ أَوْ فِي مَكَان جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْجَمْعِ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ أَوْ بَعْضِهَا.
(إنْ صَلَّى وَحْدَهُ) فِي مَكَانِهِ الَّذِي نُصِّبَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ (قَامَ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ) فِي حُصُولِ فَضْلِهَا لَهُ وَهُوَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ أَوْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صَلَاةً زِيَادَةً عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ، فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ أَوْ سِتَّةً وَعِشْرِينَ، وَجَعَلْنَا التَّمْيِيزَ صَلَاةً؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ بِالْجُزْءِ أَوْ الدَّرَجَةِ فِي الْحَدِيثِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ كَجَمَاعَةٍ فَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ لِحُصُولِ الْفَضْلِ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَجْمَعَ فِي مَحَلِّهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ لَيْلَةَ الْمَطَرِ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَقِيلَ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي قِيَامِهِ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ صَلَاتُهُ فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ وَانْتِظَارُ النَّاسِ عَلَى الْعَادَةِ وَنِيَّةُ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ.
قَالَ سَنَدٌ: إذَا أَقَامَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ لَمْ يَنْدُبْ لَهُ طَلَبُ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ.
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ (فِي كُلِّ مَسْجِدٍ) أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ مِمَّا (لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَا (أَنْ تُجْمَعَ فِيهِ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَكْرُوهِ: وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَ
وَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَلَا يَفْعَلُ إلَّا بَعْدَ فِعْلِهِ
وَيَفْتَتِحْ بَعْدَهُ وَيَقُومُ مِنْ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ قِيَامِهِ
وَيُسَلِّمُ بَعْدَ سَلَامِهِ وَمَا
ــ
[الفواكه الدواني]
الرَّاتِبِ، وَإِنْ أَذِنَ الْإِمَامُ، لَكِنْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ خَلِيلٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَا: يُكْرَهُ جَمْعُهَا مَرَّتَيْنِ يَصْدُقُ بِصَلَاتِهَا جَمَاعَةً قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَلَامُ خَلِيلٍ يُوهِمُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْجَمْعِ بَعْدَهُ فَقَطْ اهـ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْجَمْعِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَإِنْ أَذِنَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ مَنْ أَذِنَ لِشَخْصٍ أَنْ يُؤْذِيَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَذِيَّتُهُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ الْجَمْعُ لِغَيْرِ الرَّاتِبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الشَّارِعِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ لِخَبَرِ: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ مَغْفُورٌ لَهُ، فَإِذَا عَلِمَتْ النَّاسُ عَدَمَ جَمْعِ الصَّلَاةِ فِي الْمَحَلِّ مَرَّتَيْنِ بَادَرُوا لِحُضُورِهَا مَعَ الرَّاتِبِ، وَمِنْ كَرَمِهِ تَعَالَى أَنْ جَعَلَ الْجُمُعَةَ مَجْمَعًا لِلنَّاسِ فَوْقَ الْجَمَاعَةِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ قَدْ لَا يَكُونُ فِيهَا مَغْفُورٌ لَهُ فَنَجِدُهُ فِي الْجُمُعَةِ، وَشُرِعَ الْعِيدُ لِاجْتِمَاعِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ الْمُتَقَارِبَةِ، وَشُرِعَ الْمَوْقِفُ بِعَرَفَةَ لِاجْتِمَاعِ سَائِرِ الْأَقْطَارِ فِيهِ، فَفِيهِ اعْتِنَاءٌ بِشَأْنِ الْعِيدِ، وَحَمَلْنَا الْكَرَاهَةَ فِي الْجَمْعِ عَلَى وُقُوعِهَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْجَمْعِ فِي حَالِ صَلَاةِ الرَّاتِبِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ، بَلْ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ حَرَامٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ أُقِيمَتْ بِمَسْجِدٍ عَلَى مُحَصِّلِ النَّفْلِ، وَهُوَ بِهِ خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّهَا وَلَا غَيْرَهَا، وَإِلَّا لَزِمَتْهُ كَمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَسَاجِدَ الَّتِي لَا رَاتِبَ لَهَا لَا يُكْرَهُ تَعَدُّدُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، كَمَا لَا تُكْرَهُ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ فِيهَا بَعْدَ جَمْعِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ قَبْلَ الرَّاتِبِ، وَيَخْرُجُ قَبْلَ إتْيَانِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَجُوزُ، كَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الرَّاتِبِ أَنْ يَجْمَعَ إذَا جَاءَ فَوَجَدَ غَيْرَهُ جَمَعَ فِي مَحَلِّهِ حَيْثُ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِلَّا كُرِهَ لَهُ كَمَا يُكْرَهُ جَمْعُهُ إذَا تَأَخَّرَ كَثِيرًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهُ الْجَمْعُ إنْ جَمَعَ غَيْرُهُ قَبْلَهُ إنْ لَمْ يُؤَخِّرْ كَثِيرًا.
(تَنْبِيهٌ) : نَائِبُ الرَّاتِبِ حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّاتِبِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى مَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً) بِحَيْثُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهَا سَوَاءٌ صَلَّاهَا فَذًّا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ (فَلَا يَؤُمَّ فِيهَا أَحَدًا) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِمَامِ أَنْ لَا يَكُونَ مُعِيدًا سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً، فَمَنْ صَلَّى الْعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ لَا يَؤُمَّ فِيهَا غَيْرَهُ، وَمَنْ صَلَّى خَلْفَ الْمُعِيدِ يُعِيدُ صَلَاتَهُ أَبَدًا حَيْثُ كَانَ صَلَاتُهُ فَرِيضَةً وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَأَمَّا قَوْلُ خَلِيلٍ: وَأَعَادَ مُؤْتَمٌّ بِمُعِيدٍ أَبَدًا أَفْذَاذًا فَإِنَّ قَوْلَهُ أَفْذَاذًا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ كَالْعِيدِ فَتُعَادُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَهَذَا فِي الْمَأْمُومِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ إلَّا إذَا كَانَ أَدَّاهَا أَوَّلًا مُنْفَرِدًا لِحُصُولِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَلَى تَقْدِيرِ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ الْأُولَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ.
(وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ) عَنْ شَيْءٍ يُوجِبُ السَّهْوَ عَنْهُ السُّجُودُ (وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ فَلْيَتَّبِعْهُ) فِي السُّجُودِ وُجُوبًا (مَنْ لَمْ يَسْهُ مَعَهُ مِمَّنْ خَلْفَهُ) وَأَوْلَى مَنْ حَضَرَ مَعَهُ السَّهْوَ وَإِنْ أَتَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَا يُجْمِلُهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ يَكُونُ سَهْوُ الْإِمَامِ سَهْوًا لِلْمَأْمُومِ، وَإِنْ فَعَلَهُ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ مُوجِبَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُومَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَسْبُوقًا فَأَمْرُهُ وَاضِحٌ مِنْ لُزُومِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا فَإِنْ كَانَ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً يُخَاطَبُ بِالسُّجُودِ، وَإِنْ سَجَدَ وَلَوْ مَعَ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ سَجَدَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَإِنَّهُ يَسْجُدُ الْقَبْلِيَّ وَالْبَعْدِيَّ بَعْدَ الْقَضَاءِ، فَلَوْ سَجَدَهُ مَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ كَمَا تَبْطُلُ بِسُجُودِهِ الْقَبْلِيِّ مَعَهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً.
قَالَ خَلِيلٌ: وَبِسُجُودِ الْمَسْبُوقِ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدِيًّا مُطْلَقًا أَوْ قَبْلِيًّا إنْ لَمْ يَلْحَقْ رَكْعَةً، وَإِلَّا سَجَدَ وَلَوْ تَرَكَ إمَامَهُ أَوْ لَمْ يُدْرِكْ مُوجِبَهُ وَأُخْرَى الْبَعْدِيُّ.
(تَنْبِيهٌ) : مَفْهُومُ قَوْلِهِ: فَلْيَتَّبِعْهُ أَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ تَرَكَ تَبَعِيَّةَ الْإِمَامِ فِي السُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ قَبْلِيًّا، وَتَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، وَلَا تَبْطُلُ إنْ تَرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ سَهْوًا، كَمَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ سُجُودِهِ الْبَعْدِيِّ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَرَكَ السُّجُودَ لِسَهْوِهِ لَا يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُؤْمَرُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِلَّا سَجَدَ وَلَوْ تَرَكَ إمَامُهُ أَوْ لَمْ يُدْرِكْ مُوجِبَهُ، وَأَخَّرَ الْبَعْدِيَّ فَإِنْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ الْقَبْلِيَّ مَعَهُ وَتَرَكَهُ إمَامُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ إمَامِهِ إنْ كَانَ عَنْ نَقْصِ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَطَالَ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَتُزَادُ هَذِهِ عَلَى قَاعِدَةِ كُلُّ صَلَاةٍ بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَأْمُومِ إلَّا فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَنِسْيَانِهِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ.
(وَ) مِنْ أَحْكَامِ الْمَأْمُومِينَ أَنَّهُ (لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ) مِنْهُمْ (رَأْسَهُ) مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ (قَبْلَ) رَفْعِ (الْإِمَامِ) لِحُرْمَةِ ذَلِكَ، وَيُقَاسَ عَلَيْهِ الْخَفْضُ لِمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ:«صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمَّا قَضَى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي» قَالَ ابْنُ نَاجِي: فَلَوْ رَفَعَ لِاعْتِقَادِهِ رَفْعَ الْإِمَامِ رَجَعَ إلَيْهِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ قَبْلَ رَفْعِهِ وَإِلَّا تَمَادَى، خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فِي قَوْلِهِ: لَا بُدَّ مِنْ رُجُوعِهِ لِيَقَعَ رَفْعُهُ بَعْدَ الْإِمَامِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَأَمْرُ الرَّافِعِ بِعَوْدِهِ إنْ عُلِمَ إدْرَاكُهُ قَبْلَ رَفْعِهِ كَأَنْ خَفَضَ عَلَى مَا صَوَّبَهُ ابْنُ غَازِيٍّ، فَلَوْ تَرَكَ الْعَوْدَ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ حَيْثُ أَخَذَ فَرْضَهُ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ رَفْعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَ فَرْضَهُ وَتَرَكَ الرُّجُوعَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ كَمُتَعَمِّدٍ تَرْكَ رُكْنٍ، كَانَ سَهْوًا كَانَ كَمَنْ زُوحِمَ تَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ وَيَأْتِي بِبَدَلِهَا.
(وَ)
سِوَى ذَلِكَ فَوَاسِعٌ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَهُ، وَبَعْدَهُ أَحْسَنُ
وَكُلُّ سَهْوٍ سَهَاهُ الْمَأْمُومُ فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهُ عَنْهُ إلَّا رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً أَوْ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ أَنْ (لَا يَفْعَلَ) وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا (إلَّا بَعْدَ فِعْلِهِ) أَيْ الْإِمَامِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا ثُمَّ نَقَعَ سُجُودًا بَعْدَهُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عُمُومُ التَّأَخُّرِ عَنْ الْإِمَامِ حَتَّى فِي الرُّكُوعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه، وَقِيلَ: يَشْرَعُ مَعَهُ فِي الرُّكُوعِ وَهُوَ لِمَالِكٍ أَيْضًا، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَأَمَّا فِيهِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى طَلَبِ التَّأَخُّرِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الْإِمَامُ قَائِمًا، فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ وَلَا يَفْعَلُ إلَّا بَعْدَ فِعْلِهِ تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ، فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْأَوَّلَ نَهَى فِيهِ عَنْ السَّبَقِ، وَقَوْلُهُ هُنَا: وَلَا يَفْعَلُ إلَّا بَعْدَ فِعْلِهِ نَهَى فِيهِ عَنْ الْمُصَاحَبَةِ الَّتِي كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ جَوَازُهَا.
(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَبْقُ الْإِمَامِ وَلَا مُصَاحَبَتُهُ فِي فِعْلِ رُكْنٍ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَحُكْمُ السَّبْقِ الْحُرْمَةُ وَالْمُصَاحَبَةِ الْكَرَاهَةُ، وَأَمَّا التَّأَخُّرُ عَنْهُ حَتَّى يَنْتَقِلَ إلَى رُكْنٍ آخَرَ فَحَرَامٌ، وَعُلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْإِمَامِ فِي السَّبْقِ فِي الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ،
وَأَمَّا هُمَا فَأَشَارَ إلَى الْإِحْرَامِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجِبُ عَلَى مُرِيدِ الِاقْتِدَاءِ أَنْ (يَفْتَتِحَ) أَيْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَهَذَا خَبْرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ الْإِمَامِ، فَإِنْ افْتَتَحَ الْمَأْمُومُ الْإِحْرَامَ قَبْلَ إمَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ خَتَمَهُ بَعْدَهُ، وَكَذَا إنْ صَاحَبَهُ فِي افْتِتَاحِهِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ خَتْمُهُ، وَأَمَّا إنْ افْتَتَحَ الْإِمَامُ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمَأْمُومِ وَلَوْ بِحَرْفٍ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ فِي خَتْمِهِ، وَكَذَا إنْ صَاحَبَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَتَبْطُلُ إنْ خَتَمَهُ قَبْلَهُ، فَالصُّوَرُ تِسْعٌ، تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فِي سَبْعٍ وَتَصِحُّ فِي صُورَتَيْنِ، وَلَا فَرْقَ فِي صُورَةِ الْبُطْلَانِ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَوْ سَهْوًا. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: إذَا عَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّ إحْرَامَهُ سَابِقٌ عَلَى إحْرَامِ إمَامِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَهُ فَقَالَ مَالِكٌ: يُكَبِّرُ وَلَا يُسَلِّمُ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِمُخَالَفَتِهِ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ التَّأْخِيرِ عَنْ الْإِمَامِ، خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فِي قَوْلِهِ يُسَلِّمُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ شَكَّ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، فَهَذَا إنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ يَقْطَعُ بِسَلَامٍ، وَإِلَّا كَبَّرَ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى سَلَامٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ.
(وَ) يُطْلَبُ مِنْ الْمَأْمُومِ أَنْ (يَقُومَ مِنْ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ قِيَامِهِ) أَيْ الْإِمَامِ، وَهَذَا أَيْضًا خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقُومَ مِنْ اثْنَتَيْنِ إلَّا بَعْدَ اسْتِقْلَالِ إمَامِهِ وَيَحْرُمُ سَبْقُهُ وَتُكْرَهُ مُصَاحَبَتُهُ كَمَا قَدَّمْنَا
، وَأَشَارَ إلَى حُكْمِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ:(وَ) يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ لَا (يُسَلِّمَ) إلَّا (بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ الْإِمَامِ.
قَالَ خَلِيلٌ: فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَمُتَابَعَةٌ فِي إحْرَامٍ وَسَلَامٍ، فَإِنْ شَرَعَ فِي السَّلَامِ قَبْلَ إمَامِهِ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ، وَمِثْلُ السَّبْقِ الْمُصَاحَبَةُ فِي ابْتِدَائِهِ تَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ خَتْمُهُ عَنْ الْإِمَامِ، أَمَّا لَوْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ فِي ابْتِدَائِهِ وَلَوْ بِحَرْفٍ فَهَذَا إنَّمَا يُبْطِلُ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ إنْ خَتَمَ قَبْلَ الْإِمَامِ لَا إنْ تَأَخَّرَ عَنْ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ صَاحَبَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَالصُّوَرُ تِسْعٌ كَصُوَرِ الْإِحْرَامِ تَبْطُلُ فِي سَبْعٍ وَتَصِحُّ فِي صُورَتَيْنِ، وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ فِي سَبْعٍ: السَّلَامُ إنْ وَقَعَ السَّلَامُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ مَعَهُ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ أَوْ الْجَهْلِ، وَأَمَّا لَوْ سَبَقَهُ سَهْوُ الْأَمْرِ بِالسَّلَامِ بَعْدَ الْإِمَامِ، لَمْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِمُبْطِلٍ بَعْدَ سَلَامِهِ.
(وَمَا سِوَى ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الِافْتِتَاحِ بِالْإِحْرَامِ وَالْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَالتَّأَخُّرِ بِالسَّلَامِ (فَوَاسِعٌ) أَيْ لَا حَرَجَ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي (أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ (وَ) لَكِنَّ فِعْلَهُ (بَعْدَهُ أَحْسَنُ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ.
(تَنْبِيهٌ) : كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْمُسَاوَاةِ فِي نَحْوِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ كَلَامُ خَلِيلٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ كَرَاهَةُ الْمُسَاوَاةِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ وَفِيهِمَا مُبْطِلَةٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِوَاسِعٍ عَدَمِ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَبَعْدَهُ أَحْسَنُ بِمَعْنَى مُسْتَحَبٍّ فَأَفْعَلُ. لَيْسَ عَلَى بَابِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْمَأْمُومِ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْإِمَامِ فِي كُلِّ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَيَحْرُمُ سَبْقُهُ فِي جَمِيعِهَا، وَكَذَا مُصَاحَبَتُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِمَا، وَأَمَّا السَّبْقُ فِي غَيْرِهِمَا عَمْدًا فَحَرَامٌ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَأَمَّا الْمُسَاوَاةُ فَمَكْرُوهَةٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَمُتَابَعَةٌ فِي إحْرَامٍ وَسَلَامٍ، فَالْمُسَاوَاةُ، وَإِنْ شَكَّ فِي الْمَأْمُومِيَّةِ مُبْطَلَةٌ لَا الْمُسَاوَاةُ كَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ سَبْقَهُ مَمْنُوعٌ وَإِلَّا كُرِهَ.
(وَكُلُّ سَهْوٍ سَهَاهُ الْمَأْمُومُ) فِيمَا يَحْمِلُهُ عَنْهُ إمَامُهُ فِي حَالِ اقْتِدَائِهِ (فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهُ عَنْهُ) كَالتَّكْبِيرِ وَلَفْظِ التَّشَهُّدِ وَزِيَادَةِ سَجْدَةٍ أَوْ رُكُوعٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا سَهْوَ عَلَى مُؤْتَمٍّ حَالَةَ الْقُدْوَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا سَهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ عَنْ شَيْءٍ فَلَا يَحْمِلُهُ عَنْهُ بَلْ يَسْجُدُ لَهُ، وَلَا مَفْهُومَ لِلسَّهْوِ فِي كَلَامِهِ كَخَلِيلٍ بَلْ يُحْمَلُ عَنْهُ بَعْضُ عَمْدٍ كَتَرْكِ التَّكْبِيرِ أَوْ لَفْظِ التَّشَهُّدِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا